الإمامة عند الشيعة
من خلال مرويات أصول الكافي
دراسة مقارنة بالقرآن والعقل
تأليف
آية الله العظمى السيد أبو الفضل ابن الرضا
مقدمة المؤلف:
اخترت من بين كتب الشيعة المعتبرة كتاب الأصول الكافي لأنهم يعتبرونه من أوثق الكتب وأحسنها.
ومع الأسف فإن العلماء المتمذهبين المتأخرين، لم يحاولوا دراسة مسائل هذا الكتاب، والتحقيق فيها، بل قلدوا الرواة الذين سبقوهم، وكان الوضاعون من أشباه المتعلمين وأصحاب الخرافات قد أحدثوا أكثر هذه الأخبار في القرن الثاني أو الثالث حين لم يكن هناك حوزة علمية ـ [المدرسة الدينية تسمى عند الشيعة بالحوزة الدينية، أو الحوزة العلمية] ـ أو مركز للبحوث، أو الجامعات ذات مستوى علمي مرموق لتمحص تلك الأخبار.
إن الشيخ الصدوق كان إنساناً محترفاً يبيع الأرز في قم، ومحمد بن يعقوب الكليني أيضاً كان بقالاً في بغداد.
والعجيب حقاً أن لقب (آية الله) أو (حجة الإسلام) أكبر عندهم وأجل من وصف (ثقة الإسلام) ومع ذلك فكل الذين يدّعون لأنفسهم لقب (آية الله) أو سماهم الناس كذلك، هم يقلدون الكليني الملقب بثقة الإسلام، وهو أقل ربتة منهم.
قيمة كتاب الكافي عند الشيعة:
هل كتاب الكافي كاف للمسلمين؟
يقول الشيخ النوري في المستدرك(3/532): (لم يؤلف مثل كتاب الكافي في الإسلام، وهو مدار مذهب الشيعة، ومن أكبر كتبهم وأجمعها).
وكتب كل من المجلسي والممقاني وسائر علماء الشيعة فقالوا: إن الكافي من أوثق وأضبط كتبنا، وزعموا في المستدرك وتنقيح المقال أن كتاب الكافي بلا شك قد وصل ليد إمام الزمان (المهدي المنتظر-ع-) أو نوابه وهؤلاء قد حكموا بصحته، وهذا الكلام ليس له دليل قطعي ولا يمكن التمسك به، فلا دليل إذن لمقولتهم أن إمام الزمان (أي الإمام المهدي) قال: الكافي كافٍ لشيعتنا، رغم ما كتبه العلامة الممقاني في (2/203): (يقال عرض على القائم - ع - [وهو المهدي المنتظر عند الشيعة] فاستحسنه وقال: كاف لشيعتنا). فإنهم لم يأتوا بأي دليل لهذا القول في كتاب ما، ولم يعيّنوا من الذي روى ذلك عن الإمام. والعجيب حقاً هو أنهم لما أرادوا أن يزيدوا من عظمة الكتاب، أشاعوا هذا الكلام الذي لا سند له.
لا مفر من العجب:
وإن من العجب أن الشيعة يدّعون أن القرآن غير كاف للأمة الإسلامية، بينما يقولون إن الإمام القائم قال: كتاب الكليني كافٍ!
لا ريب أن أمير المؤمنين والنبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه وسائر الأئمة عليهم السلام قد اعتبروا القرآن كافياً وذلك بناءً على ما جاء في نهج البلاغة وسائر الروايات المنقولة، كخطبة (159)، قال: (أرسله بحجة كافية) يعني أرسل رسوله بحجة كافية وهي القرآن، وقال في خطبة (81) : (كفى بالكتاب حجيجاً وخصيماً) بل الله تعالى نفسه قال عن القرآن [في سورة النساء: :166]: ?لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً? . وقال [في سورة الفرقان: من الآية31]: ?وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً?.
وطبقاً لآيات القرآن فإن الهداية الكافية هي القرآن حيث قال تعالى [في سورة العنكبوت: من الآية51]: ?أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ?، فهو كاف حتماً. وقال [في سورة المائدة من الآية16]: ?قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ?.
وقد حصر الله في كثير من الآيات الهداية بالقرآن وأتباعه، ولم يجعلها في كتاب آخر، وقال: ?قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى?
والآن هل يمكن القول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر المسلمين في الصدر الأول حتى زمن الكليني لم يكن لديهم كتاب يكفيهم لدينهم؟
كيفية أحاديث الكافي:
الكافي يحتوي على (16199)حديثاً وشاع بين أئمة الشيعة أن هذا الكتاب من أوثق الكتب، وعلى أنه صحيح كله.
