منهاج السنة للرد على الشيعة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الأحد مايو 19, 2024 7:45 pm
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 نهج البلاغة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
منهاج السنة
لا اله الا الله محمد رسول الله
لا اله الا الله محمد رسول الله
منهاج السنة


نهج البلاغة Vitiligo-ae30eb86b8نهج البلاغة Iraqiaabc6667cb59
عدد المساهمات : 897
تاريخ التسجيل : 27/10/2012

نهج البلاغة Empty
مُساهمةموضوع: نهج البلاغة   نهج البلاغة Icon_minitimeالإثنين أكتوبر 29, 2012 3:34 pm

نهج البلاغة
وهو مجموعة خطب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام
وأوامره وكتبه ورسائله وحكمه ومواعظه


تأليف: الشريف الرضي
أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد
بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام

تحقيق: الشيخ فارس الحسّون

نهج البلاغة 498


http://www.4shared.com/zip/iN4EPFrs/__online.html


عدل سابقا من قبل منهاج السنة في الإثنين أكتوبر 29, 2012 3:42 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://minhaj.ahlamontada.com
منهاج السنة
لا اله الا الله محمد رسول الله
لا اله الا الله محمد رسول الله
منهاج السنة


نهج البلاغة Vitiligo-ae30eb86b8نهج البلاغة Iraqiaabc6667cb59
عدد المساهمات : 897
تاريخ التسجيل : 27/10/2012

نهج البلاغة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نهج البلاغة   نهج البلاغة Icon_minitimeالإثنين أكتوبر 29, 2012 3:37 pm

مقدمة التحقيق
الحمد لله حمداً حمده به الأنبياء والأولياء والعباد الصالحون والصلاة
والتسليم على أنبياء الله و رسله أجمعين، بالأخص خاتمهم وأفضلهم محمد
المصطفى وأهل بيته الذين طهرهم و أذهب عنهم الرجس و جعلهم القدوة للناس إلى
يوم الدين.

في طريق تحقيق نهج البلاغة
إن كتاباً ككتاب نهج البلاغة، الذي جمع بين دفتيه من خطب و مواعظ و حكم و
رسائل لسيد الفصحاء والبلغاء الذي تربى منذ نعومة أظافره في حجر الرسالة
وغذي بلبان النبوة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه الذي
اتبع الرسول صلى الله عليه و آله اتباع الفصيل اثر أمه و كان منه كالصنو من
الصنووالذراع من العضد.
لمن المؤسف عليه أن يقع تصحيحة وضبط نصه و شرح ألفاظه بأيد غير أمينة على
تراثنا الخالد العريق، أمثال محمد عبده و محيي الدين الخياط و صبحي الصالح
!!! الذين جعلوا كل اهتمامهم في تحقيقه جهة البلاغة والفصاحة فيه، غاضين
طرفهم عما فيه من مسائل مهمة، بالأخص تلك المباني التي تختلف مع مذهبهم
اختلافا جوهرياً، فحاولوا وبشتى الطرق تحريفها و تغييرها عن معناها لتتلائم
و ما يعتقدونه و يذهبون إليه !!.
و من هذا المنطلق كانت تدور في خلدي فكرة تحقيق نهج البلاغة تحقيقاً يتناسب مع شأنه، ولكن



الصفحة 6
خطورة الخوض في أعماقه كانت تردّدني كثيراً في الشروع به، إلى أن رفع
تردّدي بعض أصحاب الخبرة ومن عليه المعول في هذا المجال و شجعني و بعث
اطمئناناً في قلبي، فعزمت على تحقيقه واضعاً خطة بدائية لهذا العمل تتكوّن
من:(1) مقابلة الكتاب على أهم نسخه المعتبرة التي تمتاز بالقدم والقراءة والبلاغ، و كذا مقابلته على أقدم شروحه المعتبرة.
(2) تثبيت أهم الاختلافات بين النسخ في الهامش
(3) ذكر أسانيد ماورد في نهج البلاغة من خطب وحكم ورسائل متصلة إلى أمير
المؤمنين عليه السلام، مع ذكر المصادر المتقدمة على زمن الشريف الرضي.
(4) عرض ما جاء في متن الكتاب من خطب ورسائل وحكم وكلمات قصار على المصادر القديمة والإشارة إلى ما وقع من اختلافات بينها.
(5) ذكر مصادر الروايات الواردة في الكتاب عن رسول الله صلى الله عليه و آله وبالاعتماد على أهم الكتب عند الفريقين.
(6) الأبيات الشرعية التي استشهد بها أمير المؤمنين صلوات الله عليه، تشرح و تذكر أقدم مصادرها.
(7) الأمثال والحكم التي استشهد بها أمير المؤمنين عليه السلام في كلامه، تشرح و يذكر قائلها.
(Cool أسماء البلدان، تشرح بالاعتماد على أقدم المصادر.
(9) أسماء الحيوان والنبات، تشرح بصورة مختصرة.
(10) وضع ترجمة للأعلام المذكورين في نهج البلاغة.
(11) شرح الكلمات اللغوية الصعبة الفهم على عامة الناس، بالاعتماد على كتب اللغة و شروح نهج البلاغة القديمة.
(12) رد الشبهات الواردة حول نهج البلاغة، كل في محله في أثناء الخطب والرسائل والحكم.
(13) التعريف ببعض المبهمات والاشارات في نهج البلاغة، كذكر الاسماء التي
أشار اليها عليه السلام في كلامه أوالبلدان والوقائع، أوماذكره بالكنية، كل
ذلك وبالاعتماد على شروح نهج البلاغة المعتبرة والمصادر الاُمّ في التاريخ
والحديث والرجال و...
(14) ومسائل أخرى كثيرة تستجد أثناء العمل.
وفي أثناء وضعي خطة العمل وفي بدايات الدخول في هذا المشروع الجبار، حصل لي
لقاء مع سماحة الشيخ محمد النقدي حفظه الله، وأطلعني على عزمه لتجديد طبع
نهج البلاغة بصف حروفه وإخراجه بحله قشيبة من الناحية الفنية، ذلك
وبالاعتماد على طبعة صبحي الصالح.



الصفحة 7
فأخبرته بما في هذه الطبعة من تحريفات وأخطاء كثيرة !فطلب مني تصحيح الكتاب وضبط نصه و رفع ما وقع فيه من تحريف، من دون إطالة أوتعليق.
فانتهزت الفرصة لكي أقدم عملي هذا بصورة بدائية، وذلك بمقابلته على أقدم نسختين وضبط نصه من دون الاشارة إلى الاختلافات.
وكلي أمل من العلماء وأصحاب النظر في أن يمدوني بنظراتهم العلمية، لتطوير
العمل، ورفع جميع الاشكالات عنه، وإخراجه بصورة يكون مفخرة لمذهبنا و
تراثنا الغني الخالد.

صبحي الصالح وعمله في نهج البلاغة
لم يبتكر صبحي الصالح في تحقيقه لنهج البلاغة شيئاً يذكر و يقدر، سوى ما
صنعه من فهارس فنية للكتاب لم يسبقه بها أحد، وفي الفهرس الأول منها الذي
خصصه للألفاظ المشروحة، يندهش القارئ عند مطابقتها مع ما شرحه محمد عبده،
فيرى أكثرها أن لم نقل كلها منقولة نصا من شرح محمد عبده، نعم محمد عبده
شرح كل عدة كلمات في هامش واحد و صبحي الصالح أفرد لكل كلمة هامشاً على حدة
!! ونوّه صبحي الصالح في مقدمته إلى هذا المطلب، واعتذر عن هذا بأن محمد
عبده عوّل في شرحه على شرح ابن أبي الحديد وأخذه منه حرفياً، و هو أيضاً
عوّل على شرح ابن أبي الحديد وأخذه منه حرفياً!!.
وأما تقويم نص الكتاب فتشاهد صبحي الصالح في مقدمته ينقد محمد عبده بعدم
اعتماده على مخطوطات نهج البلاغة في التصحيح، و أنه اكتفى بنسخة واحدة، ولم
يجشم نفسه عناء البحث عن النسخ المختلفة و مقابلة بعضها ببعض ضبطاً للنص و
تصحيحاً للأصل واختياراً للأدق الأكمل وانسجاماً مع أمانة العلم و منهجية
التحقيق.
وبعد كلام صبحي الصالح هذا نوجّه له سؤالاً و نستفهم منه عن النسخ التي اعتمدها و جشم نفسه عناء البحث عنها و....؟!!
فلم يذكر لنا وصف نسخة اعتمدها في تحقيقه، واعتمد في ضبط النص على ما ضبطه
محمد عبده، حتى أنه تابعه في الأقواس والتنصيص وتقطيع النص، وفي بعض
الموارد التي خالف فيها محمد عبده، كان الحق مع محمد عبده، نعم يحتمل أن
يكون قد قابل الكتاب مع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد الذي حققه محمد
أبوالفضل إبراهيم.
ولو كان صبحي الصالح اعتمد في تحقيقه على مخطوطات لنهج البلاغة، لما وقع في اشتباهات كثيرة ستأتي الإشارة إليها.



الصفحة 8
وأما ما كتبه صبحي الصالح في مقدمته لنهج البلاغة والتي عنونها «لمحة خاطفة
عن سيرة الامام علي عليه السلام» فتراه يراوغ فيها بين مدح و ذم دفين يجعل
القارئ مصدقا بما يقوله و يحرف ذهنه عن الواقع من دون أن يشعر به.فمثلا تراه يمدح أمير المؤمنين عليه السلام بأنه كان: ثاقب الفكر، راجح العقل، بصيراً بمرامي الأمور، له سياسة وحكمة وقيادة رشيدة.
ولكن سرعان ما تراه يعقب على كلامه هذا ويهدم كل ما بناه و يلقي بسمّه،
وذلك عندما يقول: لكن مثله العليا تحكمت في حياته، فحالت دون تقبله للواقع
!! ورضاه بأنصاف الحلول !! بينما تجسدت تلك الواقعية في خلفه معاوية !!
وكانت قبل متجسدة على سمو ونبل في الخليفة العظيم عمر بن الخطاب !!

الفوارق بين هذه الطبعة وطبعة صبحي الصالح
تبلغ الفوارق بين هذه الطبعة وطبعة صبحي صالح المئات، فتجد في كل صفحة
فوارق كثيرة، بل في كل سطر، وهذا ما يدل على أن صبحي الصالح لم يعتمد على
أي أصل أو مخطوط، بل حاول في بعض الموارد تحريف النص عن معناه الأصلي، ولو
أردنا استقصاء جميع الفوارق وبحثها لطال بنا المقام، فنقتصر هنا على
الاشارة إلى بعض الفوارق ونترك الاستقصاء بمطابقة هذه الطبعة مع طبعة صبحي
الصالح إلى القارئ الكريم:

صبحي الصالح
المخطوط



رقم (180) من الحكم: واعجباه أتكون الخلافة بالصحابة والقرابة ؟
واعجباه أتكون الخلافة بالصحابة ولاتكون بالصحابة والقرابة ؟!
رقم (243) من الحكم: والأمانة نظاماً للأمة.
والإمامة نظاماً للأمة
رقم (319) من الحكم: فما جاع فقير إلا بما متع به غني
فما جاع فقير إلا بما منع به غني
رقم (233) من الخطب: روى ذعلب اليمامي
روى اليماني


الصفحة 9
رقم (72) من الحكم: ضرار بن ضمرة الضبائي
ضرار بن ضمرة الضبابي
رقم (52) من الحكم: قال الرضي وقد روي هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم
لم ترد هذه العبارة في المخطوط.
رقم (23) من الكتب: أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين وخلاكم ذم.
أقيموا هذين العمودين و خلاكم ذم.
رقم (378) من الحكم: ألا وإن من صحة البدن تقوى القلب.
ألا وإن من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب
رقم (1) من الخطب: والبلة والجمود واستأدى الله
والبلة والجمود والمساءة والسرور واستأدى الله
رقم (1) من الخطب: إلا إبليس اعترته الحمية وغلبت عليه الشقوة وتعزز بخلقة النار واستوهن خلق الصلصال
إلا ابليس وقبيله اعترتهم الحمية وغلبت عليهم الشقوة وتعززوا بخلقه النار واستوهنوا خلق الصلصال
رقم (52) من الخطب: ومن خطبة له عليه السلام وهي في التزهيد في الدنيا وثواب الله للزاهد و نعم الله على الخلق
ومن خطبة له عليه السلام قد تقدم مختارها برواية ونذكرها هاهنا برواية أخرى لتغاير الروايتين
رقم (126) من الخطب: و من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء
ومن كلام له عليه السلام لما عوتب على تصييره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل إلى السابقات والشرف قال:


الصفحة 10
رقم (31) من الكتب: المستسلم للدنيا
المستسلم للدهر الذام للدنيا
رقم (3) من الخطب، آخر الخطبة، في شرح الشريف الرضي:
وردت عبارة لم ترد في المطبوع وهي: وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و آله خطب الناس وهو على ناقة قد شنق لها وهي تقصع بجرتها.و من الشاهد على أن أشنق بمعنى شنق قول عدي بن زيد العبادي:
ساءها ما بنا تبين في الأيدي
وأشناقها إلى الأعناق
رقم (161) من الخطب: لا يتفاخرون ولايتناسلون
لا يتفاخرون ولايتناصرون ولايتناسلون
رقم (90) من الخطب: أولي أجنحة تسبح
أولى أجنحة مثنى وثلاث تسبح
رقم (3) من الخطب: وإنه لِيَعْلَم
وإنه لَيَعْلَم
رقم (64) من الخطب: وكل ظاهرٍ غير باطن
وكل ظاهر غيره غير باطن
رقم (3) من الخطب: وقسط آخرون
وفسق آخرون
آخر الكتاب
كلام الشريف الرضي في ختمه للكتاب لم يرد بأكمله في طبعة صبحي الصالح


الصفحة 11
عملنا في هذاالكتاب
تمركز عملنا في هذالكتاب على ضبط وتقويم النّص وعرضه بصورة خالية من الأخطاء والتحريف وبقدر الإمكان.
فعرضنا الكتاب وقابلناه على أقدم مخطوطتين لنهج البلاغة:
(1) المخطوطة المحفوظة في المكتبة العامة لآية الله المرعشي في قم المقدسة،
رقم (3827)، بخط النسخ، واضح مشكول، مضبوط متقن، كتب هذه المخطوطة الحسين
بن الحسن بن الحسين المؤدّب، أتمّ الكتابة في شهر ذي القعدة سنة (499 هـ)
أو (469 هـ)، وكاتب هذه النسخة من علماء الشيعة المقاربين لعصر الرضي
والمرتضى، وقد أجازه تلميذه الشيخ محمد بن علي بن أحمد بن بندار رواية نهج
البلاغة، كتبها في آخر الجزء الأول منه.
وفي هوامش هذه النسخة قيود مختصرة أكثرها لغوية يحتمل أن تكون من الناسخ ابن المؤدب.
والأوراق الثمانية الأولى والورقة الرابعة والعشرين، ليست من أصل النسخة، بل كتبت متأخراً بعد القرن العاشر.
ولم يرد في هذه النسخة في باب حكم أمير المؤمنين عليه السلام من الرقم 138 إلى الرقم 376، ومن الرقم 453 إلى آخر الكتاب.
(2) المخطوطة المحفوظة في مكتبة نصيري في طهران، كتبها فضل الله بن المطهر
الحسيني في الرابع من رجب سنة 494 هـ، وهذه النسخة ناقصة من أولها إلى آخر
الخطبة رقم (31)، فقابلنا مقدار النقص على نسخة أخرى في مكتبة النصيري،
قديمة نفيسة بدون تاريخ.
وفي هذه النسخة سقط من الخطبة رقم (235) إلى آخر الخطب، ووردت الخطب رقم (185) إلى (192) بعد الخطبة رقم (234).
ووردت الخطب رقم (311) إلى (332) بخط يختلف عن خط أصل النسخة، ولعلّه يرجع إلى القرن العاشر.
فاعتمدنا في ضبط النّص على المخطوطتين، وأثبتنا ما كان متحداً بينهما في
المتن، وفي موارد الاختلاف أثبتنا الأصح والأرجح في المتن من دون الإشارة
إلي الاختلاف إلّا في موارد نادرة جدّاً، وفي موارد السقط من إحدى النسخ
استعنا بطبعة محمد عبده، وفي الموارد التي لم ترد في المخطوطتين ووردت في
طبعة صبحي الصالح ومحمد عبده و غيرهما، وارتأينا اثباتها، فوضعناها بين
معقوفين، فكل ما تجده بين معقوفين فهو ممالم يرد في المخطوطتين، أوإضافة
عناوين.
وأما شرح الكلمات التي أوردها صبحي الصالح في آخر الكتاب في فهارس الكتاب، جعلناها في



الصفحة 12
هامش كل صفحة تسهيلاً للقارئ.وهذه الشروح رتّبتها وصحّحتها حسب المتن، بالأخص إذااختلفت الكلمة المشروحة
في المتن، وأضفت بعض الشروح القليلة حسب ما تقتضيه الحاجة، وحذفت شروحاً
أخر.
وذكرت بعض التعليقات على موارد قليلة وحتمتها بكلمة (المصحح).
وفي باب حكم أمير المؤمنين عليه السلام وردت بعضها التي كانت تحمل عدّة
أرقام في حكمة واحدة، فوضعت لها رقماً واحداً ووحّدتها، وفقاً للنسختين.
وفي باب الخطب ورد في المخطوطتين في موارد كثيرة بدلاً من «ومن خطبة له» «ومن كلام له» وبالعكس، فرتبناه حسب المخطوط.
وفي أماكن متعددة من شرح الشريف الرضي للنص لم ترد مقاطع منه في المخطوطتين، ووردت في المطبوع، فحذفناها وفقاً للأصل المخطوط.
فتمركز عملنا على تقويم نصّ الكتاب وتقطيعه بما يوافق المناهج الجديدة،
وملاحطة إعراب الكلمات وتصحيحها، وملاحظة الشروح، وترتيب الفهارس على أرقام
صفحات هذه الطبعة.

فارس الحسّون



الصفحة 13
نهج البلاغة Khatti-1صورة الصفحة الأولى من النسخة المعتمدة
في المكتبة العامة لآية الله المرعشي



الصفحة 14
نهج البلاغة Khatti-2صورة ما ورد في آخر الجزء الأول من النسخة المعتمدة
في المكتبة العامة لآية الله المرعشي



الصفحة 15
نهج البلاغة Khatti-3صورة الصفحة الأخيرة من النسخة المعتمدة
في المكتبة العامة لآية الله المرعشي



الصفحة 16
نهج البلاغة Khatti-4صورة الصفحة الأخيرة من النسخة المعتمدة
في مكتبة فخر الدين النصيري



الصفحة 17

[مقدمة السيد الشريف الرضي]

بسم الله الرحمن الرحيمأما بعد حمد الله الذي جعل الحمد ثمناً لنعمائه، ومَعاذاً(1) من بلائه، ووسيلاً(2) إلى جِنانه، وسبباً لزيادة إحسانه.
والصلاة على رسوله نبيّ الرحمة، وإمام الائمة، وسراج الامة، المنتخب من طينة الكرم، وسلالة المجد(3) الاقدم، ومَغرِس الفخار المُعْرِق(4)، وفرع

____________

1. المعاذ: الملجأ.
2. وسيلاً ـ جمع وسيلة ـ: وهي ما يتقرب به.
3. طينة الكرم: أصله; وسلالة المجد: فرعه.
4. الفخار المعرق: الطيب العرق والمنبت.



