رسالة من أحمد الكاتب إلى لطف الله الصافي حول المهدي
بسم الله الرحمن الرحيم سماحة العلامة الكبير الشيخ لطف الله الصافي حفظه اللهالسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهوبعد..
فقد كنت بعثت إليكم برسالة قبل أكثر من عام دعوتكم فيها لمناقشة كتابي
(تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى الى ولاية الفقيه) والذي أقول فيه :
ان نظرية المهدي عند أهل البيت كانت عامة وغامضة وغير محددة من قبل ، وان
تحديدها في (محمد بن الحسن العسكري) قد حدث بعد وفاة الامام العسكري ،
افتراضا واجتهادا من قسم من أربعة عشر قسما من الشيعة الامامية أتباع
الامام العسكري ، وذلك في محاولة منهم للخروج من الحيرة والأزمة الفكرية
التي وجدوا أنفسهم فيها عندما توفي العسكري ولم يوص الى أحد من بعده ولم
يتحدث عن مصير الامامة ولم يكن له ولد ظاهر ، فاضطر ذلك الفريق من الشيعة
الى افتراض وجود ولد له قالوا انه الامام من بعده ثم قالوا انه المهدي
المنتظر. وزعموا: ان أباه قد أخفاه تقية وخوفا عليه وانه حي موجود وانه
يتصل ببعض النواب الخاصين (السفراء الأربعة)
وكانت هذه الخلاصة التي توصلت اليها بعد دراسة طويلة وعميقة ، قد أقلقتني
وأقضت مضجعي لأنها كانت مخالفة لكثير مما نشأت عليه وكنت اعتقد به من قبل
.. ولكنني لم أحب التسرع في الالتزام بهذه الخلاصة والتبشير بها خوفا من ان
أكون مخطئا في منهجية البحث او غافلا عن بعض الأدلة والبراهين التي ربما
لم أتوصل اليها بالرغم من بحثي عن كل شيء.. وقد لجأت إليكم باعتباركم
الأكثر علما والأغزر كتابة وبحثا عن موضوع (الامام المهدي) في الوقت
المعاصر ، ولكم عدة كتب حول ذلك ، كما توسلت الى كثير من المراجع والعلماء
والأساتذة المختصين ان يناقشوا رسالتي ، وتمنيت من أعماق قلبي ان أكون
مخطئا او مشتبها حتى لا انحرف عن خط أهل البيت (ع) الذين رضعت حبهم منذ
طفولتي ولا زلت أؤمن بهم وأجلهم أعظم إجلال – والحمد لله – ولكني مع الأسف
الشديد لم ألقَ إجابة مناسبة من معظم أولئك العلماء الذين رفض بعضهم بشدة
مجرد الاطلاع على الدراسة ، وكنتم واجدا من الذين طلبوا الاطلاع عليها ،
وقد أرسلتها لكم بواسطة الشيخ العالمي إمام المجمع الإسلامي في لندن ، وقد
أخبرني سماحة الشيخ العالمي بعد ذلك: إنكم ألفتم لجنة من العلماء في قم
لدراسة الكتاب والرد عليه ، وقد سررت بذلك وانتظرت النتيجة طويلا ، وسمعت
أنكم قد أعددتم جوابا شفهيا ، وطلبتم سفري الى قم لعرض ردكم علي ، وقد
اعتذرت عن السفر لأسباب عديدة وطلبت من سماحتكم عبر السيد جواد الكلبايكاني
ان تكتبوا ملاحظاتكم وترسلوها الي لأني أحب ان انشر ردكم علي بقلمكم سواء
اقتنعت به او لم اقتنع ، ولكنني لم استلم منكم أي جواب مكتوب حتى الآن.
وقد نقل لي بعض الأخوة عنكم أنكم توصون بعدم طبع الكتاب وصرف النظر عنه ،
ولكن ذلك يصعب علي حيث بت معتقدا باختلاق نظرية وجود المهدي (محمد بن الحسن
العسكري) وإدخالها في تراث أهل البيت (ع) وإلصاقها بهم ، بيد اني لا زلت
مستعدا لتغيير قناعتي فيما إذا رددتم على كتابي واقنعتموني بخطأ معلوماتي
او منهجيتي في البحث ، وصدق الأدلة على وجود المهدي ابن الحسن العسكري
وقوتها ، خاصة وان المسألة لم تعد تقتصر على شخصي وانما أضحت فكرة مطروحة
في الأوساط الثقافية الشيعية وتبحث عن جواب.. ولذا اطلب منكم مرة أخرى ان
تولوا الموضوع أهمية قصوى وان تشكلوا لجنة أخرى قادرة على الرد او تطلبوا
من اخوتكم وزملائكن العلماء في قم ان يقوموا بذلك ،وانا مستعد للاستماع
إليهم في ندوة حوار ومناقشتهم في الأدلة الجديدة.
هذا وكنت قد اطلعت على مجموعة من كتبكم حول المهدي وبالأخص كتاب (منتخب
الأثر في النص على الامام الثاني عشر) الذي يحتوي على كثير مما كتبه
الأولون منذ ألف عام ، ولكنني لم استفد منه شيئا إضافيا أكثر مما كتبه
مشايخ الطائفة بعد وفاة الامام العسكري ، وقد وجدته يهمل بعض أهم الأدلة
التي ذكرها أولئك ويكتفي ببعض.