والجواب على هذا هو ما كتبه الكليني نفسه في المقدمة، حيث قال: (يا أخي أرشدك الله إنه لا يسع أحداً تمييز شيء مما اختلفت الرواية فيه عن العلماء).
وكتب المجلسي الذي كان أستاذ مصطلح الحديث والرجال لدى الشيعة شرحاً على الكافي وسماه: (مرآة العقول) حيث عدّ معظم أخبار الكافي ضعيفة ومجهولة ومرسلة، وضعّف من حيث السند تقريباً تسعة آلاف حديث من أحاديث الكافي.
وفي حوار مع أحد المجتهدين قال: إن أحاديث الكافي كلها صحيحة ولا يحتمل الشك فيها أبداً، وإذا قال أحد غير هذا فهو مغرض، فقلت لهذا المجتهد: إذا كنت تقول بصحة جميع أحاديثه فلم لا تعتقد بثلاثة عشر إماماً؛ ذلك لأنه روي في المجلد الأول من الكافي في باب "عدد الأئمة" أربع روايات على أن الأئمة ثلاثة عشر إماماً.
قال: أرني ذلك، فأريته فتعجب، وقال ما رأيت ذلك من قبل.
وعلى هذا تبين أن هؤلاء يحكمون منحازين بلا روية ورؤية!.
قال العلامة المجلسي في الصفحة الخامسة من كتابه مرآة العقول: (وأما جزم بعض المجازفين بكون جميع الكافي معروضاً على القائم (أي المهدي) فلا يخفى ما فيه على ذي لب).
شرح بعض المصطحات الحديثية كما في مذهب الشيعة:
ستكون المناقشة في أصول الكافي؛ حيث أن غالب أخباره تتعلق بالعقائد [لأن كتاب الكافي مقسم إلى الأصول والفروع، الأول ما يتعلق بالعقيدة، والثاني بالأحكام، وفيه كذلك قسم ثالث يسمى الروضة].
أقسام الحديث عند الشيعة:
الحديث الضعيف: هو الحديث الذي يكون أحد رواته من الفساق أو الكفار أو الشاكين في الدين أو المجهولين.
وأما الحديث المرسل: فهو الذي لا يكون سنده متصلاً، ويسقط من السند راوٍ أو أكثر.
والحديث المرفوع: هو أن ينقل الراوي اللاحق عن رواة لم يكونوا في عصره، وذلك دون أن يذكر بينهما أية واسطة. وإن كان كلاً من الحديث المرسل أو المرفوع أو الضعيف ساقط من الاعتبار ولا يعتد به.
ومعظم أخبار الكافي هي من هذا القبيل وبشهادة علماء الرجال، وسوف يتبين ذلك في هذا الكتاب.
أصول الكافي
كتاب الحجة
باب الإظطرار إلى حجة
حديث1: سنده: مجهول، كما قال المجلسي لوجود عباس بن عمر الفقيمي المجهول الحال.
وأما متنه: ففيه سأل زنديقٌ الإمامَ الصادقَ عن دليل لإثبات لزوم الأنبياء والرسل، فأجابه الإمام، ومما قال: (...لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته)، وهنا أراد المجلسي في كتاب المرآة أن يستنتج من هذه الكلمات: (إثبات وجود الأوصياء والأئمة) وهذا الاستنتاج غير صحيح، لأن الإمام، أولاً: يعين بهذه الكلمات إثبات الرسل، وأن الأنبياء هم الحجة وحدهم، وقال علي عليه السلام في نهج البلاغة في خطبة رقم 144: (بعث رسله بما خصهم به من وحيه، وجعلهم حجة له على خلقه، لئلا تجب الحجة لهم بترك الإعذار إليهم) ولا حجة بعد الرسل كما قال القرآن في سورة النساء الآية: 165: ?لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ?. وهذا الاستنتاج مخالف كذلك لقول أمير المؤمنين حيث يقول في نهج البلاغة في خطبة رقم 90: (تمّت بنبيّنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حجته)، على كل حال ينبغي على هؤلاء أن يثبتوا حجة الإمام ولزومه بكلمات الله تعالى لأنها هي الحجة، ولما كان كلام الله ليس فيه شيء من هذا، فهم يريدون أن يثبتوا ذلك بكلمات الإمام والروايات المسندة إليه مع أنه لا حجية في الكلمات والأخبار والآحاد عن الروايات.
حديث 2: سنده: مجهول، كما قال المجلسي.