الصفحة 18
العَلاء المثمر المورق.وعلى أهل بيته مصابيح الظُّلم، وعِصَم(1) الامم، ومنار(2) الدين الواضحة،
ومثاقيل(3) الفضل الراجحة صلّى الله عليهم أجمعين، صلاة تكون إزاءً لفضلهم(4)، ومكافأة لعملهم، وكفاء لطيب فرعهم وأصلهم، ما أنار فجر ساطع، وخوى نجم(5) طالع.
فإنّي كنتُ في عنفوان شبابي(6)، وغضاضة الغصن(7)، ابتدأتُ بتأليف كتاب في

____________

1. العصم ـ جمع عصمة ـ: وهو ما يعتصم به.
2. المنار: الاعلام، واحدها منارة.
3. المثاقيل ـ جمع مثقال ـ: وهو مقدار وزن الشيء، فمثاقيل الفضل زناته، والمراد أن الفضل يعرف بهم مقداره.
4. إزاء لفضلهم: أي مقابلة له.
5. خوى النجم ـ بالتخفيف ـ: سقط، ـ وبالتشديد ـ: إذا مال للمغيب، وخوت النجوم: أمحلت فلم تمطر، كأخوت وخوّت بالتشديد.
6. عنفوان الشباب: أوله.
7. غضاضة الغصن: طراوته ولينه.



الصفحة 19
خصائص الائمة(عليهم السلام): يشتمل على محاسن أخبارهم، وجواهر كلامهم، حداني عليه(1) غرض ذكرته في صدر الكتاب، وجعلته أمام الكلام.وفرغت من الخصائص التي تخصّ أميرالمؤمنين علياً(عليه السلام)، وعاقت عن إتمام بقية الكتاب محاجزات الايام، ومماطلات الزمان(2).
وكنتُ قد بوّبتُ ما خرج من ذلك أبواباً، وفصّلته فصولاً، فجاء في آخرها فصل
يتضمّن محاسن ما نقل عنه(عليه السلام) من الكلام القصير في المواعظ
والحِكم والامثال والاداب، دون الخطب الطويلة، والكتب المبسوطة.
فاستحسن جماعة من الاصدقاء ما اشتمل عليه الفصل المقدّم ذكره، معجَبين ببدائعه، ومتعجّبين من نواصعه(3).
وسألوني عند ذلك أن أبتدىء بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا
أميرالمؤمنين(عليه السلام)في جميع فنونه، ومتشعّبات غصونه: من خطب، وكتب،
ومواعظ وأدب.
علماً أنّ ذلك يتضمّن من عجائب البلاغة، وغرائب الفصاحة، وجواهر العربية، وثواقب(4) الكلم الدينية والدنياوية، ما لا يوجد مجتمعاً في كلام، ولا مجموعَ الاطراف في
____________

1. حداني عليه: بعثني وحملني، وهو مأخوذ من حداء الابل.
2. محاجزات الايام: ممانعاتها، ومماطلات الزمان: مدافعاته.
3. البدائع ـ جمع بديعة ـ: وهي الفعل على غير مثال، ثم صار يستعمل في الفعل
الحسن وإن سبق إليه مبالغة في حسنه; والنواصع ـ جمع ناصعة ـ: الخالصة،
وناصع كل شيء خالصه.
4. الثواقب: المضيئة، ومنه الشهاب الثاقب، ومن الكلم ما يضيء لسامعها طريق الوصول إلى ما دلت عليه فيهتدي بها إليه.



الصفحة 20
كتاب; إذ كان أميرالمؤمنين(عليه السلام)مشرَعَ(1) الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه(عليه السلام)ظهر مكنونها، وعنه أخذت قوانينُها، وعلى أمثلته حذاكلّ قائل(2) خطيب، وبكلامه استعان كلّ واعظ بليغ.ومع ذلك فقد سبق وقصروا، وتقدم وتأخروا، لانّ كلامه(عليه السلام)الكلامُ الذي عليه مَسْحة(3) من العلم الالهي، وفيه عَبْقَة(4) من الكلام النبوي.
فأجبتهم إلى الابتداء بذلك، عالماً بما فيه من عظيم النفع، ومنشور الذكر، ومذخور الاجر.
واعتمدتُ(5) به أن أبيّن عن عظيم قدر أميرالمؤمنين(عليه السلام) في هذه الفضيلة، مضافة إلى المحاسن الدّثِرَة(6)، والفضائل الجمّة.
وأنه(عليه السلام) انفرد ببلوغ غايتها عن جميع السلف الاولين الذين إنّما يؤثر(7) عنهم منها القليل

____________

1. المشرع: تذكير المشرعة، وهو المورد.
2. حذاكل قائل: اقتفى واتبع.
3. عليه مسحة: أثر أوعلامة، وكأنه يريد «بهاء منه وضياء».
4. العبقة: الرائحة اللاصقة بالشيء والمنتشرة عنه.
5. اعتمدت: قصدت.
6. الدَثِرة ـ بفتح فكسر ـ: الكثيرة، وكذلك الجمة.
7. يؤثر: أي ينقل عنهم ويحكي.



الصفحة 21
النادر، والشاذّ الشارد(1).فأما كلامه(عليه السلام) فهو البحر الذي لا يُساجَل(2)، والجمّ الذي لا يحافَل(3).
وأردتُ أن يسوغ لي التمثّل في الافتخار به(عليه السلام) بقول الفرزدق:

أولئك أبائي فجئني بمثلهم * إذا جمعَتْنا يا جرير المجامعُورأيتُ كلامه(عليه السلام) يدور على أقطاب(4) ثلاثة:
أولها: الخطب والاوامر.
وثانيها: الكتب والرسائل.
وثالثها: الحكم والمواعظ.
فأجمعتُ(5) بتوفيق الله جلّ جلاله على الابتداء
باختيار محاسن الخطب، ثم محاسن الكتب، ثم محاسن الحِكَم والادب، مفرداً
لكلّ صنف من ذلك باباً، ومفضلاً فيه أوراقاً، لتكون مقدمة لا ستدراك ما
عساه يشذّ عنّي عاجلاً، ويقع إليّ آجلاً.
وإذا جاء شيء من كلامه(عليه السلام) الخارج في أثناء حوار، أوجواب سؤال،
أوغرض آخر من الاغراض ـ في غير الانحاء التي ذكرتها، وقررت القاعدة عليها ـ
نسبته إلى أليق الابواب به،

____________

1. الشاذ الشارد: المنفرد الذي ليس له أمثال.
2. لا يُساجَل: لا يغالب في الامتلاء وكثرة الماء.
3. لا يحُافَل: لا يغالب في الكثرة، من قولهم: ضرع حافل: ممتلىء كثير اللبن، والمراد أن كلامه لا يقابل بكلام غيره لكثرة فضائله.
4. أقطاب: أصول.
5. أجمع عليه: عزم.



الصفحة 22
وأشدّها ملامحة(1) لغرضه.وربما جاء فيما أختارُهُ من ذلك فصول غير مُتّسِقة(2)، ومحاسن كَلِم غير منتظمة; لاني أورد النكت واللّمَع(3)، ولا أقصد التتالي والنسَق(4).
ومن عجائبه(عليه السلام) التي انفرد بها، وأمِنَ المشاركةَ فيها، أنّ
كلامه(عليه السلام)الوارد في الزهد والمواعظ، والتذكير والزواجر، إذا تأمله
المتأمل، وفكر فيه المتفكر، وخلع من قلبه أنه كلام مثله ممن عظم قدره،
ونفذ أمره، وأحاط بالرقاب ملكه، لم يعترضه الشك في أنه من كلام من لا حظّ
له في غير الزهادة، ولا شغل له بغير العبادة، قد قبع(5) في كسر بيت(6)، أوانقطع إلى سفح جبل(7)، لا يسمع إلاّ حسّه، ولا يرى إلاّ نفسه، ولا يكاد يوقن بأنه كلامُ من ينغمس في الحرب مصْلِتاً سيفه(Cool، فيقُطّ الرقاب(9)، ويُجَدِّل الابطال(10)، ويعود به ينْطُفُ(11) دَماً،

____________

1. الملامحة: الابصار والنظر، والمراد هنا المناسبة والمشابهة.
2. المتسق: المنتظم يتلو بعضه بعضاً.
3. النكت: الاثار التي يتميز بها الشيء، واللمع: الاثار المميزة للاشياء بإضاءتها وبريقها.
4. النسق: التتابع والتتالي.
5. قبع القنفذ ـ كمنع ـ: أدخل رأسه في جلده، والرجل أدخل رأسه في قميصه، أراد منه: انزوى.
6. كسر البيت: جانب الخباء.
7. سفح الجبل: أسفله وجوانبه.
8. أصلت سيفه: جرده من غمده.
9. يقطّ الرقاب: يقطعها عرضاً، فان كان القطّ طولاً قيل: يقد.
10. يجدل الابطال: يلقيهم على الجدالة ـ كسحابة ـ وهي وجه الارض.
11. ينطف ـ من نطف كنصر وضرب ـ نطفاً وتنطافاً: سال.



الصفحة 23
ويقطر مُهَجاً(1)، وهو مع تلك الحال زاهد الزهّاد، وبدَلُ الابدال(2).وهذه من فضائله العجيبة، وخصائصه اللطيفة، التي جمع بها بين الاضداد، وألف بين الاشتات(3)، وكثيراً ما أُذاكر الاخوان بها، وأستخرج عجبهم منها، وهي موضع للعبرة بها، والفكرة فيها.
وربما جاء في أثناء هذا الاختيار اللفظُ المردد، والمعنى المكرر، والعذر في
ذلك أنّ روايات كلامه(عليه السلام)تختلف اختلافاً شديداً: فربما اتفق
الكلام المختار في رواية فنُقِلَ على وجهه، ثم وُجد بعد ذلك في رواية أخرى
موضوعاً غير موضعه الاول: إما بزيادة مختارة، أولفظ أحسن عبارة، فتقتضي
الحال أن يعاد، استظهاراً للاختيار، وغَيْرةً على عقائل الكلام(4).
وربما بَعُدَ العهدُ أيضاً بما اختير أولاً فأُعيدَ بعضُه سهواً أونسياناً، لا قصداً واعتماداً.
ولا أدعي ـ مع ذلك ـ أنّي أحيط بأقطار جميع كلامه(5)(عليه السلام) حتّى لا يشذّ عنّي منه شاذّ،

____________

1. المهج ـ جمع مهجة ـ: وهي دم القلب، والروح.
2. الابدال: قوم صالحون لا تخلو الارض منهم، إذا مات منهم واحد بدل الله مكانه آخر، والواحد بدل أوبديل.
3. الاشتات ـ جمع شتيت ـ: ما تفرق من الاشياء.
4. عقائل الكلام: كرائمه، وعقيلة الحي: كريمته.
5. أقطار الكلام: جوانبه.



الصفحة 24
ولا يَنِدُّ نادّ(1)، بل لا أبعد أن يكون القاصر عني فوق الواقع إليّ، والحاصل في رِبْقتي(2) دون الخارج من يديّ، وما عليّ إلا بذل الجهد، وبلاغ الوسع، وعلى الله سبحانه نهج السبيل(3)، وإرشاد الدليل، إن شاء الله تعالى.ورأيتُ من بعد تسمية هذا الكتاب بـ «نهج البلاغة» إذ كان يفتح للناظر فيه
أبوابها،ويقرّب عليه طِلابها، وفيه حاجة العالم والمتعلّم، وبغية البليغ
والزاهد، ويمضي في أثنائه من عجيب الكلام في التوحيد والعدل، وتنزيه الله
سبحانه عن شَبَهِ الخلق، ما هو بِلال كلّ غلّة(4)، وشفاء كلّ علّة، وجِلاء كلّ شبهة.
ومن الله سبحانه أستمدّ التوفيق والعصمة، وأتنجّزُ التسديد والمعونة، وأستعيذه من خطأ الجنان، قبل خطأ اللسان، ومن زلّة الكَلِم(5)، قبل زلّة القدم، وهو حسبي ونعم الوكيل.

____________

1. الناد: المنفرد الشاذ.
2. الربقة: عروة حبل يجعل فيها رأس البهيمة.
3. نهج السبيل: إبانته وإيضاحه.
4. الغلة: العطش.

5. زلة الكلم: الخطأ في القول.



الصفحة 25
بَابُ المخُتَْارِ مِنْ خُطب
مولانا أميرالمؤُمِنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام
وأوامره ونواهيه
وكلامه الجاري مجرى الخطب
والمواعظ في المقامات المحضورة والمواقف
المذكورة والخطوب الواردة


الصفحة 26
[ 1 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
يذكر فيها ابتداءَ خلق السماءِ والاَرض، وخلق آدم عليه الصلاة والسلام

[وفيها ذكر الحج]
[وتحتوي على حمد الله، وخلق العالم، وخلق الملائكة، واختيار الانبياء، ومبعث النبي، والقرآن، والاحكام الشرعية]
الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ
يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ،
الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ،
الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا
وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ.



الصفحة 27
فَطَرَ الخَلائِقَ(1) بِقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ(2) بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ(3).أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْديقُ بِهِ،
وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ
الاِْخْلاصُ لَهُ، وَكَمَالُ الاِْخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ،
لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَة أَنَّها غَيْرُ المَوْصُوفِ، وَشَهَادَةِ كُلِّ
مَوْصُوف أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ، فَمَنْ وَصَفَ اللهَ سُبْحَانَهُ
فَقَدْ قَرَنَهُ، وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ،وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَد
جَزَّأَهُ، وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ، [وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ
أشَارَ إِلَيْهِ، ]وَمَنْ أشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ، وَمَنْ حَدَّهُ
فَقَدْ عَدَّهُ، وَمَنْ قَالَ: «فِيمَ» فَقَدْ ضَمَّنَهُ، وَمَنْ قَالَ:
«عَلاَمَ؟» فَقَدْ أَخْلَى مِنُهُ.
كائِنٌ لاَ عَنْ حَدَث(4)، مَوْجُودٌ لاَ عَنْ عَدَم، مَعَ كُلِّ شَيْء لاَ بِمُقَارَنَة، وَغَيْرُ كُلِّ شيء لا بِمُزَايَلَة(5)،
فَاعِلٌ لا بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَالاْلةِ، بَصِيرٌ إذْ لاَ مَنْظُورَ
إلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ، مُتَوَحِّدٌ إذْ لاَ سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بهِ وَلاَ
يَسْتوْحِشُ لِفَقْدِهِ.

____________

1. فَطَرَ الخلائقَ: ابتدعها على غير مثال سبق.
2. وَتّدَ ـ بالتشديد والتخفيف ـ: ثبّت.
3. ميَدان أرضه: تحرّكها بتمايل.
4. لاعن حَدَث: لا عن إيجاد موجد.
5. المزايلة: المفارقة والمباينة.



الصفحة 28
[خلق العالم]
أَنْشَأَ الخَلْقَ إنْشَاءً، وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً، بِلاَ رَوِيَّة أَجَالَهَا(1)، وَلاَ تَجْرِبَة اسْتَفَادَهَا، وَلاَ حَرَكَة أَحْدَثَهَا، وَلاَ هَمَامَةِ نَفْس(2) اظْطَرَبَ فِيهَا.
أَحَالَ الاْشياءَ لاَِوْقَاتِهَا، وَلاََمَ(3) بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا، وَغَرَّزَ غَرائِزَهَا(4)،
وَأَلزَمَهَا أشْبَاحَهَا، عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا، مُحِيطاً
بِحُدُودِها وَانْتِهَائِهَا، عَارفاً بِقَرَائِنِها وَأَحْنَائِهَا(5).
ثُمَّ أَنْشَأَ ـ سُبْحَانَهُ ـ فَتْقَ الاَْجْوَاءِ، وَشَقَّ الاَْرْجَاءِ، وَسَكَائِكَ(6) الَهوَاءِ، فأَجازَ فِيهَا مَاءً مُتَلاطِماً تَيَّارُهُ(7)، مُتَراكِماً زَخَّارُهُ(Cool، حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ

____________

1. الرّوِيّة: الفكر، وأجالها: أدارها وَرَدَدَها.
2. هَمَامَة النفس ـ بفتح الهاء ـ: اهتمامها بالامر وقصدها إليه.
3. لاََمَ: قَرَنَ.
4. غَرّزَ غَرائزها: أودع فيها طباعها.
5. القرائن ـ هنا ـ: جمع قَرُونة وهي النفس، والاحْنَاء: جمع حِنْو ـ بالكسرـ: وهو الجانب.
6. السكائك: جمع سُكاكة ـ بالضم ـ: وهي الهواء الملاقي عنان السماء.
7. التيّار ـ هناـ: الموج.
8. الزّخّار: الشديد الزخر، أي الامتداد والارتفاع.



الصفحة 29
الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ، وَالزَّعْزَعِ(1) الْقَاصِفَةِ، فَأَمَرَها بِرَدِّهِ، وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ، وَقَرنَهَا إِلَى حَدِّهِ، الهَوَاءُ مِنْ تَحْتِها فَتِيقٌ(2)، وَالمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ(3).ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا(4)، وَأَدَامَ مُرَبَّهَا(5)، وَأَعْصَفَ مَجْرَاها، وَأَبْعَدَ مَنْشَاهَا، فَأَمَرَها بِتَصْفِيقِ المَاءِ(6) الزَّخَّارِ، وَإِثَارَةِ مَوْجِ البِحَارِ، فَمَخَضَتْهُ(7) مَخْضَ السِّقَاءِ، وَعَصَفَتْ بهِ عَصْفَهَا بِالفَضَاءِ، تَرُدُّ أَوَّلَهُ عَلَى آخِرِهِ، وَسَاجِيَهُ(Cool عَلَى مَائِرِهِ(9)، حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ، وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ(10)،

____________

1. الزّعزع: الريح الّتي تزعزع كلّ ثابت.
2. الفتيق: المفتوق.
3. الدفيق: المدفوق.
4. اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا: جعل هبوبها عقيماً، والريح العقيم التي لا تلقح سحاباً ولا شجراً.
5. مُرَبّها ـ بضم الميم ـ مصدر ميمي من أرَبّ بالمكان: لازمه، فالمُرَبّ: المُلازَمة.
6. تَصْفيق الماء: تحريكه وتقليبه.
7. مَخَضَتْهُ: حرّكته بشدّة كما يُمْخَضُ السّقاء.
8. الساجي: الساكن.
9. المائر: الذي يذهب ويجيء.
10. رُكامُهُ: ما تراكم منه بعضه على بعض.



الصفحة 30
فَرَفَعَهُ فِي هَوَاء مُنْفَتِق، وَجَوٍّ مُنْفَهِق(1)، فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَموَات، جَعَلَ سُفْلاَهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً(2)، وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً، وَسَمْكاً مَرْفُوعاً، بِغَيْر عَمَد يَدْعَمُهَا، وَلا دِسَار(3) يَنْظِمُها.ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزينَةِ الكَوَاكِبِ، وَضِياءِ الثَّوَاقِبِ(4)، وَأَجْرَى فِيها سِرَاجاً مُسْتَطِيراً(5)، وَقَمَراً مُنِيراً: في فَلَك دَائِر، وَسَقْف سَائِر، وَرَقِيم(6) مَائِر.