وكانت لدي بعض الملاحظات الأساسية على طريقة تناولكم للبحث في هذا الموضوع
، أرجو ان يسعها صدركم الكريم ، كما أرجو ان تكون مناسبة لبدء حوار فعلي
معكم شخصيا ، وهي كما يلي:1- لقد
لاحظت أنكم تتبعون منهجا أخباريا متطرفا مرفوضا من أقدم الإخباريين ، وهو
قبول الروايات بدون أدنى تمحيص في المتن أو السند ، وذلك اعتمادا على رواية
مشايخ الطائفة لها او وجودها في كتبهم "المعتبرة". ومن المعروف ان المدرسة
الأخبارية الحشوية كانت تفعل ذلك في قديم الزمان ولذلك قبلت الروايات التي
تتحدث عن تحريف القرآن ، ولكنها تطورت بعد ذلك على يدي الشيخ علي بن
بابويه الصدوق وغيره من الرواة والمحدثين الذين قاموا بتمحيص السند وإسقاط
الروايات الضعيفة والترجيح فيما بينها ، وذلك قبل ان تولد المدرسة الأصولية
الاجتهادية على يدي الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي ومن بعدهم
من العلماء.وقد
كان موضوع (الامام المهدي)ووجوده وولادته موضوعا شائكا محيرا وغامضا عند
الشيعة الامامية بعد وفاة الامام العسكري ، لذلك أطلقوا على تلك الفترة اسم
(الحيرة) ثم قام بعض المحدثين كابن ابي زينب النعماني صاحب (الغيبة)
وتلميذ الكليني ، في القرن الرابع الهجري ، بالاجتهاد والنظر في الأخبار
القديمة والجمع بين عدد منها وإسقاط البعض الآخر والاستنتاج منها: صحة وجود
المهدي وغيبته ، كما يقول هو في كتابه ، ولكنكم أخذتم الأمر وكأنه من
المسلمات والبديهيات الثابتة المفروغ منها التي لا تحتاج الى مناقشة.2- لقد
استعرضتم في كتابكم نظرية وجود المهدي وحاولتم الإتيان بالأدلة والبراهين
(الأحاديث) على صحتها ولم تشيروا الى وجود اختلاف بين الشيعة ، ولا الى
الحيرة التي عصفت بالامامية وفرقتهم الى أربعة عشر فرقة حول موضوع الخلف ،
وبالتالي لم تناقشوا النظريات المهدوية الأخرى التي كان يقول بها الشيعة
ذلك الحين والتي بلغت أكثر من عشرين نظرية.3- لم
تناقشوا الأدلة التي سقتموها على صحة النظرية المهدوية للامام الثاني عشر ،
من المعاجز التي ادعاها او نسبت الى (النواب الأربعة الخاصين) او القصص
التاريخية التي تحدثت عن ولادة المهدي ومشاهدته في حياة أبيه ، وبعد ذلك
بالرغم من وجود علامات استفهام كثيرة حولها؟4- لقد
أغفلتم الرواية التاريخية التفصيلية لظروف وفاة الامام العسكري ومسألة
الوصية بأمواله وأملاكه لأمه المسماة بـ:"حديث" وادعاء أخيه جعفر بالإمامة
وإقبال عامة الشيعة عليه في البداية ثم اختلافهم وتفرقهم ، كما أغفلتم
مسألة الخلاف داخل البيت العلوي بين أبناء الامام الهادي وحدوث البداء في
إمامة السيد محمد بن علي الهادي ، وشك الشيعة في إمامة الحسن العسكري ، وما
الى ذلك من القضايا التاريخية التي شكلت المقدمة والمدخل للقول بفرضية
وجود ولد للامام العسكري ، مع ما في ذلك من أهمية قصوى للوصول الى النتيجة
المفترضة.5- لقد
قمتم بالخلط بين مجموعة من المقدمات العامة والخاصة بصورة غير علمية ولا
منطقية فأشرتم الى اتفاق المسلمين واجماعهم حول ظهور مصلح (مهددي) في آخر
الزمان ، وقلتم: ان الأحاديث الواردة حول ذلك هي متواترة.. ثم قفزتم بعد
ذلك لتؤكدوا صحة النظرية الاثني عشرية الخاصة بالمهدي ، وذلك بالرغم من
اختلاف الشيعة والإمامة وحتى اتباع الامام العسكري حول حقيقة المهدي او
الامام من بعده ، مما ينفي وجود أي اجماع او شهرة او تواتر حول المهدي
(محمد بن الحسن العسكري).6- لقد
أشرتم بصورة خاطفة في كتابكم الفارسي (نويد أمن وأمان) الى الدليل العقلي
حول وجود المهدي ابن الحسن ، ولكنكم لم تذكروا الدليل بدقة وبصورة كاملة
وانما اكتفيتم ببعض مقدماته وهي : ( ضرورة الامامة الإلهية ووجوب كون
الامام المعصوم في جميع الأعصار وعدم جواز خلو الأرض من وجود الحجة خوفا من
سيخانها بأهلها) وقلتم: ان ذلك يدل على وجود صاحب الزمان وإمامته ، كما
قلتم: انا إذا أخذنا في الاستدلال بالبراهين العامة على الامامة فإنها تكفي
لإثبات وجود إمام العصر وغيبته (ص 51)ولكن
علماء الكلام لا يكتفون بتلك المقدمات لإثبات وجود المهدي وانما يضيفون
اليها مقدمة مهمة جدا وهي: ( عدم جواز الامامة في أخوين بعد الحسن والحسين ،
وضرورة انتقال الامامة في الأعقاب واعقاب الأعقاب بشكل وراثي عمودي الى
يوم القيامة) و ( عدم كون الامام العسكري هو المهدي الغائب واثبات وفاته
وعدم عودته الى الحياة مرة أخرى) ثم الاستنتاج من كل ذلك: ضرورة وجود ولد
له لكي تستمر الامامة في عقبه ، بالرغم من عدم إشارته الى ذلك او الوصية
الى أحد من بعده بالإمامة.وان
موضوع (عدم جواز إمامة الأخوين) مبدأ لم يكن يجمع عليه الشيعة الامامية في
ذلك الوقت فقد كان الشيعة الامامية (الفطحية) يجيزون انتقال الامامة الى
أخوين عند عدم إنجاب الامام السابق لولد ، كما فعلوا عندما توفي الامام عبد
الله الأفطح حيث انتقلوا الى القول بإمامة أخيه الامام موسى بن جعفر
الكاظم ، واذا أخذنا بقولهم لا تعود هناك اية ضرورة لافتراض وجود ولد
للامام العسكري والادعاء انه المهدي ، كما رفض عامة الشيعة افتراض بعض
الفطحية بوجود ولد لعبد الله الأفطح والقول ان اسمه (محمد بن عبد الله)
وانه المهدي المنتظر الغائب.7- ما
هو مفهومكم للتواتر؟ هل تعنون به الشهرة والتواتر في القرون المتأخرة؟
وهذا – كما تعلمون- لا ينفع في توثيق الأخبار التي قد تكون مختلقة في مرحلة
زمنية سابقة وغير موجودة بالمرة في مرحلة زمنية أسبق..
وقد استغربت جدا من دعواكم التواتر في أحاديث (المهدي محمد بن الحسن
العسكري) بالرغم من اختلاقها جميعا في عصر الحيرة او بعد مائة عام من وفاة
الامام العسكري ، ولست أدري لماذا لم تتوقفوا لحظة واحدة لتسألوا أنفسكم:
إذا كانت القضية متواترة وثابتة وبديهية ومجمع عليها فلماذا وقع الشيعة في
الحيرة؟ ولماذا افترقوا الى أربعة عشر فرقة أو أكثر من ذلك؟8- ادعيتم
في اكثر من مكان: ان أحاديث المهدي (محمد بن الحسن العسكري) كانت مسجلة في
الأصول القديمة للشيعة منذ عصر الامام أمير المؤمنين (ع) وقبل ولادة أبيه ،
ولكنكم لم تذكروا أسماء تلك الكتب والأصول ولا أصحابها ، ولم تتحدثوا عن
مدى صحتها وصدقها.