وأما متنه: ففيه ما يخالف القرآن والعقل ومن جملة ذلك ما قاله منصور بن حازم، صانع الحجج، قلت للإمام: قلت للناس: تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان هو الحجة من الله على خلقه؟ قالوا: بلى، قلت فحين مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كان الحجة على خلقه؟ فقالوا: القرآن، فنظرت في القرآن، فإذا هو يخاصم به المُرجئُ والقدريُّ والزنديق الذي لا يؤمن به، حتى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيّم، فهنا أوجد القرآن حجة، ثم يقول: ذلك القيم هو علي بن أبي طالب، ويريد أن يقول: إن كل إمام قيّم للقرآن، حيث أن كل ما يقوله في القرآن حق!! وزعم أنه أفحم السائل.
فنقول في الرد عليه:
أولاً: إنك قلت إن كل صاحب مذهب وزنديق استدل بالقرآن على خصمه، والجواب هو: أن الذين اتبعوا الإمام واعتبروه حجة، هم أيضاً تفرقوا إلى مئة فرقة، كالصوفية، والشيخية، والأصولية، والأخبارية، وهكذا... وكل واحد منهم يستدل بقول الإمام على خصمه! فكما يحتاج القرآن إلى قيم، كذلك يحتاج الإمام إلى قيم أيضاً.
ثانياً: إن كل متمذهب يستدل بالقرآن على خصمه، فقولوا أنتم صراحة إن القرآن ليس بحجة لأن أهل الباطل يستدلون به، مع أنكم لا تستطيعون ذلك، ولا يمكنكم أن تتفوهوا به.
ثالثاً: نحن لا نسلم أن أهل الباطل يقدرون أن يستدلوا بالقرآن لرأيهم، إلا إذا عمي الناس وجهلوا القرآن، أجل في بيئة العميان كل واحد يمكن له أن يدّعي أنه جميل! وبما أنه في زماننا هذا لا يعرف الناس شيئاً عن القرآن ولغته، فكل واحد يستدل بالقرآن على رأيه الباطل ودعواه الفاسدة.
وعلى سبيل المثال، استدل (مُلاَّ صدرا) لمسألته في وحدة الوجود بالأية 49 من سورة الكهف: ?لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا?، يعني أن الوجود المطلق احتوى كل صغير وكبير من الموجودات، مع أن الذي له أدنى إلمام بالقرآن، يعلم أن هذه الآية تتعلق برسالة الأعمال يوم القيامة؛ حيث يقول أهل القيامة: ?يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا?. نعم أسقط (ملا صدرا) صدر الآية لإثبات باطله، ثم استدل بها.
و على سبيل المثال أيضاً نقول: يستدل الشيعة لإثبات مذهبهم بالآية 67من سورة المائدة: ?يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ...? يستدلون على أنها لخلافة علي رضي الله عنه، ولكنهم أي الخلفاء أسقطوا كلمة علي من الآية.
ولكن الذي له معرفة بلغة العرب والقرآن يعلم أن الله تعهد أن يحفظ القرآن من النقص والزيادة، وليس في القرآن شيء قد أنزل بخصوص خلافة علي، والله يأمر رسوله في هذه الآية أن يبلغ ما أنزل إليه بشأنها! وهذه الآية هي رديف للآيات التي ترد على أهل الكتاب، حيث يقول الله: ? بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ? في بطلان أهل الكتاب.
إن الذي ينظر في الآيات السابقة والآيات اللاحقة لهذه الآية تتراءى وتظهر له الحقيقة جلية قال تعالى في هذه الآية: ? بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ? ثم بعد ذلك مباشرة قال: ?قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ?. فإن الذي يتوجه إلى العوام بالمكر والخديعة؛ من أجل إثبات ما يدعيه من الباطل ليستدل بالقرآن فكأنه يتكلم في بيئة العميان، فإن كان صادقاً فعليه أن يلقي استدلاله في بيئة أهل الذكر وأولي الأبصار، ويترك الغرض السيء والمرض، لأنه لا يمكن لأي ضال أن يستدل بالقرآن لإثبات غيّه.
وههنا لما أراد منصور بن حازم أن يتلاعب بالقرآن ويسقط حجيته بدأ يتخلق الروايات! والكليني ومقلدوه أسقطوا القرآن عن الحجية توهماً، وصنعوا له قيّماً.
بالإضافة إلى ذلك نقول: لنفرض أن هناك قيماً للقرآن وذلك القيم هو الإمام، والآن حيث لا إمام قائم فماذا نعمل؟ هل يجب الاستدلال بالقرآن أم لا ؟ إنهم لا يجدون جواباً.
حديث 3: سنده: مجهول كما قال المجلسي.