[خلق الملائكة]
ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمواتِ العُلاَ، فَمَلاََهُنَّ أَطْواراً مِنْ مَلائِكَتِهِ:
مِنْهُمْ سُجُودٌ لاَيَرْكَعُونَ، وَرُكُوعٌ لاَ يَنْتَصِبُونَ، وَصَافُّونَ(7) لاَ

____________

1. المُنفَهِقُ: المفتوح الواسع.
2. المكفوف: الممنوع من السّيَلان.
3. الدِّسَار: واحدُ الدّسُر، وهي المسَامير.
4. الثّوَاقب: المنيرة المشرقة.
5. مُسْتَطِيراً: منتشر الضياء، وهو الشمس.
6. الرّقِيمُ: اسم من اسماء الفلك: سُمّي به لانه مرقوم بالكواكب.
7. صَافّونَ: قائمون صفوفاً.



الصفحة 31
يَتَزَايَلُونَ(1)، وَمُسَبِّحُونَ لاَ
يَسْأَمُونَ، لاَ يَغْشَاهُمْ نَوْمُ العُيُونِ، وَلاَ سَهْوُ العُقُولِ،
وَلاَ فَتْرَةُ الاَبْدَانِ، ولاَ غَفْلَةُ النِّسْيَانِ.وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ، وأَلسِنَةٌ إِلَى رُسُلِهِ، وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَأَمْرهِ.
وَمِنْهُمُ الحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ، وَالسَّدَنَةُ(2) لاَِبْوَابِ جِنَانِهِ.
وَمِنْهُمُ الثَّابِتَةُ في الاَْرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ،
وَالمَارِقَةُ مِنَ السَّماءِ العُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ، والخَارجَةُ مِنَ
الاَْقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ، وَالمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ العَرْشِ
أَكْتَافُهُمْ، نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصارُهُمْ، مُتَلَفِّعُونَ(3)
تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ، مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مِنْ
دُونَهُمْ حُجُبُ العِزَّةِ، وَأسْتَارُ القُدْرَةِ، لاَ يَتَوَهَّمُونَ
رَبَّهُمْ بالتَّصْوِيرِ، وَلاَ يُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ
المَصْنُوعِينَ، وَلاَ يَحُدُّونَهُ بِالاَْماكِنِ، وَلاَ يُشِيرُونَ
إِلَيْهِ بِالنَّظَائِرِ.

منها: في صفة خلق آدم(عليه السلام)
ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ(4) الاَْرْضِ وَسَهْلِهَا، وَعَذْبِهَا وَسَبَخِهَا(5)، تُرْبَةً

____________

1. لا يَتَزَايَلُونَ: لايتفارقون.
2. السَّدَنَة: جمع سَادِن وهو الخادم.
3. مُتَلَفّعون: من تلفّع بالثوب إذا التحف به.
4. حَزْنُ الارض: وَعْرُها.
5. سَبَخُ الارض: ما ملح منها.



الصفحة 32
سَنَّهَا بالمَاءِ(1) حَتَّى خَلَصَتْ، وَلاَطَهَا(2) بِالبَلَّةِ(3) حَتَّى لَزَبَتْ(4)، فَجَبَلَ مِنْها صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاء(5) وَوُصُول، وَأَعْضَاء وَفُصُول: أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ، وَأَصْلَدَهَا(6) حَتَّى صَلْصَلَتْ(7)، لِوَقْت مَعْدُود، وَأجَل مَعْلُوم، ثُمَّ نَفَخَ فِيها مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ(Cool إِنْساناً ذَا أَذْهَان يُجيلُهَا، وَفِكَر يَتَصَرَّفُ بِهَا، وَجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا(9)،
وَأَدَوَات يُقَلِّبُهَا، وَمَعْرِفَة يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الحَقِّ
وَالبَاطِلِ، والاَذْوَاقِ والَمشَامِّ، وَالاَْلوَانِ وَالاَْجْنَاس،
مَعْجُوناً بطِينَةِ الاَْلوَانِ الُمخْتَلِفَةِ، وَالاَشْبَاهِ
المُؤْتَلِفَةِ، وَالاَْضْدَادِ المُتَعَادِيَةِ، والاَْخْلاطِ
المُتَبَايِنَةِ، مِنَ
____________

1. سَنّ الماء: صَبّه.
2. لاَطَها: خَلَطَها وَعَجَنَها.
3. البَلة ـ بالفتح ـ: من البَلَل.
4. لَزَبَ: من باب نصر، بمعنى التصق وثبت واشتد.
5. الاحْنَاء: جمع حِنْو ـ بالكسر ـ وهو الجانب من البدن.
6. أصْلَدَها: جعلها صُلْبَةً ملساء متينة.
7. صَلْصَلَتْ: يَبِسَتْ حتى كانت تُسمع لها صَلْصَلَةٌ إذا هَبّت عليها الرياح.
8. مَثُلَ ـ ككرُم وَفَتَحَ ـ: قام مُنْتَصِباً.
9. يَخْتَدِمُها: يجعلها في خدمة مآربه.



الصفحة 33
الحَرِّ والبَرْدِ، وَالبَلَّةِ وَالْجُمُودِ، وَالْمَساءَةِ وَالسُّرُورِ، وَاسْتَأْدَى اللهُ سُبْحَانَهُ المَلائكَةَ وَدِيعَتَهُ(1)
لَدَيْهِمْ، وَعَهْدَ وَصِيَّتِهِ إِلَيْهمْ، في الاِْذْعَانِ بالسُّجُودِ
لَهُ، وَالخُنُوعِ لِتَكْرِمَتِهِ، فَقَالَ عزَّمِن قائِل: (اسْجُدُوا لاِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ)وَقَبِيلَهُ،
اعْتَرَتْهُمُ الحَمِيَّةُ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِمُ الشِّقْوَةُ،
وَتَعَزَّزُوا بِخِلْقَةِ النَّارِ، وَاسْتَوْهَنُوا خَلْقَ الصَّلْصَالِ،
فَأَعْطَاهُ اللهُ تَعالَى النَّظِرَةَ اسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ،
وَاسْتِتْماماً لِلْبَلِيَّةِ، وَإِنْجَازاً لِلْعِدَةِ، فَقَالَ: (إنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ).ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً أرْغَدَ فِيهَاعَيْشَهُ، وَآمَنَ
فِيهَا مَحَلَّتَهُ، وَحَذَّرَهُ إِبْلِيسَ وَعَدَاوَتَهُ، فَاغْتَرَّهُ(2)
عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ الْمُقَامِ، وَمُرَافَقَةِ
الاَْبْرَارِ، فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكِّهِ، وَالعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ،
وَاسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ(3) وَجَلاً(4)، وَبِالاْغْتِرَارِ نَدَماً.
ثُمَّ بَسَطَ اللهُ سُبْحَانَهُ لَهُ في تَوْبَتِهِ، وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ
رَحْمَتِهِ، وَوَعَدَهُ المَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ، فَأَهْبَطَهُ إِلَى
دَارِ الَبَلِيَّةِ، وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ.

____________

1. اسْتَأدَى الله سبحانه الملائكةَ وديعَتَهُ: طالبهم بأدائها.
2. اغْتَرّ آدمَ عدوّهُ الشيطانُ: أي انتهز منه غِرّة فأغواه.
3. الجَذَل ـ بالتحريك ـ: الفرح.
4. الوَجَل: الخوف.



الصفحة 34
[اختيار الانبياء]
وَاصْطَفى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدَهِ أَنْبيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ(1)،
وَعَلَى تَبْليغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ، لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ
خَلْقِهِ عَهْدَ اللهِ إِلَيْهِمْ، فَجَهِلُوا حَقَّهُ، واتَّخَذُوا
الاَْنْدَادَ(2) مَعَهُ، وَاجْتَالَتْهُمُ(3)
الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرفَتِهِ، وَاقتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ،
فَبَعَثَ فِيهمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ،
لِيَسْتَأْدُوهُمْ(4) مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ،
وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ
بَالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، وَيُرُوهُمْ
آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ: مِنْ سَقْف فَوْقَهُمْ مَرْفُوع، وَمِهَاد
تَحْتَهُمْ مَوْضُوع، وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ، وَآجَال تُفْنِيهمْ،
وَأَوْصَاب(5) تُهْرِمُهُمْ، وَأَحْدَاث تَتَابَعُ
عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُخْلِ اللهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ
مُرْسَل، أَوْ كِتَاب مُنْزَل، أَوْ حُجَّة لاَزِمَة، أَوْ مَحَجَّة(6) قَائِمَة، رُسُلٌ لا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ، وَلاَ كَثْرَةُ

____________

1. ميثاقهم: عهدهم.
2. الانْدَادُ: الامْثَال، وأراد المعبودين من دونه سبحانه وتعالى.
3. اجْتَالَتْهُمْ ـ بالجيم ـ: صرفتهم عن قصدهم.
4. وَاتَرَ إليهم أنبياءهُ: أرسلهم وبين كل نبيّ ومَن بعده فترة، وقوله «لِيَسْتَأدُوهُمْ»: ليطلبوا الاداء.
5. الاوْصَاب: المتاعب.
6. المَحَجّة: الطريق القويمة الواضحة.



الصفحة 35
المُكَذِّبِينَ لَهُمْ: مِنْ سَابِق سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ، أَوْ غَابِر عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ.عَلَى ذْلِكَ نَسَلَتِ(1) القُرُونُ، وَمَضَتِ الدُّهُورُ، وَسَلَفَتِ الاْباءُ، وَخَلَفَتِ الاَْبْنَاءُ.

[مبعث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)]
إِلَى أَنْ بَعَثَ اللهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً(صلى الله عليه وآله) لاِِنْجَازِ عِدَتِهِ(2) وَتَمامِ نُبُوَّتِهِ، مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ، مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ(3)،
كَرِيماً مِيلادُهُ. وَأهْلُ الاَْرْضِ يَوْمَئِذ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ،
وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ، وَطَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ، بَيْنَ مُشَبِّه
للهِِ بِخَلْقِهِ، أَوْ مُلْحِد(4)في اسْمِهِ، أَوْ مُشِير إِلَى غَيْرهِ، فَهَدَاهُمْ بهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ، وَأَنْقَذَهُمْ بمَكانِهِ مِنَ الجَهَالَةِ.
ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لُِمحَمَّد صلى الله عليه لِقَاءَهُ، وَرَضِيَ
لَهُ مَا عِنْدَهُ، فَأَكْرَمَهُ عَنْ دَارِالدُّنْيَا، وَرَغِبَ بِهَ عَنْ
مُقَارَنَةِ البَلْوَى، فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً، وَخَلَّفَ فِيكُمْ
مَا خَلَّفَتِ الاَْنْبيَاءُ في أُمَمِها، إذْ لَم يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً،
بِغَيْر طَريق واضِح،
ولاَعَلَم(5) قَائِم.

____________

1. العَلَمُ ـ بفتحتين ـ: ما يوضع ليُهتدى به.
1. نَسَلَتْ ـ بالبناء للفاعل ـ: مضت متتابعةً.
2. الضمير في «عِدَتِهِ» لله تعالى، والمراد وعد الله بإرسال محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) على لسان أنبيائه السابقين.
3. سِمَاتُهُ: علاماته التي ذُكِرَتْ في كتب الانبياء السابقين الذين بشروا به.
4. المُلْحِدُ في اسم الله: الذي يميل به عن حقيقة مسماه.



الصفحة 36
[القرآن والاحكام الشرعية]
كِتَابَ رَبِّكُمْ [فِيكُمْ:] مُبَيِّناً حَلاَلَهُ وَحَرامَهُ، وَفَرَائِضَهُ وَفَضَائِلَهُ، وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ(1)، وَرُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ(2)، وَخَاصَّهُ وَعَامَّهُ، وَعِبَرَهُ وَأَمْثَالَهُ، وَمُرْسَلَهُ وَمَحْدُودَهُ(3)، وَمُحْكَمَهُ وَمُتَشَابِهَهُ(4)، مُفَسِّراً جُمَلَهُ، وَمُبَيِّناً غَوَامِضَهُ.
بَيْنَ مَأْخُوذ مِيثَاقُ عِلْمِهِ، وَمُوَسَّع عَلَى العِبَادِ في جَهْلِهِ(5)،
وَبَيْنَ مُثْبَت في الكِتابِ فَرْضُهُ، وَمَعْلُوم في السُّنَّهِ
نَسْخُهُ، وَوَاجب في السُّنَّةِ أَخْذُهُ، وَمُرَخَّص في الكِتابِ
تَرْكُهُ، وَبَيْنَ وَاجِب بِوَقْتِهِ، وَزَائِل في مُسْتَقْبَلِهِ،
وَمُبَايَنٌ بَيْنَ مَحَارِمِهِ، مِنْ كَبير أَوْعَدَ عَلَيْهِ نِيرَانَهُ،
أَوْ صَغِير أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ، وَبَيْنَ مَقْبُول في أَدْنَاهُ،
ومُوَسَّع في أَقْصَاهُ.

____________

1. ناسِخُهُ ومنسوخه: أحكامه الشرعية التي رفع بعضها بعضاً.
2. رُخَصَهُ: ما تُرُخّصَ فيه، عكسها عَزائمُهُ.
3. المُرْسَلُ: المُطْلَقُ، المحدود: المقيّد.
4. المُحْكَمُ: كآيات الاحكام والاخبار الصريحة في معانيها، والمتشابه كقوله: (يَدُاللهِ فوقَ أيديهم)
5. المُوَسِعُ على العباد في جهله: كالحروف المفتتحة بها السور نحو الم والر.



الصفحة 37
و[منها:] في ذكر الحج
وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الحَرَامِ، الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً
لِلاَْنَامِ، يَرِدُونَهُ وُرُودَ الاَنْعَامِ، وَيأْلَهُونَ إِلَيْهِ(1) وُلُوهَ الحَمَامِ.
جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلاَمَةً لِتَوَاضُعِهمْ لِعَظَمَتِهِ،
وَإِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ، وَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً
أَجَابُوا إِلَيْهِ دَعْوَتَهُ، وَصَدَّقُوا كَلِمَتِهُ، وَوَقَفُوا
مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ، وَتَشَبَّهُوا بمَلاَئِكَتِهِ المُطِيفِينَ
بِعَر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://minhaj.ahlamontada.com
منهاج السنة
لا اله الا الله محمد رسول الله
لا اله الا الله محمد رسول الله
منهاج السنة


نهج البلاغة Vitiligo-ae30eb86b8نهج البلاغة Iraqiaabc6667cb59
عدد المساهمات : 897
تاريخ التسجيل : 27/10/2012

نهج البلاغة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نهج البلاغة   نهج البلاغة Icon_minitimeالإثنين أكتوبر 29, 2012 3:43 pm


الصفحة 500
جَعَلَ اللهُ فِيهِ مُنْتَهَى رِضْوَانِهِ، وَذِرْوَةَ دَعَائِمِهِ،
وَسَنَامَ طَاعَتِهِ، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ وَثِيقُ الاَْرْكَانِ، رَفِيعُ
الْبُنْيَانِ، مُنِيرُ الْبُرْهَانِ، مُضِيءُ النِّيرَانِ، عَزِيرُ
السُّلْطَانِ، مُشْرِفُ الْمَنَارِ(1)، مُعْوِذُ الْمَثَارِ(2).فَشَرِّفُوهُ وَاتَّبِعُوهُ، وَأَدُّوا إِلَيْهِ حَقَّهُ، وَضَعُوهُ مَوَاضِعَهُ.

[الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله)]
ثُمَّ إِنَّ اللهِ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً(صلى الله عليه وآله)
بالْحَقِّ حِينَ دَنَا مِنَ الدُّنْيَا الانْقِطَاعُ، وَأَقْبَلَ مِنَ
الاْخِرَةِ الاْطِّلاَعُ(3)، وَأَظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا بَعْدَ إِشْرَاق، وَقَامَتْ بِأَهْلِهَا عَلَى سَاق، وَخَشُنَ مِنْهَا مِهَادٌ(4)، وَأَزِفَ مِنْهَا قِيَادٌ(5)، فِي انْقِطَاع مِنْ مُدَّتِهَا،

____________

1. مُشْرِف المنار: مرتفعه.
2. مُعْوِذُ المَثَار: من أعْوَذَ ـ بالذال ـ كأعاذ بمعنى ألجأ. والمَثار:
مصدر ميمي من ثار الغبار إذا هاج، أي لو طلب أحد إثارة هذا الدين لالجأه
إلى مشقة لقوته ومتانته.
3. الاطّلاع: الاتيان، اطّلع فلان علينا: أي أتانا.
4. خُشونة المِهاد: كناية عن شدة آلام الدنيا.
5. أزِف ـ كفرح ـ: أي قرب، والمراد من القِياد انقيادها للزوال.



الصفحة 501
وَاقْتِرَاب مِنْ أَشْرَاطِهَا(1)، وَتَصَرُّم(2) مِنْ أَهْلِهَا، وَانْفِصَام(3) مِنْ حَلْقَتِهَا، وَانْتِشَار مِنْ سَبَبِهَا(4)، وَعَفَاء مِنْ أَعْلاَمِهَا(5)، وَتَكَشُّف مِنْ عَوْرَاتِها، وَقِصَر مِنْ طُولِهَا.جَلَعَهُ اللهُ تعالى بَلاَغاً لِرِسَالَتِهِ، وَكَرَامَةً لاُِمَّتِهِ،
وَرَبِيعاً لاَِهْلِ زَمَانِهِ، وَرِفْعَةً لاَِعْوَانِهِ، وَشَرَفاً
لاَِنْصَارِهِ.

[القرآن الكريم]
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُوراً لاَ تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ، وَسِرَاجاً لاَ يَخْبُو(6) تَوَقُّدُهُ، وَبَحْراً لاَ يُدْرَكُ قَعْرُهُ، وَمِنْهَاجاً(7) لاَ يُضِلُّ نَهْجُهُ(Cool، وَشُعَاعاً لاَ يُظْلِمُ

____________

1. الاشراط ـ جمع شَرَط كسبب ـ أي: علامات انقضائها.
2. التصرّم: التقطع.
3. الانفصام: الانقطاع، وإذا انفصمت الحَلْقة انقطعت الرابطة.
4. انتشار الاسباب: تبددها حتى لا تُضْبَط.
5. عَفَاء الاعلام: اندراسها.
6. خَبَتِ النار: انطفأت.
7. المِنْهاج: الطريق الواسع.
8. النَهْج ـ هناـ: السلوك، ويُضِلّ رباعى، أي لايكون من سلوكه إضلال.