وفي الحقيقة لا يوجد كتاب واحد يشير الى ذلك ما عدا كتاب (سليم بن قيس
الهلالي) وهو كتاب مختلق اشتهر في فترة الحيرة ، ويقول عنه ابن الغضائري
والشيخ المفيد في (شرح عقائد الصدوق): انه كتاب موضوع ومختلق ولا يجوز
الاعتماد عليه ، فأين هي المصادر المعتبرة والموثوقة من السنة والشيعة
والمؤلفة في القرن الأول الهجري؟9- اعترفتم
ضمنا بضعف سند بعض الأخبار الواردة حول المهدي وغرابة بعضها واستبعاد وقوع
بعضها الآخر ، وقلتم:" ان ضعف السند في بعضها لا يضر بغيره مما هو في غاية
الصحة والمتانة سندا ومتنا ، ولا يلزم رفع اليد عن جميع الأحاديث الصحيحة
لمكان الأخبار الضعيفة مع اشتهار مفادها بين كافة المسلمين وكون أكثر
مخرجيها من أئمة الإسلام وكابر العلماء وأساتذة فن الحديث موجب للقطع
بمضمونها. هذا مضافا الى ان ضعف السند إنما يكون قادحا إذا لم يكن الخبر
متواترا ، واما في المتواتر منه فليس ذلك شرطا في اعتباره"(ص 2 منتخب
الأثر) ولكنكم لم تميزوا بين الأخبار الضعيفة والصحيحة ، ولم تبينوا ما هي
الأخبار التي هي في غاية الصحة والمتانة سندا ومتنا ، في حين لا يوجد في
الحقيقة خبر واحد صحيح سندا حول ولادة او وجود شخص اسمه (محمد بن الحسن
العسكري) وفي هذه الحالة ألا يلزم التوقف ورفع اليد عن تلك الأخبار
الموضوعة في الزمن المتأخر؟
ثم ما هي الأخبار الصحيحة التي اشتهر مفادها بين كافة المسلمين؟ هل تقصدون
أخبار المهدي العام غير المحدد؟ وهذه لا تفيد أية دلالة على وجود المهدي
(محمد بن الحسن العسكري).
ثم من تقصدون بأئمة الإسلام وأكابر العلماء والأساتذة في فن الحديث؟ هل
تقصدون عامة علماء المسلمين؟ أم عامة علماء الشيعة؟ أم علماء الفرقة الاثني
عشرية الأوائل؟ وهؤلاء بين متهم باختلاق تلك الأحاديث وبين متهم بالضعف
والتسامح في نقل الروايات عن الضعفاء والكذابين والغلاة وعدم التدقيق
والضبط.
ان علماء الرجال الشيعة الاثني عشرية يؤكدون ضعف مجموعة من الرجال تنتهي
إليهم كل الروايات الواردة حول المهدي (محمد بن الحسن العسكري) والقائمة
المسبقة بأسماء الأئمة الاثني عشر ، ويمكنكم مراجعة البحث الرجالي المفصل
الذي أجريته حول كل رواية رواية من تلك الروايات ، والموجود لديكم.
ولست أدري من أين استوردتم القاعدة التي تتسامح في شرط صحة السند إذا كان
الخبر متواترا؟ وكيف يحصل التواتر وتحصل الثقة إذا كان الرواة جميعا ضعافا
وكذابين؟ .. وقد قلنا: ان تلك الأخبار لم يكن لها وجود في حياة الأئمة من
أهل البيت (ع) وانها اختلقت فيما بعد واشتهرت بين من آمن بالنظرية الاثني
عشرية ، فهي ليست متواترة أبدا ولا يوجد بينها خبر واحد صحيح!
ويبدو ان هذه الشبهة قد أوقعت الكثير من الباحثين في موضوع المهدي وصرفتهم
عن بحث السند ودفعتهم للتصديق بالروايات الموضوعة والخلط بينها وبين
الروايات الصحيحة العامة حول خروج مصلح (مهدي) عند انحطاط المجتمع
الإسلامي.10- وقد
استبعدتم احتمال وضع تلك الأحاديث بعد ولادة المهدي في زمن (الغيبة الصغرى
او الكبرى) وقلتم: " انه غير معقول بصورة قاطعة ، وذلك لأن الكتب التي
تضمنت تلك الأخبار مؤلفة من قبل رجال لا يحتمل فيهم جعل كلمة واحدة ،
وكانوا معروفين بالوثاقة والصدق والأمانة ، انهم أخذوا تلك الأحاديث عن
شيوخهم وعن الاصول المكتوبة قبل ولادة الامام المهدي وعبر وسائط معتمدة
مائة بالمائة من قبل مشايخ الرواة المعاصرين للأئمة والتابعين والصحابة"
واستنتجتم:" ان من يراجع تلك الأحاديث لا يبقى لديه مجال الشك والشبهة في
ان المهدي هو ابن الحسن العسكري" (ص 6 منتخب الأثر).ولو
قمتم بمراجعة سند تلك الروايات بدقة لأدركتم: ان احتمال وضعها ليس معقولا
وواردا فحسب وانما هو ثابت بصورة قاطعة وأكيدة.. وذلك لأن الرجال الذين
يروون تلك الأخبار ، وخاصة الذين ادعوا النيابة الخاصة والسفارة كانوا موضع
تهمة لأنهم كانوا يجرون النار الى قرصهم وكانوا يحصلون على منافع مادية ،
وكانوا متهمين بوضع الروايات التي تؤيد ما ذهبوا اليه من افترض وجود ولد
للحسن العسكري ، ولم يكونوا معروفين بالوثاقة والصدق والأمانة ، وان كتب
الرجال الشيعية تشهد بذلك ، وانهم لم يرووا تلك الأخبار عن أي أصل مكتوب
قبل ولادة المهدي المزعومة ، ولا عبر أية واسطة معتمدة من مشايخ الرواة
المعاصرين للأئمة.. ومن هنا فان من يراجع سند تلك الأحاديث لا يبقى لديه
مجال للشك والشبهة في عدم صدق وجود أي ولد للامام العسكري.شيخنا الكريم..لما
ذا لا تتحدثون بدقة وتضعوا النقاط على الحروف وتبينوا رواية واحدة – كمثل
–مروية عن رجل موثوق عن أصل مكتوب او واسطة معتمدة مائة بالمائة من قبل
مشايخ الرواة المعاصرين للأئمة؟ حتى تقطعوا الشك وتستبدلوه باليقين؟
وقد قلتم في كتاب (نويد أمن وأمان) ص 34: " يكفي حديث معتبر واحد" وادعيتم
وجود مئات بل أكثر من ألف حديث في مئات الكتب المعتبرة الجامعة للأخبار
والتاريخ والرجال ، فما هي تلك الكتب المصدرية التي تعد بالمئات؟ ولا يوجد
لدينا من الكتب المعتبرة أكثر من أربعة والبقية غير مسندة ولا نستطيع القطع
على صحة نسبة جميع ما فيها الى مؤلفيها فضلا عن التصديق بروايتهم عن
غيرهم.11- ولقد
أشرتم في أحد كتبكم (نويد أمن وأمان)ص 34: الى ان الإيمان بالمهدي (محمد
بن الحسن العسكري) جزء من الإيمان بالغيب الذي يجب على كل مؤمن ان يعتقد
به.