وأما متنه: قال هشام بن عمرو بن عبيد جعل الله لجوارحك إماماً لترجع الجوارح إليه حين الشك والحيرة وهو العقل، فكيف لم يجعل هذا الإله للناس إماماً ليرجعوا إليه ويدفعون به الشك والحيرة، وعمرو بن عبيد أُفحِمَ ولم يستطع الجواب، وكان عليه أن يقول: إن الله قد جعل القرآن إماماً للناس، وأمر بالرجوع كما قال في سورة النساء الآية: 59: ? فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ?، وقال أمير المؤمنين بشأن هذه الآية: في الرسالة 53 الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، وقد جعل الله القرآن إماماً، وقال تعالى في سورة الأحقاف الآية12: ?وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً? يعني كان الإمام قبل هذا القرآن هو التوراة، وأما الآن فلإمام هو القرآن، وقال تعالى في سورة الشورى الآية 10: ? وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ?، وقال علي رضي الله عنه نفسه في الصحيفة العلوية: (أشهد أن القرآن إمامي)، وجعل القرآن، إماماً كذلك في نهج البلاغة، وقال في الخطبة 86: (من أمكن الكتاب من زمانه فهو قائده وإمامه يحل حيث يحل ثقله، وينزل حيث كان منزله... وآخر قد تَسَمَّى عالماً وليس به...قد حمل الكتاب على آرائه).
أما هؤلاء الرواة الغافلون عن كتاب الله فإنهم يريدون أن يجعلوا من واحد كعمرو بن عبيد إماماً من البشر وقد كان غافلاً عن القرآن. نقول: حسناً، من هو إمامُ سيدنا الصادق نفسه؟ هل كان دينه يختلف عن دين الآخرين؟ نعم، هو إمامنا فمن يكون إمامه؟ إذا تنازع مع أحد واختلف معه فإلى أين يرجع وإلى أي شيء يعود؟!
مثلاً كان بين سيدنا على ومعاوية نزاع، فلماذا جعل سيدنا علي القرآن مرجعاً لهذا النزاع فقد قال في الخطبة 123:ما معناه: لما تنازع هؤلاء القوم معنا (أي معاوية وأتباعه) قبلنا بالقرآن حكماً وجعلناه مرجعاً للقضاء على الشك والاختلاف.
وأما عمرو بن عبيد لفرط جهله فقد استغله هشام وأراد أن يثبت أن ثمة إماماً غير القرآن.
باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة، والفرق بين الجَعْلِ التكويني والجَعْلِ التشريعي
حديث1: سنده:ضعيف على قول المجلسي، نعم (درست بن منصور) واقفي المذهب ومن الكلاب الممطورة، وهشام بن سالم كان من المجسمة، وأبو يحيى الواسطي هو سهل بن زياد الكذاب فاسد العقيدة.
إن الكليني يؤسس مذهباً مخالفاً للقرآن، مبنياً على أقوال رواة كهؤلاء، ويبدو أن رأيه مخالف للقرآن!!
وأما متنه: فيقول فيه: قد كان إبراهيم نبياً وليس إماماً حتى قال الله إني جاعلك للناس إماماً، يريد أن يقول مع أن إبراهيم كان نبياً ولكنه كان فاقداً لمقام الإمامة وهو يعني بهذا أن مقام الإمامة فوق مقام النبوة، وهذا الموضوع يخالف القرآن؛ لأن لله تعالى جَعْلين اثنين. الجعل التكويني والجعل الشرعي، أم الجعل التكويني فهو كما جاء في سورة البقرة الآية 22: ?جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً?، وفي سورة الأنعام الآية 1: ?وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ?، وقال تعالى في آية 96: ?وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً?، وفي آية 8 من سوة الإسراء: ?وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً?.
وهذا الجعل التكويني وهو ليس من جعل المقام والفضيلة وكما قال تعالى في سورة الحجرات الآية 14: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا?، وهذا جعل طبيعي تكويني.
وأما الجعل التشريعي فهو جعل المقام والفضيلة كما جاءت في آية 4 من سورة مريم: ?وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً?، ومثل ما جاء في سورة الأنبياء الآية 73: ?وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ?.
والآن لا بد من العلم أن مقام النبوة فضل من الله، ولا يكتسب بالرياضة والعمل، وهو ليس مقاماً كسبياً.
وأما الإمامة والقيادة للأنبياء هو أمر واقع لكل الأنبياء، سواء كان النبي إبراهيم أم يعقوب أو غيرهما؛ لأن الأنبياء يقودون الناس للهداية عن طريق الوحي الإلهي.