الصفحة 502
ضَوْؤُهُ، وَفُرْقَاناً لاَ يُخْمَدُ بُرْهَانُهُ، وَتِبْيَاناً لاَ
تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ، وَشِفَاءً لاَ تُخْشَى أَسْقَامُهُ، وَعِزّاً لاَ
تُهْزَمُ أَنْصَارُهُ، وَحَقّاً لاَ تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ.فَهُوَ مَعْدِنُ الاْيمَانِ وَبُحْبُوحَتُهُ(1)، وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ وَبُحُورُهُ، وَرِيَاضُ(2) الْعَدْلِ وَغُدْرَانُهُ(3)، وَأَثَافِيُّ(4) الاْسْلاَمِ وَبُنْيَانُهُ، وَأَوْدِيَةُ الْحَقِّ وَغِيطَانُهُ(5). وَبَحْرٌ لاَ يَنْزِفُهُ الْمُسْتَنْزِفُونَ(6)، وَعُيُونٌ لاَ يُنضِبُهَا الْمَاتِحُونَ(7)، وَمَنَاهِلُ(Coolلاَ يَغِيضُهَا(9) الْوَارِدُونَ، وَمَنَازِلُ لاَ يَضِلُّ نَهْجَهَا الْمُسَافِرُونَ،
____________

1. بُحْبُوحة المكان: وسطه.
2. الرياض ـ جمع روضة ـ: وهي مستنقع الماء في رمل أو عشب.
3. الغُدْران ـ جمع غَدِير ـ: وهو القطعة من الماء يغادرها السيل.
4. الاثافيّ ـ جمع أثْفِيّة ـ: الحجر يوضع عليه القدر، أي عليه قام الاسلام.
5. غِيطان الحق ـ جمع غاط أوغَوْط ـ: وهو المطمئن من الارض.
6. لا يُنْزِفه: لايفنى ماؤه ولا يستفرغه المغترفون.
7. لا يُنْضِبُها ـ كيُكْرِمها ـ: أي ينقصها. والماتحون ـ جمع ماتح ـ: نازع الماء من الحوض.
8. المناهل: مواضع الشرب من النهر.
9. لا يغيضها من غاض الماءَ: نقصه.



الصفحة 503
وَأَعْلاَمٌ لاَ يَعْمَى عَنْهَا السَّائِرُونَ، وَآكَامٌ(1) لاَ يَجُوزُ عنْهَا(2) الْقَاصِدُونَ.جَعَلَهُ اللهُ رِيّاً لِعَطَشِ الْعُلَمَاءِ، وَرَبِيعاً لِقُلُوبِ الْفُقَهَاءِ، وَمَحَاجَّ(3)
لِطُرُقِ الصُّلَحَاءِ، وَدَوَاءً لَيْسَ بَعْدَهُ دَاءٌ، وَنُوراً لَيْسَ
مَعَهُ ظُلْمَةٌ، وَحَبْلاً وَثِيقاً عُرْوَتُهُ، وَمَعْقِلاً مَنِيعاً
ذِرْوَتُهُ، وَعِزّاً لِمَنْ تَوَلاَّهُ، وَسِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ،
وَهُدىً لِمَنِ ائْتَمَّ بِهِ، وَعُذْراً لِمَنِ انْتَحَلَهُ، وَبُرْهَاناً
لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ، وَشَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ بِهِ، وَفَلْجاً(4)لِمَنْ حَاجَّ بِهِ، وَحَامِلاً لِمَنْ حَمَلَهُ، وَمَطِيَّةً لِمَنْ أَعْمَلَهُ، وَآيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ، وَجُنَّةً(5) لِمَنِ اسْتَلاْمَ(6)، وَعِلْماً لِمَنْ وَعَى، وَحَدِيثاً لِمَنْ رَوَى، وَحُكْماً لِمَنْ قَضَى(7).

____________

1. آكام ـ جمع أكَمة ـ: وهو الموضع يكون أشد ارتفاعاً مما حوله، وهو دون الجبل في غلظ لا يبلغ أن يكون حجراً.
2. يجوز عنها: يقطعها ويتجاوزها.
3. المَحَاجّ ـ جمع مَحَجّة ـ: وهي الجادّة من الطريق.
4. الفَلْج ـ بالفتح ـ: الظفر والفوز.
5. الجُنّة ـ بالضم ـ: مابه يتقى الضرر.
6. اسْتَلامَ: أي لبس اللاْمَةَ وهي الدِرْع أو جميع أدوات الحرب، أي أن من
جعل القرآن لامة حربه لمدافعة الشبه، كان القرآن وقاية له.
7. قضى: حكم وفصل.



الصفحة 504
[ 199 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
كان يوصي به أصحابه
تَعَاهَدُوا أَمْرَ الصَّلاَةِ، وَحَافِظُوا عَلَيْهَا، وَاسْتَكْثِرُوا مِنْهَا، وَتَقَرَّبُوا بِهَا، فَإِنَّهَا (كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)
أَلاَ تَسْمَعُونَ إِلَى جَوَابِ أَهْلِ النَّارِ حِينَ سُئِلُوا: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)
وَإِنَّهَا لَتَحُتُّ الذُّنُوبَ حَتَّ الْوَرَقِ(1)، وَتُطْلِقُهَا إِطْلاَقَ الرِّبَق(2)، وَشَبَّهَهَا رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله)بِالْحَمَّة(3)
تَكُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ، فَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ
وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرّات، فَمَا عَسَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنَ
الدَّرَنِ(4)؟
وَقَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لاَ
تَشْغَلُهُمْ عنْهَا زِينَةُ مَتَاع، وَلاَ قُرَّةُ عَيْن مِنْ وَلَد وَلاَ
مَال، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: (رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ)

____________

1. حتّ الورقَ عن الشجرة: قشره.
2. الرِبق ـ بكسر الراء ـ: حبل فيه عدة عرىً كل منها رِبْقة.
3. الحَمَّة ـ بالفتح ـ: كل عين ينبع منها الماء الحار ويستشفى بها من العلل.
4. الدَرَن: الوسخ.



الصفحة 505
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله) نَصِباً(1) بِالصَّلاَةِ بَعْدَ التَّبْشِيرِ لَهُ بِالْجَنَّةِ، لِقَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)، فَكَانَ يَأُمُرُ بِهَا أَهْلَهُ وَيَصْبِرُ عَلَيْهَا نَفْسَهُ.
[الزكاة]
ثُمَّ إِنَّ الزَّكَاةَ جُعِلَتْ مَعَ الصَّلاَةِ قُرْبَاناً لاَِهْلِ
الاِْسْلاَمِ، فَمَنْ أَعْطَاهَا طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا، فإِنَّهَا
تُجْعَلُ لَهُ كَفَّارَةً، وَمِنَ النَّارِ حِجَازاً وَوِقَايَةً، فَلاَ
يُتْبِعَنَّهَا أَحَدٌ نَفْسَهُ، وَلاَ يُكْثِرَنَّ عَلَيْهَا لَهَفـَهُ،
فإِنَّ مَنْ أَعْطَاهَا غَيْرَ طَيِّبِ النَّفْسِ بِهَا، يَرْجُو بِهَا مَا
هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا، فَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ، مَغْبُونُ الاَْجْرِ(2)، ضَالُّ الْعَمَلِ، طَوِيلُ النَّدَمِ.

[الامانة]
ثُمَّ أَدَاءَ الاَْمَانَةِ، فَقَدْ خَابَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا،
إِنَّهَا عُرِضَتْ عَلَى السَّماوَاتِ الْمَبْنِيَّةِ، وَالاَْرَضِينَ
الْمَدْحُوَّةِ(3)، وَالْجِبَالِ ذَاتِ الطُّولِ
الْمَنْصُوبَةِ، فَلاَ أَطْوَلَ وَلاَ أَعْرَضَ، وَلاَ أَعْلَى وَلاَ
أَعْظَمَ مِنْهَا، وَلَوِ امْتَنَعَ شَيْءٌ بِطُول أَوْ عَرْض أَوْ قُوَّة
أَوْ عِزٍّ لاَمْتَنَعْنَ، وَلكِنْ أَشْفَقْنَ مِنَ الْعُقُوبَةِ،

____________

1. نَصِباً ـ بفتح فكسر ـ: أي تَعِباً.
2. مَغْبون الاجر: منقوصه.
3. المَدْحُوّة: المبسوطة.



الصفحة 506
وَعَقَلْنَ مَا جَهِلَ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُنَّ، وَهُوَ الاِْنْسَانُ، (إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)
[علم الله تعالى]
إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا الْعِبَادُ مُقْتَرِفُونَ(1) فِي لَيْلِهِمْ وَنَهَارِهِمْ، لَطُفَ بِهِ خُبْراً(2)،
وَأَحَاطَ بِهِ عِلْماً، أَعْضَاؤُكُمْ شُهُودُهُ، وَجَوَارِحُكُمْ
جُنُودُهُ، وَضَمائِرُكُمْ عُيُونُهُ، وَخَلَوَاتُكُمْ عِيَانُهُ(3).


[ 200 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
[في معاوية]

وَاللهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي، وَلكِنَّهُ يَغْدِرُ
وَيَفْجُرُ، وَلَوْلاَ كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى
النَّاسِ، وَلَكِنْ كُلُّ غَدْرَة فَجْرَةٌ، وَكُلُّ فَجْرَة كَفْرَةٌ،
وَلِكُلِّ غَادِر لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَاللهِ مَا أَُسْتَغْفَلُ بالْمَكِيدَةِ، وَلاَ أُسْتَغْمَزُ بالشَّدِيدَةِ(4).


____________


1. مقترفون: أي مكتسبون.

2. الخُبْر ـ بضم الخاء ـ: العِلْم.

3. العِيان ـ بكسر العين ـ: المعاينة والمشاهدة.

4. لا أُسْتَغْمَزُ ـ مبني للمجهول ـ: أي لا أُسْتَضْعَفُ بالقوة الشديدة،
والمعنى: لا يستضعفني شديد القوة. والغَمَز ـ محركة ـ: الرجل الضعيف.



الصفحة 507
[ 201 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
[يعظ بسلوك الطريق الواضح]
أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَىُ لِقِلَّةِ
أَهْلِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى مَائِدَة شِبَعُهَا
قَصِيرٌ، وَجُوعُهَا طَوِيلٌ.
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضِى وَالسُّخْطُ(1)،
وَإِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اللهُ
تَعَالَى بالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بالرِّضَى، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ)، فَمَا كَانَ إِلاَّ أَنْ خَارَتْ(2) أَرْضُهُمْ بِالْخَسْفَةِ خُوَارَالسِّكَّةِ الْـمُحْمَاةِ(3) فِي الاَْرْضِ الْخَوَّارَةِ(4).
أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ سَلَكَ الطّرِيقَ الْوَاضِحَ وَرَدَ الْمَاءَ، وَمَنْ خَالَفَ وَقَعَ فِي التِيهِ!

____________

1. السُخْط: الغضب، ضد الرضى.
2. خارَت: صوّتَت كخُوار الثور.
3. السِكّة المُحْماة: حديدة المِحْراث إذا أُحْمِيَتْ في النار فهي أسرع غَوْراً في الارض.
4. الخَوّارة: السهلة اللينة.



الصفحة 508
[ 202 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
روي عنه أنّه قاله عند دفن سيدة النساء فاطمة صلّى الله عليها، كالمناجي به رسول الله(صلى الله عليه وآله) عند قبره:
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ عَنِّي، وَعَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ، وَالسَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ!
قَلَّ يَا رَسُولَ اللهِ، عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي، وَرَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي، إِلاَّ أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّيِ(1) بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ، وَفَادِحِ(2) مُصِيبَتِكَ، مَوْضِعَ تَعَزّ(3)، فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ(4)، وَفَاضَتْ بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي نَفْسُكَ.
(إنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ، وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ! أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ، وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ(5)، إِلَى أَنْ يَخْتَارَ اللهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مُقِيمٌ.

____________

1. يريد بالتأسي: الاعتبار بالمثال المتقدم.
2. الفادح: المثقِل.
3. التعزّي: التصبر.
4. مَلْحُودة القبر: الجهة المشقوقة منه.
5. مُسَهّد: أي ينقضي بالسهاد وهو السهر.



الصفحة 509
وَسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ [بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا](1)، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ(2)، وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ، هذَا وَلَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ، وَلَمْ يَخْلُ مِنْكَ الذِّكْرُ.وَالْسَّلاَمُ عَلَيْكُمَا سَلاَمَ مُوَدِّع، لاَ قَال(3) وَلاَ سَئم(4)، فَإنْ أَنْصَرِفْ فَلاَ عَنْ مَلاَلَة، وَإِنْ أُقِمْ فَلاَ عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللهُ الصَّابِرِينَ.


[ 203 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
[في التزهيد من الدنيا والترغيب في الاخرة]

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا الدُّنْيَا دارُ مَجَاز(5)،
وَالاْخِرَةُ دَارُ قَرَار، فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لِمَقَرِّكُمْ،
وَلاَ تَهْتِكُوا أَسْتَارَكُمْ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَسْرَارَكُم،
وَأَخْرِجُوا مِنَ الدُّنْيَا قُلُوبَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْرُجَ
مِنْهَا أَبْدَانُكُمْ، فَفِيهَا اخْتُبِرْتُمْ، ولِغِيْرِهَا خُلِقْتُمْ.

إِنَّ الْمَرْءَ إِذَا هَلَكَ قَالَ النَّاسُ: مَا تَرَكَ؟ وَقَالَتِ
الْمَلاَئِكَةُ: مَا قَدَّمَ؟ لله آبَاؤُكُمْ! فَقَدِّمُوا بَعْضَاً يَكُنْ
لَكُمْ قَرْضاً، وَلاَ تُخَلِّفُوا كُلاًّ فَيَكُونَ عَلَيْكُمْ.


____________


1. هَضْمها: ظلمها.

2. إحْفَاء السؤال: الاستقصاء فيه.

3. القالي: المبغض.

4. السئم: من السآمة وهي الضجر.

5. مجاز: أي ممر إلى الاخرة.



الصفحة 510
[ 204 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
كان كثيراً ما ينادي به أصحابه
تَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اللهُ! فَقَدْ نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحِيلِ، وَأَقِلُّوا الْعُرْجَةَ(1) عَلَى الدُّنْيَا، وَانْقَلِبُوا بِصَالِحِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ، فإنَّ أَمَامَكُمْ عَقَبَةً كَؤُوداً(2)، وَمَنَازِلَ مَخُوفَةً مَهُولَةً، لاَبُدَّ مِنَ الْوُرُودِ عَلَيْهَا، وَالْوُقُوفِ عِنْدَهَا.
وَاعْلَمُوا أَنَّ مَلاَحِظَ الْمَنِيَّةِ(3) نَحْوَكُمْ دَانِيَةٌ(4)، وَكَأَنَّكُمْ بِمَخَالِبِهَا وَقَدْ نَشِبَتْ(5) فِيكُمْ، وَقَدْ دَهَمَتْكُمْ فِيهَا مُفْظِعَاتُ الاُْمُورِ، وَمُعْضِلاَتُ الْـمَحْذُورِ.
فَقَطِّعُوا عَلاَئِقَ الدُّنْيَا، وَاسْتَظْهِرُوا(6) بِزَادِ التَّقْوَى.

وقد مضى شيء من هذا الكلام فيما تقدم، بخلاف هذه الرواية.
____________

1. العُرْجة ـ بالضم ـ: اسم من التعريج، بمعنى حبس المطية على المنزل.
2. الكَؤود: الصَعبة المرتقى.
3. مَلاحِظ المنيّة: منبعث نظرها.
4. دانية: قريبة.
5. نَشِبَتْ: علقت بكم.
6. استظهروا: استعينوا.



الصفحة 511
[ 205 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
كلّم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة
وقد عتبا من ترك مشورتهما، والاستعانة في الامور بهما
لَقَدْ نَقَمْتُما(1) يَسِيراً، وَأَرْجَأْتُمَا(2)
كَثِيراً، أَلاَ تُخْبِرَانِي، أَيُّ شَيْء لَكُمَا فِيهِ حَقٌّ
دَفَعْتُكُمَا عَنْهُ؟ وأَيُّ قَسْم اسْتَأْثَرْتُ عَلَيْكُمَا بِهِ؟ أَمْ
أَيُّ حَقّ رَفَعَهُ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ضَعُفْتُ عَنْهُ،
أَمْ جَهِلْتُهُ، أَمْ أَخْطَأْتُ بَابَهُ ؟!
وَاللهِ مَا كَانَتْ لِي فِي الْخِلاَفَةِ رَغْبَةٌ، وَلاَ فِي الْوِلاَيَةِ إِرْبَةٌ(3)،
وَلكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا، وَحَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا،
فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلَى كِتَابِ اللهِ وَمَا وَضَعَ
لَنَا، وَأَمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ، وَمَا اسْتَسَنَّ
النَّبِيُّ(صلى الله عليه وآله)فَاقْتَدَيْتُهُ، فَلَمْ أَحْتَجْ فِي ذلِكَ
إِلَى رَأْيِكُمَا، وَلاَ رَأْيِ غَيْرِكُمَا، وَلاَ وَقَعَ حُكْمٌ
جَهِلْتُهُ، فَأَسْتَشِيرَكُمَا وَإِخْوَانِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ; وَلَوْ
كَانَ ذلِكَ لَمْ أَرْغَبْ عَنْكُمَا، وَلاَ عَنْ غَيْرِكُمَا.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمَا مِنْ أَمْرِ الاُْسْوَةِ(4)، فَإِنَّ ذلِكَ أَمْرٌ لَمْ أَحْكُمْ أَنَا فِيهِ بِرَأْيِي،

____________

1. نَقَمْتما: أي غضبتما.
2. أرجأتما: أي أخرتمامما يرضيكما كثيراً لم تنظرا إليه.
3. الارْبة ـ بكسر الهمزة ـ: الغرض والطلبة.
4. الاسْوَة ـ ها هنا ـ: التسوية بين المسلمين في قسمة الاموال، وكان ذلك قد أغضب القوم على ما روي.



الصفحة 512
وَلاَ وَلِيتُهُ هَوىً مِنِّي، بَلْ وَجَدْتُ أَنَا وَأَنْتُما مَا جَاءَ
بِهِ رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله) قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، فَلَمْ
أَحْتَجْ إِلَيْكُمَا فِيَما قَدْ فَرَغَ اللهُ مِنْ قَسْمِهِ، وَأَمْضَى
فِيهِ حُكْمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمَا، وَاللهِ، عِنْدِي وَلاَ لِغَيْرِكُمَا
فِي هذَا عُتْبَى(1).أَخَذَ اللهُ بِقُلُوبِنَا وَقُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ، وَأَلْهَمَنَا وَإِيَّاكُمْ الصَّبْرَ.
ثم قال(عليه السلام):
رَحِمَ اللهُ رَجُلاً رَأَى حَقّاً فَأَعَانَ عَلَيْهِ، أَوْ رَأَى جَوْراً فَرَدَّهُ، وَكَانَ عَوْناً
بِالْحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِ.


[ 206 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
وقد سمع قوماً من اصحابه يسبّون أهل الشام
أيام حربهم بصفين

إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ، وَلكِنَّكُمْ لَوْ
وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ، وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ، كَانَ أَصْوَبَ فِي
الْقَوْلِ، وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ، وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ
إِيَّاهُمْ: اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ، وَأَصْلِحْ
ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ، وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلاَلَتِهِمْ، حَتَّى
يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ، وَيَرْعَوِيَ(2) عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ
لَهِجَ بِهِ(3).


____________


1. العُتْبَى: الرجوع عن الاساءة.

2. الارعواء: النزوع عن الغيّ والرجوع عن وجه الخطأ.

3. لَهِجَ به: أُولع به.