ولكن إذا سقطت تلك الروايات الواردة حول الموضوع لا يبقى مجال لربط
الإيمان بقضية لا دليل عليها بمسألة الإيمان بالغيب الواردة في القرآن
الكريم والمقصود منها: الإيمان بالآخرة والملائكة والجن وما شابه من الأمور
المذكورة في القرآن والسنة الثابتة ، ولا أحسبكم تعتقدون بأننا يجب ان
نؤمن بوجود المهدي غيبيا أي بلا دليل ، كما يقول يعض من يدعي العلم ، فان
ذلك يفتح بابا للإيمان بأية خرافة او أسطورة غيبيا ودون دليل.12- واخيرا..
أود ان أناقش النتيجة العملية التي تهمنا والمبنية على الإيمان بنظرية
وجود الامام المهدي (محمد بن الحسن العسكري) وهي الموقف العملي من اقامة
الدولة الإسلامية في عصر الغيبة ، فقد طرحتم نظرية (النيابة العامة
للفقهاء) واعتبرتم حكومتهم هي الحكومة الشرعية الوحيدة ، وحكمتم على
الحكومات الأخرى المنتخبة من الشعب او غيرها بالحرمة والبطلان (الجواب عن
عشرة أسئلة ص 16)
وهذه نظرية حادثة وجديدة ، وقد كانت النظرية الاولى السابقة هي نظرية
(التقية والانتظار) وحرمة اقامة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة ،ولا تزال
آثارها ممتدة حتى اليوم في فتاوى الفقهاء المعاصرين الذين يحرمون او يهملون
كثيرا من الجوانب الحيوية في الإسلام بالرغم من قولهم بنظرية ولاية
الفقيه.
وكانت تلك النظرية تشكل الوجه الآخر الملازم للإيمان بوجود الامام المعصوم
الغائب وحرمة اقامة الدولة لغير الامام المعصوم ، ومن هنا فقد تحتم
الالتزام بالتقية والانتظار ، ولذلك كان العلماء الأوائل كالشيخ الصدوق
يرفضون نظرية ولاية الفقيه بشدة.
وفي الحقيقة: ان اضطرار الشيعة الامامية الاثني عشرية للإيمان بنظرية
ولاية الفقيه كان انقلابا في الفكر الشيعي الإمامي وتخليا عن أهم أركان
النظرية الامامية وهي (العصمة والنص والسلالة العلوية الحسينية في الامام ،
أي الحاكم) وهذا ما يشكل تناقضا صارخا مع المقدمات الكلامية التي قادت الى
افتراض وجود ولد للامام العسكري ، واذا أجزنا قيام إمام فقيه عادل غير
معصوم ولامعين من قبل الله لا تبقى هناك اية حاجة لافتراض إمام معصوم لا
تراه الأبصار منذ اكثر من الف عام ، وهو ما يتناقض مع فلسفة الامامة وضرورة
وجود الامام في الأرض.
ان وجوب وجود الامام هو للقيام بمهمات الامامة وليس للقيام بمهمة إدارة
الكون حسبما يعتقد بعض الغلاة ، وان الغيبة تتناقض ببساطة مع مهمة الامامة.
وقد أتعب المتكلمون الاماميون أنفسهم كثيرا في فلسفة الغيبة وحاولوا
الخروج من المأزق الذي أوقعوا أنفسهم فيه بلا طائل.
ثم ان نظرية ولاية الفقيه المبنية على نظرية النيابة العامة المحدثة نظرية
تحمل في طياتها مخاطر اقامة حكم ديكتاتوري مطلق يستحوذ على صلاحيات رسول
الله باسم النيابة العامة عن الامام المهدي ، ويؤدي بالتالي الى إلغاء دور
الأمة في تعيين الامام او تحديد صلاحياته، وهو ما يشكل خطورة توازي الخطورة
الناجمة عن الانسحاب عن المسرح السياسي باسم التقية والانتظار.سماحة الشيخ الصافي:
ان كل ذلك يدعونا – على الأقل – الى إعادة النظر في مسألة وجود الامام
المهدي (محمد بن الحسن العسكري) والتأكد مما إذا كان القول بولادته
واستمرار حياته حتى الآن مسألة حقيقية؟ أم فرضية فلسفية وهمية اجتهادية؟ ان
الإجابة الصحيحة عن ذلك كفيلة بهدايتنا الى الطريق الإسلامي السياسي
الصحيح.. طريق أهل البيت الواقعي .. طريق الشورى والتوازن بين الحاكم
والمحكوم.هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.احمد الكاتب10 شوال 1414هـ/1994
رسالة من أحمد الكاتب إلى السيد محمد الصدر
سماحة السيد محمد الصدر حفظه اللهالحوزة العلمية – النجف الأشرف العراقالسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهوبعد..
فقد اطلعت على كتابيكم عن تاريخ الغيبة الصغرى والغيبة الكبرى ، ودرستهما
بدقة ، وكان البحث بصورة عامة يدور حول (الامام المهدي محمد بن الحسن
العسكري) مع مقدمة في البداية عن تاريخ الإمامين الهادي والعسكري ، ومؤخرة
عن تاريخ (النواب الأربعة) وغيرهم. وقد
تركز الكتاب حول تاريخ ولادة (الامام المهدي) وقصص مشاهدة بعض خواص الشيعة
له في حياة أبيه ثم مشاهدته بعد وفاته خلال ما عرف باسم الغيبة الصغرى.