ونقول الآن: قال الله في سورة البقرة الآية 134: ?وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ? أي: من قبيل ذبح الولد وبناء الكعبة وتطهيرها والتسليم بأمر الله، ?قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ?. هنا لا بد من القول إن الله لم يقل: سوف أجعلك إماماً بعد تمام الأمر وبعد النبوة، فالله لم يذكر الجعل بفعل المستقبل، بل باسم الفاعل، وهو حقيقة في من تلبس بالفعل ماضياً أو دائماً.
على كل، إن الذي يظهر من القرآن أن رسالة الأنبياء هي تلك الإمامة، وإنّ ما يدّعيه بعضهم من أن مقام أئمتهم فوق الأنبياء، ويستدلون بالآية السابقة هو الهراء والباطل بعينه، ولا مستند لهم، وفضلاً عن هذا ربما يتشبث أحد بهذا الباطل كي لا يعتبر الأنبياء أئمة، ويجعل الإمامة فوق النبوة، مع أن آيات القرآن تنص على أن الأنبياء هم الأئمة. كما قال تعالى في سورة الأنبياء: ?وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ?، وقال تعالى في سورة السجدة: ?وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ... وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائيلَ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا?، والقصد من الأئمة في هذه الآية سيدنا يعقوب وسائر أنبياء بني إسرائيل من ذرية إبراهيم. إذاً نبي الإسلام محمد - صلى الله عليه وسلم - هو خاتم النبيين، وهذا يعني أنه لا يأتي إمام من عند الله بعده، والإمام من عند الله هو النبي نفسه، وإن إمامة الأنبياء أمر بين وواضح، قد أشير إليها في الأخبار أيضاً، فقد قال سيدنا الأمير فيما يتعلق بإمامة الأنبياء في خطبة 93و115: (فهو إمام من أتقى) وأما الإمامة بجعل غير تشريعي كإمامة سيدنا على والأئمة وبعض المؤمنين فقد جاء ذلك في القرآن والأخبار حيث قال تعالى في سورة البقرة: الآية124: ?وَمِنْ ذُرِّيَّتِي? يعني طلب سيدنا إبراهيم عليه السلام من الله تعالى أن يجعل بعض ذريته أئمة يعني أنبياء، وقال: ?وَمِنْ ذُرِّيَّتِي? واستجاب الله لدعائه وجعل الإمامة يعني النبوة في بعض ذريته، وفي آية أخرى بين الله ذريته من الأنبياء، كما أشير إليه: ?وَمِنْ ذُرِّيَّتِي? التي قالها إبراهيم فهم الأنبياء حيث جاء ذكرهم في آيات أخرى كما جاء في سورة الحديد، ويقول تعالى بالنسبة لذرية إبراهيم: ?وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ
وَالْكِتَابَ?، والظاهر أن سيدنا إبراهيم من ذرية نوح [بل هو كذلك لقوله- صلى الله عليه وسلم -: الأنبياء أولاد علات أي أبناء أب واحد وأمهات مختلفة]، وعلى كل جعل الله الأنبياء من ذرية هذين النبيين، ولما وصل الزمان إلى إبراهيم أصبح الأنبياء من بعده من ذريته كإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى وغيرهم. حتى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. إذاً ذلك المغرض الذي كان يقول: إن إمامة إبراهيم جاءت بعد نبوته ليس لديه دليل، والآية 134من سورة البقرة لا تدل على كلامه على كل حال. هؤلاء قوم يتلاعبون بالقرآن ويريدون أن ينزلوا القرآن على آرائهم وهذا خطأ فاحش.
وبما أن الكليني لم تكن لديه قوة علمية فيبدو أنه لم ينتبه إلى أن وضع هذه الروايات هو التلاعب بالقرآن، والغلو في حق الأئمة، ولم ينتبه إلى أنه لو كان الأمر كذلك لكانت الإمامة شيئاً كسبياً، ولأستطاع أي إنسان أن يحوز هذا المقام ويصبح بنظره فوق الأنبياء.
وقال الله تعالى في سورة الفرقان الآية 74 في وصف عباد الرحمن: ?وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً?.
تدل هذه الآية أن أي عبد صالح من عباد الله إذا سعى بالعلم والعمل ووفقه الله فاز بمرتبة إمام المتقين، فهل يستطيع أي إنسان مهما اتصف بالتقوى والصلاح أن يجاوز مقام الأنبياء -والعياذ بالله- ما نقول بشأن استدلالاتهم؟! إنها هي المغالطة بعينها.
ونحن نقول: إن أي مسلم إذا استطاع أن يكون عالماً عاملاً فهو إمام هادياً للناس، ولكن حتماً لا يصل إلى مقام النبوة وأنى له أن يفوق الأنبياء.
ولكن الرواة الخرافيين المغرضين يأتون بما يخالف القرآن ويقولون: لا، كل من تعلم وعمل وكان طائعاً لأمر الله وأرشد نفراً من الناس أصبح فوق الأنبياء! والكليني أتى بأربع روايات في هذا الباب لإثبات خرافته، عن رواة لا اعتبار لكلامهم وأكثرهم كانوا ضالين. ومنهم: أبو يحيى الواقفي الضال، ودرست بن منصور الواقفي الضال، ومحمد بن سنان من الكذابين المشهورين ومن الغلاة، ومحمد بن خالد المجهول المذهب.
هل يمكن الاعتماد على كلام هؤلاء الرواة من أهل الخرافة والضلال حيث لا يُعلم غرضهم وهدفهم من نقل واختلاق هذه الروايات المخالفة للقرآن، فهل يؤخذ الدين عن أمثال هؤلاء؟
هل يمكنهم أن يجيبوا الله تعالى يوم القيامة؟ كلا.
واعتبر المجلسي ثلاثاً من هذه الروايات مجهولة وضعيفة.
باب أن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام
وهذا العنوان للباب بغض النظر عن الأحاديث المتصلة به يخالف القرآن؛ لأن القرآن يقول تمت الحجة بإرسال الرسل، وليس هناك ذكر للإمام، كما جاء في سورة النساء الآية 165: ?رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ?، وقال علي رضي الله عنه في خطبة رقم 90 من نهج البلاغة: (تمت بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - حجته)، وفي بعض خطبه اعتبر القرآن حجة كافية كما قال في الخطبة رقم 160: (أرسله بحجة كافية) وقال في الخطبة 182: (فالقرآن أمرٌ زاجرٌ، وصامت ناطق، حجة الله على خلقه).
وروى الكليني في هذا الباب أربعة أخبار ويعتبر المجلسي الثاني منها ضعيفاً والثالث مجهول الحال، ويبقى خبران من الآحاد، ولا يمكن إثبات العقيدة بالآحاد، وخبر الآحاد ليس بحجة في العقيدة وفضلاً عن أن هذين الخبرين لا يحملان مضموناً واحداً.
أما متن هذين الخبرين ومعناهما فكلاهما هذيان لا يعول عليه؛ لأن الأول يقول: (إن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بالإمام حتى يعرف)، وكما قلنا إن هذا المعنى يخالف القرآن، وثانياً يقول: إن الإمام ليس بحجة حتى يعرف، وهو لم يُعرف إذاً فليس بحجة، ولذا لا يكون حجة للذين لم يعرفوه، ويريد الناس أن لا يعرفوهم لكيلا يكون الأئمة حججاً، ومع ذلك هذا ليس بالأمر الحسن أن يأتي إمام ويصنع حجة بكلامه، لأنه إن كان الإمام حجة لا بد أن ينزل شيء في حجيته كالنبي - صلى الله عليه وسلم -، لا أن يقول الإمام بنفسه ذلك.
باب أن الأرض لا تخلو من حجة
في هذا الباب جعل الإمام نفسه قيماً للعالم وحافظاً للأرض، وعدَ نفسه عادلاً وعالماً وحجة وحده، هل يليق بالإمام أن يزكي نفسه بهذا القدر مخالفاً القرآن حيث قال تعالى: ?فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ?.
فقد ورد ثلاثة عشر خبراً في هذا الباب وأكثر رواتها من المجهولين والمتهمين.
الحديث الأول: مجهول لوجود حسين بن أبي العلا، حيث عده الفاضل الجزائري ضعيفاً، واختلف سائر علماء الرجال بشأنه.
الحديث الثاني: ضعيف لوجود كل من أبي علي بن إبراهيم وهو مجهول، وإسحاق بن عمار الفحطي.
الحديث الثالث: يقول المجلسي بأنه مجهول، ونحن نقول بضعفه لوجود على بن الحكم راوي سلسلة الحمار!.
الحديث الرابع: يقول المجلسي بضعفه.
والحديث الخامس: ضعيف لأن راويه ممن يقول بتحريف القرآن.
والحديث السادس: يقول المجلسي بضعفه.
والحديث السابع والثامن: يقول المجلسي: أنهما مجهولان، وضعّف المجلسي في المرآة.
الحديث التاسع وكذلك عد العاشر والحادي عشر مجهولين، وعدّ الثاني عشر والثالث عشر ضعيفين.
أما المتن: فقد جاء في الحديث الأول: عن الإمام حيث لا تخلو الأرض من إمام وإن كان هناك إمامين فعلى واحد منهم أن يسكت، ونحن نقول: هذا افتراء على الإمام لأنه في عصر الجاهلية مثلاً كانت بلا إمام، وكذلك قبل خلق آدم. فإما أن الإمام لم يكن عالماً أو أن الراوي افترى عليه، وثانياً: إذا كان هناك إمامان لماذا يسكت أحدهما، أليس الأمر بالمعروف وإرشاد الجهال واجب عل كليهما؟
وأما متن الحديث الثاني فيقول: إن الأرض لا تخلو من إمام، كلما زاد المؤمنون شيئاً على الدين ردّهم، وإن نقصوا شيئاً أتمه لهم. أولاً: نقول: إن المؤمن إذا كان مؤمناً حقاً فلن يزيد على الدين شيئاً أو ينقص منه، ومن يفعل ذلك فهو حتماً ليس بمؤمن، ثانياً: إن زمننا هذا يحتوي مئات المذاهب، وكل مذهب منها فيه من البدع والخرافات ما زاده الجهال على الدين، فأين الإمام الذي يرجع إليه في الفصل بين والخطأ والصواب؟ وإذا كان موجوداً حقاً فلماذا لم يبادر إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل.
ومتن الخبرين الثالث والرابع يحويان الإشكالات ذاتها، وكذلك الخامس والسادس والسابع.
وأما متن الحديث الثامن فيقول فيه الإمام الباقر رضي الله عنه: لم يترك الله الأرض من زمن آدم إلى زمننا دون إمام، وهو حجة الله على عبادة. نقول: إذا كان الإمام حجة على عباده، فلماذا قال الله في سورة النساء الآية 165: ?لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ?، ولماذا قال أمير المؤمنين في الخطبة رقم 90: (تمت بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - حجته)، أم ترى أن علياً رضي الله عنه لم يكن يعرف هذه الأخبار ومضمونها؟!! هل نقبل هذه الروايات التي تخالف القرآن، والحس يأباها، لأن الكليني رواها.
وأما متن الأخبار من الخبر العاشر إلى الثالث عشر فقد قال الإمام: إذا خلت الأرض من إمام فإنها تبتلع أهلها، نقول هذه الأخبار تخالف القرآن لأن القرآن يقول في سورة فاطر الآية 41: ?إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ?، وقال تعالى في سورة الحج الآية65: ?أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ?، وقال في سورة فاطر الآية2: ?وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ?.
حتى قال الله عن الطيور في الهواء في الآية19 من سورة تبارك: ? مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ? إلى غيرها من الآيات.
هل يمكن للمسلم أن يغض طرفه عن كل هذه الآيات القرآنية ويقول إن حافظ الأرض هو الإمام؟ إلا إذا كان من الرواة الوضاعين الكذابين أو الغلاة، وفضلا عن هذا فقد قال الإمام: (لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت) ما هذا؟ ساخت بحكم من؟ بحكم الإمام أو بحكم الله أم بحكم نفسها؟ وإذا كان بحكم الله فلا يد للإمام فيه ولا فضل له، إن واضعي هذا الحديث لم يعرفوا كيف يكذبون.
باب معرفة الإمام والرد إليه
روى الكليني( 14 حديثاً )في هذا الباب يقول إن معرفة الأئمة من أركان الدين وأصوله، وفي كل أمر ديني لا بد من الرجوع إليهم، ويبدوا أنه كان جاهلاً بالقرآن حيث أنّ القرآن بين أصول العقائد والإيمان والكفر وليس في آيات الله شيء من معرفة الإمام والرد إليه.
بل فيه ما يخالف هذه الأخبار المذهبية، لنتساءل: هل العلوم الإسلامية يذكرها القرآن أم تذكرها أخبار المتمذهبين المحرفين؟ فهل لو لم يكن هؤلاء الرواة الكذابون لم يكن يبقى للإسلام أصول وثقافة؟ قال الله في سورة البقرة الآية 16: ?إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ? فهما أمران يضمنان النجاة: الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر، وفي آية: (177) ذكر الله كل أصول الإسلام، وذكر الله في آية: (284) ماذا يلزم الإيمان، وذكر تعالى في سورة النساء الآية: (136) كل أصول الإسلام والكفر، والإمام نفسه لا بد أن يعرف ذلك ويعتقد به، ولا فرق في الإسلام وأصول عقائده بين الإمام والمأموم.
إضافة إلى أنه يقول في أخبار هذا الباب يجب معرفة الإمام والرد إليه، وهذا مخالف للقرآن ومخالف لعمل سيدنا الأمير[علي] رضي الله عنه، لأن القرآن يقول في سورة النساء الآية 59: ?أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ?. يعني ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله لا إلى أولي الأمر، وقال سيدنا الأمير رضي الله عنه في نزاعه مع معاوية: بأنه مستعد أن يرجع إلى كتاب الله. ولم يقل ارجعوا إلىّ لأني إمام.
باب فرض طاعة الأئمة
وروى في هذه الباب (سبعة عشر حديثاً) وأكثرها من الأحاديث الضعيفة والمرسلة والمجهولة. يقول المجلسي بضعف كل من الثاني والثالث، وأما الرابع فهو مرسل، والخامس ضعيف، والتاسع مجهول، وأما العاشر والحادي عشر والثاني عشر فمجهولون، والثالث عشر ضعيف، والربع عشر والخامس عشر مجهولان، والسادس عشر ضعيف، والسابع عشر مجهول.
ومتن هذه الأحاديث: في الحديث الأول أن معرفة الإمام وطاعته من أفضل الأشياء، واستدل بآية: ?مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ? [سورة النساء الآية 80].
وما من أحد يسأل ما هي العلاقة بين هذه الآية وطاعة الإمام. فضلاً عن هذا، هل كان الأئمة معجبين بأنفسهم إلى حد أن يوجبوا طاعتهم ويستدلوا لأنفسهم بآية لا تتعلق بهم. والإمام (الباقر) نفسه قال إذا وردكم عنا حديث فاسألوا أين ورد هذا في كتاب الله وفي أيّة آية (أي ما يؤيده). إن الأئمة كانوا تبعاً لكتاب الله وسنة رسوله ولم يكن لديهم سنة خاصة بهم. يقول على رضي الله عنه في نهج البلاغة: (نظرت إلى كتاب الله وما وُضع لنا وأمرنا بالحكم به، فاتبعته وما استن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاقتديته). ويقول في إحدى وصاياه في نهج البلاغة رقم 149: (وصيتي لكم أن لا تشركوا بالله شيئاً، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين، وأوقدوا هذين المصباحين).
في الحديث الرابع: استدل على وجوب طاعة الإمام بالآية 54 من سورة النساء ولا علاقة لها بالإمام إطلاقاً، وقال الله في تلك الآية: ?فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً?، وقد وردت كلمة (آتينا) بصيغة الماضي، ولما نزلت هذه الآية ولم يكن الأئمة موجودين بل الله أعطى الملك والنبوة للآل إبراهيم في الماضي، أمثال سليمان ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى عليهم السلام.
وهذه الآية لا تدل على المستقبل، هل الإمام حقاً لا يعرف الماضي من المستقبل؟! أم أن الرواة الوضاعون وضعوا الحديث؟! إضافة إلى ذلك إنكم تقرؤون في دعاء الندبة وسائر الأدعية وتقولون للأئمة: (إني منتظر لدولتكم ومرتقب، ونصرتي لكم معدة حتى يمكنكم في أرضه). فيبدوا أن أولئك الأئمة لم يتمكنوا في الأرض بعد. فكيف قال ذلك الإمام إن أعطانا ملكاً عظيماً، هل تريدون أن تهدموا القرآن باسم الإمام؟ وتظهروا الإمام على أنه هادم للقرآن.
وفي الحديث رقم 7 و16 استدل على وجوب طاعة الإمام بالآية: ?إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا...? حيث تدل أن الموالاة لا تتعلق بوجوب الإطاعة كما سنذكر في بابه؛ لأن هذه الآية وردت في سورة المائدة الآية 55 ضمن الآيات التي تقول: ?...لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ?، وبعد هذه الآية قال تعالى: ?لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ?وكل آيات هذه السور حرب على الكفار من أهل الكتاب، وتمنع موالاتهم وفي أثناء ذلك يقول: ?إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ?.
لم ترد كلمة (الراكعون) بعد الصلاة، بل وردت بعد الزكاة، أي يدفعون الزكاة برضاهم ورغبتهم. وهم على عكس المنافقين الذين يكرهون تأدية الزكاة؛ كما قال تعالى في سورة التوبة الآية 54 بالنسبة لإنفاق النافقين: ?وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ?، معنى الولي هو الصديق، ونحن يجب أن لا نغفل عن تناسب الآيات ونجعل كلام الله لا رابطة بينه ولا قرينة تجمعه. ومن أجل إطاعة الإمام نسقط ما في القرآن من الفصاحة، ونختلق الحديث كما فعل على بن الحكم الكذاب وهو نفسه راوي سلسلة الحمار.