الصفحة 513
[ 207 ]
وقال(عليه السلام)
في بعض أيام صفين وقد رأى الحسن(عليه السلام) يتسرع إلى الحرب
امْلِكُوا عنِّي(1) هذَا الْغُلاَمَ لاَ يَهُدَّنِي(2)، فَإِنَّنِي أَنْفَسُ(3)
بِهذَيْنِ ـ يَعْنِي الحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ(عليهما السلام) عَلَى
الْمَوْتِ، لِئَلاَّ يَنْقَطِعَ بِهِمَا نَسْلُ رَسُولِ اللهِ(صلى الله
عليه وآله).

قوله (عليه السلام): «املكوا عني هذا الغلام» من أعلى الكلام وأفصحه.


[ 208 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
قاله لمّا اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومة

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ أَمْري مَعَكُمْ عَلَى مَا أُحِبُّ، حَتَّى نَهَكَتْكُمُ(4) الْحَرْبُ، وَقَدْ، وَاللهِ أَخَذَتْ مِنْكُمْ وَتَرَكَتْ، وَهِيَ لِعَدُوِّكُمْ أَنْهَكُ.

لَقَدْ كُنْتُ أَمْسِ أَمِيراً، فَأَصْبَحْتُ الْيَوْمَ مَأْمُوراً! وَكُنْتُ أَمْسِ نَاهِياً،
فَأَصْبَحْتُ الْيَوْمَ مَنْهِيّاً! وَقَدْ أَحْبَبْتُمُ الْبَقَاءَ، وَلَيْسَ لِي أَنْ أَحْمِلَكُمْ عَلَى مَا تَكْرَهُونَ!

____________


1. املكوا عني: أي خذوه بالشدة وامسكوا به، والهمزة وَصْلية، فالمادة من المِلْك.

2. يَهُدّني: يهدمني.

3. نَفِسَ به ـ كفرح ـ: أي ضنّ به.

4. نَهِكَتْه الحمى: أضعفته وأضْنَتْه.



الصفحة 514
[ 209 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
بالبصرة، وقد دخل على العلاء بن زياد الحارثي ـ وهو من أصحابه ـ يعوده، فلما رأى سعة داره قال:
مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِسِعَةِ هذِهِ الدارِ فِي الدُّنْيَا، أَنْتَ
إِلَيْهَا فِي الاْخِرَةِ كُنْتَ أَحْوَجَ؟ وَبَلَى إِنْ شِئْتَ بَلَغْتَ
بِهَا الاْخِرَةَ، تَقْرِي فِيهَا الضَّيْفَ، وَتَصِلُ فِيهَا الرَّحِمَ،
وَتُطْلِعُ مِنْهَا الْحُقُوقَ مَطَالِعَهَا(1)، فَإذَا أَنْتَ قَدْ بَلَغْتَ بِهَا الاْخِرَةَ.
فقال له العلاء: يا أميرالمؤمنين، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد.
قال: وما له؟
قال: لبس العباءة وتخلّى من الدنيا.
قال: عليَّ به.
فلمّا جاء قال:
يَا عُدَىَّ(2) نَفْسِهِ! لَقَدِ اسْتَهَامَ بِكَ الْخَبِيثُ! أَمَا رَحِمْتَ أَهْلَكَ وَوَلَدَكَ! أَتَرَى

____________

1. أطْلَعَ الحقّ مَطْلَعَهُ: أظهره حيث يجب أن يظهر.
2. عُدَيّ: تصغير عَدُوّ.



الصفحة 515
اللهَ أَحَلَّ لَكَ الطَّيِّبَاتِ، وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ تَأْخُذَهَا! أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ ذلِكَ!قال: يا أميرالمؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسك وجُشوبة مأكلك!
قال: وَيْحَكَ، إِنِّي لَسْتُ كَأَنْتَ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلى أَئِمَّةِ الْعَدْلِ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ(1) بِضَعَفَةِ النَّاسِ، كَيْلاَ يَتَبَيَّغَ(2) بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ!


[ 210 ]
ومن كلام له (عليه السلام)

وقد سأله سائل عن أحاديث البدع، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر.

فقال(عليه السلام):

إنَّ فِي أَيْدِي النَّاسِ حَقّاً وَبَاطِلاً، وَصِدْقاً وَكَذِباً،
وَنَاسِخاً وَمَنْسُوخاً، وَعَامّاً وَخَاصّاً، وَمُحْكَماً
وَمُتَشَابِهاً، وَحِفْظاً وَوَهْماً، وَقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ
اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم) عَلَى عَهْدِهِ، حَتَّى قَامَ خَطِيباً،
فَقَالَ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ
مِنَ النَّارِ».


____________


1. يُقَدِّروا أنفسهم: أي يقيسوا أنفسهم.

2. يَتَبَيّغ: يهيج به الالم فيهلكه.



الصفحة 516
وَإِنَّمَا أَتَاكَ بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَةُ رِجَال لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ:
[المنافقون]
رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلاِْيمَانِ، مُتَصَنِّعٌ بِالاِْسْلاَمِ، لاَيَتَأَثَّمُ(1) وَلاَ يَتَحَرَّجُ(2)،
يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله)مُتَعَمِّداً، فَلَوْ
عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، وَلَمْ
يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ، وَلكِنَّهُمْ قَالُوا: صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ(صلى
الله عليه وآله) رآهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَلَقِفَ عَنْهُ(3)،
فَيَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَكَ اللهُ عَنِ الْمُنَاقفِقِينَ
بِمَا أَخْبَرَكَ، وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لَكَ، ثُمَّ بَقُوا
بَعْدَهُ(عليه السلام)، فَتَقرَّبُوا إِلَى أَئِمَّةِ الضَّلاَلَةِ،
وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ، فَوَلَّوهُمُ
الاَْعْمَالَ، وَجَعَلُوهُمْ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَأَكَلُوا بِهِمُ
الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوكِ وَالدُّنْيَا، إِلاَّ
مَنْ عَصَمَ اللهُ، فَهذَا أَحَدُ الاَْرْبَعَةِ.

[الخاطئون]
وَرَجُلٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) شَيْئاً لَمْ يَحْفَظْهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَوَهِمَ(4) فِيهِ،

____________

1. يتأثّم: يخاف الاثم.
2. يتحرّج: يخشى الوقوع في الحرَج وهو الجُرْم.
3. لَقِفَ: تناول وأخذ عنه.
4. وَهِمَ: غلط وأخطأ.



الصفحة 517
وَلَمْ يَتَعَمَّدْ كَذِباً، فَهُوَ فِي يَدَيْهِ، يَرْوِيهِ وَيَعْمَلُ
بِهِ، وَيَقُولُ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه
وآله)، فَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ فِيهِ لَمْ
يَقْبَلُوهُ مِنْهُ، وَلَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ كَذلِكَ لَرَفَضَهُ!
[أهل الشبهة]
وَرَجُلٌ ثَالِثٌ، سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) شَيْئاً
يَأْمُرُ بِهِ، ثُمَّ نَهَى عَنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، أَوْ سَمِعَهُ
يَنْهَىُ عَنْ شَيْء، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لايَعْلَمُ، فَحَفِظَ
المَنسُوخَ، وَلَمْ يَحْفَظِ النَّاسِخَ، فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ
لَرَفَضَهُ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ إذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ أَنَّهُ
مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ.

[الصادقون الحافظون]
وَآخَرُ رَابِعٌ، لَمْ يَكْذِبْ عَلَى اللهِ، وَلاَ عَلَى رَسُولِهِ،
مُبْغِضٌ لِلْكَذِبِ، خَوْفاً لله، وَتَعْظيِماً لِرَسُولِ اللهِ، وَلَمْ
يَهِمْ(1)، بَلْ حَفظَ مَا سَمِعَ عَلَى وَجْهِهِ،
فَجَاءَ بِهِ عَلَى مَا سَمِعَهُ، لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَلَمْ يَنْقُصْ
مِنْهُ، وَحَفِظَ النَّاسِخَ فَعَمِلَ بِهِ، وَحَفِظَ الْمَنْسُوخَ
فَجَنَّبَ عَنْهُ(2)، وَعَرَفَ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ، فَوَضَعَ كُلَّ شَيْء مَوْضِعَهُ، وَعَرفَ المُتَشَابِهَ وَمُحْكَمَهُ(3).

____________

1. لم يَهِم: لم يخطىء ولم يظن خلاف الواقع.
2. جنّب عنه: أي تجنب.
3. المتشابه من الكلام: هو مالا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم. ومُحْكَم الكلام: صريحه الذي لم يُنْسَخ.



الصفحة 518
وَقَدْ كَانَ يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) الْكَلاَمُ
لَهُ وَجْهَانِ: فَكَلاَمٌ خَاصٌّ، وَكَلاَمٌ عَامٌّ، فَيَسْمَعُهُ مَنْ
لاَ يَعْرِفُ مَا عَنَى اللهُ بِهِ، وَلاَ مَا عَنَى بِهِ رَسُولُ
اللهِ(صلى الله عليه وآله)فَيَحْمِلُهُ السَّامِعُ، وَيُوَجِّهُهُ عَلَى
غَيْرِ مَعْرِفَة بِمَعْنَاهُ، وَمَا قُصِدَ بِهِ، وَمَا خَرَجَ مِنْ
أَجْلِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله)مَنْ
كَانَ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَفْهِمُهُ، حَتَّى إِنْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ
أَنْ يَجِيءَ الاَْعْرَابِيُّ أَوْ الطَّارِىءُ، فَيَسَأَلَهُ(عليه
السلام)حَتَّى يَسْمَعُوا، وَكَانَ لاَ يَمُرُّ بِي مِنْ ذلِكَ شَيْءٌ
إِلاَّ سَأَلْتُ عَنْهُ وَحَفِظْتُهُ.فَهذِهِ وَجُوهُ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي اخْتِلاَفِهِمْ، وَعِلَلِهِمْ فِي رِوَايَاتِهِمْ.


[ 211 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[في عجيب صنعة الكون]

وَكَانَ مِنِ اقْتِدَارِ جَبَروتِهِ، وَبَدِيعِ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ، أَنْ جَعَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ(1) الْمُتَرَاكِمِ الْمُتَقَاصِفِ(2)، يَبَساً(3) جَامِداً، ثُمَّ فَطَرَ(4) مِنْهُ

____________


1. زَخَرَ البحر ـ كمنع ـ زُخوراً، وَتَزَخّرَ: طمَى وامتلا.

2. المتقاصف: المتزاحم كأن أمواجه في تزاحمها يقصف بعضها بعضاً، أي يكسر.

3. اليَبَس ـ بالتحريك ـ: اليابس.

4. فَطَرَ: خلق.



الصفحة 519
أَطْبَاقاً(1)، فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَمَاوَات بَعْدَ ارْتِتَاقِهَا(2)، فَاسْتَمْسَكَتْ بِأَمْرِهِ(3)، وَقَامَتْ عَلَى حَدِّهِ(4)، [وَأَرْسَى أَرْضاً] يَحْمِلُهَا الاَْخْضَرُ(5) المُثْعَنْجِرُ(6)، وَالْقَمْقَامُ(7) الْمُسَخَّرُ، قَدْ ذَلَّ لاَِمْرِهِ، وَأَذْعَنَ لِهَيْبَتِهِ، وَوَقَفَ الْجَارِي مِنْهُ لِخَشْيَتِهِ، وَجَبَلَ(Cool جَلاَمِيدَهَا(9)، وَنُشُوزَ(10) مُتُونِهَا(11) وَأَطْوَادِهَا(12)، فَأَرْسَاهَا في مَرَاسِيهَا(13)، وَأَلْزَمَهَا
____________

1. الاطباق: طبقات مختلفة في تركيبها.
2. كانت الاطباق رتقاً يتصل بعضها ببعض، ففتقها سبعاً وهي السموات وقف كل منها حيث مكنه الله على حسب ما أودع فيه من السر الحافظ له.
3. استمسكت بأمره: أي بأمرالله التكويني.
4. قامت على حدّه: أي حدالامر الالهي.
5. المراد من الاخضر: الحامل للارض وهو البحر.
6. المثْعَنْجِر ـ بكسر الجيم ـ معظم البحر وأكثر مواضعه ماء.
7. القمقام ـ بفتح القاف وتضّم ـ: البحر أيضاً.
8. جبل: خلق.
9. الجلاميد: الصخور الصُلْبة.
10. النُشُوز ـ جمع نَشْز بسكون الشين وفتحها وفتح النون ـ: ما ارتفع من الارض.
11. المُتون ـ جمع مَتْن ـ: ما صلب منها وارتفع.
12. الاطواد: عطف على المتون وهي عظام الناتئات.
13. مراسيها: ما «رست» أي رسخت فيه.



الصفحة 520
قَرَارَاتِهَا(1)، فَمَضَتْ رُؤُسُهَا فِي الْهَوَاءِ، وَرَسَتْ أُصُولُهَا فِي الْمَاءِ، فَأَنْهَدَ جِبَالَهَا(2) عَنْ سُهُولِهَا، وَأَسَاخَ قَوَاعِدَهَا(3) فِي متُونِ أَقْطَارِهَا، وَمَوَاضِعِ أَنْصَابِهَا(4)، فَأشْهَقَ قِلاَلَهَا(5)، وَأَطَالَ أَنْشَازَهَا(6)، وَجَعَلَهَا لِلاَْرْضِ
____________

1. قرارتها: ما استقرت فيه.
2. قوله: «أنْهَدَ جبالها...» كأن النشوز والمتون والاطواد كانت في بداية
أمرها على ضخامتها غير ظاهرة الامتياز ولا شامخة الارتفاع عن السهول، حتى
إذا ارتجت الارض بما أحدثت يد القدرة الالهية في بطونها نهدت الجبال عن
السهول فانفصلت كل الانفصال.
3. أساخ قواعدها: أي جعلها غائصة.
4. مواضع الانصاب ـ جمع نُصُب ـ: وهو ما جعل عَلَماً يُشهَد فيُقصَد.
5. قُلّة الجبل: أعلاه. وأشهقها: جعلها شاهقة أي بعيدة الارتفاع.
6. أطال أنشازها: أي متونها المرتفعة في جوانب الارض.



الصفحة 521
عِمَاداً، وَأَرَّزَهَا(1) فِيهَا أَوْتَاداً، فَسَكَنَتْ عَلَى حَرَكَتِهَا مِن أَنْ تَمِيدَ(2) بِأَهْلِهَا، أَوْ تَسِيخَ(3) بِحِمْلِهَا، أَوْ تَزُولَ عَنْ مَواضِعِهَا.فَسُبْحَانَ مَنْ أَمْسَكَهَا بعَْدَ مَوَجَانِ مِيَاهِهَا، وَأَجْمَدَهَا
بَعْدَ رُوطُوبَةِ أَكْنَافِهَا، فَجَعَلَهَا لِخَلْقِهِ مِهَاداً،
وَبَسَطَهَا لَهُمْ فِرَاشاً! فَوْقَ بَحْر لُجِّيّ رَاكِد لاَ يَجْرِي(4)، وَقَائِم لاَ يَسْرِي، تُكَرْكِرُهُ(5) الرِّيَاحُ الْعَوَاصِفُ، وَتَمْخُصُهُ الْغَمَامُ الذَّوَارِفُ(6)، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى)

____________

1. أرّزها ـ بالتشديد ـ: ثبّتها.
2. تَمِيد: أي تضطرب وتتزلزل.
3. تَسِيخ ـ كتَسُوخ ـ أي: تغوص في الهواء فتنخسف.
4. لا يجري: المراد هنا أنه لايسيل في الهواء.
5. تُكَرْكِرُه: تذهب به وتعود.
6. الذَوَارِف ـ جمع ذَارِفة ـ: من ذرف الدمع إذا سال.



الصفحة 522
[ 212 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[كان يستنهض بها أصحابه إلى جهاد أهل الشام في زمانه]
اللَّهُمَّ أَيُّمَا عَبْد مِنْ عِبَادِكَ سَمِعَ مَقَالَتَنَا
الْعَادِلَةَ غَيْرَ الْجَائِرَةِ، وَالْمُصْلِحَةَ
فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا غَيْرَ الْمُفْسِدَةِ، فَأَبَى بَعْدَ سَمْعِهِ
لَهَا إِلاَّ النُّكُوصَ عَنْ نُصْرَتِكَ، وَالاِْبْطَاءَ عَنْ إِعْزَازِ
دِينِكَ، فَإِنَّا نَسْتَشْهِدُكَ عَلَيْهِ يَا أَكْبَرَ الشَّاهِدِينَ
شَهَادَةً، وَنَسْتَشْهِدُ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا اَسْكَنْتَهُ أَرْضَكَ
وَسَمَاوَاتِكَ، ثُمَّ أَنْتَ بَعْدُ الْمُغْنِي عَنْ نَصْرِهِ، وَالاْخِذُ
لَهُ بِذَنْبِهِ.


[ 213 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[في تمجيدالله وتعظيمه]

الْحَمْدُ لله الْعَلِيِّ عَنْ شَبَهِ(1)
الْـمَخْلُوقِينَ، الْغَالِبِ لِمَقَالِ الْوَاصِفِينَ، الظَّاهِرِ
بَعَجَائِبِ تَدْبِيرِهِ لِلنَّاظِرينَ، الْبَاطِنِ بِجَلاَلِ عِزَّتِهِ
عَنْ فِكْرِ الْمُتَوَهِّمِينَ، الْعَالِمِ بَلاَ اكْتِسَاب وَلاَ
ازْدِيَاد، وَلاَ عِلْم مُسْتَفَاد، الْمُقَدِّرِ لِجَميِعِ الاُْمُورِ
بِلاَ رَوِيَّة وَلاَ ضَمِير، الَّذِي لاَ تَغْشَاهُ الظُّلَمُ، وَلاَ
يَسْتَضِيءُ بِالاَْنْوَارِ، وَلاَ يَرْهَقُهُ(2) لَيْلٌ، وَلاَ يَجْرِي عَلَيْهِ نَهَارٌ، لَيْسَ إِدْرَاكُهُ بِالاِْبْصَارِ، وَلاَ عِلْمُهُ بِالاِْخْبَارِ.


____________


1. شَبَه ـ بالتحريك ـ: أي مشابهة.

2. رَهِقَهُ ـ كفرح ـ: غَشِيَهُ.



الصفحة 523
منها: في ذكر النبي(صلى الله عليه وآله):
أَرْسَلَهُ بِالضِّيَاءِ، وَقَدَّمَهُ فِي الاصْطِفَاءِ، فَرَتَقَ(1) بِهِ الْمَفَاتِقَ(2)، وَسَاوَرَ بِهِ الْمُغَالِبَ(3)، وَذَلَّلَ بِهِ الصُّعُوبَةَ، وَسَهَّلَ بِهِ الْحُزُونَةَ(4)، حَتَّى سَرَّحَ الضَّلاَلَ، عَنْ يَمِين وَشِمَال.


[ 214 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[يصف جوهر الرسول، ويصف العلماء، ويعظ بالتقوى]

وَأَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ عَدَلَ، وَحَكَمٌ فَصَلَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَسَيِّدُ عِبَادِهِ، كُلَّمَا نَسَخَ
اللهُ الْخَلْقَ(5) فِرْقَتَيْنِ جَعَلَهُ فِي خَيْرِهِمَا، لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عَاهِرٌ(6)، وَلاَ ضَرَبَ فِيهِ(7) فَاجِرٌ.


____________


1. الرَتْق: سدّ الفَتْق.