وقد اعتمد الكتاب على استعراض الروايات التاريخية حول ولادة الامام المهدي
ووجوده وتجنب الخوض في الأبحاث الكلامية التي تثبت وجوده وولادته بالأدلة
الفلسفية او (العقلية) او (الاعتبارية) كما تجنب الخوض في الأدلة الروائية
(الأخبارية) التي تثبت وجوده ، وذلك خلافا لما كان مشايخ الطائفة الاثني
عشرية يفعلون في كتاباتهم القديمة حول الموضوع ، حيث كانوا يعتمدون على
الأدلة الفلسفية والروائية أكثر من الاعتماد على الروايات التاريخية.. وقد
أشرتم في مقدمة الكتاب الى ضعف كثير من الروايات التاريخية الخاصة
بالموضوع وجهل سندها (ص 44) وإهمال علماء الرجال لذكر أسماء الرواة
والتحقيق في شخصياتهم على العكس من تحقيقهم في أسناد روايات المسائل
الفقهية ، مما أدى الى حدوث بعض المشاكل والصعاب في عملية البحث والتحقيق
في موضوع المهدي. وذكرتم
اعتمادكم على الروايات "المتواترة" والمشهورة والتي لا يوجد لها معارض ،
وافتراض صحة الروايات التي ذكرها علماؤنا الأوائل ، واقتصرتم في بحثكم
التاريخي الذي وصفتموه بالعميق والجديد على مصادرنا الامامية الاثني عشرية
باعتبار ان اهل البيت أدرى بما فيه ولم تبالوا بالطعن الصادر من غير
الموالين لأهل البيت (ع) (ص 443) واعتبرتم
مسألة وجود الامام المهدي من الضروريات في المذهب الاثني عشري ، التي لا
حاجة لبحثها ولا بد من تجاوزها.. كما اعتبرتم مسألة ضبط (السفراء الأربعة)
والايمان بصحة دعواهم من بين أدعياء النيابة الكاذبين الآخرين من المسائل
الضرورية الواضحة في المذهب، ولذلك فلا حاجة لتجشم العناء في إثبات ذلك .
(ص 395) وبناء
على ذلك فقد بنيتم منهجكم في البحث والتحليل على الإيمان بالنظرية
المهدوية (الاثني عشرية) كما هي مذكورة في كتب مشايخ الطائفة (الصدوق
والمفيد والمرتضى والطوسي والنعماني) وغيرهم من محدثي الغيبة الصغرى وبداية
الغيبة الكبرى ، باعتبار النظرية بكل تفاصيلها من المسائل الضرورية
الواضحة ، ولم تجدوا حاجة للتحقيق في الرواية التاريخية التفصيلية عن ولادة
الامام المهدي ومشاهدته واللقاء به في حياة أبيه او في أيام النواب
الأربعة. وقد انصب جهدكم على تحليل الروايات والتعليق عليها وتفسير المعضل
منها وتأويل المتعارض والمخالف للقرآن الكريم والعقل والروايات الصحيحة
الأخرى. وبالرغم
من الجهود التي بذلتموها في صياغة الموضوع وتحليل الأحداث فاني اعتقد ان
موضوعا خطيرا كموضوع وجود (الامام المهدي محمد بن الحسن العسكري) تترتب
عليه أمور كثيرة في الفقه والفكر السياسي والعقائدي ، ويقوم عليه كيان
الطائفة الاثني عشرية بحاجة الى بحث أعمق وأدق و أشمل ، ولا يجوز التقليد
والاعتماد على آراء العلماء السابقين بدعوى الضرورة او التواتر او الشهرة
سواء في أساس الموضوع او في الأمور التفصيلية منه.. خاصة مع وجود التهمة من
قبل عامة المسلمين وعامة الشيعة وعامة الامامية – ماعدا الفرقة الاثني
عشرية- باختلاق موضوع وجود الامام المهدي وابتداع القول به بعد وفاة الامام
العسكري وحدوث الحيرة من بعده.وقد استغربت من قولكم في المقدمة (ص
46):"ان منهجنا يقوم على الأخذ بالروايات المشهورة". ان
الأمانة العلمية تقتضي استعراض الصورة التاريخية الدقيقة والشاملة كما
رواها مؤرخو الامامية الأوائل كسعد بن عبد الله الأشعري القمي في (المقالات
والفرق) والنوبختي في (فرق الشيعة) والمفيد في (الإرشاد) وغيرهم ، وعدم
الاكتفاء باستعراض الرأي القائل بوجود المهدي ، وحده من بين مجموعة الأقوال
التي قال بها شيعة الامام الحسن العسكري في أيام الحيرة.ان
الإجماع او التواتر او الشهرة او الضرورة التي تتحدثون عنها في موضوع
المهدي لم يكن أي منها موجودا في حياة أهل البيت (ع) ولا بعد وفاة الامام
العسكري ، ولذلك حدثت الحيرة في موضوع خليفة الامام ، وانقسم الشيعة
الامامية الى أربعة عشر فرقة حول الموضوع.. وانما حدث ذلك بعد فيما بعد حين
قال فريق من الامامية بوجود ولد للامام العسكري هو الامام من بعده ، ثم
قالوا بعد حين انه الامام المهدي ، واستندوا في قولهم هذا على مجموعة أقوال
نظرية (فلسفية) واستعانوا ببعض الأحاديث العامة والغامضة وربطوا بعضها
ببعض ثم اجتهدوا فيها واستنتجوا منها حتمية وجود الولد للامام العسكري. ولم
يكن للقصص الأسطورية أي وجود في البداية.. وانما بدأ بعض الغلاة يحبك تلك
القصص الأسطورية لكي يدعم القول الافتراضي بوجود الامام (الثاني عشر) ولذلك
جاءت تلك القصص التاريخية التي تتحدث عن ولادته واللقاء به في أيام أبيه
وفي أيام الغيبة خالية من السند الصحيح ومروية عن اشهر الكذابين والوضاعين
كجعفر بن مالك الفزاري وآدم البلخي وأحمد الرازي. واذا
كان بعض العلماء السابقين قد ذكر تلك الروايات الضعيفة فليس لكي يقدمها
دليلا على وجود المهدي وانما ليتخذها دليلا مساعدا يعضد به الدليل الأول
والأقوى لديه وهو الدليل الفلسفي (الاعتباري) ولكنكم أتيتم فيما بعد
وأهملتم الدليل الفلسفي (الكلامي) واكتفيتم بتلك الروايات الأسطورية التي
لا أساس لها من الصحة. ومن
هنا فان الروايات التاريخية التي اعتمدتم عليها في تأليف كتابكم لا علاقة
لها بأهل البيت ولا بالمذهب الشيعي الإمامي ولا تعتبر من الضروريات ، بل هي
موضع شك عميق ، وان من مقدمات البحث الموضوعي دراستها من كل جانب والتأكد
من سندها بدقة وعد الاكتفاء بوجدانها في كتب العلماء السابقين ، حتى إذا
كانت خالية من المعارض ، وذلك لأن احتمال الوضع والتلفيق قائم حولها. كما
ان احتمال قيام (النواب الأربعة) الذين ادعوا السفارة عن المهدي بتلفيق
تلك القصص وترويجها أملا بدعم دعاواهم الفارغة قائم أيضا ، وقد كان الشيعة
الأوائل يشكون في صدق ادعائهم ، وقد حدث صراع بين أدعياء النيابة المختلفين
وكذب بعضهم بعضا ، ولا يجوز ان نعتمد على توثيق السابقين لهم ونقلدهم في
ذلك، بل لا بد من بذل الجهد للاجتهاد في ذلك وتجشم عناء البحث من أجل كشف
حقيقتهم..إذن
فان الحاجة الى إعادة النظر في الموضوع برمته ملحة جدا ولا بد أيضا من
إعادة النظر في منهج البحث والتمييز بين الروايات الصحيحة والمزورة وذلك
باعتماد علم الرجال ومبادئ الرواية ورفض اية رواية ضعيفة او مجهولة او
مقطوعة السند حتى لو كانت مذكورة في كتب العلماء السابقين الذين كانوا
يحاولون ان يدعموا نظريتهم بأية إشاعة ، خاصة مع وجود الشك والتهمة باختلاق
نظرية (الاثني عشرية) في عصر الحيرة بعد وفاة الامام العسكري بعقود من
الزمن. ويسرني
في هذه المناسبة ان اقدم لكم جهدي المتواضع الذي يثبت اختلاق النظرية
المهدوية (الاثني عشرية) وافتراض وجود (الامام المهدي محمد بن الحسن
العسكري) الذي لا وجود له في الواقع ، أتمنى منكم ان تلقوا بنظرة فاحصة على
الكتاب وتوافوني بما لديكم من ردود.. وانا على استعداد لأن أغير وجهة نظري
او أعدلها إذا قدمتم لي اية أدلة علمية تثبت موضوع الولادة والوجود للمهدي
(محمد بن الحسن العسكري)وشكرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهاحمد الكاتبلندن 1413هـ
رسالة من أحمد الكاتب إلى السيد محمد الشيرازي حول المهدي وصلاة الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيمسماحة المرجع الديني الكبير الامام السيد محمد الشيرازي دام ظلهالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأبقاكم لنصرة دينه الحنيفسيدي الكريملا
شك أنكم تدركون أهمية موضوع التاريخ ، والتاريخ الاسلامي الشيعي بالذات ،
وتشكيله جزءا من عقيدتنا حول أهل البيت (ع) وان هذه العقيدة التاريخية وما
تحمله من نظرة الى أئمة أهل البيت تشكل مقدمة او قاعدة أساسية للفقه ، وان
الاجتهاد في الفقه لا يمكن ان يتم بصورة صحيحة الا بعد الاجتهاد في العقيدة
التاريخ وخاصة فيما يتعلق بنظرية الامامة الالهية لأهل البيت ووجود او عدم
وجود الامام الثاني عشر (محمد بن الحسن العسكري).وكما
تعرفون فقد تربينا على أيديكم منذ الصغر وآمنا بالمذهب الشيعي الإمامي
الاثني عشري ، وقد قمنا منذ عدة سنوات بقراءة التاريخ الشيعي وأحاديث أهل
البيت (ع) بدقة ووجدنا نوعا من الخلط بين تراثهم العظيم وبين أفكار
الفلاسفة والمتكلمين والغلاة الذين كانوا يدعون تأييد الأئمة لهم أو
ينسبون أقوالهم الباطلة إليهم (عليهم السلام) من خلال اصطناع الأحاديث
الكاذبة ووضعها على لسانهم.وبالرغم
من سهولة التمييز بين أحاديث أهل البيت (ع) وبين الأحاديث الموضوعة
المنسوبة إليهم كذبا ، وذلك من خلال عرضها على القرآن الكريم وعلى الأحاديث
الصحيحة الثابتة ، والتأكد منها من خلال دراسة سندها ومعرفة رجالها
وامكانية التعرف على الكذابين والوضاعين والغلاة وإسقاط رواياتهم.. وكذلك
من خلال المقارنة التاريخية. بالرغم من ذلك فانه مع الأسف الشديد غلب
التقليد على بعض علمائنا الذين تأثروا بالمتكلمين وآمنوا بأفكارهم الباطلة ،
فاستساغوا الروايات الضعيفة الكاذبة ولم يأبهوا لضعف سندها وانحراف رواتها
، ولم يتعبوا أنفسهم كثيرا في دراسة تلك الروايات من جوانبها المختلفة تحت
حجة انها ضرورية وبديهية ومسلمة، كما أغمضوا أعينهم عن قراءة التاريخ ،
وراحوا يشيحون بوجوههم عن الحقائق البارزة ويحاولون إنكارها او تأويلها او
إهمالها.. وراحوا يصرون على التشبث بنظرياتهم الفلسفية البعيدة عن أهل
البيت.
ودأب بعض العلماء المجتهدين في الفقه والأصول والمقلدين في موضوع العقيدة
والتاريخ على ادعاء" الاجتهاد المطلق" ومعرفة أسرار الدين ، فضلوا وأضلوا . وكانت
ثقتي بكم – ولا تزال - كبيرة في ان تولوا التاريخ الشيعي العقائدي أهمية
كبرى في مسيرتكم الاجتهادية وتقوموا بدراسة الروايات وتصفيتها من الدخيلة
والضعيفة والموضوعة ، ثم تقارنوا بين الأحداث التاريخية وتفسروها تفسيرا
علميا صحيحا ، بلا تأويل تعسفي ولا إنكار أولي..
واعتقد ان المشكلة الكبرى التي تحول دون التوصل الى اجتهاد سليم
واستنتاجات دقيقة هو التشبث بالنظرية التقليدية الموروثة منذ تكون الفرقة
الاثني عشرية في القرن الرابع الهجري ، والتصديق بالأحاديث التي وضعت ذلك
الحين على لسان الرسول الأعظم والأئمة من أهل البيت في أن الأئمة اثنا عشر
وهم فلان وفلان ، كما ورد مثلا في: ( سليم بن قيس الهلالي) الموضوع ، الذي
ظهر في ذلك العصر.. ولو قمنا أولا بدراسة أحاديث " الاثني عشرية" وتحققنا
منها واحدا واحدا ، وهي تبلغ حوالي مائتي رواية ، ذكرها الخزاز في (كفاية
الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر ) لوجدنا انها جميعا روايات ضعيفة
ومكذوبة ولم يكن لها أثر قبل ذلك الحين ، ولأدركنا عدم صحة ذكر النبي
للأئمة القادمين من بعده بأسمائهم وصفاتهم واحدا بعد الآخر ..
ولو راجعنا كتب الكلام الشيعية المؤلفة في القرنين الثاني والثالث
الهجريين لوجدنا انها لم تكن تعرف نظرية تحديد الامامة في اثني عشر اماما
فقط ، بل كانت تعتقد باستمرار الامامة الى يوم القيامة ،وكذلك لو راجعنا
الروايات الكثيرة السابقة المروية عن الشيعة الامامية في القرون الثلاثة
الأولى لوجدنا انها ايضا تؤكد استمرار الامامة في الأعقاب واعقاب الأعقاب
الى يوم القيامة ، و هذا ما يتنافى مع تحديدهم من قبل في اثني عشر واحدا
فقط..
وان ما يؤكد هذه الحقيقة: ( حقيقة عدم تحديد أسماء الأئمة من قبل ) وتكوين
النظرية الاثني عشرية في القرن الرابع ، هو عدم معرفة الأئمة بالضبط
لأسماء خلفائهم ، كما حدث مع الامام الصادق (ع) الذي أوصى في البداية الى
ابنه إسماعيل ، ثم أحجم عن الوصية بالإمامة الى أي أحد من أولاده وترك
الأمر غامضا ولحين الوفاة ، مما أدى الى تفرق الشيعة الامامية وقول معظمهم
– ما عدا الإسماعيلية والناووسية – بإمامة ابنه الأكبر عبد الله الأفطح ،
وربما لو كان يكتب لعبد الله الحياة الطويلة من بعد الصادق او كان له
أولاد ، لسارت النظرية الامامية في أعقابه وأعقاب أعقابه الى يوم القيامة
بعيدا عن الامام موسى بن جعفر ، كما سارت في إسماعيل وابنائه .وقد
أدى عدم معرفة الأئمة لخلفائهم من قبل ، الى ظهور نظرية (البداء) – حتى
على حسب التفسير القائل : بالظهور من الله – وذلك لتفسير ظاهرة الوصية لرجل
ثم العدول عنه بعد موته ، وقد تكررت الظاهرة مع الامام الهادي (ع) الذي
أوصى الى ابنه السيد محمد ، ثم عدل عنه الى ابنه الحسن العسكري ، بعد وفاة
أخيه مبكر ، ولو كان ثمة قائمة مسبقة بأسماء الأئمة معروفة من قبل ومنذ
أيام الرسول الأعظم (ص) لصعب جدا على أبناء الأئمة وإخوانهم ادعاء الامامة
دون المعينين المعروفين ، ولبعد جدا اختلاف الشيعة يمينا وشمالا ، ووقوعهم
في حيرة وغموض.. ولما كان هناك أي داع للسؤال من أي إمام عن الخليفة من
بعده والإلحاح عليه بشدة في طلب الجواب ، ورفض الأئمة الجواب عادة الا
بالعلامات والإشارات والمواصفات كقولهم: انها في الأكبر ، مثلا ، ولما
مات تلامذة عظام للأئمة كزرارة بن أعين ، وهم لا يعلمون من هو إمام الزمان.
ولا يمكن ان نفسر ادعاء محمد بن الحنفية وزيد ومحمد بن عبد الله بن الحسن
، وأحمد بن موسى بن جعفر ، وجميع أبناء الأئمة وإخوانهم وأبناء عمومتهم
للإمامة في القرون الثلاثة الأولى ، بالعناد واتباع الهوى والشهوات
ومخالفة أوامر الله والرسول وإهمال القائمة المحددة من قبل بأسماء الأئمة
الاثني عشر .. وهم كانوا على درجة كبيرة من التقوى والورع والصلاح والجهاد
في سبيل الله.
واخيرا فان عدم ظهور الامام الثاني عشر وعدم وجود أدلة كافية وقوية وصحيحة
عليه ينسف حكاية "الاثني عشرية" ويعيدنا الى الوراء للتساؤل في ما اذا
كانت نظرية الامامة الالهية هي حقا نظرية الأئمة من أهل البيت عليهم
السلام؟ أم هي من صنع الفلاسفة والغلاة والمتكلمين؟ ومن
المعروف ان نظرية الامامة الالهية ترتكز على فلسفة (العصمة) وضرورة
اشتراطها في الامام ، أي الحاكم والرئيس والمنفذ للشريعة الاسلامية ، وذلك
بناء على القول في الإطلاق لولاة الأمر في الخير والشر والحق والباطل ،
حسبما يقول المتكلمون ، وخاصة هشام بن الحكم الذي ابتدأ القول بالعصمة .
وهذا ما يسميه المتكلمون : بالدليل العقلي ، وهو في الحقيقة ليس دليلا
عقليا بحتا وليس دليلا فطريا ، وانما يقوم على تأويل نص معين ، والقول
بالإطلاق ورفض النسبية في الطاعة الواردة في الآية الكريمة ( يا أيها الذين
آمنوا أطيعوا الله أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وعلى أية حال فقد قال
المتكلمون الذين آمنوا باشتراط العصمة في الامام بضرورة تعيينه من قبل
الله بعد ان قالوا بعجز الأمة عن اكتشاف الامام المعصوم وعدم إمكانية
الشورى لأن تكون طريقا شرعيا لانتخاب الامام ، وضرورة حصر الامامة في أهل
البيت وانتقالها بالوراثة في ذرية علي والحسين الى يوم القيامة.وقد
أول المتكلمون واختلقوا روايات تفيد النصب من الرسول للامام علي بن ابي
طالب (ع) ثم حصروا الامامة في أولاد الحسين دون أولاد الحسن ، بلا أي دليل
مقنع..ثم
وقعوا في مشكلة التعرف على الامام بعد الامام ، خاصة اذا لم يكن يوجد
عليه نص واضح ، كما لم يكن يوجد أي نص من الحسين على ابنه علي زين العابدين
، فاخترعوا نظرية (المعجزة) كطريق لاثبات إمامة هذا او ذاك ، وادعى
الغلاة نزول الوحي والملائكة على الأئمة والتحدث معهم ، وقالوا بنظرية
(الجفر والنكت والنقر وعمود النور والإلهام ) وما الى ذلك ، وبالرغم من
تناقض ذلك مع القرآن الكريم في أكثر من موضع ، من حيث ادعاء علم الغيب الذي
لا يعلمه الله ولم يعلمه الا بعض رسله ، وفي بعض الأمور فقط ( ولو كنت
أعلم الغيب لاستكثرت من الخير).
واذا ابتعدنا عن نظريات الفلاسفة والمتكلمين والغلاة ، واستطعنا ان نكشف
كذب رواياتهم وزيفها ، وعدنا الى أهل البيت (ع) والى أحاديثهم المتواترة
الثابتة في أمهات كتبنا ، والتي تنفي العصمة عنهم وترفض الغلو وتحذر
المتكلمين من (الكلام) ولم نؤولها تعسفا وعنادا ، لوجدنا انهم أقرب الى
نظرية الشورى القرآنية العقلائية وانهم كانوا يؤكدون على ضرورة انتخاب
الامام من قبل الأمة ويلعنون من يقوم باغتصاب الامة أمرها ويتولونها من غير
مشورة ..ويكفي
لترجيح نظرية الشورى والايمان بوهمية نظرية النص مرور أكثر من الف عام من
تاريخ الأمة الاسلامية مع عدم وجود إمام ظاهر معين من قبل الله وعدم
وجود حل آخر سوى نظرية الشورى ، عمليا ، وربما ستمضي مئات او آلاف او
ملايين السنين الى يوم القيامة مع عدم ظهور مصداق واحد من مصاديق نظرية
النص .. وهذا ما يدعونا الى التفكير بجدية واعادة النظر مرة اخرى في
عقائدنا الموروثة التقليدية ويدفعنا للاجتهاد في قراءة التاريخ والعقائد
على أساس القرآن الكريم والعقل والأحاديث الصحيحة الثابتة.ومن
هنا فاني اعتقد أنكم تتفقون معي في الرأي على ضرورة إطلاق لقب ( المجتهد)
على من يجتهد في العقائد والتاريخ ، قبل ان يجتهد في اللغة والأصول والفقه ،
دون من يقتصر على الاجتهاد في المراحل السطحية الأخيرة التي تتأثر سلبا
أو إيجابيا بالمراحل الاولى الأساسية ، وان إعادة بناء الحضارة الاسلامية
من جديد يتطلب القيام بعملية اجتهاد كبرى أساسية وجذرية في العقائد والأصول
الأساسية.كما أرى ان سماحتكم الكريمة بما عرف عنكم من جد واجتهاد وذكاء ، أقدر الناس على القيام بذلك.وفقكم الله وعاكم وأسألكم الدعاءوالسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهولدكم : أحمد الكاتبلندن في 3 رجب 1414
دعوة لإعادة النظر في حكم صلاة الجمعة
سماحة الامام السيد محمد الشيرازي حفظه اللهالسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهوبعد
فقد تسنى لي خلال السنوات الماضية ان أقوم بإلقاء نظرة على معظم أمهات كتب
الفقه الشيعية خلال ألف عام ، وان أقارن بين آراء العلماء الأعلام فيما
يتعلق بالجوانب السياسية والاقتصادية .. وقد وجدت أثناء البحث سيادة نظرية "
التقية والانتظار" في القرون الأولى من (عصر الغيبة).. وان تلك النظرية
كانت تحرم وتعطل كل ما يتعلق بالدولة في (عصر الغيبة). كما وجدت كثيرا من
العلماء المتقدمين والمتأخرين يحاولون التملص من تلك النظرية اللامعقولة
والمخالفة للقرآن الكريم والفطرة والواقع . وقد توجت محاولاتهم الجريئة
بالقول في القرون الأخيرة.. بنظرية ولاية الفقيه ، واستطاعوا بذلك ان
يعيدوا الحياة للجوانب المجمدة من القوانين الاسلامية كقانون الثورة
والدولة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واقامة الحدود والخمس وما شابه. وقد
لاحظت ان القول بولاية الفقيه تطور تدريجيا مسألة مسألة ومن عالم الى عالم
.ز وقد أثار انتباهي قولكم لأول مرة في تاريخ الفقه الشيعي الجديد ،
بقدرة الفقيه الولي على إعلان الجهاد الابتدائي ، خلافا لإجماع العلماء
الممتد منذ أكثر من ألف عام ، والمبني على قاعدة نظرية "التقية والانتظار". وقد عززتم بذلك نظرية "ولاية الفقيه" وتقدمتم بها خطوة الى الامام.
واعتقد ان هناك خطوة مشابهة اخرى تحتاج الى التنفيذ ، وهي صلاة الجمعة ،
وهي كما قلتم في كتاب (الفقه ) ثابتة بصريح القرآن الكريم والأحاديث
الصحيحة ، ولكن الذي أدى الى تحريمها او نفي الوجوب عنها هو القول بنظرية
(التقية والانتظار) واشتراط حضور الامام العادل ، أي الامام المعصوم ، او
إذن نائبه الخاص.
وقد ظهر هذا الشرط في القرن الخامس الهجري أيام السيد المرتضى والطوسي ،
واعتمد على الإجماع (اجماع المسلمين) في اشتراط إذن الامام في صلاة الجمعة
، وكان عامة المسلمين يقصدون بذلك الحاكم بصورة عامة.
وقد استورد أصحاب مدرسة التقية شرط الإجماع هذا من (العامة) ثم أضافوا
اليه شرط العدالة ثم فسروا العدالة و(الامام العادل) بالإمام المعصوم ،
ولما كان الامام العادل (المعصوم) غائبا ، حسب النظرية الاثني عشرية / فقد
قالوا بتعطيل صلاة الجمعة في (عصر الغيبة).
وكان عملهم هذا جزءا من أعمالهم الأخرى التي عطلوا فيها الجوانب السياسية
المهمة لعدم وجود او ظهور الامام المعصوم (المهدي المنتظر).
وبالرغم من ان نظرية (التقية والانتظار) كانت نظرية اجتهادية ظنية وقائمة
على تأويلات لأحاديث ضعيفة ، فان أصحاب