2. المفاتق: مواضع الفَتْق وهي ما كان بين الناس من فساد وفي مصالحهم من اختلال.

3. سَاوَرَ به المُغالِبَ أي: واثب بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كل من يغالب الحق.

4. الحُزُونة: غِلَظ في الارض.

5. نَسَخَ الخلق: نَقَلَهم بالتناسل عن أصولهم، فجعلهم بعد الوحدة في الاصول فِرَقاً.

6. العاهر: من يأتي غير حِلّه كالفاجر.

7. ضرب في الشيء: صار له نصيب منه.



الصفحة 524
أَلاَ وإِنَّ اللهَ جَعَلَ لِلْخَيْرِ أَهْلاً، وَلِلْحَقِّ دَعَائِمَ، وَلِلطَّاعَةِ عِصَماً(1)، وَإِنَّ لَكُمْ عِنْدَ كُلِّ طَاعَة عَوْناً مِنَ اللهِ يَقُولُ عَلَى الاَْلْسِنَةِ، وَيُثَبِّتُ الاَْفْئِدَةَ، فِيهِ كِفَاءٌ(2) لِمُكْتَف، وَشِفَاءٌ لِمُشْتَف.
[صفة العلماء]
وَاعْلَمُوا أَنَّ عِبَادَ اللهِ الْمُسْتَحْفَظِينَ(3) عِلْمَهُ، يَصُونُونَ مَصُونَهُ، وَيُفَجِّرُونَ عُيُونَهُ، يَتَوَاصَلُونَ بِالْوِلاَيَةِ(4)، وَيَتَلاَقَوْنَ بالْـمَحَبَّةِ، وَيَتَسَاقَوْنَ بِكَأْس رَوِيَّة(5)، وَيَصْدُرُونَ بِرِيَّة(6)، لاَ تَشُوبُهُمُ الرِّيبَةُ(7)، وَلاَ تُسْرِعُ فِيهِمْ

____________

1. العِصَم ـ بكسر ففتح ـ: جمع عصمة وهي ما يعتصم به، وعِصَم الطاعات: الاخلاص لله وحده.
2. الكِفاء ـ بالكسر ـ: الكافي أو الكِفاية.
3. المستحفَظين ـ بصيغة اسم المفعول ـ: الذين أُودعوا العلم ليحفظوه.
4. الوِلاية: الموالاة والمصافاة.
5. الرّوية ـ فعيلة بمعنى فاعلة ـ: أي يروي شرابها من ظمأ التباعد والنُفْرة.
6. رِيّة ـ بكسر الراء وتشديد الياء ـ: الواحدة من الرِيّ: زوال العطش.
7. الرِيبة: الشك في العقائد.



الصفحة 525
الْغِيبَةُ. عَلَى ذلِكَ عَقَدَ خَلْقَهُمْ وَأَخْلاَقَهُمْ(1)، فَعَلَيْهِ يَتَحَابُّونَ، وَبِهِ يَتَوَاصَلُونَ، فَكَانُوا كَتَفَاضُلِ الْبَذْرِ يُنْتَقَى(2)، فَيُوْخَذُ مِنْهُ وَيُلْقَى، قَد مَيَّزَهُ التَّخْلِيصُ، وَهذَّبَهُ(3) الـتَّمْحيصُ(4).
[العظة بالتقوى]
فَلْيَقْبَلِ امْرُؤٌ كَرَامَةً(5) بِقَبُولِهَا، وَلْيَحْذَرْ قَارِعَةً(6)
قَبْلَ حُلُولِهَا، وَلْيَنْظُرِ امْرُؤٌ فِي قَصِيرِ أَيَّامِهِ،
وَقَلِيلِ مُقَامِهِ، فِي مَنْزِل حَتَّى يَسْتَبْدِلَ بِهِ مَنْزِلاً،
فَلْيَصْنَعْ لِمُتَحَوَّلِهِ(7)، وَمَعَارِفِ مُنْتَقَلِهِ(Cool.

____________

1. عقد خلقهم: أي وصل خلقهم الجسماني وأخلاقهم النفسية بهذه الصفات، وأحكم صلتهما بها حتى كأنهما معقودان بها.
2. كتفاضل البَذْرِ يُنْتَقَى: أي كانوا إذا نسبتهم إلى سائر الناس رأيتهم
يفضلونهم ويمتازون عليهم كتفاضل البذر، فان البذر يعتنى بتنقيته ليخلص
النبات من الزوان، ويكون النوع صافياً لايخالطه غيره، وبعد التنقية يؤخذ
منه ويلقى في الارض، فالبذر يكون أفضل الحبوب وأخلصها.
3. التهذيب ـ هنا ـ: التنقية.
4. التمحيص: الاختبار.
5. الكرامة ـ هنا ـ: النصيحة، أي اقبلوا نصيحة لا ابتغي عليها أجراً إلا قبولها.
6. القارعة: داعية الموت أو القيامة تأتي بغتةً.
7. المُتَحَوّل ـ بفتح الواومشددة ـ: ما يُتَحَوّل إليه.

8. معارف المنتقَل: المواضع التي يعرف الانتقال إليها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://minhaj.ahlamontada.com
منهاج السنة
لا اله الا الله محمد رسول الله
لا اله الا الله محمد رسول الله
منهاج السنة


نهج البلاغة Vitiligo-ae30eb86b8نهج البلاغة Iraqiaabc6667cb59
عدد المساهمات : 897
تاريخ التسجيل : 27/10/2012

نهج البلاغة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نهج البلاغة   نهج البلاغة Icon_minitimeالإثنين أكتوبر 29, 2012 3:44 pm


الصفحة 526
فَطُوبَى لِذِي قَلْب سَلِيم، أَطَاعَ مَنْ يَهْدِيهِ، وَتَجَنَّبَ مَنْ
يُرْدِيهِ، وَأَصَابَ سَبِيلَ السَّلاَمَةِ بِبَصَرِ مَنْ بَصَّرَهُ،
وَطَاعَةِ هَاد أَمَرَهُ، وَبَادَرَ الْهُدى قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ
أَبْوَابُهُ، وَتُقْطَعَ أَسْبَابُهُ، وَاسْتَفْتَحَ التَّوْبَةَ،
وَأَمَاطَ الْحَوْبَةَ(1)، فَقَدْ أُقِيمَ عَلَى الطَّرِيقِ، وَهُدِيَ نَهْجَ السَّبِيلِ.
[ 215 ]
ومن دعائه (عليه السلام)
[كان يدعو به كثيراً]

الْحَمْدُ لله الَّذِي لَمْ يُصبِحْ بِي مَيِّتاً وَلاَ سَقِيماً، وَلاَ
مَضْرُوباً عَلَى عُرُوقِي بِسُوء، وَلاَ مَأْخُوذاً بِأَسْوَاَ عَمَلِي،
وَلاَ مَقْطُوعاً دَابِرِي(2)، وَلاَ مُرْتَدّاً عَنْ دِينِي، وَلاَ مُنْكِراً لِرَبِّي، وَلاَ مُسْتَوْحِشاً مِنْ إِيمَانِي، وَلاَ مُلْتَبِساً(3) عَقْلِي، وَلاَ مُعَذَّباً بَعَذابِ الاُْمَمِ مِنْ قَبْلِي.

أَصْبَحْتُ عَبْداً مَمْلُوكاً ظَالِماً لِنَفْسِي، لَكَ الْحُجَّةُ عَلَيَّ وَلاَ حُجَّةَ لِي، لاَ

____________


1. الحَوْبة ـ بفتح الحاء ـ: الاثم. وإماطتها: تنحيتها.

2. الدابر: بقية الرجل من ولده ونسله، وأصل الدابر: الظهر، وكنى بقطعه عن الدواعي التي من شأنها قطع القوة وإبادة النسل.

3. الالتباس: الاختلاط.



الصفحة 527
أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ إِلاَّ مَا أَعْطَيْتَنِي، وَلاَ أَتَّقِيَ إِلاَّ مَا وَقَيْتَنِي.اللَّهُمَّ إِنَّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَفْتَقِرَ فِي غِنَاكَ، أَوْ أَضِلَّ
فِي هُدَاكَ، أَوْ أُضَامَ فِي سُلْطَانِكَ، أَوْ أُضْطَهَدَ وَالاَْمْرُ
لَكَ!
اللَّهُمَّ اجْعَلْ نَفْسِي أَوَّلَ كَرِيمَة تَنْتَزِعُهَا مِنْ
كَرَائِمِي، وَأَوَّلَ وَدِيعَة تَرْتَجِعُهَا مِنْ وَدَائِعِ نِعَمِكَ
عِنْدِي!
اللَّهُمْ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَذْهَبَ عَنْ قَوْلِكَ، أَوْ نُفْتَتَنَ عَنْ دِينِكَ، أَوْ تَتَابَعَ(1) بِنَا أَهْوَاؤُنَا دُونَ الْهُدَى الَّذِي جَاءَ مِنْ عِنْدِكَ!


[ 216 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
بصفين

أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً بِوِلاَيَةِ
أَمْرِكُمْ، وَلَكُمْ عَلَيَّ مِنَ الْحَقِّ مثْلُ الَّذِي لِي عَلَيْكُمْ،
فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الاَْشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ، وَأَضْيَقُهَا فِي
التَّنَاصُفِ، لاَيَجْرِي لاَِحَد إِلاَّ جَرَى عَلَيْهِ، وَلاَ يَجْرِي
عَلَيْهِ إِلاَّ جَرَى لَهُ، وَلَوْ كَانَ لاَِحَد أَنْ يَجْرِيَ لَهُ
وَلاَ يَجْرِيَ عَلَيْهِ، لَكَانَ ذلِكَ خَالِصاً لله سُبْحَانَهُ دُونَ
خَلْقِهِ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَلِعَدْلِهِ فِي كُلِّ مَا
جَرَتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ قَضَائِهِ، وَلكِنَّهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى
الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَجَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ مُضَاعَفَةَ
الثَّوَابِ تَفَضُّلاً مِنْهُ، وَتَوَسُّعاً بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِيدِ
أَهْلُهُ.


____________


1. التتابع: ركوب الامر على خلاف الناس، أراد به هنا الاسراع إلى الشر واللجاجة.



الصفحة 528
[حق الوالي وحق الرعية]
ثُمَّ جَعَلَ ـ سُبْحَانَهُ ـ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْض، فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ(1) فِي وُجُوهِهَا، وَيُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَلاَ يُسْتَوْجَبُ بعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْض.
وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ ـ سُبْحَانَهُ ـ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ
الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ، وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ، عَلَى الْوَالِي،
فَرِيضةً فَرَضَهَا اللهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ لِكُلّ عَلَى كُلّ، فَجَعَلَهَا
نِظَاماً لاُِلْفَتِهِمْ، وَعِزّاً لِدِينِهِمْ، فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ
الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ الْوُلاَةِ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ
إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ.
فَإِذا أَدَّتِ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ، وَأَدَّى الْوَالِي
إِلَيْهَا حَقَّهَا، عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ، وَقَامَتْ مَنَاهِجُ
الدِّينِ، وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ، وَجَرَتْ عَلَى أَذْلاَلِهَا(2)السُّنَنُ(3)، فَصَلَحَ بِذلِكَ الزَّمَانُ، وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ، وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الاَْعْدَاءِ.
وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا، أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ(4)، اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ

____________

1. تتكافأ: تتساوى.
2. أذْلال الطريق: جمع ذِلّ ـ بكسر الذال ـ: مجراه ووسطه وجرت أمور الله أذلالها، وعلى أذلالها، أي: وجوهها.
3. السُنَن: جمع سُنّة.
4. أجحف بالرعيّة: ظلمهم.



الصفحة 529
الْكَلِمَةُ، وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ، وَكَثُرَ الاِْدْغَالُ(1) فِي الدِّينِ، وَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ(2)، فَعُمِلَ بِالْهَوَى، وَعُطِّلَتِ الاَْحْكَامُ، وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ، فَلاَ يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ(3)
حَقٍّ عُطِّلَ، وَلاَ لِعَظِيمِ بَاطِل فُعِلَ! فَهُنَالِكَ تَذِلُّ
الاَْبْرَارُ، وَتَعِزُّ الاَْشْرَارُ، وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللهِ عِنْدَ
الْعِبَادِ.فَعَلَيْكُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِي ذلِكَ، وَحُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْهِ،
فَلَيْسَ أَحَدٌ ـ وَإنِ اشْتَدَّ عَلَى رِضَى اللهِ حِرْصُهُ، وَطَالَ فِي
الْعَمَلِ اجْتِهَادُهُ ـ بِبَالِغ حَقِيقَةَ مَا اللهُ سُبْحَانَهُ
أَهْلُهُ مِنَ الطَّاعَةِ لَهُ، وَلكِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللهِ عَلى
العِبَادِ النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى
إقَامَةِ الْحَقِّ بَيْنَهُمْ. وَلَيْسَ امْرُؤٌ ـ وَإنْ عَظُمَتْ فِي
الْحَقِّ مَنْزِلَتُهُ، وَتَقَدَّمَتْ فِي الدِّينِ فَضِيلَتُهُ ـ بِفَوْقِ
أَنْ يُعَانَ(4)عَلَى مَا حَمَّلَهُ اللهُ مِنْ حَقِّهِ. وَلاَ امْرُؤٌ ـ وَإِنْ صَغَّرَتْهُ النُّفُوسُ، وَاقْتَحَمَتْهُ(5) الْعُيُونُ ـ بِدُونِ أَنْ يُعِينَ عَلى ذلِكَ أَوْ يُعَانَ عَلَيْهِ.
فأجابه(عليه السلام) رجل من أصحابه بكلام طويل، يكثر فيه الثناء عليه، ويذكر

____________

1. الادغال في الامر: إدخال ما يفسده فيه.
2. مَحَاجّ السُنَن: جمع مَحَجّة، وهي جادّة الطريق وأوسطها.
3. لا يستوحش لعظيم: أي لا تأخذ النفوس وحشة أو استغراب، لتعودها على تعطيل الحقوق.
4. بِفَوْقِ أن يُعان...، أي: بأعلى من أن يحتاج إلى الاعانة، أي بغنى عن المساعدة.
5. اقتحمتْهُ: احتقرته وازدرته.



الصفحة 530
سمعه وطاعته له.فقال(عليه السلام): إِنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ عَظُمَ جَلاَلُ اللهِ فِي
نَفْسِهِ، وَجَلَّ مَوْضِعُهُ مِنْ قَلْبِهِ، أَنْ يَصْغُرَ عِنْدَهُ ـ
لِعِظَمِ ذلِكَ ـ كُلُّ مَا سِوَاهُ، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ كَانَ كَذلِكَ
لَمَنْ عَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، وَلَطُفَ إِحْسَانُهُ إِلَيْهِ،
فَإِنَّهُ لَمْ تَعْظُمْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَى أَحَد إِلاَّ ازْدَادَ حَقُّ
اللهِ عَلَيْهِ عِظَماً، وَإِنَّ مِنْ أَسْخَفِ(1) حَالاَتِ الْوُلاَةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ، أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ، وَيُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى الْكِبْرِ.
وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي ظَنِّكُمْ أَنِّي أُحِبُّ
الاِْطْرَاءَ، وَاسْتَِماعَ الثَّنَاءِ، وَلَسْتُ ـ بِحَمْدِ اللهِ ـ
كَذلِكَ، وَلَوْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُقَالَ ذلِكَ لَتَرَكْتُهُ
انْحِطَاطاً لله سُبْحَانَهُ عَنْ تَنَاوُلِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ
الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ.
وَرُبَّمَا اسْتَحْلَى النَّاسُ الثَّنَاءَ بَعْدَ الْبَلاَءِ(2)، فَلاَ تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاء، لاِِخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى اللهِ وَ إِلَيْكُمْ مِنَ التَّقِيَّةِ(3)
فِي حُقُوق لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا، وَفَرَائِضَ لاَ بُدَّ مِنْ
إِمْضائِهَا، فَلاَ تُكَلِّمُونِي بَمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ،
وَلاَ

____________

1. أصل «السخف» رقة العقل وغيره، أي ضعفه.
2. البَلاء ـ هنا ـ: إجهاد النفس في إحسان العمل.
3. التَقِيّة: الخوف، والمراد لازمه، وهو العقاب.



الصفحة 531
تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ(1)، وَلاَ تُخَالِطُونِي بالْمُصَانَعَةِ(2)،
وَلاَ تَظُنّوا بِيَ اسْتِثْقَالاً فِي حَقّ قِيلَ لِي، وَلاَ الِْتمَاسَ
إِعْظَام لِنَفْسِي، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ
لَهُ أَوْ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا
أَثْقَلَ عَلَيْهِ.فَلاَ تَكُفُّوا عَنْ مَقَال بِحَقّ، أَوْ مَشُورَة بِعَدْل، فَإِنِّي
لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِىءَ، وَلاَ آمَنُ ذلِكَ مِنْ
فِعْلِي، إِلاَّ أَنْ يَكْفِيَ اللهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ
مِنِّي(3)، فَإنَّمَا أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِيدٌ
مَمْلُو كُونَ لِرَبٍّ لاَ رَبَّ غَيْرُهُ، يَمْلِكُ مِنَّا مَا لاَ
نَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا، وَأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلَى مَا
صَلَحْنَا عَلَيْهِ، فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلاَلَةِ بِالْهُدَى،
وَأَعْطَانَا الْبصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى.

____________

1. البادرة: الغضب.
2. المُصَانعة: المُدَاراة.
3. أملك به مني: أي أشد ملكاً منى.



الصفحة 532
[ 217 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
[في التظلم والتشكي من قريش]
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ(1) عَلَى قُرَيْش، فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمِي، وَأَكْفَأُوا إِنَائِي(2)،
وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي حَقّاً كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ
غَيْرِي، وَقَالُوا: أَلاَ إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ، وَفِي
الْحَقِّ أَنْ تُمْنَعَهُ، فَاصْبِرْ مَغْمُوماً، أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً.
فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي رَافِدٌ(3)، وَلاَ ذَابٌّ(4) وَلاَ مُسَاعِدٌ، إِلاَّ أَهْلَ بَيْتِي، فَضَنِنْتُ(5) بِهِمْ عَنِ الْمَنِيَّةِ، فَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذى(6)، وَجَرِعْتُ رِيقِي عَلَى الشَّجَا(7)، وَصَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الغَيْظِ عَلى أَمَرَّ مِنَ العَلْقَمِ، وَآلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ خَزِّ الشِّفَارِ(Cool.

وقد مضى هذا الكلام في أثناء خطبة متقدمة، إلاّ أنّني كرّرتُهُ هاهنا لاختلاف الروايتين.
____________

1. أستعديك: أستعينك لتنتقم لي.
2. إكفاء الاناء: قلبه، مجاز عن تضييع الحق.
3. الرافد: المُعِين.
4. الذابّ: المدافع.
5. ضننت: أي بخلت.
6. القذى: ما يقع في العين، وأغضيت على القذى: غضضت الطرف عنه.
7. الشجا: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه، يريد به غصة الحزن.
8. الشِفار ـ جمع شَفْرة ـ: حدّ السيف ونحوه. ووَخْز الشِفار: طعنها الخفيف.



الصفحة 533
ومنه: في ذكر السائرين إلى البصرة لحربه(عليه السلام)
فَقَدِمُوا عَلَى عُمَّالِي، وَخُزَّانِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ
الَّذِي في يَدَيَّ، وَعَلى أَهْلِ مِصْر، كُلُّهُمْ فِي طَاعَتِي وَعَلَى
بَيْعَتِي، فَشَتَّتُوا كَلِمَتَهُمْ، وَأَفْسَدُوا عَلَيَّ جَمَاعَتَهُمْ،
وَوَثَبُوا عَلى شِيعَتِي، فَقَتَلُوا طَائِفَةً مِنْهُمْ غَدْراً،
وَطَائِفَةٌ عَضُّوا عَلى أَسْيَافِهِمْ(1)، فَضَارَبُوا بِهَا حَتَّى لَقُوا اللهَ صَادِقِينَ.


[ 218 ]
ومن كلام له (عليه السلام)

لمّا مر بطلحة وعبدالرحمن بن عتاب بن أسيد وهما قتيلان يوم الجمل

لَقَدْ أَصْبَحَ أَبُو مُحَمَّد بِهذَا الْمَكَانِ غَرِيباً! أَمَا وَاللهِ
لَقَدْ كَنْتُ أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ قُرَيْشٌ قَتْلَى تَحْتَ بُطُونِ
الْكَوَاكِبِ! أَدْرَكْتُ وَتْرِي(2) مِنْ بَنِي عَبْدِ
مَنَاف، وَأَفْلَتَتْنِي أَعْيَانُ بَنِي جُمَحَ، لَقَدْ أَتْلَعُوا(3) أَعْنَاقَهُمْ إِلَى أَمْر لَمْ يَكُونُوا أَهْلَهُ فَوُقِصُوا(4) دوُنَهُ.

____________


1. العض ّ على السيوف: كناية عن الصبر في الحرب وترك الاستسلام.

2. الوِتْر: الثأر.

3. أتلعوا: أي رفعوا أعناقهم ومدّوها لتناول أمر، وهو مناوأة أميرالمؤمنين على الخلافة.

4. وُقِصوا: أي كُسرَت أعناقهم، دون الوصول إليه.



الصفحة 534
[ 219 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
[في وصف السالك الطريق إلى الله سبحانه]
قَدْ أَحْيَا عَقْلَهُ(1)، وَأَمَاتَ نَفْسَهُ(2)، حَتَّى دَقَّ جَلِيلُهُ(3)، وَلَطُفَ غَلِيظُهُ(4)، وَبَرَقَ لَهُ لاَمِعٌ كَثِيرُ الْبَرْقِ، فَأَبَانَ لَهُ الطَّرِيقَ، وَسَلَكَ بِهِ السَّبِيلَ، وَتَدَافَعَتْهُ الاَْبْوَابُ(5) إِلَى بَابِ السَّلاَمَةِ، وَدَارِ الاِْقَامَةِ، وَثَبَتَتْ رِجْلاَهُ بِطُمَأْنِينَةِ بَدَنِهِ
فِي قَرَارِ الاَْمْنِ وَالرَّاحَةِ، بِمَا اسْتَعْمَلَ قَلْبَهُ، وَأَرْضَى رَبَّهُ.

____________

1. إحياء العقل: بالعلم والفكر والنفوذ في الاسرار الالهية.
2. إماتة النفس: بكفّها عن شهواتها.
3. الجليل: العظيم. ودق: أي صغر حتى خفي أوكاد، والمراد نحول بدنه الكثيف.
4. لَطُفَ غليظه: تلطفت أخلاقه وصفت نفسه.
5. تَدافَعتهُ الابواب: أي مازال يتنقل من مقام إلى آخر من مقامات الكمال.



الصفحة 535
[ 220 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
قاله بعد تلاوته: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ(1) * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)
يَا لَهُ مَرَاماً(2) مَا أَبْعَدَهُ! وَزَوْراً(3) مَا أَغْفَلَهُ(4)! وَخطراً مَا أَفْظَعَهُ! لَقَدِ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ(5) أَيَّ مُذّكر، وَتَنَاوَشُوهُمْ(6)
مِنْ مَكَان بَعِيد! أَفَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ يَفْخَرُونَ! أَمْ
بِعَدِيدِ الْهَلْكَى يَتَكَاثَرُونَ! يَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً
خَوَتْ(7)، وَحَرَكَات سَكَنَتْ، وَلاََنْ يَكُونُوا عِبَراً، أَحَقُّ مِنْ أَنْ يَكُونُوا

____________

1. ألهاه عن الشيء: صرفه عنه باللهو، أي صرفكم عن الله اللهوُ والتكاثر بمكاثرة بعضكم لبعض وتعديد كل منكم مزايا أسلافه.
2. المَرام: الطلب بمعنى المطلوب.
3. الزَوْر ـ بالفتح ـ: الزائرون.
4. ما أغفلهُ: أي ما أشدّ غفلته.
5. اسْتَخْلَوْهم: وجدوهم خالين.
6. تَنَاوَشُوهم: تناولوهم.
7. خَوَتْ: سقط بناؤها وخلت من أرواحها.



الصفحة 536
مُفْتَخَراً، وَلاََن يَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّة، أَحْجَى(1) مِنْ أَنْ يَقُوموُا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّة!لَقَدْ نَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَةِ(2)، وَضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي غَمْرَةِ جَهَالَة، وَلَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْكَ الدِّيَارِ الْخَاوِيَةِ(3)، وَالْرُّبُوعِ(4) الْخَالِيَةِ، لَقَالَتْ: ذَهَبُوا فِي الاَْرْضِ ضُلاَّلاً(5)، وَذَهَبْتُمْ فِي أَعْقَابِهِمْ جُهَّالاً، تَطَأُونَ فِي هَامِهِمْ(6)، وَتَسْتَنْبِتُونَ(7) فِي أَجْسَادِهِمْ، وَتَرْتَعُونَ(Cool فِيَما لَفَظُوا،

____________

1. أحْجَى: أقرب للحجى أي العقل.
2. العَشْوَة: ضعف البصر.
3. الخاوية: المنهدمة.
4. الربوع: المساكن.
5. الضّلاّل ـ كعُشّاق ـ: جمع ضال.
6. هَام ـ جمع هَامة ـ: أعلى الرأس.
7. تَسْتَنْبِتون: أي تزرعون النبات في أجسادهم.
8. ترتعون: تأكلون وتتلذذون بما لفظوه، أي طرحوه وتركوه.



الصفحة 537
وَتَسْكُنُونَ فِيَما خَرَّبُوا، وَإِنَّمَا الاَْيَّامُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ بَوَاك(1) وَنَوَائِحُ(2) عَلَيْكُمْ.أُولئِكُمْ سَلَفُ غَايَتِكُمْ(3)، وَفُرَّاطُ(4) مَنَاهِلِكُمْ(5)، الَّذِينَ كَانتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ(6) الْعِزِّ، وَحَلَبَاتُ(7) الْفَخْرِ، مُلُوكاً وَسُوَقاً(Cool،
سَلَكُوا فِي بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِيلاً سُلِّطَتِ الاَْرْضُ
عَلَيْهِمْ فِيهِ، فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ، وَشَرِبَتْ مِنْ
دِمَائِهِمْ، فَأَصْبَحُوا فِي فَجَوَاتِ(9) قُبُورِهِمْ جَمَاداً لاَ يَنْمُونَ(10)، وَضِماراً(11) لاَ

____________

1. بَواك: جمع باكية.
2. نوائح: جمع نائحة.
3. سلف الغاية: السابق إليها، وغايتهم حد ما ينتهون إليه، وهو الموت.
4. الفُرّاط ـ جمع فارط ـ وهو كالفَرَط ـ بالتحريك ـ: متقدم القوم إلى الماء ليهيىء لهم موضع الشرب.
5. المَنَاهِل: مواضع ما تشرب الشاربة من النهر مثلاً.
6. مَقَاوِم: جمع مَقام.
7. الحَلَبات ـ جمع حَلْبة بالفتح ـ: وهي الدفعة من الخيل في الرِهان.
8. السُوَق ـ بضم ففتح ـ: جمع سُوقة ـ بالضم ـ: بمعنى الرعية.
9. الفَجَوات ـ جمع فَجْوة ـ: وهي الفُرْجة، والمراد منها هنا شق القبر.
10. يَنْمُون: من النماء، وهو الزيادة في الغذاء.
11. الضِمار ـ ككتاب ـ: المال لايرجى رجوعه.



الصفحة 538
يُوجَدُونَ، لاَ يُفْزِعُهُمْ وُروُدُ الاَْهْوَالِ، وَلاَ يَحْزُنُهُمْ تَنَكُّرُ الاَْحْوَالِ، وَلاَ يَحْفِلُونَ(1) بِالرَّوَاجِفِ(2)، وَلاَ يَأْذَنُونَ(3) لِلْقَوَاصِفِ(4)، غُيَّباً لاَ يُنْتَظَرُونَ، وَشُهُوداً لاَ يَحْضُرونَ، وَإِنَّمَا كَانُوا جَمِيعاً فَتَشَتَّتُوا، وَآلاَفاً(5) فافْتَرَقُوا، وَمَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ، وَلاَ بُعْدِ مَحَلِّهِمْ، عَمِيَتْ أخْبَارُهُمْ، وَصَمَّتْ(6)
دِيَارُهُمْ، وَلكِنَّهُمْ سُقُوا كَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ
خَرَساً، وَبِالسَّمْعِ صَمَماً، وَبِالْحَرَكَاتِ سُكُوناً، فَكَأَنَّهُمْ
فِي ارْتِجَالِ الصِّفَةِ(7) صَرْعَى(Cool
____________

1. لايَحْفِلون ـ بكسر الفاء ـ: لايبالون.
2. الرَوَاجِف ـ جمع راجفة ـ: الزلزلة توجب الاضطراب.
3. يَأذَنُون: يستمعون، والمصدر منه الاَذَن بالتحريك.
4. القواصف: من قصف الرعد: اشتدت هَدْهَدَته.
5. آلافاً ـ جمع أليف ـ: أي مؤتلف مع غيره.
6. صَمّ يَصَمّ ـ بالفتح فيهما ـ: خرس عن الكلام، وخرس الديار: ألاّ يصعد الصوت من سكانها.
7. ارتجال الصفة: وصف الحال بلا تأمل.
8. صرعى ـ جمع صريع ـ: أي هالك.



الصفحة 539
سُبَات(1)، جِيرَانٌ لاَ يَتَأَنَّسُونَ، وَأَحِبَّاءُ لاَ يَتَزَاوَرُونَ، بَلِيَتْ(2) بَيْنَهُمْ عُرَا(3)
التَّعَارُفِ، وَانْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الاِْخَاءِ، فَكُلُّهُمْ
وَحِيدٌ وَهُمْ جَمِيعٌ، وَبِجَانِبِ الْهَجْرِ وَهُمْ أَخِلاَّءُ، لاَ
يَتَعَارَفُونَ لِلَيْل صَبَاحاً، وَلاَ لِنَهَار مَسَاءً.أَيُّ الْجَدِيدَيْنِ(4) ظَعَنُوا فِيهِ كَانَ
عَلَيْهِمْ سَرْمَداً، شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ أَفْظَعَ مِمَّا
خَافُوا، وَرَأَوْا مِنْ آيَاتِهَا أَعْظَمَ مِمَّا قَدَّرُوا، فَكِلا
الْغَايَتَيْنِ(5)مُدَّتْ لَهُمْ إِلَى مَبَاءَة(6)، فَاتَتْ مَبَالِغَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ.
فَلَوْ كَانُوا يَنْطِقُونَ بِهَا لَعَيُّوا(7) بِصِفَةِ مَا شَاهَدُوا وَمَا عَايَنُوا، وَلَئِنْ عَمِيَتْ

____________

1. السُبات ـ بالضم ـ: أي النوم.
2. بَلِيَتْ: رثّت وَفَنِيَت.
3. العُرا ـ جمع عُرْوة ـ: وهي مَقْبِض الدلو والكوز مثلاً.
4. الجديدان: الليل والنهار.
5. يريد بالغايتين هنا: الجنة والنار.
6. المَبَاءة: مكان التبوّء والاستقرار، والمراد منها ما يرجعون إليه في الاخرة.
7. عَيّوا: عجزوا.



الصفحة 540
آثَارُهُمْ، وَانْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ، لَقَدْ رَجَعَتْ فِيهِمْ أَبْصَارُ الْعِبَرِ(1)، وَسَمِعَتْ عَنْهُمْ آذَانُ الْعُقُولِ، وَتَكَلَّمُوا مِنْ غَيْرِ جِهَاتِ النُّطْقِ، فَقَالُوا: كَلَحَتِ(2) الْوُجُوهُ النَّوَاضِرُ(3)، وَخَوَتِ(4) الاَْجْسَادُ النَّوَاعِمُ، وَلَبِسْنَا أَهْدَامَ(5) الْبِلَى، وَتَكَاءَدَنَا(6) ضِيقُ الْمَضْجَعِ، وَتَوَارَثْنَا الْوَحْشَةَ، وَتَهَكَّمَتْ(7) عَلَيْنَا الرُّبُوعُ(Cool الصُّمُوتُ(9)،
فَانْمَحَتْ مَحَاسِنُ أَجْسَادِنَا، وَتَنَكَّرَتْ مَعَارِفُ صُوَرِنَا،
وَطَالَتْ فِي مَسَاكِنِ الْوَحْشَةِ إِقَامَتُنَا، وَلَمْ نَجِدْ مِنْ
كَرْب فَرَجاً، وَلاَ
____________

1. العِبَر ـ جمع عِبْرة ـ: وهي ما يعتبر به، ويتخذ موعظة
2. كَلَح ـ كمنع ـ كُلُوحاً: تكشّر في عُبوس.
3. النواضر: الحسنة البواسم.
4. خَوَت: تهدمت بنيتها.
5. الاهدام ـ جمع هدم بكسر الهاء ـ: الثوب البالي أو المرقع.
6. تَكَاءدَهُ الامرُ: أي شقّ عليه.
7. تهكّمت: المراد هنا تهدمت.
8. الرُبُوع: أماكن الاقامة.
9. الصُموت: جمع صامت، والمراد بها القبور.



الصفحة 541
مِنْ ضِيق مُتَّسعاً!فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ بِعَقْلِكَ، أَوْ كُشِفَ عَنْهُمْ مَحْجُوبُ الْغِطَاءِ لَكَ، وَقَدِ ارْتَسَخَتْ(1) أَسْمَاعُهُمْ بِالْهَوَامِّ(2) فَاسْتَكَّتْ(3)، وَاكْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بِالتُّرَابِ فَخَسَفَتْ(4)، وَتَقَطَّعَتِ الاَْلْسِنَةُ فِي أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ ذَلاَقَتِهَا(5)، وَهَمَدَتِ الْقُلُوبُ فِي صُدُورِهِمْ بَعْدَ يَقَظَتِهَا، وعَاثَ(6) فِي كُلِّ جَارِحَة مِنْهُمْ جدِيدُ بِلىً(7) سَمَّجَهَا(Cool، وَسَهَّلَ طُرُقَ الاْفَةِ إِلَيْهَا، مُسْتَسْلِمَات فَلاَ أَيْد تَدْفَعُ، وَلاَ قُلُوبٌ تَجْزَعُ، لَرَأَيْتَ أَشْجَانَ قُلُوب(9)، وَأَقْذَاءَ عُيُون(10)، لَهُمْ فِي كَلِّ فَظَاعَة صِفَةُ

____________

1. ارتسخ: مبالغة في رسخ، ورسخ الغدير: نش ماؤه، أي أخذ في النقصان ونضب.
2. الهوام: الديدان.
3. استكّت الاذن: صمّت.
4. خسفت عين فلان: فقئت.
5. ذلاقة الالسن: حدتها في النطق.
6. عاث: أفسد.
7. البِلى: التحلل والفناء.
8. سمّج الصورة تسميجاً: قبّحها.
9. أشجان القلوب: همومها.
10. أقذاء العيون: ما يسقط فيها فيؤلمها.



الصفحة 542
حَال لاَ تَنْتَقِلُ، وَغَمْرَةٌ(1) لاَ تَنْجَلِي.فَكَمْ أَكَلَتِ الاَْرْضُ مِنْ عَزِيزِ جَسَد، وَأَنِيقِ(2) لَوْن، كَانَ فِي الدُّنْيَا غَذِيَّ(3) تَرَف، وَرَبِيبَ(4) شَرَف! يَتَعَلَّلُ(5) بالسُّرُورِ فِي سَاعَةِ حُزْنِهِ، وَيَفْزَعُ إِلَى السَّلْوَةِ(6) إِنْ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ، ضَنّاً(7) بِغَضَارَةِ عَيْشِهِ(Cool، وَشَحَاحَةً(9) بِلَهْوِهِ وَلَعِبِهِ!

____________

1. الغَمْرة: الشدة.
2. الانيق: رائق الحسن.
3. الغَذِيّ: اسم بمعنى المفعول أي مغذّى بالنعيم.
4. الربيب: بمعنى المربى، ربّه يربّه أي رباه.
5. يتعلّل: يتشاغل.
6. السلوة: انصراف النفس عن الالم بتخيّل اللذة.
7. ضناً: أي بخلاً.
8. غَضارة العيش: طيبه.
9. شحاحةً: بخلاً وضناً.



الصفحة 543
فَبَيْنَا هُوَ يَضْحَكُ إِلَى الدُّنْيَا وَتَضْحَكُ إِلَيْهِ فِي ظِلِّ عَيْش غَفُول(1)، إِذْ وَطِىءَ الدَّهْرُ بِهِ حَسَكَهُ(2)، وَنَقَضَتِ الاَْيَّامُ قُوَاهُ، وَنَظَرَتْ إِلَيْهِ الْحُتُوفُ(3) مِنْ كَثَب(4)، فَخَالَطَهُ(5) بَثٌّ(6) لاَ يَعْرِفُهُ، وَنَجِيُّ(7) هَمٍّ مَا كَانَ يَجِدُهُ، وَتَوَلَّدَتْ فِيهِ فَتَرَاتُ(Cool عِلَل، آنَسَ مَا كَانَ بِصِحَّتِهِ، فَفَزِعَ إِلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ الاَْطِبَّاءُ مِنْ تَسْكِينِ الْحَارِّ بِالْقَارِّ(9)، وَتَحْرِيكِ الْبَارِدِ بالْحَارِّ، فَلَمْ يُطْفِىءْ
____________

1. عيش غَفول: وصف العيش بالغفلة لانه إذا كان هنيئا يوجبها.
2. الحَسَك: نبات تعلق قشر ته بصوف الغنم، ورقه كورق الرجلة أو أدق، وعند ورقه شوك ملزز صلب ذوثلاث شُعب، وهو تمثيل لمسّ الالام.
3. الحُتوف: المهلكات، وأصل الحَتْف: الموت.
4. كَثَب ـ بالتحريك ـ: أي قُرْب.
5. خالطه الحزن: مازج خواطره.
6. البَثّ: الحزن.
7. النَجِيّ: المُناجي.
8. الفَترات: جمع فتْرة، وهي المدة من الزمن، ويريد بفترات العلل أوائلَ السقم والمرض وانحطاط القوة.
9. القارّ ـ بتشديد الراء على وزن اسم الفاعل ـ هنا: البارد.



الصفحة 544
بِبَارِد إِلاَّ ثَوَّرَ حَرَارَةً، وَلاَ حَرَّكَ بِحَارٍّ إِلاَّ هَيَّجَ بُرُودَةً، وَلاَ اعْتَدَلَ بِمُمَازِج(1) لِتِلْكَ الطَّبَائِعِ إِلاَّ أَمَدَّ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ دَاء، حَتَّى فَتَرَ مُعَلِّلُهُ(2)، وَذَهَلَ مُمَرِّضُهُ، وَتَعَايَا أَهْلُهُ(3)بِصِفَةِ
دَائِهِ، وَخَرِسُوا عَنْ جَوَابِ السَّائِلِينَ عَنْهُ، وَتَنَازَعُوا
دُونَهُ شَجِيَّ خَبَر يَكْتُمُونَهُ، فَقَائِلٌ [يَقُولُ] هُو لِمَا بِهِ(4)، وَمُمَنّ(5) لَهُمْ إِيَابَ(6) عَافِيَتِهِ، وَمُصَبِّرٌ لَهُمْ عَلَى فَقْدِهِ، يُذَكِّرُهُمْ أُسَى(7) الْمَاضِينَ مِنْ قَبْلِهِ.فَبَيْنَا هُوَ كَذلِكَ عَلَى جَنَاح مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا، وَتَرْكِ
الاَْحِبَّةِ، إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ، فَتَحَيَّرَتْ
نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ(Cool، وَيَبِسَتْ رُطُوبَةُ لِسَانِهِ، فَكَمْ

____________

1. اعتدل بممازج: أي طلب تعديل مزاجه بدواء يمازج ما فيه من الطبائع.
2. مُعَلّل المريض: من يسليه عن مرضه بترجية الشفاء.
3. تَعَايا أهله: اشتركوا في العجز عن وصف دائه.
4. هو لِمَا به: أي هو مملوك لعلته فهو هالك.
5. المُمَنّى: مخيّل الامنية.
6. الاياب: الرجوع.
7. أُسى: جمع أُسوة.
8. نوافذ الفِطْنة: ما كان من أفكار نافذة أي مصيبة للحقيقة.



الصفحة 545
مِنْ مُهِمّ مِنْ جَوَابِهِ عَرَفَهُ فَعَيَّ(1)
عَنْ رَدِّهِ، وَدُعَاء مُؤْلِم لِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عنْهُ،
مِنْ كَبِير كَانَ يُعَظِّمُهُ، أَوْ صَغِير كَانَ يَرْحَمُهُ! وَإِنَّ
لِلْمَوْتِ لَغَمَرَات(2) هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَة، أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ(3) أَهْلِ الدُّنْيَا.

[ 221 ]
ومن كلام له (عليه السلام)

قاله عند تلاوته:

(رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ)

إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الذِّكْرَ(4) جِلاَءً(5) لِلْقُلُوبِ، تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَةِ(6)، وَتُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ الْعَشْوَةِ(7)، وَتَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ، وَمَا بَرِحَ لله ـ عَزَّتْ آلاَؤهُ

____________


1. عَيّ: عجز لضعف القوة المحركة للسانه.

2. الغَمرات: الشدائد، ويريد بها هنا سَكَرات الموت.
3. تعتدل على عقولهم: أي تستقيم عليها بالقبول والادراك.

4. الذّكر: استحضار الصفات الالهية.

5. جِلاء ـ بالكسر ـ: من جلا السيف يجلوه إذا صقله وأزال منه صدأه.

6. الوَقْرَة: ثِقَل في السمع.

7. العَشْوة: ضعف البصر.



الصفحة 546
ـ فِي الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ، وَفِي أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ(1)، عِبَادٌ نَاجَاهُمْ(2) فِى فِكْرِهِمْ، وَكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ، فَاسْتَصْبَحُوا(3)
بِنُورِ يَقَظَة فِي الاَْسْمَاعِ وَالاَْبْصَارِ وَالاَْفْئِدَةِ،
يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اللهِ، وَيُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ، بِمَنْزِلَةِ
الاَْدِلَّةِ(4) فِي الْفَلَوَاتِ(5)، مَنْ أَخَذَ الْقَصْدَ(6)
حَمِدُوا إِلَيْهِ طَرِيقَهُ، وَبَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ، وَمَنْ أَخَذَ
يَمِيناً وَشِمَالاً ذَمُّوا إِلَيْهِ الطَّرِيقَ، وَحَذَّرُوهُ مِنَ
الْهَلَكَةِ، فَكَانَوا كَذلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ،
وَأَدِلَّةَ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ.وَإِنَّ لِلذِّكْرِ لاََهْلاً أَخَذُوهُ مِنَ الدُّنْيَا بَدَلاً، فَلَمْ
تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْهُ، يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ
الْحَيَاةِ، وَيَهْتِفُونَ(7) بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ، في أَسْمَاعِ

____________

1. الفَتْرة بين العملين: زمان بينهما يخلو منهما، والمراد: أزمنة الخلوّ من الانبياء مطلقاً.
2. ناجاهم: أي خاطبهم بالالهام.
3. استصبح: أضاء مصباحه.
4. الادلة: الذين يدلون المسافرين على الطريق.
5. الفَلَوات: المَفَازَات والقِفار.
6. أخذ القصد: ركب الاعتدال في سلوكه.
7. هَتَفَ به ـ كضرب ـ: صاح ودعا، وهتفت الحمامة: صاتت.



الصفحة 547
الْغَافِلِينَ، وَيَأْمُرُونَ بِالقِسْطِ(1) وَيَأْتَمِرُونَ بِهِ(2)،
وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ، فَكَأَنَّمَا
قَطَعُوا الدُّنْيَا إِلَى الاْخِرَةِ وَهُمْ فِيهَا، فَشَاهَدُوا
مَاوَرَاءَ ذَلِكَ، فَكَأَنَّمَا اطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ الْبَرْزَخِ
فِي طولِ الاِْقَامَةِ فِيهِ، وَحَقَّقَتِ الْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ
عِدَاتِهَا(3)، فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذلِكَ لاَِهْلِ
الدُّنْيَا، حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لاَ يَرَى النَّاسُ،
وَيَسمَعُونَ مَا لاَ يَسْمَعُونَ.فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِكَ فِي مَقَاوِمِهِمُ(4) الْـمَحْمُودَةِ، وَمَجَالِسِهِمُ الْمَشْهُودَةِ، وَقَدْ نَشَرُوا دَوَاوِينَ(5)
أَعْمَالِهِمْ، وَفَرَغُوا لِـمُحَاسَبَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَعَلَى كُلِّ
صَغِيرَة وَكَبِيرَة أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا، أَوْ نُهوُا
عَنْهَا فَفَرَّطُوا فِيهَا، وَحَمَّلُوا ثِقَلَ أَوْزَارِهِمْ(6) ظُهُورَهُمْ، فَضَعُفُوا عَنِ الاْسْتِقلاَلِ بِهَا، فَنَشَجُوا(7) نَشِيجاً،

____________

1. القِسْط: العدل.
2. يأتمرون به: يمتثلون الامر.
3. العِدَات ـ جمع عِدَة بكسر ففتح مخفف ـ: الوعود.
4. مَقاوِم ـ جمع مَقام ـ: مقاماتهم في خطاب الوعظ.
5. الدواوين: جمع ديوان وهو مجتمع الصحف. والدفتر: ما يكتب فيه أسماء الجيش وأهل الاعطيات.
6. الاوزار ـ جمع وِزْر ـ: الحِمْل، ويراد بها هنا الذنوب.
7. نَشَجَ الباكي يَنْشِج ـ كضرب يضرب ـ نشيجاً: غصّ بالبكاء في حلقه.



الصفحة 548
وَتَجَاوَبُوا نَحِيباً(1)، يَعِجُّونَ(2)
إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَم وَاعْتِرَاف، لَرَأَيْتَ أَعْلاَمَ
هُدىً، وَمَصَابِيحَ دُجىً، قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلاَئِكَةُ،
وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَفُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ
السَّماءِ، وَأَعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ الْكَرَامَاتِ، فِي مَقْعَد
اطَّلَعَ اللهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ، فَرَضِيَ سَعْيَهُمْ، وَحَمِدَ
مَقَامَهُمْ، يَتَنَسَّمُونَ بِدُعَائِهِ رَوْحَ(3) التَّجَاوُزِ، رَهَائِنُ فَاقَة إِلَى فَضْلِهِ، وَأُسَارَى ذِلَّة لِعَظَمَتِهِ، جَرَحَ طُولُ الاَْسَى(4)
قُلُوبَهُمْ، وَطُولُ الْبُكَاءِ عُيُونَهُمْ. لِكُلِّ بَابِ رَغْبَة
إِلَى اللهِ سُبحانَهُ مِنْهُمْ يَدٌ قَارِعةٌ، يَسْأَلُونَ مَنْ لاَ
تَضِيقُ لَدَيْهِ الْمَنَادِحُ(5)، وَلاَ يَخِيبُ عَلَيْهِ الرَّاغِبُونَ.فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ الاَْنْفُسِ لَهَا حَسِيبٌ غَيْرُكَ.

____________

1. النَحِيب: أشد البكاء. وتجاوبوا به: أجاب بعضهم بعضاً يتناحبون.
2. عجّ: يَعِجّ ـ كضرب ومل ـ: صاح ورفع صوته، فهم يصيحون في مواقف الندم والاعتراف بالخطا.
3. تنسّمَ النسيمَ: تشمّمه. والرَوْح ـ بالفتح ـ: النسيم، أي يتوقعون التجاوز بدعائهم له.
4. الاسى: الحزن.
5. المَنَادح ـ جمع منْدوحة ـ: وهي كالنُدْحة ـ بالضم والفتح ـ. والمُنْتَدَح ـ بفتح الدال ـ: المتسع من الارض.



الصفحة 549
[ 222 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
قاله عند تلاوته:
(يَا أَيُّهَا الاِْنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ)
أَدْحَضُ مَسْؤُول حُجَّةً(1)، وَأَقْطَعُ مُغْتَرٍّ مَعْذِرَةً، لَقَدْ أَبْرَحَ جَهَالَةً بِنَفْسِهِ(2).
يَا أَيُّهَا الاِْنْسَانُ، مَا جَرَّأَكَ عَلَى ذَنْبِكَ، وَمَا غَرَّكَ
بِرَبِّكَ، وَمَا آنَسَكَ بِهَلَكَةِ نَفْسِكَ؟ أَمَا مِنْ دَائِكَ بُلوُلٌ(3)، أَمْ لَيْسَ مِنْ نَوْمَتِكَ يَقَظَةٌ؟ أَمَا ترْحَمُ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَرْحَمُ مِنْ غَيْرِكَ؟ فَلَرُبَّمَا تَرَى الضَّاحِيَ(4) مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فَتُظِلُّهُ، أَوْ تَرَى الْمُبْتَلَى بِأَلَم يُمِضُّ جَسَدَهُ(5)
فَتَبْكِي رَحْمَةً لَهُ! فَمَا صَبَّرَك عَلَى دَائِكَ، وَجَلَّدَكَ
عَلَى مُصَابِكَ، وَعَزَّاكَ عَنِ الْبُكَاءِ عَلَى نَفْسِكَ وَهِيَ
أَعَزُّ الاَْنْفُسِ عَلَيْكَ! وَكَيْفَ لاَ يُوقِظُكَ خَوْفُ بَيَاتِ
نِقْمَة(6)، وَقَدْ تَوَرَّطْتَ
بمَعَاصِيهِ مَدَارِجَ سَطَوَاتِهِ!

____________

1. دَحَضَت الحجّةُ ـ كمنع ـ: بَطَلَت.
2. أبرح جهالة بنفسه أي: أعجبته نفسه بجهالتها.
3. بَلّ مرضُهُ يَبِلّ ـ كقلّ يقلّ ـ بُلولاً: حسنت حاله بعد هُزال.
4. ضحا ضَحْواً: برز في الشمس.
5. يُمِضّ جسده: يبالغ في نهكه.
6. بَيَات نِقْمة: أي أن تبيت بنقمة من الله ورزية تذهب بنعيمك وقد وقعت بمعاصيه.



الصفحة 550
فَتَدَاوَ مِنْ دَاءِ الْفَتْرَةِ فِي قَلْبِكَ بِعَزِيمَة، وَمِنْ كَرَى(1) الْغَفْلَةِ فِي نَاظِرِكَ بِيَقَظَة، وَكُنْ لله مُطِيعاً، وَبِذِكْرِهِ آنِساً، وَتَمَثَّلْ(2) فِي حَالِ تَوَلِّيكَ(3) عَنْهُ إِقْبَالَهُ عَلَيْكَ، يَدْعُوكَ إِلَى عَفْوِهِ، وَيَتَغَمَّدُكَ(4) بِفَضْلِهِ، وَأَنْتَ مُتَوَلٍّ عنْهُ إِلَى غَيْرِهِ.فَتَعَالى مِنْ قَوِيّ مَا أَكْرَمَهُ! وَتَوَاضَعْتَ مِنْ ضَعِيف مَا
أَجْرَأَكَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ! وَأَنْتَ فِي كَنَفِ سِتْرِهِ مُقيِمٌ،
وَفِي سَعَةِ فَضْلِهِ مَتَقَلِّبٌ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ فَضْلَهُ، وَلَمْ
يَهْتِكْ عَنْكَ سِتْرَهُ، بَلْ لَمْ تَخْلُ مِنْ لُطْفِهِ مَطْرِفَ عَيْن(5)
فِي نِعْمَة يُحْدِثُهَا لَكَ، أَوْ سَيِّئَة يَسْتُرُهَا عَلَيْكَ، أَوْ
بَلِيَّة يَصْرِفُهَا عَنْكَ، فَمَا ظَنُّكَ بِهِ لَوْ أَطَعْتَهُ! وَايْمُ
اللهِ لَوْ أَنَّ هذِهِ الصِّفَةَ كَانَتْ فِي مُتَّفِقَيْنِ فِي
الْقُوَّةِ، مُتَوَازِيَيْنِ فِي الْقُدْرَِ، لَكُنْتَ أَوَّلَ حَاكِم عَلى
نَفْسِكَ بِذَمِيمِ الاَْخْلاَقِ، وَمَسَاوِىءِ
الاَْعَمْالِ.

____________

1. الكَرَى ـ بالفتح والقصر ـ: النوم.
2. تمثّل: تصور.
3. تَوَلّيك: إعراضك.
4. يتغمدك: أي يغمرك ويسترك.
5. طَرَفَ عينه ـ كضرب ـ: أطبق جفْنَيْها، والمراد من المَطْرَف: اللحظة يتحرك فيها الجفن.



الصفحة 551
وَحَقّاً أَقُولُ! مَا الدُّنْيَا غَرَّتْكَ، وَلكِنْ بِهَا اغْتَرَرْتَ، وَلَقَدْ كَاشَفَتْكَ الْعِظَاتِ(1)، وَآذَنَتْكَ(2)
عَلَى سَوَاء، وَلَهِيَ بِمَا تَعِدُكَ مِنْ نُزُولِ الْبَلاَءِ
بِجِسْمِكَ، وَالنَّقْصِ فِي قُوَّتِكَ، أَصْدَقُ وَأَوْفَى مِنْ أَنْ
تَكْذِبَكَ، أَوْ تَغُرَّكَ، وَلَرُبَّ نَاصِح لَهَا عِنْدَكَ مُتَّهَمٌ(3)، وَصَادِق مِنْ خَبَرِهَا مُكَذَّبٌ، وَلَئِنْ تَعَرَّفْتهَا(4)
فِي الدِّيَارِ الْخَاوِيَةِ، وَالرُّبُوعِ الْخَالِيَةِ، لَتَجِدَنَّهَا
مِنْ حُسْنِ تَذْكِيرِكَ، وَبَلاَغِ مَوْعِظَتِكَ، بِمَحَلَّةِ الشَّفِيقِ
عَلَيْكَ، وَالشَّحِيحِ بك(5)! وَلَنِعْمَ دَارُ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا دَاراً، وَمَحَلُّ مَنْ لَمْ يُوَطِّنْهَا(6) مَحَلاًّ! وَإِنَّ السُّعَدَاءَ بالدُّنْيَا غَداً هُمُ الْهَارِبُونَ مِنْهَا الْيَوْمَ.
____________

1. كاشَفَتْكَ العظاتِ ـ بالنصب على نزع الخافض ـ: أظهرت لك العظات أي المواعظ.
2. آذنتك: أعلمتك على عدل.
3. رب ناصح لها عندك مُتّهم: رب حادث من حوادثها يلقي إليك النصيحة بالعِبْرة فتتّهمه وهو مخلص.
4. تعرّفتها: طلبت معرفتها وعاقبة الركون إليها.
5. الشحيح بك: البخيل بك على الشقاء والهَلَكة.
6. وطّنه ـ بالتشديد ـ: اتخذه وطناً.



الصفحة 552
إِذَا رَجَفَتِ الرَّاجِفَةُ(1)، وَحَقَّتْ(2) بِجَلاَئِلِهَا الْقِيَامَةُ، وَلَحِقَ بِكُلِّ مَنْسَك(3) أَهْلُهُ، وَبِكُلِّ مَعْبُود عَبَدَتُهُ، وَبِكُلِّ مُطَاع أَهْلُ طَاعَتِهِ، فَلَمْ يُجْزَ(4)
فِي عَدْلِهِ وَقِسْطِهِ يَوْمَئِذ خَرْقُ بَصَر فِي الْهَوَاءِ، وَلاَ
هَمْسُ قَدَم فِي الاَْرْضِ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فَكَمْ حُجَّة يَوْمَ ذَاكَ
دَاحِضَة، وَعَلاَئِقِ عُذْر مُنْقَطِعَة!فَتَحَرَّ(5) مِنْ أَمْرِكَ مَايَقُومُ بِهِ عُذْرُكَ، وَتَثْبُتُ بِهِ حُجَّتُكَ، وَخُذْ مَا يَبْقَى لَكَ مِمَّا لاَ تَبْقَى لَهُ، وَتَيَسَّرْ(6) لِسَفَرِكَ، وَشِمْ بَرْقَ(7) النَّجَاةِ، وَارْحَلْ مَطَايَا(Cool التَّشْمِيرِ.

____________

1. الراجفة: النفخة الاولى حين تهب ريح الفناء فتنسف الارض نسفاً.
2. حقّت القيامة: وقعت وثبتت بعظائمها.
3. المَنْسَك ـ بفتح الميم والسين ـ: العبادة أو مكانها.
4. لم يُجْزَ ـ من الجزاء ـ: مبني للمجهول ونائب فاعله «خَرْقُ بصر»
و«هَمْسُ قدم»، أي لاتجازَى لمحة البصر تنفذ في الهواء ولا همسة القدم في
الارض إلاّ بحق، وذلك بعدل الله.
5. تَحَرّ: من التحري، أي اطلب ما هو أحرى وأليق.
6. تيسر: تأهب.
7. شامَ البرق: لمحه.

8. رَحَل المطيةَ: وضع عليها رحلها للسفر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://minhaj.ahlamontada.com
 
نهج البلاغة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منهاج السنة للرد على الشيعة :: ۞ الْمَكْتَبَةُ السُّنِّيَّةُ الشِّيعِيَّةُ ۞-
انتقل الى: