منهاج السنة للرد على الشيعة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الأحد مايو 19, 2024 5:57 pm
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مرجعية المرحلة وغبار التغيير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
منهاج السنة
لا اله الا الله محمد رسول الله
لا اله الا الله محمد رسول الله
منهاج السنة


مرجعية المرحلة وغبار التغيير Vitiligo-ae30eb86b8مرجعية المرحلة وغبار التغيير Iraqiaabc6667cb59
عدد المساهمات : 897
تاريخ التسجيل : 27/10/2012

مرجعية المرحلة وغبار التغيير Empty
مُساهمةموضوع: مرجعية المرحلة وغبار التغيير   مرجعية المرحلة وغبار التغيير Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 16, 2012 7:16 pm

حتى لا تكون فتنة
(كتاب مرجعية المرحلة وغبار التغيير)
تحت المجهر
نجيب مروة
الطّبعَة الأولى: 1419هـ.ق/1998م. دار أمجاد ـ بيروت
الفهرس التفصيلي


الهواء الطلق والقناع الواقي

الخير فيما وقع:

مرجعية المرحلة وخرافة الحداثة:

عقدة التحديات الفكرية المعاصرة:

ممانعة النقد وغبار التغيير:

مرجعية المرحلة وغبار التغيير:

كلام في النماذج:

مع الشيخ الطوسي في تبيانه:

مع الشيخ الطبرسي في مجمع البيان:

مع السيد المرتضى (علم الهدى) في تنزيه الأنبياء:

مع السيد شبَّر في تفسيره:

ملاحظة على النماذج:

ثانياً: بين اللعب بالألفاظ والحرتقة والهرطقة:

ثالثاً: التشيع وجهة نظر والتوجيه الفاشل:

رابعاً: من فمك أدينك:

أ ـ الشيعة إنا وجدنا آبائنا:

ب ـ تعليق صور الإمام الخميني صنمية:

ج ـ النبي محمد لا يعرف المهم من الأهم:

د ـ ضعف نوح في ملكاته الروحية:

هـ ـ يونس النبي يهرب من مسؤولياته:

خامساً: حقائق بالجملة:

1 ـ إفتراءات من؟!!

2 ـ افهموا إذا قرأتم:

3 ـ هل تزوج أبناء آدم من اخوتهما؟.

حقائق أخرى:

المبحث الأوَّل: نزعة التبرير أم تبرير النزعة؟

المبحث الثاني: فلسفات شاخورية.

1 ـ الحقيقة مطلقة لا نسبية:



2 ـ المنطق الأرسطي:

مقدمة أولى: الميزان في التهميش والتأصيل.

مقدمة ثانية: إستشهاد أصولي في غير محله.

مقدمة ثالثة: مصادرات شاخورية:

مقدمة رابعة: تضليل لا يقف عند حد:

الخوئي: ذلك مشهور معروف، والله العالم) (2)

مقدمة خامسة: سفسطة شاخورية:

المبحث الأوَّل: جمل أم ناقه؟!

أولاً: بين الثوابت والضرورات:

ثانياً: عدم تفريق أم تحريف:

ثالثاً: تشهير أم طلب الشهرة؟

رابعاً: عقدة المشهور أم عقدة الفهم:

خامساً: تصحيح الأفهام:

سادساً: سهو أم لهو:

المبحث الثاني: أهل البيت والسيد فضل الله:

أولاً: أهل البيت عامة:

ثانياً: ـ الرسول الأعظم (ص) : فاطمة أم أبيها:

ثالثاً: الإمام علي عليه السلام:

رابعاً: ـ الزهراء عليها السلام:

ج ـ النشاط الإجتماعي للزهراء (ع) :

د ـ الزهراء (ع) رضيت عن الشيخين:

المبحث الثالث: تحريف كلام العلماء.

أولاً: علم الأئمة بما كان وبما يكون:

1 ـ مع كلام العلماء.

2 ـ نظرة في كلام العلماء:

ثانياً: الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء:

ثالثاً: السيد عبد الحسين شرف الدين:

رابعاً: الشهادة الثالثة:

خامساً: كتاب سُلَيمْ:

أ ـ الشيخ المفيد:

ب ـ العلامة الحلي:

ج ـ الشهيد الثاني:

د ـ الشيخ النجاشي:

هـ ـ السيد الخوئي (قده) :

و ـ السيد هاشم معروف الحسني:

ي ـ المحقق التستري:

سادساً: المفيد وكتابه الإرشاد:

سابعاً: إجماع الطوسي:

المبحث الرابع: من هنا وهناك:

أولاً: الرجعة:

ثانياً: النظر إلى العورة:

ثالثاً: بين مجيب ومجيب:

رابعاً: فأسألوا أهل الذكر:

خامساً: الشاخوري (محققاً)

سادساً: حسابات شاخورية:

المبحث الخامس: كلمتان لا بد منهما:

أولاً: متفجرة بئر العبد:

ثانياً: السيد هاشم معروف الحسني:

1 ـ آراء السيد هاشم التي إستشهد بها الكاتب.

2 ـ ولادة الزهراء (ع) من ثمار الجنة:

ثالثاً ـ السيد هاشم وسليم بن قيس:

أ ـ محمد بن سنان:

ب ـ أبو بصير:

رابعاً: نظرة سريعة على منهج السيد الحسني:

1 ـ النبي محمد (ص) :

ب ـ النبي (ص) وحرب الفجار:

ج ـ أخبار ورقه بن نوفل:

2 ـ الإمام علي (ع) :

ب ـ عمره (ع) حين إسلامه:

ج ـ زواجه (ع) من فاطمة (ع) :

د ـ عمره (ع) حين كفله رسول الله (ص) :

3 ـ الزهراء (ع) :

ب ـ زواجها (ع) من علي (ع) :

ج ـ الإعتداء عليها وإستشهادها (ع) :

4 ـ الإمام محمد الجواد (ع) :

5 ـ لعن الظالمين:

6 ـ الشيخان الجليلان:

7 ـ القوم وفدك:

8 ـ منهج جديد في رد الروايات:

1 ـ لماذا تأخر أمير المؤمنين (ع) عن إنقاذ الزهراء (ع) :

2 ـ فذكر قول رسول الله (ص) :

3 ـ قولها (ع) لأنشرن شعري ولأشقن جيبي ولآتين قبر أبي:

4 ـ هل للزهراء قرط أم لا؟

5 ـ إشتمال بعض الروايات على قضايا غريبة.

6 ـ هل يوجد تناقض في عدد أنصار علي (ع) :

7 ـ علي (ع) لم يذكر ما جرى عليها (ع) في رواية محمد بن الحنفية:

أولاً: الموضوعية المفرطة!!

ثانياً: البحوث الهامشية من جديد:

ثالثاً: سلبيات الآخر تزعج الكاتب:

رابعاً: تضخيم الأمور الصغيرة:

خامساً: المنهج القديم والمنهج الحديث:

سادساً: عدم الإلتزام بأسس التحقيق:

1 ـ المفارقة الأولى: الطريقة الحوزوية:

2 ـ المفارقة الثانية: القرآن حمال ذو أوجه:

3 ـ المفارقة الثالثة: ثبت علمياً إستحالة الأمانة!!

4 ـ المفارقة الرابعة: إبليس جميل!!

5 ـ المفارقة الخامسة: كل ما عدا التكفير لا يعتبر شتائم:

6 ـ المفارقة السادسة: السيد جعفر مرتضى أولى:

7 ـ المفارقة السابعة: الكتاب للعوام:

8 ـ المفارقة الثامنة: التهكم والتهجم على قراء العزاء:

9 ـ المفارقة التاسعة: الولايات المتحدة تفضل من؟؟

10 ـ المفارقة العاشرة: الولاية التكوينية تعني علم الإمام بما كان وما يكون!!!

11 ـ المفارقة الحادية عشرة: الأساليب البدائية في التشهير!!

12 ـ المفارقة الثانية عشرة: كبار العلماء؟!

13 ـ المفارقة الثالثة عشرة: كتاب مأساة الزهراء يمثل درجة عادية من الكتب المتداولة!!

14 ـ المفارقة الرابعة عشرة: بساطة الكاتب:

15 ـ المفارقة الخامسة عشرة: ميزة المجتمع المتحضر: التراشق بعبارات التحجر والعمالة!!

16 ـ المفارقة السادسة عشرة: السيد فضل الله لم يتعرض لموضوع الزهراء (ع) في محاضراته وإنما تحدث في مسجد بئر العبد!!!

17 ـ المفارقة السابعة عشرة: العداء للإستكبار أن تكتب كتاباً عنه وإلا!!

18 ـ المفارقة الثامنة عشر: قراء العزاء من جديد:

19 ـ المفارقة التاسعة عشرة: التسامح في التعبير:

20 ـ المفارقة العشرون: الكاتب ذو النزعة الفرويدية:

21 ـ المفارقة الواحدة والعشرون: السيد فضل الله يحتاط إستحباباً بترك الشهادة لعلي (ع) .

22 ـ المفارقة الثانية والعشرون: البدعة المنهجية:

23 ـ المفارقة الثالثة والعشرون: من الذي يحتاج إلى نظارة؟!

24 ـ المفارقة الرابعة والعشرون: السيد الخوئي (قده) لا يعتمد في تحقيقه على ما يسمعه من أشرطة الكاسيت:

25 ـ المفارقة الخامسة والعشرون: الشهادة الثالثة في شريط الفيديو:

المبحث الأول: دليل الإنتهاكات:

أولاً: النبوة والعصمة.

ثانياً: آدم (ع) :

ثالثاً: نوح (ع) :

رابعاً: إبراهيم (ع) :

خامساً: يوسف (ع) :

سادساً: لوط (ع) :

سابعاً: يونس (ع) :

ثامناً: داوود (ع) :

تاسعاً: سليمان (ع) :

عاشراً: موسى وهارون (ع) :

حادي عشر: النبي محمد (ص) :

ثاني عشر: الإمام علي (ع) :

ثالث عشر: الزهراء (ع) :

رابع عشر: الشيعة والتشيع والإمامة:

خامس عشر: الصحابة:

سادس عشر: البداء:

سابع عشر: الرجعه:

ثامن عشر: الولاية التكوينية:

تاسع عشر: القياس:

وأخيراً وليس آخراً:

ـ المبحث الثاني: لقطات طريفة:

أولاً: السيد فضل الله أعلم من آدم (ع) :

ثانياً: وأعلم من إبراهيم (ع) :

ثالثاً: وأعلم من موسى (ع) :

رابعاً: وأعلم من النبي محمد (ص) :

خامساً: ماذا بقي من العصمة؟

حتى لا تكــون فتنـة:


بسم الله الرحمن الرحيم

(لكلِّ نبـأٍ مُستَقَر)

قرآن كريم



* الكـلام في وثاقك ما لم تتكلم به فإذا تكلمت به صرت في وثاقه.

الإمام علي عليه السلام



* من جهتي أفكاري ما تزال أفكاري ومستعدٌ أن أتحمَّل مسؤوليتها مائة بالمائة وأنا مستعد أن أشكر كل من يدلَّني على خطأٍ في قولٍ وفعلٍ وأعتبر أنَّه قَدَّم لي هدية في هذا المجال.

السيد محمـد حسـين فضل الله

قاعـة الجنان ـ 22 ت1 ـ 1997.


/صفحة 7/
بسـمه تعـالى
مقدمة

إعتاد أغلب المؤلفين على كتابة مقدمة يعرضون فيها منهجهم في معالجة المادة التي تدور أبحاثهم حولها. وكذلك يبرزون فيها بياناً لعناوين البحث وخطوطه العامة الرئيسه مع الإشارة إلى عدة ملاحظات تتكون لدى الكاتب من خلال مجموع ما يختزنه من إطلاعات سابقة يملكها مضافاً إليها قراءات نقدية متجهة إلى طبيعة المادة نفسها موضع البحث سواء كانت تراثية أو معاصرة بحيث تتواءم هذه البحوث ومقتضيات الدراسة العلمية الموضوعية المبتنية على أدوات معرفية تناسب المقام الخاص لكل حقل معرفي. وإذا كان هناك من ترابط وإتصال فيما بين حقول العلم والمعرفة على إتساع دوائرها وإختلاف مجالاتها فإنما بحدود ما تقدمه من موضوعات ومفردات تساهم في تطوير نوعية الأداء البحثي والعلمي.

ولأجل ذلك درج الناقدون على تناول المنهج بالدرجة الأولى والنظر فيه حتى إذا ما تجاوزوا هذه المسألة فإنهم ينظرون بعد ذلك إلى نقد المسائل المطروحة في ثنايا الكتاب سواء لجهة موافقة هذه المسائل أم لجهة مخالفتها وعدم الإقتناع بها. وتزداد صعوبة النقد درجة أخرى إذا كان النقد متجهاً إلى نقد آخر فإنه عندئذٍ سوف تصبح المعاناة أكبر والمجال سوف يتسع أكثر وتزداد كمية الردود والردود المضادة وأحياناً قد ينسى الأصل الذي هو موضع نقاش.

وهذا هو الذي حصل أو يكاد يكون قريباً منه عندما صدر كتاب(مأساة الزهراء) للعلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي والذي بحسب مؤلفه إنما وضعه وألفه نتيجة إحساسه بالتكليف الشرعي المتوجب عليه، ولم يكن ذلك العمل منطلقاً من خلفيات ـ بحسب ما قيل عنه ـ سياسية أو حزبية أو شخصية أو أي شيء آخر. ولسنا صدد محاسبة الناس على نواياهم ـ فالله كفيل بهذا ـ إنما الذي يعنينا هو الظاهر على الأقل.

/صفحة 8/

وفي الحد الأدنى. وقد أحدث هذا الكتاب، فيما لوحظ، ضجة كبيرة وأثار إندهاشاً غير متوقع ـ وهذا ما لم نفهمه حتى الآن ـ عند بعض الناس دون مـبرر علمي ولا سـبب منطقي ولا حتى موجب شرعي لذلك. فالذي يريد أن لا يثير الناس ولا يحرك فيهم أدنى شعور بالإحساس بالواجب، عليه أن يحتفظ بما يملكه من معارف وعلوم لنفسه ويبقيها في داخله وسرِّه فهي في هذه الحال حكراً له لا ينازعه فيها أحد. أما الذي يختار طريقاً غير هذا ويصرح بما عنده من هواجس معرفية ويطرحها على الملأ فإن هذه الهواجس لا تعود ملكاً له وحده إنما من حق كل الناس على إختلاف مستوياتهم وتنوع مشاربهم وإتجاهاتهم. أقول إن من حق كل الناس ولهم الحرية في ذلك أن يتناولوا بالنقد والتشريح ـ بالطريقة العلمية طبعاً ـ كل هذه الأفكار والمعلومات خصوصاً إذا كانت هذه الأفكار تمس جوانب جوهرية ونقاطاً حساسة لها دخالة في العقيدة والمذهب والشريعة التي ينتمي إليها هؤلاء الناس.
الهوء الطلق والقناع الواقي:

والذي يدعو للدهشة والإستغراب في هذا المجال، أن تسمع إنساناً يردد دائماً وبأي وسيلة مناسبة وعلى مسامع الجميع أنه لا بد من التفكير بصوتٍ عالٍ وأن تطرح القضايا في الهواء الطلق لأنه (من الخطأ إثارة القضايا في المجالس الخاصة وحسب، بل لا بد من أن نثيرها في المجالس العامة بالطريقة التي تحقق للناس توازناً في فهمهم وأفكارهم، حتى يعيشوا ثقافة الإسلام بوعي وفهم وتدبر) (1) وأنه لا بد من إطلاق الحوار في فضاءات مجتمعنا الرحبه.. وأنه لا بد من الخروج من أقبية الذات والخصوصيات والحسابات الضيقة وعلينا أن نواجه قضايانا وأفكارنا وحتى عقيدتنا بالنقد. وبكل شجاعة وجرأة قبل أن ينقدها الآخرون لأننا، بحسب منطقه، نملك كماً غير قليل من الموروث الذي تركه لنا الأقدمون والذي ينبغي النظر إليه بعين النقد والتحليل حتى لا نكون مصداقاً للآية الكريمة (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) (2)




(1) بينات 25/10/1996.

(2) بينات 25/10/1996.

/صفحة 9/

إلا أن هذه الأفكار كانت مجرد شعارات تفتقر للدليل والبرهان، وها هو نفسه قد إنبرى للتشهير بكل من تصدى له ولمقولاته بالنقد والتشريح وإظهار بطلانها وهزالتها التي أراد أن يناقشها بالسر دون العلن وبالمجالس الخاصـة دون العـامة. كل ذلك قـد يعتبر دليل على أن هذه المقولات خـالية مـن أي مضمون علمي وفـكري ولا يملك لها حتى من أطلقها مصداقاً يمكن أن تنسحب عليه، فتلك دعوة مردودة إلى صاحبها فضلاً عن أنها مشوبة بالشك والإرتياب لما يمكن أن تخفيه من أهداف وطموحات يسعى لتحقيقها من خلال هذا الأسلوب وبهذه الطريقة. ثم إن الذي يطلق دعوات كهذه ويحاول إلزام الآخرين بها لماذا لا يقبل بها ويتفلت من التقيد بها ولا يراعي مقتضياتها إن حاول أحد من الناس أن يمارس هذا الحق أو أن يلتزم بمضمون هذه الدعوة؟

إن إثارة مثل هذه الطروحات إن لم تكن أهدافها واضحة ومنطلقاتها سليمة ومطلقها من الذين يلتزمونها ويمارسونها شكلاً ومضموناً، فإنها ستفسح بالمجال وتسمح لأي متطفل وصاحب شبهة من أن يمارس أهواءه وطموحاته ويعمل على إشباع الجو بضباب الشك والريبة وتشويش الرؤية لدى عامة الناس التي هي بأمس الحاجة لمن يرشدها ويهديها لا إلى من يضللها ويغويها لأن الرد والحال هذه سيكون ضرورياً وقاسياً لأنه سيمثل بالنسبة للناس القناع الواقي الذي ينبغي إمتلاكه وإرتداؤه منعاً للإختناق من السموم التي تعصف وتنتشر في الهواء الطلق.
الخير فيما وقع:

نعم قد يحدث أن تمر المجتمعات البشرية وهي في سيرها نحو أهدافها وغاياتها في كثير من الصعوبات والمحن القاسية وتلك هي سنة الحياة والتاريخ. ولعل أخطر الصعوبات والهزات التي يمكن أن تواجه مجتمعاً ما تلك التي تطال في تأثيراتها الجانب الفكري والعقائدي لهذا المجتمع. كالذي يحدث اليوم في الساحة الإسلامية عموماً والشيعية خصوصاً. إلا أنه رغم كل النقاشات الحاصلة ورغم كل التشنجات القائمة ورغم كل التجاذبات، وأقول رغم كل ذلك فإن ما يحدث سوف يساعد، عاجلاً أم آجلاً على ترسيخ قواعد العقيدة والمذهب في أذهان الناس ويجعلها أكثر ثباتاً وعمقاً في وعيهم ووجدانهم.

/صفحة 10/

فإذا تعرض الإنسان للتسمم في بعض الأحيان ويعاني من بعض الآلام التي ترافقه، لكن أخذ المضادات للسم ومحاربته سيترك في الجسم مناعة ضد هذه السموم في المستقبل.
مرجعية المرحلة وخرافة الحداثة:

إن تلك المقولات الغريبة التي يراد إشاعتها، وإن كانت وسائل طرحها متوفرة وجاهزة، إلا أن ذلك لا يكفي بل لا بدّ لها من زيٍ ترتديه لتقدم به ومعزوفة جديدة تزينها تجمّلها. وما تلك المعزوفة الجديدة التي يعزفها بعض الطامحين ويريدون من الآخرين أن يرقصوا على لحنها ونغمها إلا الحداثة والتحديث.

ولعل أهم ما يميز هذا العازف أنه ينفرد بالإيقاع وحيداً دون غيره، متوسلاً بذلك اسلوباً لا عهد، بحسب إعتقاده، لغيره به. مستخدماً طرقاً يحاول من خلالها الإيحاء للآخرين أنه من الذين يدركون ويفهمون لغة العصر، ويعيشونه بكل جديده وحداثته متهماً، دائماً، العلماء والمراجع الآخرين أنهم يعيشون الماضي ولا يخرجون منه أبداً. ولذلك فهم بعيدون عن هذا العصر ولغته وعن كل ما ينتجه. فهو ـ كما يحاول أن يضفي على نفسه على الأقل ـ يحمل راية التقدم والإنفتاح، ولواء الحداثة والتجديد ومسايرة الزمن ومحاكاته، بينما الآخرون، حسب إتهامه لهم، يعيشون التخلف والتحجر، ليظلوا أسارى التقاليد والموروثات ويسعون جاهدين للعودة بالأمة والناس إلى الوراء.

ونحن وإن كان ليس من حقنا أن نمنع أحداً من أن يفكر كما يريد وكما يحلو له. ولكن إذا كان هذا الشخص يحاول أن يفرض فكره ورأيه على الناس وإذا كان هذا الفكر له علاقة بمجموع الأمة ويخص عقيدتها وإيمانها، فعليه أن يتحمل المسؤولية جراء ذلك، لأن من حق الناس عندئذٍ ولهم الحرية الكاملة في أن يقبلوا أو يرفضوا، وعليه أن يترك لهم مجالاً واسعاً في سؤاله ومحاسبته لأن مصير الأمة وقرارها إنما هو ملك لها وحق من حقوقها المقدسة والمصانة.

لكن ما يثير الغرابة والطرافة في آن، أن أصحاب خرافة الحداثة والتجديد الموهوم عندما جوبهوا بمناقشة علمية هادئة ورصينة لمقولاتهم تلك تملصوا منها وإدعوا أن كل ما قالوه وكتبوه لا يخالف المذهب ولا يناقضه ولا هو يعارض ما قاله أكابر علمائه ورموزه.

/صفحة 11/

نعم إن كلاماً كهذا كثير الغرابة والطرافة، فإذا كان الأمر كذلك، فما هو هذا الجديد الذي أتوا به، وما هو ذلك الموروث الذي رفضوه وما هي تلك الأفكار التي يحملها علماؤنا والتي كانت السبب بالكيل لهم هذا السيل من الإتهامات والأوصاف والنعوت ما دام يقول ما قالوه ويقرر ما قرروه ويؤكد ما أكدوه. هذه هي مرجعية المرحلة وحداثتها المزعومة وتجديدها الخرافي.
عقدة التحديات الفكرية المعاصرة:

لقد حاول أصحاب (خرافة الحداثة) الإستفادة ربما، من الخوف الذي سرى في نفوس أبناء هذه الأمة أمام منجزات هذا العصر من تطور هائل وسريع في ميادين الصناعة والتكنولوجيا وكل وسائل النقل والإتصالات. وقد نشأت جراء ذلك عند أولئك، عقدة كبلت عقولهم بحيث لم يعد بإستطاعتهم التفلت والتخلص من هذا الواقع، ولا يمكنها أن تتحرر وتصنع لنفسها كياناً مستقلاً بعيداً عن كل قيود هذا الغرب ومحاولة نيل رضاه. وتحت تأثير هذا النفوذ وهذه السيطرة برزت قضية حساسة وخطرة جداً عند هؤلاء الذين يمثلون، أو ساعدتهم الظروف ووضعتهم في مواقع متقدمة في الأمة، وهي أنه كيف يمكننا أن نخاطب هذا الغرب المفرط في إنغماساته المادية والمبتعد تماماً عن كل أطروحة ميتافيزيقية ماورائية غيبية، وفي أي لغة نتحدث إليه ومعه وفي أي مواضيع نناقشه ونحاوره؟ وكيف نكلمه عن اللوح المحفوظ والصراط والعرش وأهل الكهف والرجعة والبداء وغيرها؟

كيف يمكن لنا مع هذا الموروث من المعتقدات أن نواجه التحديات الفكرية المعاصرة؟ فكان لا بد، والحال هذه، من حل، فبدلاً من إعداد ذهنية الإنسان بطريقة تجعله قادراً على إستيعاب الحقائق الإيمانية إتجه هؤلاء إلى نفس تلك الحقائق ليعالج قصور ذلك الإنسان عن فهمها بالتصرف فيها مباشرة. لكن كيف؟ وبأي طريقة؟

وتفتق الذهن التجديدي عن حلول ألمعية فكان لا بد من:
ـ إقفال ملف البداء وإبعاده عن عقيدتنا.
ـ تأويل أخبار الرجعة.
ـ تفسير رمزي للصراط.

/صفحة 12/
ـ وكذلك اللوح المحفوظ.
ـ أما العرش فهذا علم لا ينفع من علمه كما أننا لا نملك الخريطة الجغرافية للسماء.

وهكذا.. ولكن!!..

هل تنتهي القضية هنا؟ وماذا عن قضية الإمام المهدي (عج) وهذا العمر المديد والطويل من غيابه الذي قارب الألف ومئتي سنة؟ وماذا عن الروح، والقبر وعالمه وعذابه؟ وماذا يعني رجم الجمرات في الحج؟ وزيارة الأئمة والقبور عن بعد أو عن قرب؟! بل ماذا يعني البعث والخروج من القبور والحشر؟! فلماذا لا ينتقل الإنسان بعد موته، بروحه إلى الجنة أو إلى النار؟! فكيف يا ترى يمكن أن نواجه "التحديات الفكرية المعاصرة" بهذه المعتقدات؟

إن المسألة فيما نظن لا يمكن أن تعالج بهذه الطريقة ولا يمكن حلها بهذا الإسلوب، فالقضية قضية مبادىء وقيم وقناعات ومناهج، فالآخر، سواءٌ كان غربياً أم شرقياً، لا يقدم لك المبررات العلمية أو العملية لمعتقداته، بل ولا يسمح لك أن تناقشها بإستخفاف وتهاون وأن تكون فيها من الزاهدين.

وها هي الوفود التي تزور الكيان الصهيوني الغاصب ينبغي عليها أن تضع "القلنسوة" اليهودية على رأسها وأن تزور حائط "المبكى" وإلا فهي غير مرغوب فيها وتلقى استقبالاً فاتراً وغير لائق؟

أن يحترمك الآخرون، هو أمر لا يتم إلا إذا إحترمت معتقداتك ودافعت عنها وفرضت على الآخرين إحترامها فضلاً عن إحترامك؟

وكذلك لا ينبغي الإستخفاف بالعقيدة والتنكر لها فإن ذلك لا يكسبك الآخرين وإحترامهم (لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) فيما تعنيه اليهود والنصارى في ذلك الوقـت، وإذا أردنا تحويل هـذا الخطاب إلى القوى المسيطرة والمهيمنة في هذا العصر فإننا نستطيع أن نقول لك: (ولن ترضى عنك أميركا ولا قوى الإستكبار العالمي، حتى تتبع أهوائهم).

/صفحة 13/

إن معتقداتنا ومبادئنا وقيمنا وقناعاتنا متينة وراسخة سواء أقبل الآخرون بها، أم لم يقبلوها! والتاريخ سينتهي عندنا ومعنا، ولن تنفع تهويلات (فوكوياما) وشطحاته.

نهاية التاريخ ليس في الدولة (الديمقراطية الليبرالية) التي ينظر لها (فرانسيس فوكوياما) في كتابة (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) نعم، قد تكون (الديمقراطية الليبرالية) هي نهاية النظريات العالمية التي يمكن أن يتفتق عنها الذهن البشري، ولكن هل تحمل تلك النظرية عناصر الإستمرار والبقاء؟

قد تكون هذه النظرية تحمل عناصر تخولها أن تعمر أكثر من الإشتراكية والماركسية، لكن بذور الفشل والدمار تعشعش في ذلك الجسم.

تشترك اللبيرالية مع الماركسية بتجاهلها حاجات الإنسان الروحية وعطشه لعالم الغيب والعنصر المعنوي لإستمرار حياته؟ كما تشترك معها في الإمعان والإنغماس في عالم المادة؟

وتفترق عنها بإطلاق حرية الإنسان في الوقت الذي أمعنت فيه الماركسية بقمع الفرد وإلغاء حريته، وكبح طموحه ورغباته؟

فمع هذا الفارق فقط لا يمكن "للديمقراطية الليبرالية" أن تستمر، نعم قد تعمر أكثر مما عمرت الماركسية، لكنها لن تلبث أن تنهار أمام مشكلاتها المزمنة والمتراكمة: البطالة، الفساد، الجرائم، الإحتكار، تفكك الأسرة، القوميات، الأعراق.. ألخ.

أما الإسلام فقد قدم لنا، ومنذ ألفٍ وأربعمائة سنة ويزيد، نظاماً متكاملاً يعطي للجانب المادي حقه كما يلبي في الإنسان حاجاته المعنوية والغيبية، دون الإفراط بها لتتحول إلى خرافات تقيد الإنسان وتمنعه من السعي والعمل. وتترك له المجال في تطوير أي جانب يريد كل وفق إستعداداته وقابلياته ووفق معايير تضمن أمن المجتمع وحمايته، وبمقتضى قانون الثواب والعقاب الإلهي (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) . هذه المعتقدات هي التي كفلت لهذا الدين أن يستمر وأن يعمر هذه الفترة الطويلة.

إن الدين، بمختلف طوائفه ومذاهبه اليهودية والمسيحية والإسلامية، وبغض النظر عن صوابية هذا، وعدم صوابية ذاك، هو فقط القادر على الإستمرار والبقاء، هذه

/صفحة 14/

هي الحضارات التي عمرت وإستمرت، أما تلك التي قامت على أسس مادية وإلحادية أو إشتراكية فقد إندثرت وأصبحت من الماضي.. من التاريخ.. وربما من المجهول..

الحضارة الفكرية هي وحدها القادرة على البقاء والإستمرار، أما المادية منها فعرضة للإندثار والزوال ولا يبقى منها إلا الأطلال.

فالحضارة اليونانية لم يبق منها حياً إلا تعاليم سقراط وأفلاطون وأرسطو وأفكار تلك المذاهب المختلفة من فيثاغوريه ورواقية وغيرها..أما الصينيون، فلم يبق منهم إلا أفكار كونفوشيوس وتعليماته وأين الحضارة الهندية، وهل بقي منها إلا تعاليم بوذا..؟

نعم الحضارة الفكرية هي القادرة على الإستمرار، لكن من الذي يبقى ليشكل (نهاية التاريخ) ليس من ناحية النظرية الكونية، لأننا قلنا أننا قد نسلم مع (فوكوياما) أن (الديمقراطية الليبرالية) قد تكون هي آخر تلك الأطروحات، لكن نظرية التاريخ التي نتحدث عنها هي الناحية العملية من التاريخ أعني: (نهاية الدولة التاريخية)، وإن شئت قل الدولة الأخيرة التي تختم التاريخ. إن نهاية التاريخ وفق هذا المنظور هي الدولة الإسلامية العالمية، دولة الوارثين للأرض، دولة المستضعفين، دولة الأئمة، دولة القائم، دولة المهدي (عج) . لهذا نعمل، هكذا وُعدنا والله لا يخلف وعده.
ممانعة النقد وغبار التغيير:

ونعود إلى ما نحن فيه لنجد أن هذا الذي يدعوا لمناقشة القضايا في الهواء الطلق وإبداء الرأي في أجواء الحرية المطلقة، وكذلك يدعوا إلى الإنفتاح على كل القضايا والمسائل والحوار مع الجميع دون إستثناء، لا يمكنه تحمل أي شكل من أشكال النقد، ولا يقبل أي نوع من أنواع المعارضة لأنها، بنظره تمثل مساساً بشخصه وموقعه ومكانته. فخلط ـ وربما عن غير عمد ـ بين ذاته الفردية وبين شخصيته الفكرية. فكان من نتيجة ذلك أن كشف القناع وظهرت الوجوه الحقيقية..! فما هي:

ـ القصة: شعارات وعناوين براقة تستخدم لأجل إيهام الناس وخداعهم.

ـ الوسيلة: إشاعة المسألة على أنها شخصية وفردية أو تصفية حسابات.

/صفحة 15/

ـ الهدف: تحويل الأنظار عن خطورة الأفكار والأراء التي يحملها هؤلاء ويحاولون ترسيخها وتركيزها في عقول الناس.

ـ علامات ظاهرة: غضب، إستنفار وعلو الأصوات عندما جوبهوا بالنقد والإعتراض على أفكارهم وآرائهم وإظهار زيفها.

ـ الخطوات المقترحة منهم: كيل التهم ونشر الإشاعات والأضاليل والردود المملوءة بالتحريف والتزوير.

ـ خطوات إحتياطية مكملة: عدم الدخول في نقاش علمي ومنطقي للدفاع عما وجه إليهم من نقد وإعتراض لأن أفكارهم أضعف من أن تدعم بالدليل والبرهان وأن تصمد أمام النقد العلمي.

ـ النتيجة المرجوة: إغراق الناس في متاهات الجدل والسفسطه والبهورات الإعلامية والحركات البهلوانية.

نعم لقد إنهارت كل مظاهر الدعوه للحوار والإنفتاح وسقطت أمام التحدي لتحل محلها مظاهر الممانعة، ممانعة النقد التي تعني فيما تعنيه، أن صاحب الفكرة إن كان عاجزاً عن إثبات فكره ورأيه بالطرق العلمية فعليه أن يكون متسلطاً يسعى إلى تحقيق غاياته وأهدافه بأي وسيلة وبأي ثمن.

وإزاء كل هذه المسائل والقضايا التي حصلت ولا تزال في ساحتنا، كان لا بد من صدمة قوية ومؤثرة ـ وفق منطقهم أيضاً ـ تستطيع أن تحدث هزة كبيرة في أفكار الناس ومشاعرها، وأن تزيل الغشاوة عن أعينهم ليروا الحقيقة ساطعة بينة. وكان لا بد من فعل أي شيء يقف في وجه هذا الإسترخاء الحاصل عند الكثير من الناس سواء لجهة إيلائهم الثقة لبعض الناس، أو لجهة جهلهم وعدم معرفتهم وإطلاعهم على حقيقة المسألة وخطورتها وأبعادها. فكان أن إرتفعت بعض الأصوات معترضة على الذي يحدث من تشويه فظيع وتحوير خطير لمعالم الدين والمذهب وأصوله وعقيدته وما يتفرع عنها من قضايا تاريخية وإيمانية، ليس بدافع المنافسة ولا المزاحمة وإنما بدافع الغيرة والحرص على أهم مرتكز عند هذه الأمه فيما يخص عقيدتها ودينها ومذهبها، فإنبرى بعض المخلصين للدفاع

/صفحة 16/

عن الحق والصواب متسلحين بسلاح العلم والمنطق والحجة والبرهان والدليل والإحساس بالتكليف الشرعي القاطع للعذر والمانع من التخلي عن هذه المهمة والمسؤولية. وفي المقابل،

فقد كان من الطبيعي، وفق منطقهم وتوجهاتهم، أن لا يقبل الطرف الآخر بمثل هذه الإعتراضات أو بمثل هذا النقد لغياب الرد العلمي عندهم، فعمدوا إلى إثارة الرأي العام من خلال ما يملكونه من وسائل تأثير عليه مستغلين مواقعهم التي أوصلهم إليها الناس، والهالة التي أحاطوا بها أنفسهم، فعمدوا، ولتغطية الممانعة هذه، إلى إثارة الغبار أمام أعين الناس، غبار المرجعية لتغيير معالم الدين وثوابته لكن كل ذلك لن يلبث أن يسقط أمام الحقيقة والمنطق والعلم والبرهان، ولم يبق منها إلا غبار لا يلبث أن يختفي في معالم المرحلة، مرحلة نهوض الأمة الواعية التي تستطيع أن تصنع المستقبل كما صنعت الماضي.
مرجعية المرحلة وغبار التغيير:

ومن ذلك الغبار الذي أريد منه حجب الرؤيه عن الحقائق، كان كتاب (مرجعية المرحلة وغبار التغيير) لكاتبه الشيخ جعفر الشاخوري البحريني ومن عنوانه يدرك القارىء الوسيلة التي إعتمدها الكاتب لتحريف الحقيقة وتحويرها وتزييفها، فالغبار الذي أثير وذر في الأعين هو غبار التغيير والمرجعية والحداثة والتجديد. ولكن هل يمكن السكوت على هذا؟ وهل يمكن تجاهل ما صدر خاصة وأن التاريخ سيخلد كل كتاب مطلق كتاب، لأن التاريخ لا يفرق بين مضمون ومضمون، فالتاريخ يخلد حتى كتب الضلال والإنحراف والإلحاد، فكيف بكتاب يتلطى كاتبه بغبار التغيير والحداثة؟!!

لا.. لا يمكن السكوت ولا بد من نفض هذا الغبار، والمطر والماء، ماء الحقيقة والحق كفيل بإزالته ليحل محله الصفاء والوضوح في الرؤية، ليروي قلوب العطاشى إلى الحق والحقيقة، لتينع بعد ذلك وتترسخ الشجرة المباركة الشجرة المحمدية الأصيلة وتثمر إنساناً راسخاً في العقيدة، وثابتاً في الإيمان. مجاهداً ضد الظلم العدوان.

نعم.. لا يمكن السكوت عن قول الحق، وإظهار زيف كتاب مرجعية المرحلة وغبارها كما لا يمكن السكوت عن غيره مما صدر بل ومما سيصدر خاصة وأن طلاب الحقيقة ومريديها كثر وهم على أهبة الإستعداد لمقارعة الحجة بالحجة دفاعاً عن الدين والإيمان والعقيدة والمذهب ومعالمه وعلمائه ورموزه..

/صفحة 17/
الفصل الأول
العيوب المستورة

/صفحة 18/

/صفحة 19/
أولاً: نظرة في الإستفتاءات:

يتحدث (الشاخوري) وتحت عنوان (إستفتاءات مفبركة) أن بعضهم إستغل طيبة العلماء (الذين يجيبون على الأسئلة دون التدقيق في طبيعة السؤال وأهداف السائل) (1)

ومن الواضح أن هذه الإستفتاءات التي تحدث عنها الشاخوري إنما يعني بها تلك التي وجهت إلى المرجع الكبير آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي (دام بقاؤه) . وقد كان ينبغي على الشاخوري ذكر المصدر حفاظاً على المصداقية العلمية التي يتغنى بها دائماً.

ولا يخفى على القارئ العزيز ما في كلامه المتقدم من إساءة ظاهرة وإتهام صريح للمراجع أعزهم الله بأنهم لا يدققون بطبيعة السؤال والتثبت منه. وهو أدنى شروط القضاء والعدالة. وعلى أي حال فقول الشاخوري هذا ليس بالجديد فهو يردد ما يردده السيد فضل الله الذي يقول:

(ولم يتصل بي أحد من هؤلاء لا سيما المراجع، ولم يسألني أحد منهم عن طبيعة هذه الأمور مما يجعل المسألة في الكلمات الصادرة منهم بعيدة عن التثبت في الحكم ومبنية على الحمل على الأسوء وعلى عدم الأخذ بقواعد الحجية في السند وفي المتن أو القضاء) (2) ولو إتهم أحد السيد (فضل الله) بما إتهم به الشاخوري المراجع العظام بل ما إتهم به السيد فضل الله نفسه المراجع لنادى بالويل والثبور وعظائم الأمور.




(1) مرجعية المرحلة، ص 25.

(2) إستفتاء للسيد فضل الله بتاريخ 18 جمادي الأول 1418هـ، راجع كتاب الحوزة العلمية تدين الإنحراف، ص164.

/صفحة 20/
كلام في النماذج:

يعرض الشاخوري بعد مقدمته هذه بعض النماذج مما أسماه (الإستفتاءات المفبركة)

*النموذج الأول: (ما رأيكم بمن يرى محصورية القضاء والقدر بالواقع الكوني دون الواقع الإجتماعي..) (1)

ويمكن أن نلاحظ ما يلي:

1 ـ لم يقتصر السائل على إجتزاء السؤال بالطريقة التي عرضها الشاخوري بل أورد النص الكامل والحرفي لكلام السيد فضل الله.

2 ـ والسؤال كما جاء بالنص الحرفي:

(ما هو رأي الطائفة المحقة بمن يرى محصورية القضاء والقدر بالواقع الكوني الإجتماعي، إذ يقول في رده على الشيخ المفيد: إن مسألة القضاء والقدر لا تتصل بالأوامر والنواهي الصادرة من الله في التكاليف المتعلقة بأفعال العباد، بل هي متصلة بمسألة الواقع الكوني والإنساني فيما أوجده الله وفعله وقدره…) (2) إلى آخر النص

3 ـ إن عدالة الشيخ التبريزي وأقرانه من علمائنا الكبار تقتضي بألا يجيبوا على سؤال أو يتعرضوا لرأي ما دون تتبع وتدقيق وافيين وكذلك فإن إيراد السائل للنص الحرفي للسيد فضل الله يؤكد أن الشيخ التبريزي مطلع على رأي السيد فضل الله في هذه القضية وكل كلام يخالف ما ذكرناه يؤدي بشكل أو بآخر للطعن بعدالة الشيخ التبريزي.

ومع ذلك فإن إجابة الشيخ التبريزي كانت حول رأي الطائفة في ذلك بناءً على طلب السائل، فلم يتعرض (دام بقاؤه) لأحد بالخصوص.




(1) إستفتاء للسيد فضل الله بتاريخ 18 جمادي الأول 1418هـ، راجع كتاب الحوزة العلمية تدين الإنحراف، ص25.

(2) أجوبة السيد فضل الله على إستفتاءات الشيخ التبريزي سؤال رقم (12) .

/صفحة 21/

4 ـ ورغم كل ما تقدم، يبقى أن كلام السيد فضل الله في حصره القضاء والقدر بالواقع الكوني والإنساني باطل جزماً.

*النموذج الثاني: (ما رأيكم بمن يقول: إن أسلوب القرآن في الحديث عن حياة الأنبياء ونقاط ضعفهم يؤكد القول بأن الرسالية لا تتنافى مع بعض نقاط الضعف البشري من حيث الخطأ في تقدير الأمور؟) (1)

إن خطأ الشاخوري في هذا السؤال أشنع من سابقه، لأن السائل هناك وإن كان قد عرض النص الكامل للسيد فضل الله لكنه كان قد صاغ السؤال في البدء قبل عرض النص. أما هنا فإن السائل لم يطرح كلام السيد فضل الله كما فهمه بل جاء بنفس كلام السيد فضل الله. وإليك صيغة السؤال كما جاءت في الإستفتاءات:

(ما رأي الشارع المقدس وعقيدة أهل بيت العصمة والطهارة بالمقولة التالية المتعلقة بالحديث عن آية (قال رب اغفر لي ولأخي) [آل عمران/151] وما هو حكم من يقول بها، وهل أن هذه المقولة تتفق مع عقيدة العصمة الإمامية: (ولكننا قد لا نجد مثل هذه الأمور ضارة بمستوى العصمة، لأننا لا نفهم المبدأ بالطريقة الغيبية التي تمنع عن الإنسان مثل هذه الأخطاء في تقدير الأمور، بل كل ما هناك أنه لا يعصي الله في ما يعتقد أنه معصية، أما أنه لا يتصرف تصرفاً خاطئاً يعتقد أنه صحيح مشروع، فهذا ما لا نجد دليلاً عليه، بل ربما نلاحظ في هذا المجال أن أسلوب القرآن في الحديث عن حياة الأنبياء، ونقاط ضعفهم يؤكد القول بأن الرسالية لا تتنافى مع بعض نقاط الضعف البشري من حيث الخطأ في تقدير الأمور) (2)

وبعد الذي تقدم نرى أن السؤال كما طرحه الشاخوري ليس له عين ولا أثر في النص الأصلي للسائل، وإذا كان ثمة فبركة، فهي لا شك فبركة الشاخوري الذي صـاغ




(1) مرجعية المرحلة، ص 25.

(2) أجوبة الإستفتاءات ـ سؤال رقم (1) .

/صفحة 22/

سؤاله من نفس كلام السيد "فضل الله"، ولعله، زاده الله بصراً وبصيرة، قد قرأ كلام السيد فضل الله وظن أنه كلام السائل.

هذا وقد علق الشاخوري على سؤاله المزعوم بقوله:

(ولم ينقلوا الكلام بأسره، وبالرجوع الى أصل البحث تبين أن سماحة السيد كان يتحدث عن الموضوعات الخارجية كما لو تحاكم إثنان إلى المعصوم، وكانت معطيات الدعوى من البينة والشهود في كفة أحدهما فهنا تكليف النبي أو الإمام هو العمل بالظاهر وان كان الواقع خلافه، لأن المعصوم لم يعصِ الله عندما عمل بأصول الإثبات الظاهرية.

ومن الطريف أن العالم الذي إستفتوه في هذه المسألة له رأي مخالف لمشهور المتأخرين حيث يقول بجواز السهو على المعصوم في الموضوعات الخارجية (أنظر صراط النجاة ج1 ص462) وهذا ما لا يقول به سماحة السيد لأن العصمة عنده عبارة عن ملكة لا تتجزأ. فالمفروض في المقام أن يقفوا في صف سماحة السيد ضد ذلك العالم لا العكس) (1)

ويمكن أن نلاحظ عدة هفوات في كلام الشاخوري:

1 ـ أما مثاله حول قضاء المعصوم وبأنه يعمل بالظاهر، فهو وإن صح إلا أنه لا يعني أن الإمام المعصوم لا يعلم بالواقع، بل هو يعلم ذلك لكنه لا يعمل وفق علمه بل وفق المعطيات الظاهرية.

2 ـ ومن طريف ما يقال هنا أن الشاخوري قد ذكر في ص (54) وتحت عنوان (إفتراءات بالجملة) أن بعض الناس يضخم كلام المتكلم ويضيف إليه أشياء كثيرة لم يقلها أو أن ينقص من كلامه بأن يذكر مقطعاً صغيراً مع حذف السياق الكامل. ومن الأمثلة التي قدمها على دعواه هذه تأجير أماكن للدعارة حيث قال بالنص الحرفي:




(1) مرجعية المرحلة ص26.

/صفحة 23/

(والغريب أن نص فتوى السيد [السيد فضل الله] كما في مجلة فكر وثقافة عدد (58) 8 جمادي الأول 1418هـ (إذا كانت هذه الشقق أماكن للـدعارة فلا يجوز ذلك بالعنوان الأولي في بعـض الحـالات وفي العنوان الثانوي في حالات أخرى). والذي حرَّف هذا الكلام تحريفاً كلياً جعل الفتوى هكذا (يجوز في بعض الحالات في العنوان الأولي ويجوز في بعض الحالات في العنوان الثانوي..) (1)

فالذي إعتبره الشاخوري (تحريفاً كلياً) للفتوى ـ بزعمه ـ لا يتعدى كونه من لوازم قول السيد "فضل الله" لأن الذي يقول (لا يجوز ذلك في العنوان الأولي في بعض الحالات) فإن لازم قوله هذا الجواز في بعض الحالات الأخرى في العنوان الأولي. وقس عليه في العنوان الثانوي.

والطريف أنه في الوقت الذي يشكل على الآخرين بأنهم يحرفون الكلام وفق المثال المذكور فإنه يقع في نفس الإشكال حول الموضوع المتعلق بالسهو بالموضوعات الخارجية. لأن العالم الذي أشار إليه الشاخوري بأنه سئل حول المسألة وفق المصدر الذي أشار إليه وهو (صراط النجاة ج1 ص462) هو الشيخ "جواد التبريزي" لم يقل هذا الكلام بالكيفية التي أوردها الشاخوري بل قال: (القدر المتيقن من السهو الممنوع على المعصوم هو السهو في غير الموضوعات الخارجية) (2) وهو نص السيد الخوئي (قده) وقد وافقه عليه الشيخ التبريزي والظاهر من نص السيد الخوئي (قده) أنه لم يكن في وارد تحقيق جواز السهو وعدمه في الموضوعات الخارجية. لذلك تحدث (قده) فقط عن القدر المتيقن في السهو الممنوع على المعصوم دون الإشارة الى رأيه في السهو في الموضوعات الخارجية جوازاً أو عدماً. علماً بأن صياغة الشاخوري لهذه الفتوى ليست من لوازم كلام السيد الخوئي (قده) كما هو حال كلام السيد "فضل الله" حول شقق الدعارة.




(1) مرجعية المرحلة ص54.

(2) صراط النجاة، ج1، ص462.

/صفحة 24/

وعليه فإن ما سماه الشاخوري تحريفاً لكلام السيد "فضل الله" ليس بتحريف بل من لوازمه. أما التحريف الحقيقي فهو تحريف الشاخوري لكلام السيد الخوئي كما هو ظاهر.

ولعل الخطأ في فهم الشاخوري لكلام السيد الخوئي (قده) ومن ثم لرأي الشيخ التبريزي هو إمتداد لخطأ السيد "فضل الله" الذي استشهد بكلام السيد الخوئي المتقدم ذكره في كلامه عن جواز السهو في الموضوعات الخارجية. (1)

3 ـ أما قول الشاخوري أن السيد "فضل الله" لا يقول بجواز السهو على المعصوم في الموضوعات الخارجية فهو غير صحيح بل هو تحريف لكلام السيد "فضل الله" لأن السيد "فضل الله" يقول في رده على السؤال موضوع البحث:

(إن الحديث كان وارداً في قصة موسى (ع) مع أخيه هارون (ع) عندما أخذ برأس أخيه يجره إليه وهذا الفعل يتعلق بالموضوعات الخارجية، وليس ناتجاً عن أمر إلهي. وقد دلّ الدليل العقلي على امتناع الخطأ في التبليغ لا في غيره ـ كما ذكرتم ـ وذكر أيضاً سيدنا الأستاذ السيد الخوئي (قده) في جوابه على سؤال ورد في كتاب (منية السائل)، حيث قال: (القدر المتيقن من السهو الممنوع على المعصوم هو السهو في غير الموضوعات الخارجية)…) (2)

أضف إلى ذلك أن الكاتب بنفسه قد إعترف بذلك عندما ذكر في بداية نصه أنه وعند مراجعته لأصل البحث تبين له أن السيد فضل الله كان يتحدث عن الموضوعات الخارجية وأعطى على ذلك مثالاً حول التحاكم عند المعصوم فالتناقض عند الكاتب حول فهمه لرأي السيد فضل الله واقع لا محالة فهو تارة يقول أن الحديث كان حول الموضوعات الخارجية، وأخرى يقول أن العصمة عند السيد فضل الله ملكة لا تتجزأ. والطريف أن هذا التناقض قد وقع في مقطع واحد يفصل بينهما سطران.




(1) أجوبة السيد فضل الله عن استفتاءات الشيخ التبريزي سؤال رقم (1) .

(2) أجوبة السيد فضل الله على استفتاءات الشيخ التبريزي سؤال رقم (1) .

/صفحة 25/

والغـريب في كلام السيد "فضل الله" هو اعتبار قصة جر موسى (ع) لرأس أخيه من الموضوعات الخارجية مع أنها تمثل فعلاً إختيارياً له حكم شرعي.

على أن تبرير السيد "فضل الله" لتفسيره الآية بأن هذا يتعلق بالموضوعات الخارجية وأن الدليل العقلي دلّ على العصمة في التبليغ لا في غيره، متناقض مع كلام آخر له حول العصمة عندما إعتبرها تشمل التبليغ وغيره. فهو يقول:

(لا يمكن أن يكون هناك شيء من الباطل في حركته في الحياة، سواء حركته في خط التبليغ أو في غيره..) (1)

وهو يقول أيضاً: (.. فالإنسان الذي يمثل كل الطهارة وكل الحق لا يمكن أن توكل إليه مهمة الإمامة والنبوة ولا يمكن أن يغير الحياة على أساس الحق وأن يغير الحياة على صورة الإسلام فيما المعاصي أو الأخطاء تتحرك في حياته..) (2)

وكذلك يقول: (فأنا لا أعتقد أن الشخصية لا تتجزأ، بأن تكون معصومة بالتبليغ وغير معصومة في شؤون الحياة الأخرى فالصادق هو الصادق..) (3)

النموذج الثالث: (ما رأيكم بمن يقول إن الشفاعة صورية وليست حقيقية؟ أو ما رأيكم بمن ينكر الشفاعة؟) (4)

وفي هذا السؤال وفق الصيغة التي قدمها الشاخوري كلام:

1 ـ إن السائل لم يستعمل عبارة أن الشفاعة صورية وليست حقيقية أو ما رأيكم بمن ينكر الشفاعة كما ذكر الشاخوري. بل إن السائل أورد سؤاله على الشكل التالي:

(ما رأيكم بمقولة من قال في الشفاعة ما نصَّه:..)




(1) كتاب الندوة،ج1،ص373.

(2) المصدر نفسه،ج1، ص370

(3) المصدر نفسه، ج1، ص373 وتجدر الإشارة إلى أن النص ورد هكذا في الأصل ويبدو أن ثمة خطأ مطبعي إذ ينبغي حذف "لا" من أحد الموردين لينتظم المعنى.

(4) أجوبة السيد فضل الله على الإستفتاءات التي وجهت للشيخ التبريزي سؤال رقم (9)

/صفحة 26/

ثم عرض كلام السيد فضل الله مفصَّلاً وهو كلام ورد في خطبة مسجلة له. وهو ظاهر بالتحريف لسؤال السائل.

وإن كان الشاخوري قد فهم من كلام السيد فضل الله الذي أورده السائل أن الشفاعة صورية وليست حقيقية فإنما يرد هذا الإشكال على السيد فضل الله نفسه، بل يدلُّ هذا الفهم على أنَّ القول بصورية الشفاعة أو شكليتها هو ما ذهب اليه السيد فضل الله بل هو ظاهر عبارته.

أمَّا قول الشاخوري بأن ما قاله السيد فضل الله ليس (شيئاً جديداً لديه في هذا المجال فهو يؤكد ما أكَّده أعلام المذهب من خطأ المعنى الذي يفهمه البسطاء من معنى الشفاعة) فهو غير صحيح لما تقدم من نفس فهم الشاخوري لكلام السيد فضل الله الذي يقول بصورية الشفاعة وهو أمر لا شكَّ أنَّه بعيد عن المذهب ولا يصح نسبته إلى أعلام المذهب، والذي يؤكد ذلك إنما هو إجابة الشيخ التبريزي على هذا السؤال المذكور حيث قال (دام ظله) :

(المراد من الشفاعة في الآية (ولا يشفعون إلاَّ لمن ارتضى) معناها الظاهر وهي أن يطلب من صاحب الحق الإغماض عن تقصير المقصِّر وإذا كان للطالب حرمة وكرامة عند صاحب الحق فإغماضه عن تقصير المقصِّر لكرامة الشفيع ووجاهته عنده أمرّ حسن عند العقلاء والعقل، فالشفاعة ليست أمراً صورياً وحيث أن ظاهر الآية هو ما ذكرنا فلا يصح رفع اليد عن الظاهر إلاَّ بقرينة عقلية أو نقلية والعقل لا يرى مانعاً من شمول الرحمة الإلهية للعصاة بشفاعة الأنبياء والأئمة عليهم السلام تكريماً لهم لإتعاب أنفسهم طول عمرهم في نشر الدين واعلاء كلمته والمراد بالإرتضاء في الآية المذكورة هو ارتضاء دينه فلا يعُّم العفو للمشرك لقوله تعالى (إن الله لا يغفر لمن يشرك به) وليس المراد بالإرتضاء استحقاق دخول الجنَّة كما ذكر في السؤال [المقصود بالسؤال كلام السيد فضل الله نفسه] وأمَّا النقل فالروايات الواردة في شفاعة أهـل

/صفحة 27/

البيت عليهم السلام كثيرة لا تحتمل المناقشة فيها وهذه عقيدة الشيعة المستفاده من الآثار الصحيحة وخلافها خلاف العقيدة الشيعية والله الهادي) أجوبة السيد فضل الله على الإستفتاءات التي وجهت للشيخ التبريزي جواب رقم (10) .

وقد لوحظ من جواب الشيخ التبريزي أن كلام السيد فضل الله ظاهر في صورية الشفاعة، كما لوحظ أن عقيدة الشيعة بخلاف ما ذهب إليه السيد فضل الله وبالتالي فإن كلام الشاخوري بأن السيد فضل الله قد أكَّد ما أكَّده أعلام المذهب غير صحيح وفي غير محلّه حتى أنَّه لا يخلو من تحريف لكلام السيد فضل الله.

2 ـ أما إستشهاده بكلام الشهيد مطهري فهو عجيب لأن الشهيد مطهري إعتبر الشفاعة المرفوضة بالأدلة العقلية والنقلية إنما هي تلك التي يحاول المجرم التسلل من خلالها للهروب من الحكم الإلهي والحيلولة دون تطبيقه (1) وهو ما لا يقول به أحد من أعلام المذهب.

والأعجب منه إستشهاده بكلام الشيخ جعفر سبحاني الذي كان يتحدث: أن الشفاعة المرفوضة هي (الشفاعة التي كانت تعتقدها اليهود الذين رفضوا كلَّ قيد وشرط في جانب الشفيع والمشفوع له واعتقدوا أن الحياة الأخروية كالحياة الدنيوية حيث يمكن التخلص من عذاب الله سبحانه بالفداء) (2) وهذا أمر بديهي ومما لا يقول به أحد من علمائنا.

والأكثر عجباً من كليهما أن يستشهد بكلام للسيد فضل الله نفسه –وفيه ما يؤكد ما نذهب إليه ـ من إعتباره الشفاعة شكلية ثم جعله شاهداً على مدّعاه، وإليك عبارة السيد فضل الله (إنَّ الشفاعة هي كرامة من الله لبعض عباده فيما يريد أن يظهره من فضلهم في الآخرة فيشفعهم في من يريد المغفرة له ورفع درجته عنده لتكون المسألة –في الشكل واسعة في النتائج التي يتمثل فيها العفو الإلهي والنعـيم الربَّاني ـ تماماً كما لو كان النبي هو السـبب أو




(1) مرجعية المرحلة، ص27.

(2) مرجعية المرحلة، ص28.


عدل سابقا من قبل منهاج السنة في الجمعة نوفمبر 16, 2012 7:26 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://minhaj.ahlamontada.com
منهاج السنة
لا اله الا الله محمد رسول الله
لا اله الا الله محمد رسول الله
منهاج السنة


مرجعية المرحلة وغبار التغيير Vitiligo-ae30eb86b8مرجعية المرحلة وغبار التغيير Iraqiaabc6667cb59
عدد المساهمات : 897
تاريخ التسجيل : 27/10/2012

مرجعية المرحلة وغبار التغيير Empty
مُساهمةموضوع: رد: مرجعية المرحلة وغبار التغيير   مرجعية المرحلة وغبار التغيير Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 16, 2012 7:18 pm

/صفحة 28/

كان الوليُّ هو الواسطة ولكنها في العمق إرادة الله لذلك مما لا يملك نبي مرسل أو ملك مقرَّب أو وليٌّ امتحن الله قلبه للإيمان أمر تغييرها في الإتجاه الذي نتحرك فيه..) (1)

وللقارىء أن يتأمل في عبارة السيد فضل الله (في الشكل) وعبارته أيضاً (لا يملك نبي مرسل.. أمر تغييرها..) وليس من الغريب أن يلجأ الشاخوري إلى تحريف كلام السيد فضل الله لإظهاره متوازناً لأن عبارة (واسعة في النتائج) لم ترد في المصدر ولم يقلها السيد فضل الله بل قال (واسطة في النتائج) مع ما تعنيه كلمة (واسطة) من دلالة دعت الشاخوري إلى إعمال هوايته في التحريف فيها لأن كلمة (واسعة) تعني أن الشفاعة قد أنتجت شيئاً جديداً أما كلمة (واسطة) فهي تجعل الشفاعة شكلية ولا تنتج أمراً جديداً كما جاء في تعبيره (في الشكل).

وإذا قيل إنه خطأ مطبعي، فلنا أن نتساءل عن المصادفة الغريبة في أن يقع الخطأ في الكلمة حيث مورد الإشكال دون غيرها من سائر النص وهو نص طويل؟!!

النموذج الرابع: يقول الشاخوري: ما رأيكم في آية (ولقد همَّت به وهمَّ بها) أن مشاعر يوسف قد تحركت بإتجاه إمرأة العزيز من واقع الضعف الإنساني؟ أو أن يوسف هجم عليها كهجوم الجائع على القصعة الشهية؟ (2)

ويلاحظ على هذا السؤال أن الشاخوري قد عمد إلى إدخال سؤال قد صاغه هو نفسه لأنا لم نجده في المصدر المذكور فيه هذا السؤال (أو أن يوسف هجم عليها كهجوم الجائع على القصعة الشهية)ويظن الشاخوري أنَّ عدم ذكره للمصادر قد يفسح له في المجال للتلاعب بصيغة السؤال لحاجَّه في نفسه قضاها.

أمَّا قول الشاخوري أنَّ السيد فضل الله لم يذكر في كتابه (من وحي القرآن) ما يـزيد عمَّا ذكـره أعـلام المفسِّرين الشيعة أمثال الشيخ الطبرسي في مجمع البيان والسيد




(1) مرجعية المرحلة، ص28.

(2) مرجعية المرحلة، ص29.

/صفحة 29/

المرتضى (علم الهدى) في تنزيه الأنبياء والشيخ الطوسي في التبيان فإنه لا يصح بل لا يخلو من (تحريف) واليكَ البيان.
مع الشيخ الطوسي في تبيانه:

ينقل الشاخوري عن التبيان ما نصَّهSadإنَّ الهم في اللغة على وجوه منها العزم على الفعل والثاني خطور الشيء بالبال والثالثة المقاربة والرابع الشهوة وميل الطباع فإذا احتمل الهمَّ هذه الوجوه نفينا عنه –عليه السلام ـ العزم على القبيح واجزنا باقي الوجوه.) (1)

وبالرجوع الى كتاب التبيان للشيخ الطوسي نجد أنَّ الشاخوري لم يكمل عبارة الشيخ الطوسي كامله والتي يفصح فيها عن رأيه في تفسير هذه الآية. والجدير ذكره أن هناك فرقاً كبيراً بين عرض آراء المفسِّرين وبين تبنيِّهم لهذه الآراء.

ونحن هنا ننقل عبارة الشيخ الطوسي التي تظهر رأيه واضحاً وصريحاً:

(..وإذا احتمل الهم هذه الوجوه نفينا عنه عليه السلام العزم على القبيح وأجزنا باقي الوجوه لأن كلَّ واحدٍ فيها يليق بحاله ويمكن أن يحمل الهم في الآية على العزم ويكون المعنى وهمَّ بضربها ودفعها عن نفسه كما يقول القائل: كنت هممت بفلان أي أوقع به ضرباً أو مكروهاً وتكون الفائدة على هذا الوجه في قوله: (لولا أن رأى برهان ربِّه) مع أنَّ الدفع عن نفسه طاعة لا يصرف البرهان عنها إنه لمَّا همَّ بدفعها أراه الله برهاناً على أنَّه إن أقدم على ما يهم به أهلكه أهلها وقتلوه… وأنها تدعي عليه المراودة.. لها على القبيح وتقدمه بأنه دعاها إليه وضربها لإمتناعها منه فأخبر تعالى أنه صرف بالبرهان عنه السوء والفحشاء اللذين هما القتل والمكروه أو ظنَّ القبيح واعتقاده فيه) (2)




(1) مرجعية المرحلة، ص29.

(2) التبيان الشيخ الطوسي م6 ص121 ـ 122 ـ دار إحياء التراث العربي.

/صفحة 30/

ثم استعرض الشيخ الطوسي بعض الآراء وناقشها فيما يخص هذه الآية. ويظهر من كلام الشيخ الطوسي المتقدم أنَّه يميل الى تفسير الهم بالضرب والدفع وعليه تكون الفائدة من قوله {لولا أن رأى برهان ربِّه} بخصوص البرهان متجهة.. الى نتائج وعواقب الضرب والدفع التي تحتاج الى الصرف برؤية البرهان.

وبعد ما تقدم كيف يدعي الشاخوري أن ما ذكره السيد فضل الله لا يزيد عما ذكره الشيخ الطوسي وقد اتضح لك أنَّ الشيخ الطوسي قد فسَّر الهمَّ بمعنى الهم بالضرب والدفع بخلاف ما ذهب إليه السيد فضل الله في تفسيره الهم بمعنى الانجذاب اللاشعوري والميل الغريزي.

يقول السيد فضل الله: (لكن فهمي للمسألة أنّ (هم بها) يعني تكونت لديه حاله انجذاب والإنجذاب حالة [لا] شعورية ولكنه لا يتحول إلى ممارسة وإلى قصد) (1)

وفي نص آخر يقول: (إنجذب إليها انجذاباً غريزياً ولكنه ليس إرادياً فالإنسان بما رُكِّب فيه من غرائز ينجذب إلى ما يستجيب إلى غريزته بشكل لا شعوري فالجائع ينجذب إلى الطعام بشكل طبيعي..وكذلك العطشان.. وهكذا في الشهوة..ففي الإنسان حاله.. غريزية تمثل انفتاح الجسد على كل ما يثيره ويحرّكه فما صدر من يوسف عليه السلام في الأجواء المعقدة اندفاعها إليه وربما ملامستها له عند إمساكها به هو الانجذاب الغريزي..) (2)
مع الشيخ الطبرسي في مجمع البيان:

عرض الشيخ الطبرسي لأحد معاني الهم والتي بمعنى الاشتهاء وميل الطبع قائلاً: (وقد يجوز أن تسمى الشهوة همَّاً على سبيل التوسع والمجاز ولا قبح في الشهوة لأنها من فعل الله تعالى وإنما يتعلق القـبح بالمشتهي). وقـد أبان




(1) كتاب الندوة، ج1 ص304

(2) حركة النبوة في مواجهة الانحراف ص291

/صفحة 31/

الشيخ الطبرسي عن رأيه في هـذا المعنى حين افترض أن سائلاً يسأل أن قوله ولقد همَّت به وهمَّ بها خرجا مخرجاً واحداً. فلم جعلتم همّها به متعلقاً بالقبيح وهمَّه به متعلقاً بغير القبيح؟ وجوابه والكلام للشيخ الطبرسي. (أن الظاهر لا يدل على ما تعَّلق به الهم فيهما جميعاً وإنما أثبتنا همها به متعلقاً بالقبيح لشهادة القرآن والآثار به ولأنها ممن يجوز عليها فعل القبيح والشاهد من الكتاب قوله (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه) وقوله (وقال نسوة في المدينة إمرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها {حبا أنا لنراها في ضلال مبين) ..والشاهد من الآثار إجماع المفسِّرين على أنها همَّت بالمعصية والفاحشة وأمَّا يوسف عليه السلام فقد دلت الأدلَّة العقلية التي لا يتطرق إليها الاحتمال والمجاز على أنَّه لا يجوز أن يفعل القبيح ولا يعزم عليه. فأمَّا الشاهد من القرآن على أنَّه ما همَّ بالفاحشة فقوله سبحانه (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) وقوله (وذلك ليعلم أنَّي لم أخنه بالغيب) وغير ذلك من الآيات). (1)

ويتضح من هذا العرض لكلام الشيخ الطبرسي أنَّه قد استبعد تماماً أن يكون الهم بمعنى الشهوة وميل الطبع في هذه الآية. ولا بأس بأن نشير ثانية إلى أنَّ عرض الآراء المختلفة لا يعني التزامها أو تبنيها.
مع السيد المرتضى (علم الهدى) في تنزيه الأنبياء:

يُلاحظ عند مراجعة كتاب تنزيه الأنبياء وما ورد فيه من كلام حول تفسير الآية موضع البحث أنَّ رأي صاحب التبيان وصاحب مجمع البيان لا يختلف عن رأي السيد المرتضى (علم الهدى) وقد استدلوا جميعاً بنفس الدليل ولعلَّك لا تجد كبير فرق في عباراتهم. (2)




(1) مجمع البيان، ج5 ص225.

(2) راجع تنزيه الأنبياء ص71 ـ 80 ـ 81 طبعة الأعلمي.

/صفحة 32/
مع السيد شبَّر في تفسيره:

نقل الشاخوري عن السيد عبد الله شبَّر أنه قالSadوهم بها مال طبعه إليها لا القصد الاختياري) (1)

ويتضح من هذه العبارة أن السيد شبَّر فسَّر الهم بمعنى ميل الطبع إلاَّ إن ما لم يذكره الشيخ الشاخوري هو تتمة التفسير. حيث ذكر السيد شبَّر في تفسيره لمعنى قوله تعالى: ((لولا أن رأى برهان ربِّه) أي لولا النبوَّة المانعة من القبيح لهمَّ ولكن لم يهم لذلك) (2)

وظاهر كلام السيد شبَّر أنَّ يوسف عليه السلام لم يمل طبعه لوجود المانع وهي النبوة. وقد تبيّن لك مما تقدم فساد دعوى الشاخوري أن كلام السيد فضل الله لم يزد عما ذكره أعلام المفسرين الشيعة.

وأما قول السيد فضل الله بان (التعبير الصحيح لمعنى قوله تعالى (لولا أن رأى برهان ربه) فهو لولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها لتفيد معنى حصول الفعل الذي يحصل في المستقبل فلا يصح أن نقول جاء زيد لولا القوم بل الصحيح أن نقول لولا القوم لجاء زيد … وهذا ينسجم مع التعبير الأدبي الصحيح). (3)




(1) مرجعية المرحلة، ص29.

(2) تفسير شبر، ص241.

(3) أجوبة السيد فضل الله على إستفتاءات الشيخ التبريزي.

/صفحة 33/

وخلاصة هذا الكلام أن السيد فضل الله يقول بعدم صحة تقدم جواب لولا عليها. علماً أن السيد المرتضى (علم الهدى) والشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي قد اعتبروا أن تقدم جواب لولا جائز مستعمل. (1)

وحتى الشيخ مغنية الذي يصر هؤلاء على الإستشهاد بأقواله ذهب إلى ذلك أيضاً فإعتبر أنّ في الآية تقديماً وتأخيراً. (2) ومن أدلة صحة تقديم جواب لولا قوله تعالى: (وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كانت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين) . ولا بأس بالاستئناس بما ورد في عيون أخبار الرضا (ع) في رده على سؤال المأمون عن عصمة الأنبياء أنه قال: (..ولولا أنّ رأى برهان ربه لهم ّ بها كمّا همّت به لكنه كان معصوماً لا يهم بذنب ولا يأتيه). (3) والذي يظهر من هذه الرواية جواز تقدم جواب لولا وبالتالي امتناع المعصوم حتى عن مجرد الهم.

النموذج الخامس:

أورد الشاخوري السؤال الخامس على الشكل التاليSadما رأيكم بمن ينكر مظلومية الزهراء وعصمتها والجوانب الغيبية فيها و.. و.. و..) (4) .

يلاحظ عند الرجوع إلى الإستفتاءات التي وجهت للشيخ التبريزي وهي المصدر الذي أخذ عنه الشاخوري أسئلتة نجد أنّ السائل لم يطرح سؤاله بالطريقة التي أوردها الكاتب بل أنّ سؤاله جاء على الشكل التالي: (ما رأيكم بمقولة من يقول أنا لا أتفاعل مع كثير من الأحاديث …) (5) . ثم أكمل السائل لكلام السيد فضل الله حرفياً.




(1) راجع مجمع البيان والتبيان وتنزيه الأنبياء.

(2) تفسير الكاشف، ج4، ص33.

(3) تفسير الصافي، ج 3 ـ ص13.

(4) مرجعية المرحلة، ص 30.

(5) أجوبة السيد فضل الله على استفتاءات التبريزي سؤال 17.

/صفحة 34/

ثمّ يعلّق الشاخوري على هذا السؤال فيقول: (وفي المقام، أقصى ما يمكن أن يسجله الآخرون أن سماحة السيد لم يتفاعل فقط مع حديث ضرب الزهراء تماماً كما هو صريح عبارة كاشف الغطاء: جّنة المأوى، ص134 وأما بقية الأمور كالهجوم على الدار والتهديد بالإحراق وإشعال النار والإعتداء على حرمة الزهراء والإمام عليهما السلام فلم ينكرها، فلا يصح أن يقال أن سماحته نفى حصول أي عنف على الزهراء كما يورده البعض..) (1)

ونحن بدورنا نعلّق على كلام الشاخوري فنقول:

1 ـ أما قول الشاخوري إن إشعال النار لم ينكره أحد فهو غير صحيح لان ذلك لم يثبت عند السيد فضل الله بل الثابت لديه حتى قو ل (وإن) بما يعني التهديد بالإحراق فقط مستشهداً على ذلك بكلام ينقله هو وحده عن المقدّس السيد عبد الحسين شرف الدين، أضف إلى ذلك أنه حتى التهديد قد أفرغه من مضمونه عندما أعتبر أنّ قلوب المهاجمين مملوءه بحب الزهراء وعندها يغدو التهديد شكلياً.

2 ـ ثم إننا لم نفهم أي معنى يقصد بقوله (لم أتفاعل) وهل هذه الكلمة تعتبر من مفردات أصول البحث العلمي؟ وهل القضايا التاريخية يستدل عليها بتفاعل هنا ووجدان هناك أم بالدلائل والقرائن والشواهد؟ وهلّ أن إثبات القضايا التاريخية ونفيها خاضع للمزاج الشخصي والتفاعل النفسي والوجداني، وإذا كان الأمر على هذا النحو فإننا بكل بساطة نصل عندها إلى مرحلة يمكن معها إسقاط كثير من الحوادث التاريخية التي قد لا يتفاعل معها بعض دون بعض آخر.

3 ـ ثم إذا كانت القضية قضية تفاعل وجداني فما هو الفرق إذن بين قباحة الضرب من جهة وقباحة الهجوم على الدار والتهديد بالإحراق وإشعال النار والإعتداء على حرمة الزهراء والإمام عليهما السلام من جهة أخرى؟




(1) مرجعية المرحلة، ص 30.

/صفحة 35/

4 ـ كذلك فإننا نتساءل كيف أنّه يوازن بين مسألة الإعتداء على حرمة الزهراء (ع) بالضرب وبين قضايا مثل التطبير والضرب بالسلاسل وغيرها؟ وهل أنّ مسألة الإعتداء على حرمة الزهراء بالضرب بما له خلفيات مشبوهة وبما له من دلالات خطيرة تلامس جوهر المشكلة الكبيرة داخل المجتمع الإسلامي تساوي عنده مسألة التطبير والضرب بالسلاسل التي إرتآها وأرتضاها بعض الناس لتكون تعبيراً منهم عن الحزن والأسى لمصاب أهل البيت عليهم السلام؟ هذا فضلاً عن أنّ مسألة التطبير والضرب بالسلاسل قد تجد بعض المراجع يؤيدونها وبعض آخر يتحفظ حولها أمّا قضية الاعتداء على حرمة الزهراء بالضرب وعلى حرمة الإمام عليهما السلام مما لم ينكره أحد على الإطلاق سواء في الدائرة الشيعية أم في غير الدائرة الشيعية.

و يتابع الشاخوري قائلاًSadو لذلك لا حاجة لان يتعب صاحب كتاب مأساة الزهراء (ع) نفسه بإيراد أقوال العلماء إلا إذا أراد تكثير الأسماء الذين تتطابق وجهة نظرهم مع سماحة السيد كالمجلسي وأبو صلاح الحلبي والشيخ جعفر كاشف الغطاء والسيد محمد قلي الموسوي والمظفّر والسيد عبد الله شبّر حيث تقول عبارة الأخير (أنّه ـ أي عمر ـ همّ بإحراق بيت فاطمة (ع) وقد كان فيه أمير المؤمنين (ع) وفاطمة (ع) والحسنان وآذاهم) ـ المأساة ج2، ص 103 ـ كما أنّ على الباحث الموضوعي أن يذكر أسماء العلماء الذين يتفقون معه ويختلفون) (1) .

ونحن نرى أنّ قوله هذا غير صحيح بل لا يخلو من تحريف واضح لان هؤلاء الأعلام قد ذكرهم العلاّمة المحقق السيد جعفر مرتضى في مورد الاستشهاد بهم لإثبات ما جرى على الزهراء (ع) .

وتبقى مشكلتنا مع الشاخوري أنّه يقرأ بالمقلوب ـ حسب تعبيره ـ ويتهم الآخرين بذلك، ولعلّ إستشهاده بهؤلاء الأعلام قد انتحله من كتاب ـ مأساة كتاب المأساة ـ الذي اتى بشواهده من نصوص لهؤلاء الاعلام زعم أنها ذكرت في كتاب مأساة الزهراء.إلا أنّ




(1) مرجعية المرحلة، ص 31.

/صفحة 36/

يـد كاتب (مأساة كتاب المأساة) قد عملت بالتزوير والتحريف وإجتزاء النص وحذف بعض فقراته حتى تصبح صالحة ـ بنظره ـ للإستدلال بها.واليك بعضها.

1 ـ الشيخ جعفر كاشف الغطاء يقول وهو يستدل على عدم صحة خلافة ابي بكر: (ومنه:إحراق بيت فاطمة لما جلس فيه علي عليه السلام ومعه الحسنان وامتنع عن المبايعة).. (1) . إلاّ أنّ صاحب مأساة كتاب المأساة قد ذكر أسم الشيخ جعفر كاشف الغطاء، متجاهلاً النص المذكور مستدلاً بنص آخر كان قد ذكره العلامة المحقق حيث ينقل عن الشيخ كاشف الغطاء وهو يورد إشكالاته على الخليفة الثاني: (… ومنه قصد بيت النبوة وذرية الرسول بالإحراق) (2)

2 ـ السيد محمد قلي الموسوي. وقد قال السيد الموسوي: (وقوع إحراق بيت الزهراء ورد في الروايات وتؤيده القرائن الصادقة الموجودة في كتب أهل السنة) (3)

وهذا النص المذكور قد حذفه صاحب (مأساة كتاب المأساة) واكتفى بإيراد النص الآخر (4) وفي مثله يقال عن المجلسي والحلبي والمظفّر. وأما السيد عبد الله شبر والذي نقل عبارته الشيخ الشاخوري فليتأمل فيه قوله: (أنّه همّ بإحراق البيت ـ بيت فاطمة، وكان فيه أمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة والحسنان وآذاهم) وعلى القارئ أنّ يلاحظ كلمة (وآذاهم)




(1) كتاب مأساة الزهراء ـ شبهات وردوده، ج 2، ص102.

(2) راجع كتاب مأساة كتاب المأساة نجيب نور الدين ص 178وراجع كتاب مأساة الزهراء،ج2،ص102.

(3) مأساة الزهراء، ج 2،ص 104.

(4) مأساة كتاب المأساة ص 178.

/صفحة 37/
ملاحظة على النماذج:

ومما يؤخذ على صاحبنا حول ما أسماه الإستفتاءات المفبركه أنّ جميع هذه النماذج لا تخلو من تحريف إمّا بزيادة أو بنقصان وإما بإستيحاء السؤال من ثنايا الإجابة أو من كلام السيد فضل الله كما ظهر في النماذج: الثاني والثالث والخامس.

وبعد كل هذا العرض يتضح أنّ إتهام الآخرين بفبركة الأسئلة وإتهام الناس وتضليلهم بها إنما ينطبق على نفس الشيخ الشاخوري حينما عمد إلى فبركة الأسئلة المشار إليها آنفاً ونسبها إلى غيره دفاعاً عن فلانٍ من الناس بغير وجه حقّ ومن دون أيّ دليل أو برهان.
ثانياً: بين اللعب بالألفاظ والحرتقة والهرطقة:

يتهم الشاخوري بعض الناس بإستعمالهم أسلوباً خبيثاً في عرض آراء الآخرين ونقلها فهم ينقلون ـ على حد زعمه ـ مقطعاً صغيراً ويحذفون ما قبله وما بعده ليبدو الكلام ظاهراً في غاية القبح.

ولتوضيح فكرته هذه عمد الشاخوري إلى تجربة بتقطيع عبارات لبعض العلماء يهدف من خلالها إلى بيان كيفية التلاعب بالألفاظ حتى تخرج تماماً عن قصد قائلها وقد مهّد لنفسه الطريق للطعن بما فهمه الآخرون من عبارات وردت في كتاب (من وحي القرآن) للسيد فضل الله. (1)

ونحن سوف نذكر مثالاً من الأمثلة التي أوردها الشاخوري اختصاراً وهو كفيل بإيضاح الفكرة التي حاول الشاخوري الإيحاء بها.

يقول الشاخوري: (الشهيد مطهري يقول: الإمامة ليست أمراً مقدساً!! بينما في المصدر الأصلي قالSadمعنى الإمام: لا تنطوي كلمة الإمام في حد ذاتها على مفهوم مقدس، فالإمام هو المؤتم به أي المقتدى والمتبع، وهـو




(1) مرجعية المرحلة، ص 32.

/صفحة 38/

الشخص الذي يتقدم على جماعة تتبعه، سواء أكان عادلاً ينهج صراطاً سوياً، أم ضالاً يهوي نحو الباطل) الإمامة ص38) (1) . هذه التجربة وغيرها من التجارب التي حاولها الشاخوري لا تصلح كشاهد أو دليل على إتهام الآخرين بالتلاعب بألفاظ وردت في كتاب (من وحي القرآن) للسيد فضل الله وذلك لأسباب عديده منها:

1 ـ إنّ هؤلاء إنما ذكروا نصوصاً كاملة لأراء وكلام السيد فضل الله.

2 ـ إن هناك فرقاً واضحاً بين مضمون كلام، الشهيد مطهري وبين العنوان المفبرك الموضوع له ويمكن للقارئ أن يكتشف هذا الفرق فور قراءته للنص الأصلي إلاّ أن الأمر مع عبارات (من وحي القرآن) تختلف إختلافاً جوهرياً لان ما فهمّه (هؤلاء) من كلام السيد فضل الله هو نفسه مقصده ومراده وبالتالي فان دعوى التلاعب بالألفاظ غير صحيحة.

ويكفي شاهداً على ذلك أن الشاخوري نفسه قد عمد إلى مصادرة عقل القارئ عندما ذكـر أن بعض المفسرين قد ذهب مذهب فضل الله في التفسير ومثّل على ذلك بما جاء في مجمع البيان حول تفسير قوله تعالى (فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي..) . الأمر الذي يدل على أن المفهوم من كلام السيد فضل الله هو عين ما فهمه (هؤلاء) وإن استشهاد الشاخوري بكلام صاحب مجمع البيان إنما هو للتدليل على أن السيد فضل الله لم ينفرد بهذا القول مع أن ذلك غير صحيح وسيتضح لك ذلك في حينه.

3 ـ لو صحّ إتهام الشاخوري لهؤلاء بالتلاعب بالألفاظ لكان في مقدوره الإكتفاء بعرض النص المفبرك من كلام السيد فضل الله ثم يتبعه بالنص الأصلي كما فعل بتجاربه والتي عرضنا منها نموذجاً لكلام الشهيد مطهري.

ويتضح من خلال هذا العرض أن ما حاوله الشاخوري من إتهام الآخرين بالتلاعب بالألفاظ إنما هو أسلوب برع فيه هو نفسه عندما مارسه مع الآخرين. وأسماه بالحرتقات اللفظية والتلاعب بالألفاظ وهو لا يعدو كونه في سوق العلم والعلماء أن يكون هرطقات جوفاء.




(1) مرجعية المرحلة، ص23.

/صفحة 39/
ثالثاً: التشيع وجهة نظر والتوجيه الفاشل:

نلاحظ أن الشاخوري قد أفرد عنواناً مستقلاً لمعالجة قول السيد فضل الله إن التشيع وجهة نظر ولكنه من الناحية العملية أدرجه تحت ما أسماه بالاستفتاءات المفبركه.

يقول الكاتب: (وهكذا نجد التهويل واضحاً في عبارة (مراجع الآمة وعلماء المذهب يتصدون) وقد مرّ عليك نماذج من طريقة التصدي عن طريق الاستفتاءات المفبركه وهكذا اللعب على لفظ أن التشيّع وجهة نظر التي وردت في سياق الحديث مع الآخرين.. لأنه عندما يقال من البداية أننا الحق وأنكم الباطل فلن يدخلوا في النقاش أصلاً، أمّا عندما يقال لهم إن لنا وجهة نظر وأنتم لكم وجهة نظر فتعالوا نتناقش فإنه يمكن جذبهم لساحة الحوار وهذا التعبير مما درج عليه العلماء الواعون في مقام التخاطب مع أهل التسنن، فمثلاً أستعمل هذا التعبير الشيخ عبد الله نعمة في كتاب روح التشيع ص 174 حيث قال: (ومن أجل هذا يرى الشيعة أن وجهة نظرهم حول وجوب طـاعة النبي في جميع الشؤون الدينية والدنيوية تنسجم مـع صريح القرآن). وهكذا السيد عبد الحسين شرف الدين في المراجعات ص48 في مقام توجيهه انقلاب الصحابة على النص على علي (ع) حيث يقول ما نصّهSadأمّا ما كان فيها متعلّقاً بالسياسة كالولايات والإمارات وتدبير قواعد الدولة وتقرير شؤون المملكة وتسريب الجيش فانهم لم يكونوا يرون التعّبد به والإلتزام في جميع الأحوال بالعمل على مقتضاه بل جعلوا لأفكارهم مسرحاً للبحث ومجالاً للنظر والاجتهاد فكانوا إذا رأوا في خلافه رفعاً لكيانهم أو نفعاً في سلطانهم ولعلهم كانوا يحرزون رضا النبي بذلك..). (1)




(1) مرجعية المرحلة، ص 31 ـ 32.

/صفحة 40/

والمتأمل في هذا النص يجد أنّه لا يخلوا من مغالطات فادحه وتلاعب ـ كعادته ـ بالألفاظ واليك بعضها:

1 ـ لم يذكر الكاتب مصدر العبارة (مراجع الآمة وعلماء المذهب يتصدون) فهل ذلك متعمد حتى لا يطلع القارئ على مصدرها ويحول بينه وبين الرجوع إليه وعلى أيّ حال فان هذه العبارة قد وردت في كتاب (لماذا كتاب مأساة الزهراء ص26) فراجع.

2 ـ إن ما إعتبره الكاتب في عبارة (مراجع الأمة يتصدون) من قبيل الإستفتاء المفبرك إنما هو استخفاف بفتاوى المراجع وآرائهم لان هؤلاء الأعلام لم يتصدو بناءً على إستفتاءات. يزعم الشاخوري أنها مفبركة بل لقد كان تصديهم بعد
دراسة وافية وقراءات مفصّله لآراء السيد فضل الله وكتبه وقد تقدم أنّ ما ذكره الشاخوري كنماذج على الاستفتاءات المفبركة لم يكن بالحقيقة إلاّ نصوصاً حرفية من كلام السيد فضل الله نفسه. على أن القاصي والداني يعلم أنّ آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي قد تفرغ برهة هامة من الزمن لمطالعة كتب السيد فضل الله وآرائه قبل أن يصدر رأيه في أيّ استفتاء وجّه إليه وكذلك فعل آيات الله العظام الشيخ الوحيد الخراساني والشيخ محمد تقي بهجت والسيد محمد سعيد الحكيم وهذا ما نعهده من علمائنا ومراجعنا العظام. وعليه فانه من غير المقبول ولا يمكن السكوت عن اتهام كهذا يصدر من الكاتب وغيره.

3 ـ أما توجيه الكاتب الفطن لكلام السيد فضل الله حول التشيّع وكونه وجهة نظر في الإسلام بأنه جاء في سياق الحديث مع الآخرين فيعتبر توجيهاً فاشلاً لاّن كلام السيد فضل الله إنما كان موجهاً للعاملين في الساحة الإسلامية أو لمن يحب أن يسميهم (بالإسلاميين الحركيين) وعليه فانّ هذا الخطاب قد كان موجهاً لفئة مخصوصة وليس كما حاول هذا الفطن توجيهه ولتأكيد ما نقول نعرض للقارئ الكريم نصاً من كلام السيد فضل الله يتعلق بموضوع البحث.

/صفحة 41/

فهو يقول:

(إننا من خلال هذا العرض كلّه نستطيع التأكيد على نقطة مهمة في حركة العمل الإسلامي في واقع الأمة وهي دراسة الظروف الدقيقة التي تحكم الساحة العامة للواقع السياسي والاجتماعي الثقافي للتعرف على العناصر الحية التي تحكم إمكانات العمل ومراحله وأهدافه. فقد تكون القضية هي أن ينطلق العاملون من أجل تعبئة الذهنية الإسلامية العامّة بثقافة الرفض للحكم المنحرف الذي يملك الشرعية الإسلامية سواء كان حكماً يتحرك في مواقع الحكام المسلمين أو في مواقع غيرهم.. وتوجيه الفكر الحركي إلى الانطلاق مع القيادة الشرعية في مظاهرها ومواقعها المتنوعة..) (1) .

ومن خلال هذا النص يتضح أنّ محاولة الكاتب لتوجيه كلام السيد فضل الله وفق ما تقدم هي محاولة فاشلة خاصة وأن الفكرة التي حاول السيد فضل الله إظهارها نابعة من دراسته لحياة الإمام الكاظم عليه السلام.

ويمكن الإستشهاد أيضاً بنفس النص الذي تعرض فيه السيد فضل الله لموضوع البحث لتأكيد فشـل هذا التوجيه حيث يقول السيد فضل الله: (وقد تكون القضية المطروحة هي أن لا يكون خط التشيع فيما هو التشيع وجهة نظر في خط الإسلام حاله معزولة عن الواقع العام للمسلمين فيبتعد اتباع أهل البيت عليهم السلام عن حركة المجتمع في الحالات التي يبتعد فيها الحكم الإسلامي الشرعي عن السيطرة على الحياة بل ينبغي لهم أن يدرسوا لهم موقعهم ومواقع المسلمين الآخرين في كل الساحات الإقليمية والدولية بالطريقة التي تجعل موقعاً فاعلاً في المجالات العامّة الحيوّية …) (2) .




(1) تأملات في آفاق الإمام موسى الكاظم ص 94 محمد حسين فضل الله.

(2) المصدر نفسه، ص94.

/صفحة 42/

إن المتأمل في هذا النص يدرك تماماً أن كلام السيد فضل الله موجّه لخصوص من اسماهم بالعاملين الحركيين هذا من جهة ومن جهة أخرى كان بإمكان السيد فضل الله عدم ذكر العبارة محل الإشكال وهي (فيما هو التشيع وجهة نظر في خط الإسلام) التي جاءت كجملة إعتراضية تعبر عن رأيه في التشيع كمذهب وعقيدة، ومع ذلك كان يمكن للمعنى الذي يريده السيد فضل الله أن يستقيم دون ذكره للعبارة المشكلة. والجدير ذكره أن ما يأتي عادة في جملة إعتراضية إنما هو من قبيل تأكيد نفس الفكرة التي يريدها الكاتب ويقصد إلى التشديد عليها.

ومن جهة ثالثة فان كلام السيد فضل الله لم يأت من فراغ بل إن له نوع إرتباط وإتصال بما يتعلق في مسألة الإمامة وجعلها من (المتحول الذي يتحرك في عالم النصوص الخاضعة في توثيقها ومدلولها للإجتهاد مّما لم يكن صريحاً بالمستوى الذي لا مجال لاحتمال الخلاف فيه ولم يكن موثوقاً بالدرجة التي لا يمكن الشك فيه..) (1) .

كما أنّ له ارتباط أيضاً بما أسماه التراث الفقهي والكلامي والفلسفي والذي جعله نتاج المجتهدين والفقهاء والمفكرين وبأنه لا يمثل الحقيقة إلاّ بمقدار ما نقتنع به من تجسيده للحقيقة على أساس ما نملكه من مقاييس الحقيقة وبالتالي فان كلّ الفكر الإسلامي ما عدا البديهيات هو فكر بشري.قد يخطئ فيه البشر وقد يصيبون. (2)

وأمام هذا العرض يصبح واضحاً أنّ تعبير السيد فضل الله حول التشيع بأنه وجهة نظر في خط الإسلام يمثل قناعة لديه وليس الأمر كما حاول الكاتب توجيهه بأنه جاء في سياق مخاطبة الآخرين خارج الدائرة الشيعية، ومن هنا قلنا بأنّ توجيهه لكلام السيد فضل الله كان توجيهاً فاشلاً لا يحتمله النص سياقاً ودلالة ولسنا نجازف إن قلنا بان هذا التوجيه قد لا يقبله السيد فضل الله نفسه.




(1) مجلة المنهاج، عدد 2، مقال الأصالة والتجديد.

(2) حوار في الفكر والسياسة والإجتماع، ص480.

/صفحة 43/

4 ـ أمّا تشبيه الشاخوري لكلام السيد فضل الله بما جاء في كتاب روح التشيع (للشيخ عبد الله نعمه) (1) . فلا يخلو من مجازفة ظاهرة بل لا يخلو من تعسّف لان كلام الشيخ نعمه المتقدم ذكره إنما جاء في إطار الحديث عن مورد محدّد يتعّلق بخصوص وجوب طاعة النبي في جميع الشؤون الدينية والدنيوية ولذلك عبّر الشيخ نعمه بعبارة وجهة نظرهم ـ أي الشيعة ـ ولم يجعل ـ رحمه الله ـ التشيع كلّه وجهة نظر.

إضافة إلى ذلك فإن الشيخ نعمه وإن كان قد عبّر حول رؤية الشيعة لهذه القضية بأنها وجهة نظر ألا أنّه عقّبها بعبارة (تنسجم مع صريح القرآن) ليصبح المعنى بأن وجهة نظر الشيعة في هذه القضية هي الوجهة الصحيحة وهذا ما لا نجده في عبارة السيد فضل الله التي جاءت عامّة بلا قيد أو ضابطة.

وما قيل حول استشهاده بكلام الشيخ نعمه يقال أيضاً حول إستشهاده بكلام السيد عبد الحسين شرف الدين فلا حاجة للإعادة والتكرار.
رابعاً: من فمك أدينك:

يورد الكاتب بعض النماذج من كلام السيد فضل الله التي يفترض أنّ الآخرين قد قاموا بتقطيع عباراتها على غرار ما قدمه من تجارب قام بها، والغريب في هذه العبارات التي قدّمها كنصّ حرفي لكلام السيد فضل الله أنها تحتوي على كثير من الإشكالات التي أوردها عليه الآخرون ولعلّ كاتبنا (المدقق) لم يلتفت إليها رغم ذلك فقد دأب ـ كعادته ـ على إيجاد التبريرات وتقديم الاعذار مستعيناً بآراء العلماء.

النموذج الأوّل:

يتعلق هذا النموذج بقوله تعالى: (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين فلما جنّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربّي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلمّا رأى القمر بازغاً قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لان لم يهدني ربّي لأكونن من القوم الضالين فلمّا رأى الشمس بازغة قـال




(1) كنا قد ذكرنا النص الكامل للشاخوري في بداية هذه النقطة فراجع.

/صفحة 44/

هذا ربّي هذا أكبر فلمّا أفلت قال يا قوم أني بريء مما تشركون أني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين) (1) .

حيث يحاول الشاخوري مصادرة عقل القارئ منذ البداية عندما ذكر أنّ الشيخين الطوسي والطبرسي قد أوردا أربعة إتجاهات في تفسير الآية المذكورة وهي:

1 ـ إنما حكى الله سبحانه عن إبراهيم قبل بلوغه وقبل كمال عقله.

2 ـ إن هذا القول كان من إبراهيم في زمان مهلة النظر لان مهلة النظر مدة الله العالم بمقدارها.

3 ـ إن إبراهيم لم يقل ذلك على وجه الشك ولا في زمان مهله النظر بل كان عالماً بالله وإنما قال ذلك على سبيل الإنكار.

4 ـ إن إبراهيم قال ذلك على وجه المحاجه لقومه بالنظر. (2) ويبدو من خلال هذه الوجوه الأربعة أنّ الوجه الأول هو المشكل بينما لا إشكال في باقي الوجوه التي لا تقدح في عصمته وإيمانه ومع ذلك نرى أن الشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي قد دافعا عن الوجه الثاني في مقابل من أشكل عليه ممن يتبنون الوجه الأول وفي هذا إشارة واضحة منهما ـ رحمهما الله ـ بدفع الوجه الأول واستبعاده. فهل هذا ينطبق على ما جاء في كلام السيد فضل الله؟ فلننظر في ما نقل الكاتب من كلام السيد فضل الله ونقارنه مع ما جاء في (من وحي القرآن) لنتعرف على حقيقة آراء السيد فضل الله ووجهة نظره.

يقول الشاخوريSadوفي تفسير (من وحي القرآن) كان سماحة السيد في مقام تقرير وجهات النظر التفسيرية التي ذكرت للآية بكل دقة وأمانة ثم في نهاية البحث يستعرض الرأي الذي يرتأيه ولكن حاول بعضهم أن يقتطع هذا القطع الذي ينطبق على الاتجاه التفسيري الأول فنقل هذا المقطع (فخيّل إليه أنّ هذا هو الإله العظيم الذي يتعبد الناس إليه لان الفكرة الساذجة تجعله




(1) الأنعام، 74 ـ 79.

(2) مرجعية المرحلة، راجع ص 45، وكذلك مجمع البيان ج4 ص 323 والتبيان ج4 ص 182.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://minhaj.ahlamontada.com
منهاج السنة
لا اله الا الله محمد رسول الله
لا اله الا الله محمد رسول الله
منهاج السنة


مرجعية المرحلة وغبار التغيير Vitiligo-ae30eb86b8مرجعية المرحلة وغبار التغيير Iraqiaabc6667cb59
عدد المساهمات : 897
تاريخ التسجيل : 27/10/2012

مرجعية المرحلة وغبار التغيير Empty
مُساهمةموضوع: رد: مرجعية المرحلة وغبار التغيير   مرجعية المرحلة وغبار التغيير Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 16, 2012 7:18 pm

/صفحة 45/

في الأفق الأعلى البعيد الذي تتطلع إليه الأبصار برهبة وخشوع ولا تستطيع الخلائق أنّ تصل إليه أو تدرك كنهه) ولم ينقل المقطع الموجود في آخر البحث وهو (وماذا بعد ذلك هل هي الرحلة الأولى في طريق الإيمان لدى إبراهيم أو هي محاكاة إستعراضية للأجواء المحيطة به فيما يعتقده الناس من ألوهية الكواكب والقمر والشمس.. في محاولة إيحائية لمن حوله بسخافة هذه العقائد وتفاهتها وضعفها أمام منطق الوجدان وذلك من موقع الابتعاد عنها بعد إقترابه منها … ربما كان هذا هو الرأي الأقرب الذي يلتقي مع شخصية إبراهيم فيما حدّثنا القرآن عن حياته فنحن لم نلمح في غير هذه الآية ـ حاله تأثر في الجو المحيط بل ربّما الأمر ـ بالعكس من ذلك ـ حالة تمرد على البيئة حتى فيما يتعلق بالجو العائلي المتمثل في أبيه الذي نقل لنا القرآن موقف إبراهيم منه وقد نستطيع إستيحاء الآية السابقة التي حدثنا القرآن فيها عن كلام إبراهيم لأبيه حول الأصنام التي يعبدها أنّ هذا الموقف سابقٌ لموقفه من هذه العقائد) (1) .

ونقول:

1 ـ إنّ الاتجاه المعاصر في تفسير القرآن أنّ يقوم المفسّر بإبداء رأيه في معنى الآيات في المقام الأّول ثم يتبع ذلك بعرض الاتجاهات الأخرى في تفسير الآيات إمّا لمجرّد عرضها وإمّا بهدف معالجتها ومناقشتها نفياً أو إثباتاً أو توجيهاً. والمطّلع على كتاب (من وحي القرآن) وتحديداً في تفسير الآيات موضع البحث يجد أن السيد فضل الله قد استعرض هذه الآيات ثم أبدى وجهة نظره في تفسيرها ابتداء ليستعرض بعد ذلك الآراء الأخرى في التفسير. وعليه فإن ما نقله الشاخوري من مقطع زعم أن بعضهم قد إقتطعه ونعني به خصوص قول السيد فضل الله (فخيّل إليه أنّ هذا هو الإله العظيم..) إنّ هذا




(1) مرجعية المرحلة، ص 45 ـ 46.

/صفحة 46/

المقطع مأخوذ من الجزء المتعلّق بوجهة نظر السيد فضل الله نفسه في تفسير الآية. ولتقريب الصورة سوف نعرض للقارئ عبارات السيد فضل الله:

(.. نشاهد إبراهيم يتطلع إلى السماء كما لو كان قد شاهدها أوّل مرة فهو ـ فيما توحيه الآية ـ يواجهها كتجربة جديده لم يلتق بها من قبل.. فقد كان يشاهدها سابقاً في رؤية جامدة لا تعني له شيئاً … وبدأ يفكر في إستعراض عقلي للعقائد التي يعتقدها قومه في عبادتهم للكواكب.. ومحاكاة ذاتية تتحرك من أجل إثارة التساؤل وهكذا التقى في الكواكب المتناثرة في السماء… فما أن لمح كوكباً يتلألأ ويشع… حتى سيطرت عليه أجواء الروعة واستولى على فكره الخشوع الروحي … فخيّل إليه أنّ هذا هو الإله العظيم الذي يتعبد الناس إليه لأن الفكرة الساذجة تجعله في الأفق الأعلى البعيد …(فلمّا جنّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربّي).في صرخة الإنسان الطيب الساذج الذي خيّل إليه أنّه اكتشف السر الكبير الذي يبحث عنه كل الناس كما لو لم يكتشفه أحد غيره وكأنّه أقبل إليه في خشوع العبد … وربّما ردّد هذه الكلمة (هذا ربي) في سّره كثيراً ليوحي لنفسه بالحقيقة التي أكتشفها ليؤكدها في ذاتها بعيداً عن كلّ حالات الشكّ والرْيب… وبدأت الكواكب تشحب.. وتبهت حتى غابت.. لقد ضاع الإله في الأجواء الأولى للصباح وانكشفت له الحقيقة الصارخة فقد كان يعيش في وهم كبير فقد أفل الكوكب لكنّ الإله لا يأفل وإهتزت قناعاته من جديد … (فلمّا رأى القمر بازغاً) في صفاء الليل وبدأت المقارنة بين ذلك النور الكوكبي. وبين هذا النور القمري … فأين هذا من ذاك … فهذا هو السّر الإلهي الذي كان يبحث عنه (قال هذا ربي)وعاش معه في حالة روحيه من التصوف والعبادة لهذا الرب النوراني … وفجأةً بدأ الشعاع يبهت ثمّ يغيب وانطلقت الحيرة في وعيه من جديد أين ذهب الإله.. وضجّت علامات الاستفهام في روحه تتساءل من هو الإله؟ وأين هو؟ وعاش في التصور الضبابي.. يتوسل

/صفحة 47/

بالربّ الذي لا يعرف كنهه … وفجأةً أشرقت الشمس.. فأخذت عليه وجدانه (فلّما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر) فأين حجم الشمس من حجم القمر … فلا بّد أن تكون هي الإله الذي يبحث عنه فإذا به يهتز ويتحرك في قوّة وامتداد … وبدأ يفكّر فها هي تبهت.. ثم تغيب وتأفل … وأطلق الصرخة في من حوله من هؤلاء الناس الذين يعبدون الكواكب … فيما خيل إليه في وقت من الأوقات أنّه الحقيقة المطلقة التي لا يعتريها شكّ ولا ريب … وتمرد على كلّ هذه الإتجاهات الإشراكيه لأن الله لا يمكن أن يكون هذه الأشياء المحدودة … وهكذا تدفقت إشراقة الإيمان في وعيه … وأدرك أن الله لا يٌحس كما تٌحس الموجودات الأخرى …). (1) .

وبعد ما تقدم من نص السيد فضل الله فإننا نسأل الكاتب هل هذه عبارات من يستعرض وجهات نظر المفسرّين وآرائهم أم هي تقرير لوجهة نظر يرتأيها!؟.

ولابّد للقارئ من ملاحظة بعض المفردات والعبارات التي أستخدمها في النص المذكور والتي تلقي الضوء على ما ذكرناه وإليك هذه النماذج التالية:
ـ حتى سيطرة عليه أجواء الروعة.
ـ في صرخت الإنسان الطيّب الساذج الذي خيّل إليه أنه أكتشف السر الكبير.
ـ وكأنه أقبل إليه في خشوع العابد في لهفة المسحور.
ـ وربما ردّد هذه الكلمة (هذا ربّي) في سّره كثيراً.
ـ ليوحي لنفسه بالحقيقة التي أكتشفها ليؤكدها في ذاتها.
ـ وانكشفت له الحقيقة الصارخة.
ـ فقد كان يعيش في وهم كبير.
ـ إهتزت قناعاته من جديد.




(1) من وحي القرآن، ج 9، ص 114 ـ 118.

/صفحة 48/
ـ هذا هو السّر الإلهي الذي يبحث عنه.
ـ عاش معه في حاله روحية من التصوف والعبادة لهذا الربّ النوراني.
ـ عاش في التصور الضبابي.
ـ يتوسل بالربّ الذي لا يعرف كنهه.
ـ لابدّ أن تكون هي الإله الذي يبحث عنه (أي الشمس) .
ـ فيما خيّل له (في وقت من الأوقات أنه الحقيقة المطلقة التي لا يعتريها شك).
ـ وأدرك أنّ الله لا يُحس.

وبعد أن قدم السيد فضل الله تفسيره للآية ذكر أن هناك إتجاهين حول ما قام به إبراهيم. يقول السيد فضل الله: (وماذا بعد ذلك هل هي الرحلة الأولى في طريق الإيمان لدى إبراهيم أو هي محاكاة إستعراضية للأجواء المحيطة به فيما يعتقده الناس من ألوهية الكواكب) (1) .

فالاتجاه الأول في التفسير كما عرضه السيد فضل الله هو أن يكون إبراهيم قد خاطب الكواكب على أنها آلهة حقيقة قد تعبّد إليها. أما الاتجاه الثاني فهو أن يكون إبراهيم قد حاول إظهار سخافة هذه العقائد.

وقد قام السيد فضل الله في ختام بحثه حول الآية المشار إليها بالتحدث بعبارات تنسجم ورأيه ووجهة نظره التي سبقت عرضه للإتجاهين.

2 ـ لقد قام الشاخوري في عرضه لهذه القضيّة ـ وكعادته ـ بتقطيع أوصال كلام السيد فضل الله وهو ما اتهم به الآخرين بعدم نقلهم للمقطع الموجود في آخر البحث لان الشاخوري إنما عرض رأي السيد فضل الله في الاتجاه الثاني وهو خصوص النص القائل (ربّما كان هذا هو الرأي الأقرب الذي يلتقي مع شخصية إبراهيم..)




(1) من وحي القرآن، ج 9، ص 119.

/صفحة 49/

ولم ينقل المقطع الموجود بعد هذا النص الذي إستقرب فيه السيد فضل الله الإتجاه الأول والذي سنعرضه بعد قليل. وعلى أيّ حال فإن نفس عبارات السيد فضل الله حول الاتجاه الثاني كما نقلها الشاخوري نفسه لا تخلو من مناقشة خاصةّ لجهة استعماله لبعض المفردات:

أ ـ قوله (ربّما) وهو استعمال ضعّف فيه السيد فضل الله الاتجاه الثاني.

ب ـ قوله (هو الرأي الأقرب) ولم يقل ربما هذا هو المقصود من الآية فإن تعبيره (بالرأي الأقرب) إلى جانب كلمة (ربما) تزيد من ميله إلى الاتجاه الثاني ضعفاً إلى ضعف.

ج ـ والتضعيف الثالث يأتي في تعبيره بأن هذا (الرأي الأقرب) (يلتقي مع شخصية إبراهيم فيما حدثنا القرآن عن حياته) فالمعيار عند السيد فضل الله هو شخصية إبراهيم وليس عصمته التي هي من مقتضيات النبوة.

د ـ والتضعيف الرابع قوله أنه لم يلمح في غير هذه الآية حالة تأثر بالجوّ المحيط وظاهر عبارته هذه أنّه لمح في هذه الآية حالة تأثر بالجوّ المحيط به.

هـ ـ والتضعيف الخامس وهو قوله حول الاتجاه الثاني (أو هي محاكاة إستعراضية للأجواء المحيطة به فيما يعتقده الناس من ألوهية الكواكب … في محاولة إيحائية لمن حوله بسخافة هذه العقائد … وذلك من موقع ابتعاده عنها بعد إقترابه منها مّما يعطي لموقفه بعض القـوة في الإيحاء بإعتباره الموقف الذي عاش التجربة وعاناها ثم تمرد عليها) (1) . فلاحظ قوله: (من موقع ابتعاده عنها بعد إقترابه منها) وكذلك قوله: (الموقف الذي عاش التجربة وعاناها ثم تمرد عليها).

3 ـ إنّ الشاخوري وكما ذكرنا آنفاً لم ينقل المقطع الموجود في آخر البحث ونعني به كلام السيد فضل الله بعد حديثه عن الاتجاه الثاني حيث عاد وإستقرب الإحتمال الأول فهو يقول: (أمّا الاحتمال الأول فقد يقربه أن تكون الحادثة قد حدثت في




(1) من وحي القرآن، ج 9 ـ ص 119 وكذلك راجع مرجعية المرحلة، ص 46.

/صفحة 50/

بداية طفولته عندما بدأ يتطلع للأشياء ويفكر في الإله في عملية تأمل وتدبر في مستوى ذهنية الطفل ولعلّ هذا هو الذي نستوحيه من الجو النفسي الساذج الذي توحي به الآية فهذا هو إبراهيم يواجه الكوكب الذي يبدو عالياً.. بعيداً.. ولكنّه يشرق في قلب الظلام فيشعر بالرهبة والروعة فيصرخ ـ في مثل اللهفة ـ هذا ربّي إنطلاقا مما كان يسمعه بأن الإله بعيد.. فلما أفل أحسّ بالانقباض وقال لا أحب الآفلين فقد نجد في كلمة (لا أحب) بعض كلمات الطفولة البريئة التي تحب أو لا تحب من خلال مشاعرها الساذجة إزاء الأشياء وتتكرر التجربة مع القمر وتنطلق الصرخة الطفولية من جديد تماماً كمثل الهتاف الذي يهتف به الطفل عندما يجد شيئاً قد أضاعه أو شيئاً قد طلبه وتتكرر خيبة الأمل من جديد … وتشرق الشمس … فتكبر الصرخة في طفولية بارزه هذا ربي هذا أكبر وينطلق الحجم ليؤكد الفكرة فيما لا توحي به ألاّ أفكار الطفل أو ما يشبه الطفل لان الأشياء الكبيرة توحي للفكر الساذج بالهيبة والعظمة … وتتجدد خيبة الأمل بالأفوال..) (1) .

والمتأمل في عبارات السيد فضل الله حول تقريبه للاتجاه الأول سيجد أنها تتطابق مع وجهة نظره في تفسيره للآية والتي ذكرها في بداية تفسيره لها وهي عبارات واضحة وليس فيها أي تعبير يوحي بتضعيفه لهذا الاتجاه كما هو الحال في عباراته حول الاتجاه الثاني.

4 ـ ويضاف إلى كل ما تقدم أن السيد فضل الله وبعد أن ذكر ما ذكره أعقب ذلك بقوله (وفي كلا الاحتمالين يمكن للعاملين في حقل التوجيه..) (2) . فالاحتمالان مازالا واردين.فهو وعلى أبعد تقدير لم يستقرب واحداً دون الآخر فكلاهما موجود في دائرة الإمكان.




(1) من وحي القرآن،ج 9, ص 120 ـ 121.

(2) من وحي القرآن،ج 9، ص 121.

/صفحة 51/

5 ـ ولا ينبغي أن يغفل القارئ عن بعض العبارات التي لا يصح إستعمالها أو نسبتها أو وصف الأنبياء بها مثل: (الجو النفسي الساذج) و (الفكر الساذج) و (مشاعر ساذجة) و (طفولة بارزة) والتي قد لا نجدها عند من لا يقول بعصمة الأنبياء.

النموذج الثاني:

يقول الشاخوريSadفي تفسير قوله تعالى (وعصى آدم ربّه فغوى) طه/121 ـ حاول أحدهم أن يذكر المقطع الذي وردت كلمة (لأنه كان يعيش الضعف البشري أمام الحرمان) ولم يذكر المقطع الذي يجعل الصورة واضحة وهو قوله (فنسي ما ذكرناه به فترك الامتثال للنصيحة الإلهية التي لم تكن أمراً إرشادياً يتحرك من المنطق الطبيعي للأمور فيما ترتبط به النتائج بمقدماتها) (1) .

إن إدعاء الشاخوري بأن (أحدهم) لم يذكر المقطع الذي يجعل الصورة واضحة ليس صحيحاً باعتبار أنّ مورد الإشكال لا يتعلق بطبيعة الامتثال للنصيحة الإلهية أو بعدم الامتثال وبكون الأمر الإلهي أمراً إرشادياً أو مولوياً، فهذا مما لا خلاف فيه بين المفسرّين، إنما ينصب أو يتمحور الكلام في هذه المسألة حول ما أثاره السيد فضل الله من إشكالات تتعلق بالأنبياء أنفسهم وخصوصاً تأكيده على نقاط الضعف البشري التي هي مرتكزة في طبيعة الأنبياء باعتبارهم بشراً.

أضف إلى ذلك إشكالات تتعلق فيما يستخدمه السيد فضل الله من تعابير ومفردات وأوصاف لا تليق بساحة الأنبياء وقداستهم. ومن جهة أخرى ما يتعلق بتناقض كلامه حول المعصية وإليك التفصيل:

أ ـ يقول السيد فضل الله حول معصية آدم بأنه عليه السلام (ترك الامتثال للنصيحة الإلهية التي لم تكن أمراً تشريعياً يستتبع عقاباً جزائياً بل كان




(1) مرجعية المرحلة، ص 47.

/صفحة 52/

أمراً إرشادياً يتحرك من المنطق الطبيعي للأمور) (1) . ويقول في مكان آخر شارحاً الفرق بين الأمر الإرشادي والأمر التكليفي بان معصية آدم (ليست لأمر تكليفي يستتبع الجزاء والعقاب بل هي لأمرٍ إرشادي يستتبع الضرر الذاتي الذي يترك تأثيره على حياة الإنسان بعيداً عن مواقع الانحراف الفكري والروحي) (2) .

لكنه يقول في موردٍ آخر إنّ الله قد أمر آدم وزوجه (بالخروج من الجنة كما أمر إبليس بالخروج منها لأنهما عصياه كما عصاه وإن كان الفرق بينهما أنه ظلّ مصراً على المعصية ولم يتب فلم يغفر له الله بينما وقف آدم وزوجته في موقف التوبة إلى الله فغفر لهما) (3) .

وكلامه هذا ظاهر في التناقض مع ما تقدّم من الأمر الإرشادي لأنّ معصية الأمر الإرشادي كما تقدم ذكره لا تستلزم ثواباً أو عقاباً وبالتالي فإنّ التوبة إنما هي زيادة في الكمال وهذا لا ينسجم مع اعتبار معصية آدم كمعصية إبليس و أنّ الفرق بينهما أن إبليس أصرّ على المعصية ولم يتب فأستلزم ذلك العقاب. فإنّ كانت معصية إبليس كمعصية آدم فان ذلك يعني أن معصية إبليس أيضاً كانت معصية أمر إرشادي فكيف استحق العقاب بالخروج من الجنة وهذا يعني أيضاً أن آدم لو لم يتب لاستحق العقاب.

ومن جهة ثانية، كيف امر الله تعالى إبليس بالخروج من الجنة لأنّه عصاه ـ على حد تعبير السيد فضل الله مع أنّه لم يتب؟ ثم عاقب آدم بنفس العقاب ـ أعني الخروج من الجنّة ـ رغم توبته! نعم قد يقال إنّ معصية إبليس كانت معصية لأمر تكليفي بينما معصية آدم كانت لأمر إرشادي.




(1) من وحي القرآن،ج 15، ص 171.

(2) مرجعية المرحلة، ص 175.

(3) نفس المصدر، ج 10، ص 34.

/صفحة 53/

فنقول: إن هذا غير ظاهر في كلام السيد فضل الله من جهة ومن جهة أخرى فإنه إنّ صحّ ذلك فان كلام السيد فضل الله إن الفرق بين المعصيتين ناظرٌ إلى التوبة وعدمها يصبح ظاهر الفساد بإعتبار أن الفرق متجه إلى طبيعة المعصية نفسها.

ب ـ يدأب السيد فضل الله على وصف الأنبياء ـ كما ذكرنا ـ بنعوت وأوصاف لا تليق بهم ولا تجوز عليهم.

ومن جملة أوصافه (نقاط الضعف البشري) (السذاجة) وإليكَ بعض النماذج التي تؤكد على أنّ المسألة ليست مسألة حذف وتقطيع عبارات بقدر ما هي تركيز على مقولات السيد فضل الله الذي لا يترك فرصة ولا مناسبة إلاّ ويشدد فيها على هذه الأمور ويدافع عنها وقد رأيت إلماحات حولها عند كلامنا عن النبي إبراهيم عليه السلام في النموذج الأول.
إنه يقول:

(ولكن آدم لم يتعمق في وعي الموضوع ولم يأخذ مأخذ الجديّة والإهتمام وبقي مستمراً على خطِّ العفوية والبساطة…) (1)

(بل نحن هنا في مجال التأكيد على أن الأسلوب القرآني لا يريد أن يعمق في ذهننا الإسلامي الفكرة التي تحدثت عن شخصية الأنبياء بالمستوى الذي يوحي بأن هناك أسراراً فوق العادة تكمن في داخل شخصيتهم فيما هي الخصائص الذاتية للشخصية) (2) (لأنه كان يعيش الضعف البشري أمام الحرمان) (3)

ولو فكرا جيداً [آدم وزوجته] لعرفا أن الخلود والملك ليسا من الأشياء التي تحصـل بفعل الأكل من شجرة بل هما نتيجة الإرادة الإلهية التي تملك




(1) من وحي القرآن، ج15 ص171.

(2) من وحي القرآن، ج15، ص171.

(3) نفس المصدر، ص171.

/صفحة 54/

أمر الموت والحياة… ولكنهما إستسلما للجوِّ الخيالي المشبع بالأحاسيس الذاتية المتحركة مع الأحلام) (1)

ملاحظة: عجباً كيف عرف السيد فضل الله ذلك ولم يعرفه آدم!؟

ويقول: (..وإبتعد عن خطِّ الرشد الذي يقود الإنسان إلى ما فيه صلاحه في حياته المادية والمعنوية ولكن هذا الإنحراف الطارئ البسيط لم يكن حاله معقّدة في عمق الذات… بل هو حالة إنسانية تستغرق في الغفلة لحظة ثم تعود إلى رشدها) (2)

(.. إنّ النبوِّة تلتقي بمواقع الضعف البشري في الإنسان في أكثر من موقع ولا تفرض الكمال الذي يبتعد عن المواقع الطبيعية لديه… إن القرآن لا يريد أن يعطي النبي هالة مقدسة غائمة في مجال التصور…) (3)

(وأثار [ إبليس ] في داخلهما [ آدم وزوجته ] طموح الملك والسيطرة والخلود… فإنطلقا إليها[ الشجرة ] بكل شوقٍ ولهفة وأطبقت عليهما الغفلة) (4)

(وتمثلت لهما الجريمة في مستوى الكارثة … كيف أقبلا على ممارسة الرغبة المحرَّمة) (5)

(الله أراد لآدم أن يمرَّ بدورة تدريبية في مواجهة إبليس لأنَّ آدم طيِّب وساذج) (6)




(1) من وحي القرآن، ج15، ص174.

(2) نفس المصدر، ص174 ـ 175.

(3) نفس المصدر، ص176.

(4) من وحي القرآن، ج10، ص31.

(5) نفس المصدر، ص33.

(6) الموسم ع21 ـ 22، ص293.

/صفحة 55/

النموذج الثالث:

يتعلق هذا النموذج بما أورده الشاخوري حول قوله تعالى: (ونادى نوح ربَّه فقال ربِّي إن إبني من أهلي وإنَّ وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عملٌ غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظكَ أن تكون من الجاهلين) (1)

وعلق الشاخوري قائلاً: (حاول بعضهم أن يقتطع هذا المقطع (ونادى نوح ربَّه فقال ربِّي إن إبني من أهلي وإنَّ وعدك حق) فيما وعدتني أن تنقذ لي أهلي عندما أمرتني أن أحملهم وهو منهم ولكنَّ ذلك لم يحدث وأنت أحكم الحاكمين فلا يصدر عنك شيء إلاَّ لحكمة لا يدركها أحدٌ غيرك وحذف هذا المقطع (ما هي علاقة المسألة بالعصمة؟ وقد يتساءل المتسائل عن مدى إنسجام هذه الآيات في مدلولها مع عصمة الأنبياء فكيف لنوح النبي… الذي وقف أمام كل تحديات الإنحراف … ان يعيش لحظة الضعف أمام عاطفة البنوة ليقف بين يدي الله ليطلب منه إنقاذ ولده الكافر… وكيف يخاطبه الله بكل هذا الإسلوب الذي يقطر بالتوبيخ والتأنيب، ويمكن لنا أن نجيب عن ذلك… فربما كان نوح يأمل أن يهدي الله ولده في المستقبل وربَّما كان يجد في وعد الله له بإنقاذ أهله ما يدعم هذا الأمل لأنَّه من أهله ولم يلتفت إلى كلمة (إلاّ من سبق عليه القول) لأنها لم تكن واضحة…) (2)

ولنا أن نلفت نظر القارئ إلى المفارقة العجيبة التي إرتكبها الشاخوري وأوقع نفسه فيها.. لأنَّ هذا البعض الذي زعم أنَّه إقتطع المقطع الذي أشار إليه لم يكن في وارد الإشكال على السيد فضل الله بخصوص هذا المقطع المقتطع حسب زعمه بينما في الحقيقة ـ وهنا المفارقة ـ يتجه الإشكال إلى النص الذي ذكره الشاخوري مدعياً أنَّ هذا البعض قد




(1) هود، 45 ـ 46.

(2) مرجعية المرحلة، ص47.

/صفحة 56/

حذفه، إذ كيف يمكن لهذا البعض أن يورد مقطعاً لا إشكال فيه ويحذف المقطع الذي يحتوي على الإشكال. ونحن نعتقد أن الكاتب قد عمد إلى ما عمد إليه في محاولة منه لتضليل القارئ عن مورد الإشكال ربَّما لعدم قدرته على توجيهه وتأويله خاصّة وأنَّه قد وضع العبارة التي تتضمن الإشكال ضمن نصٍّ طويل يضيع معها مورد الإشكال بحيث لا يلتفت القارئ إليها ويمر عليها مرور الكرام. وعلى أىِّ حال فإنَّ المتأمل في النص الذي إدعى الشاخوري أنَّه حُذفَ ونعني به خصوص النص الذي يبدأ بقول السيد فضل الله: (ما هي علاقة المسألة بالعصمة..)، سوف يجد أنَّ السيد فضل الله تحدث عن وحيٍ لم يلتفت إليه نوح عليه السلام بعبارة (ولم يلتفت إلى كلمة إلاَّ من سبق عليه القول لأنها لم تكن واضحة) وهذا هو مورد الإشكال. إذ كيف للنبي أن لا يلتفت إلى ما يوحى إليه؟، وهل يبقى بعد ذلك أمان من أن لا يبِّلغ نوح عليه السلام ما أوحي منقوصاً وكيف يمكن بعد ذلك ألاَّ يطعن الناس بالوحي ما دام إحتمال الخطأ وارداً على الأنبياء في تبليغ ما يوحى إليهم من خلال خطأهم في تلقّي الوحي نفسه.

ونحن لو أردنا مناقشة آراء السيد فضل الله المتعلقة بالعصمة لظهر لنا الإضطراب في كلامه بل والتناقض أيضاً، فقد ذكر السيد فضل الله في أجوبته إلى آية الله العظمى الشيخ التبريزي أنَّ الدليل العقلي قد دلَّ على (إمتناع الخطأ في التبليغ لا في غيره) (1) لكنه عاد ليقول بعد ذلك بأنه (من الممكن من الناحية التجريدية.. أن يخطئ النبي في تبليغ آية أو ينساها في وقت معيّن ليصحح ذلك ويصّوبه بعد ذلك لتأخذ الآية صيغتها الكاملة الصحيحة) (2) على أي حال فلا ضرورة للتوسع في مناقشة هذه الفكرة لأن رأي السيد فضل الله ظاهر الفساد.




(1) ردود السيد فضل الله على استفتاءات الشيخ التبريزي جواب رقم (1) .

(2) نفس المصدر، جواب رقم (3) .

/صفحة 57/

النموذج الرابع:

ويتحدث الشاخوري في هذا النموذج عن قوله تعالى: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أوَّاب إذ عرض عليه بالعشيِّ الصافنات الجياد فقال إني أحببت حبَّ الخير عن ذكر ربِّي حتى توارت بالحجاب ردوها علَّى فطفق مسحاً بالسوق والأعناق) (1)

يعلق الشاخوري في نهاية كلامه على هذا النموذج قائلاً: (يكفي للقارىء أن يعرف الضابطة العامَّه فيما ينقل إليه ممَّا يفرض على أيِّ إنسان (تقي يخاف الله) أن يتثبت ويتريث فيما ينقل إليه ويراجع المصدر الأصلي الذي نقل الكلام عنه ويقرأ الكلام بأكمله لا أن يقرأه مبتوراً لأن الفكرة تكون عندئذٍ مبتورة أيضاً) (2)

نودُّ في هذا المجال أن نشير إلى أنَّ هذا الشيخ (التقي الذي يخاف الله) لم يذكر لنا المصدر الذي نقل عنه وجعله عرضَّة للنقد والمؤاخذات وليته (هذا الشيخ) تريث وصبر قليلاً حتى ينزل هذا المصدر إلى المكتبات ودور النشر وبعدها يتثبت مما ينقل عنه حتى يكون القارىء على بيِّنه من أمره فيما يتعلق بالنص المنقول عن المصدر وكذلك الرد عليه ونحن وإن كنا نعلم أنَّ ما قدمه الشيخ (التقي الذي يخاف الله) من نماذج قد أخذه من مسودة كتاب (خلفيات كتاب مأساة الزهراء) التي سرقت. فقد أحببنا أن يكون هذا الأمر واضحاً عند القارىء الكريم. كما يمكن للقارىء أن يراجع تاريخ صدور كتاب الشاخوري وتاريخ صدور كتاب (خلفيات كتاب مأساة الزهراء)

وبالعودة إلى مناقشة ما أورده الكاتب حول هذه الآية فقد عرض لأقوال بعض العلماء نقلاً عن تفسير الشيخ الطوسي ثم عقَّب على ذلك بقوله: (وحاول بعضهم هنا أن يقتطع المقطع الذي يتحدث فيه سماحة السيد عن فوات صـلاة العصـر




(1) مرجعية المرحلة، ص 30 ـ 33.

(2) مرجعية المرحلة، ص51.

/صفحة 58/

بسبب الإستعراض العسكري للخيل ولم يذكر المقطع الذي يتحدث فيه سماحته عن أن ذلك كان من باب ترك الأولى بإعتبار أنَّ تقديم الصلاة أفضل بلحاظ الوقت (راجع من وحي القرآن ج19 ص271)) (1)

ويلاحظ أنَّ الكاتب (كعادته) قام باتهام الآخرين بتقطيع كلام السيد فضل الله. ثم يعرض مقطعاً إدعّى أنه حُذفَ ونسي فعلته التي فعلها هو عندما عرض مضمون مقطع صغير من كلام السيد فضل الله وترك الباقي ورغم ذلك فإننا نقول:

1 ـ إن المسودة المسروقة التي نقل عنها الشاخوري العبارة التي زعم أنها مقتطعة قد ورد فيها النص كاملاً للسيد فضل الله وعليه فإن إتهام الشاخوري للآخرين بالتقطيع لا يعدو كونه مجرّد إفتراء. (2)

2 ـ لماذا لم يورد الكاتب المقطع الآخر من كلام السيد فضل الله وهو خصوص قوله: (لقد أثار بعض المفسرين إحتمال تعلّق وحبّه لها (أي الخيل) عن ذكر ربِّي بحبِّ الخير بلحاظ إنطلاقه عن أمر الله ليكون إستعراضه لها وحبه لها عملاً عبادياً ليتهيأ بها للجهاد في سبيل الله… ولعلّ الأساس في هذا التفسير التوجيهي هو الخروج بعمل سليمان عن كونه مخالفاً لموقعه الرسالي في إنشغاله بإستعراض الخيل عن عبادة الله الواجبة في وقت معيّن.

ولكنّ ذلك لا يفيد شيئاً في هذا الجانب، لأن صلاة العصر إذا كانت مؤقتة بوقت معين، بحيث يذهب وقتها بغروب الشمس وتواريها بالحجاب، كما يظهر من بعض الروايات، فإن الإنشغال عنها المؤدي إلى تركها، بعملٍ آخرٍ مرضي لله، موسع في وقته، غير مبرَّر شرعاً.

ولهذا فقد يكون من الأقرب إبقاء الآية على ظاهرها الذي يوحي بأن سليمان كان في مقام توبيخ نفسه أو الإعتذار إلى الله عمَّا حدث له…) (3)




(1) مرجعية المرحلة، ص50.

(2) خلفيات كتاب مأساة الزهراء، ص140.

(3) من وحي القرآن، ج19، ص290.

/صفحة 59/

3 ـ إنَّ الكاتب لم ينقل أيضاً كلام السيد فضل الله الذي جاء في سياق التبرير لتفسيره الآنف الذكر والذي يتعارض مع تنزيه الأنبياء وعصمتهم حيث قال: (وقد ينبغي دراسة الأسس التي يحاول الكلاميون الذين يتبنون مسألة عصمة الأنبياء بالشكل المطلق لنتعرف ماذا يمكن لنا أن نواجه به الظواهر القرآنية التي تمنح الجانب الإنساني قيمة واقعية في تقييم شخصية النبي بالمستوى الذي لا يبتعد عن الإخلاص في الصدق الواعي في خط الرسالة، مع إفساح المجال لبعض نقاط الضعف الإنساني في أن تنفذ إلى حياته، بشكل جزئي طبيعي…) (1)

ولا شك أنَّ القارئ قد لاحظ حديث السيد فضل الله عمَّا يسميه (بنقاط الضعف الإنساني) وهي مقولة لا ينفك السيد فضل الله عن تردادها كلما حاول تبرير ما يذهب إليه حول بعض الآيات التي قد يوحي ظاهرها بأنها تنافي عصمة الأنبياء فضلاً عن وصفه لعمل سليمان (ع) بأنه غير مبرر شرعاً.

ولا بأس من بالإستئناس بما ذكره السيد المرتضى (علم الهدى) في كتابه تنزيه الأنبياء حول ما نحن صدده حيث يقول: (.. أما ظاهر الآية فلا يدلُّ على إضافة قبيح إلى النبي (ص) والرواية إذا كانت مخالفة لما تقتضيه الأدلة لا يلتفت إليها لو كانت قوية صحيحة ظاهرة، فكيف إذا كانت ضعيفة واهية؟ والذي يدل على ما ذكرناه على سبيل الجملة أن الله تعالى إبتدأ الآية: بمدحه [أي النبي سليمان] وتعريفه والثناء عليه، فقال: نعم العبد إنَّه أوَّاب وليس يجوز أن يثني عليه بهذا الثناء ثم يتبعه من غير فصل بإضافة القبيح إليه..) (2)




(1) من وحي القرآن، ج19، ص291.

(2) تنزيه الأنبياء، ص132.

/صفحة 60/

ومما يقوِّي رأي السيد المرتضى (علم الهدى) أنَّ لأحد أوجه إستعمال (إذ) (1) أن تكون للتعليل أو أن تكون للظرفية وفي كلا الإستعمالين تفيد (إذ) أنَّ المدح والثناء كان حال عرضه للخيل، أو أنه (أي المدح والثناء) قد جاء لأجل ما فعله سليمان (ع) . وعليه فلا وجه لإضافة فعل القبيح له (ع) بعد مدحه والثناء عليه. وسياق الآيات يؤكد هذا الإتجاه.

4 ـ ثم نقل الشاخوري قول السيد فضل الله في تفسيره لقول الله تعالى: (فطفق مسحاً بالسوق والأعناق) ما نصُّه:

(أما تعليقنا على ذلك فانَّ الظاهر من الآية قد يؤكد فكرة ضرب أعناقها وسوقها، لأن مسألة تسبيلها في سبيل الله لا يتوقف على ردها عليه وكما أنه لا يفسر مسح أعناقها أو سوقها، فإن من المتعارف مسـح الخيل على نواصيها كما أنَّ هذه الروايات تلتقي مع ظهور الآية في ردِّ الفعل الذي قام به سليمان إزاء إنشغاله بها عن الصلاة، ممَّا جعله يفكر بالخلاص منها بقتلها، من غير ضرورة لأن يكون ذلك على سبيل الإنتقام منها، أو إتلافها كمالٍ محترم لا يجوز إتلافه بل قد يكون ذلك بمثابة ضغط على نفسه التي أحبَّت الخيل بهذا المستوى الأمر الذي يريد إيلامها فيما يحبَّه بهذه الطريقة، مع ملاحظة أن ذلك حلال في شريعته لأن الخيل كانت تذبح كالأنعام للطعام، والله العالم) (2)

وقد كان السيد فضل الله في كلامه هذا يعَلّق على ما ذكره صاحب تفسير الميزان بأن (هذا الفعل ممَّا تتنزه عنه ساحة الأنبياء فما ذنب الخيل لو شغله النظر إليها عن الصلاة حتى تؤاخذ بأشدِّ المؤاخذة فتقتل تلك القتلة الفظيعة عن آخرها مع ما فيه من إتلاف المال المحترم) ويضيف صاحب تفسير الميزانSadأنَّ الروايات التي تؤكد على هـذه القصة بهـذا الشكل تنتهي إلى




(1) مغنى اللبيب، ص86.

(2) مرجعية المرحلة، ص51.

/صفحة 61/

كعب الأحبار، بالإضافة إلى الإغراق في التفاصيل التي تدخل في دائرة الأعاجيب) (1) وبعد هذا فإن لنا على ما ذكره السيد فضل الله ملاحظات عدَّة:

أ ـ إنَّ قول السيد فضل الله بظهور الآية بتأكيد فكرة ضرب أعناقها أو في ردِّ الفعل الذي قام به سليمان (ع) ليس بظاهر، بل الظاهر خلاف ذلك كما ذكرنا حول رأي السيد المرتضى (علم الهدى) .

ب ـ كيف يوفق السيد فضل الله بين قوله بأن إنشغال سليمان (ع) عن الصلاة جعله يفكر بالخلاص من الخيل وبين قوله: (من غير ضرورة لأن يكون ذلك على سبيل الإنتقام). لأن مقتضى كلام السيد فضل الله كما هو واضح في نصه أن إنشغاله بالخيل هو الذي جعله يفكِّر بالخلاص منها ليكون بذلك الإنشغال هو الـدافع والعلّة للخلاص منها فلا عبرة بعد ذلك بما عقِب به السيد فضل الله ليتلافى ما أوقع نفسه فيه من أن ذلك لم يكن على سبيل الإنتقام. فلو لم ينشغل (ع) بها عن الصلاة هل كان فكر بالخلاص منها؟!

ج ـ أضف إلى ذلك أن قول السيد فضل الله معلِّلاً ما نسبه إلى سليمان (ع) بأن ذبح الخيل كان حلالاً في شريعته كذبح الأنعام غير دقيق لأن مسألة القتل هنا غير متعلقة بحلية الذبح أو عدم حليته بل المسألة متجهة إلى طبيعة الحدث المتصل بفعل سليمان (ع) نفسه والدافع له. ونضيف أنه إذا كانت القضية عبادة على كلا الوجهين (أي الصلاة أو عرض الخيل) فما معنى أن يكون قتله لها إنتقاماً وضغطاً على نفسه؟ وزيادة على ذلك فإننا نقول أنَّ النيَّة لها مدخليه مهمة في تحديد طبيعة الفعل ووظيفته وهدفه. فكيف يصح قتل سليمان (ع) للخيل مع وجود دافع الإنتقام أو الضغط على نفسه على حدِّ تعبير السيد فضل الله. ألا يعني ذلك أن القتل كان بدافع ذاتي وشخصي لا تقرباً ولا زلفةً إليه؟ ويمكن أن يستذكر المرء قصَّة الإمام علي وعمرو بن ودٍّ العامري المعروفة لمَّا سأله الناس لِمَ تريَّث في قتله فأجاب عليه السلام إنمَّا خشيت أن يكون قتلي له لأجل نفسي حين تفل في وجهي فتريثت قليلاً حتى برد غيظي وبعدها قتلته ليكون ذلك خالصاً في سبيل الله.




(1) من وحي القرآن، ج19، ص292.

/صفحة 62/

نماذج أخرى:

أورد الشاخوري مجموعة نماذج في الهامش (1) دون أن يعالجها وإكتفى بقوله أنها مجموعة أقاويل مفبركة تشبه ما قدَّمه من نماذج ليبرر بذلك عدم عرضه لها ولعل ذلك يعود لعجزه عن توجيهها أو إيجاد التبريرات لها.

ولتوضيح مقصدنا نقدَِم للقارئ الكريم هذه النماذج، التي أشار إليها الشاخوري دون مناقشتها ومعالجتها، مدَّعمةً بالنصوص والأدلة من كلام السيد فضل الله دون أي تعليق عليها.
أ ـ الشيعة إنا وجدنا آبائنا:

يقول السيد فضل الله:

(المشكلة أنَّ السنَّة لا يريدون أن يتنازلوا عن أي شيء ورثوه، وأنَّ الشيعة لا يريدون أن يتنازلوا عن أيِّ شيءٍ مما ورثوه، بقطع النظر عمَّا إذا كان ما ورثوه يخضع للبرهان أو للدليل أو لا يخضع، لأن القضية في بعض أوضاعها (إنَّا وجدنا آباءنا على أمَّة وإنَّا على آثارهم مقتدون) .

لذلك لا نجد هناك أية حريَّة في داخل المذهب السنِّي لمناقشة القضايا السنية، وليست هناك أية حرية في داخل المذهب الشيعي لمناقشة القضايا الشيعية؟. الحرية المطروحة هنا وهناك هي مناقشة الآخر، أمَّا أن نناقش فكرنا في عملية نقد علمي، فهذا ليس وارداً، بل قد نجد هناك إرهاباً فكرياً هنا وإرهاباً فكرياً هناك..

إنني أعتقد أنَّ علينا أن ندرس ما عندنا، وأنَّ عليهم أن يدرسوا ما عندهم بطريقة علمية، موضوعية، بعيداً عمَّا إذا كانت هذه المفردات الفكرية أو الفقهية أو المفهومية، ممَّا إلتزم به المتقدمون أو ممَّا لم يلتزموا به..) (2)




(1) مرجعية المرحلة، ص50.

(2) الإنسان والحياة ـ السيد فضل الله، دار الملاك، ص195.

/صفحة 63/
ب ـ تعليق صور الإمام الخميني صنمية:

يقول السيد فضل الله:

(أنا أتصور أنَّ هناك نوعاً من الصنمية اللاشعورية الموجودة لدى المؤمنين من مسلمين ومسيحيين للشخصيات التي يقدسونها من خلال هذه الأشكال التي قدمناها إليهم وإعتبرناها طقوساً ومقدسات، بحيث ينتقل الإنسان عن القيمة الدينية أمام الصورة المادَّية. وحتى مسألة تعليق الإنسان في صدره أيقونه، حتى أنَّ بعضهم يعلّق صورة السيد المسيح، أو العذراء، ونجد عندنا من يعلّق صورة الإمام علي، أو صورة الإمام الخميني، أو صورة بعض الشخصيات) (1)
ج ـ النبي محمد لا يعرف المهم من الأهم:

يقول السيد فضل الله وهو يتحدث عن سورة عبس وتوّلى: (فكانت المسألة دائرة، ـ في وعيه الرسالي بين المهم، في دور هذا الأعمى، وبين الأهم، في دور هؤلاء الصناديد.ولكن الله يوجه المسألة إلى ما هو الأعمق في قضية الأهمية في مصلحة الرسالة، بإعتبار أن هذا الأعمى قد يتحول إلى داعيه إسلامي كبير، (وما يدريك لعلّه يزَّكي) فيما يمكن أن يستلهمه من آيات القرآن التي يسمعها، مما يغني له روحه، فتصفوا أفكاره، وترقُ مشاعره، وتتسع آفاقه) (2)




(1) مجلة المعارج، عدد 28 ـ 31، ص624 ـ 625.

(2) من وحي القرآن، ج24، ص73.

/صفحة 64/
د ـ ضعف نوح في ملكاته الروحية:

والعجيب أننا لم نجد لهذا العنوان نصاً في كتاب (خلفيات كتاب مأساة الزهراء) الذي سرقت مسودته، إلاَّ أننا عثرنا على نص يتحدث فيه السيد فضل الله عن ضعف نوح عليه السلام أمام عاطفة البنَّوة قائلاً: (كيف يمكن له أن يعيش لحظة الضعف أمام عاطفة البنوة ليقف بين يدي الله ليطلب منه إنقاذ ولده الكافر، من بين كلِّ الكافرين… إنَّ المسألة ليست مسألة عاطفة تتمرد، ولكنها عاطفة تتأمل وتتساءل… فربما كان نوح يأمل أن يهدي الله ولده في المستقبل، وربما كان يجد في وعد الله له بإنقاذ أهله ما يدعم هذا الأمل لأنه من أهله،

ولم يلتفت إلى كلمة (إلاَّ من سبق عليه القول) لأنها لم تكن واضحة…) (1)
هـ ـ يونس النبي يهرب من مسؤولياته:

يقول السيد فضل الله: (وهذا رسول آخر عاش مع قومه مدَّة طويلة لم يستجب له فيها منهم الكثيرون، فخرج مغاضباً، إحتجاجاً على ذلك من دون أن يتلقى أيَّة تعليمات من الله في ذلك، [ظناَ] منه بأن المسألة لا تحتاج إلى ذلك فقد قام بدوره كما يجب ولم يدَّخر جهداً في الدعوى إلى الله بكل الأساليب والوسائل ولم يبقَ هناك شيء مما يمكن عمله ولكنَّ الله إعتبرها نوعاً من الهرب في ما يمثله ذلك من معنى الإباق، تماماً، كما هو إباق العبد من مولاه..) (2)




(1) من وحي القرآن، ج12، ص79 ـ 80.

(2) نفس المصدر، ج19، ص240 ـ 241.

/صفحة 65/
و ـ جهل النبي موسى بتكليفه الشرعي:

يقول السيد فضل الله: (وتبقى لفكرة العصمة بعض التساؤلات كيف يخطئ هارون في تقدير الموقف وهو نبي أو كيف يخطئ موسى في تقدير موقف هارون وهو النبي العظيم وكيف يتصرف هذا التصرف ولكننا لا نجد مثل هذه الأمور ضارة بمستوى العصمة لأننا لا نفهم المبدأ بالطريقة الغيبية التي تمنع الإنسان من مثل هذه الأخطاء في مثل هذه الأمور، بل كل ما هناك أنَّه لا يعصي الله فيما يعتقد أنه معصية أمَّا أنَّه لا يتصرف تصرفاً خاطئاً يعتقد أنه صحيح مشروع فهذا ما لا نجد دليلاً عليه، بل ربَّما نلاحظ في هذا المجال أن أسلوب القرآن في الحديث عن حياة الأنبياء في نقاط ضعفهم في حياتهم العملية قد يؤكد الحاجة إلى الإيحاء بأن الرسالية لا تتنافى مع بعض نقاط الضعف البشري في الخطأ في تقدير الأمور…) (1)

وبعد هذه النماذج المتعددة التي إفترض الشاخوري أن بعضهم قد إقتطعها وحذف وقدَّم فيها نترك للقارئ الكريم أن يقدر ويتصور حال الأنبياء والمرسلين الذين تعتورهم نقاط الضعف البشري ويمكن لهم أن يقعوا في الخطأ وعدم تقدير الأمور وعدم الإلتفات إلى الوحي المنزَّل من الله تعالى و و..
خامساً: حقائق بالجملة:
1 ـ إفتراءات من؟!!

بعد أن ينتهي الشاخوري من عرضه لما أسماه بالتحريفات ـ بالزيادة أو بالنقصان ـ ينتقل إلى موضوع آخر يفترض فيه كالعادة ـ أنَّ هناك إفتراءات ليس لها أصل بأي معنى من المعاني صدرت عن بعض الجهات التي درست في الحوزة على حدّ تعبيره (2) وقد قدّم الكاتب بعض النماذج لها.




(1) من وحي القرآن، ج10، ص178.

(2) مرجعية المرحلة، ص52.

/صفحة 66/

ونحن بدورنا سوف نقوم بعرض هذه النماذج ومعالجتها لنبيِّن –بالتالي ـ أن ما أسماه الشاخوري (إفتراءات بالجملة) ليست في حقيقة الأمر إلاَّ (حقائق بالجملة) وإن أنكرها المنكرون.

النموذج الأول: (العمل بالقياس عند الحاجة ولو في مسألة واحدة أو النهي عن القياس لأجل عدم الحاجة). (1)

وحين يتعرض الشاخوري للقياس نجده بأنه عند رجوعه إلى المصدر الأصلي تبين له –ولا ندري كيف ـ أن السيد فضل الله كان في مقام تقريب السبب الذي دعا أبا حنيفة للّجوء إلى القياس ثم ينقل بعد ذلك النص الحرفي للسيد فضل الله من كتاب (تأملات في آفاق الإمام موسى الكاظم) صفحة 41. (2) إلاَّ أن الشاخوري قد تجاهل عمداً بقية الكلام والذي ورد في نفس الكتاب المذكور صفحة 43، حيث قرر السيد فضل الله فيه إمكانية العمل بالقياس ولو من ناحية نظرية. يقول السيد فضل الله:

(..وربما نستفيد من الحديث الأول الذي يؤكد عدم الحاجة إلى القياس لوفاء الكتاب والسنة لجميع الأحكام، إنَّ الأمر لو لم يكن كذلك بحيث كانت هناك حاجة مُلحة إلى معرفة الحكم الشرعي لبعض الأمور ولم يكن لدينا طريق إلى معرفته من الكتاب والسنة، فإن من الممكن أن نلجأ إلى القياس أو نحوه من الطرق الظنية في حال الإنسداد إنطلاقاً من أن الإعتماد على الطرق الظنية العقلائية أو الشرعية كان مرتكزاً على الحاجة إليها لإدارة شؤون الحياة العامة للناس…) (3)




(1) مرجعية المرحلة، ص52.

(2) المصدر نفسه، ص52 ـ 53.

(3) تأملات في آفاق الإمام موسى الكاظم، ص43.

/صفحة 67/

ثم أن الكاتب –المحدود الإطلاع ـ لم يراجع مصادر أخرى أو أنه راجع ولم يشأ الإفصاح عنها وإليك نصاً آخر للسيد فضل الله، حول القياس يقول فيه: (إننا نتصور أنه لا بد لنا من أن ندرس هذه الأمور دراسة أكثر دقة وأكثر حركية.. إن المشكلة هي أن الدراسة الأصولية والفقهية تؤطر ذهنية الإنسان في هذه الدائرة الضيّقة ومن هنا ينشأ الإنسان وفي قلبه وحشة من أن يمد الحكم الثابت لموضع إلى أمثاله لأن ما أسميه لغة القياس التي تألفها الذهنية الشيعية تجعل كل شيء قياساً عندهم حتى ولو كان الإحتمال إحتمالاً بعيداً جداً لأنهم إذا لم يستطيعوا أن يشيروا إلى خصوصية الإحتمال في مضمونه فإنهم يطلقون الإحتمال في المطلق ويقولون إنّ الله أعلم بالخصوصيات ونحن لا طريق لنا إلى معرفتها بحيث يغلقون الباب على أي إستيحاء وإستلهام للملاك الشرعي..

ما نتصوره أنَّ علينا أن نعيد دراسة الأحاديث التي وردت في رفض القياس عن أئمة أهل البيت عليهم السلام لأن الواضح أن بعض القضايا التي رفض فيها نقل الحكم مـن موضوع إلى موضوع آخـر كانت منطلقة من أنّ السائل اعتقد الملاك في جانب مقاس بينما كان الملاك شيئاً آخر لا يسمح بهذا القياس لأنه لا يحقق عناصر القياس). (1)

إننا نعتقد بعدم الحاجة للتعليق على هذا الكلام الذي يتضمٌن دعوة صريحة للعمل بالقياس عند انسداد باب العلم وما أكثر المسائل التي ينسد فيها باب العلم عند السيد فضل الله الذي يرى أن المعيار هو خصوص ما ورد في القرآن الكريم وأن المعتبر في الحديث هو خصوص ما يشرح تلك العناوين بل أن السيد فضل الله يدعو إلى إعادة النظر في الأحاديث التي وردت في رفض القياس بل هو يعترض أيضاً على إقفال الباب على أي إستيحاء وإستلهام للملاك الشرعي. فهل يصح بعد هذا إدعاء الشاخوري إنه يقول بعـدم




(1) مجلة المنطلق ع 11، ص 76.

/صفحة 68/

وجود أي أصل لهذه الافتراءات بزعمه والذي يبدو أن الذي لا أصل له ولا مسوغ هو محاولة تبرئة الشاخوري للسيد فضل الله.

النموذج الثاني: تأجير أماكن للدعارة جائز في بعض الحالات. (1)

يورد الشاخوري نص فتوى السيد فضل الله في مجلة فكر وثقافة العدد (58) 8 جمادى الأولى 1418 وهو:

(إذا كانت هذه الشقق أماكن للدعارة فلا يجوز ذلك بالعنوان الأولى في بعض الحالات وفي العنوان الثانوي في حالات أخرى) ويلاحظ أن الشاخوري قد حذف كلمة (أيضاً) من آخر الفتوى. ويّدعي الشاخوري أنّ هذه الفتوى قد حٌرفت تحريفاً كلياً بحيث صارت الفتوى على الشكل التالي:

(يجوز في بعض الحالات بالعنوان الأولى ويجوز في بعض الحالات بالعنوان الثانوي).

وهنا لابٌد من تعليق بسيط حول هذه المسألة حيث إن صاحبنا قال قبل قليل أنٌ ما سوف يورده لا يعدو كونه إفتراءات لا أصل لها بأي معنى من المعاني لكنه يعود ويتحدث عمٌا يسمٌى بالتحريف ومعلوم أنٌ هناك فرقاً بين التحريف والافتراء.

وبالعودة إلى الفتوى ومناقشتها نجد:

أ ـ إنٌ هذه الفتوى لم نجدها في كتاب (خلفيات كتاب مأساة الزهراء) التي سرقت مسودته مع أنه ذكرها في سياق ما هو منقول عنه.

ب ـ إنٌ ما زعمه الشاخوري بأنه تحريف للفتوى غير صحيح وإنما هو من لوازم منطوق الفتوى. فان الذي يقول بعدم جواز تأجير شقق للدعارة بالعنوان الثانوي في حالات أخرى أيضاً (مع ما لكلمة "أيضاً" من دلالة) فإنما يعني ذلك الجواز في حالات أخرى بالعنوان الثانوي ونحن بدورنا ندعو الشاخوري وأضرابه أن يدلونا على موردٍ واحد




(1) مرجعية المرحلة، ص53.

/صفحة 69/

أن يحصلوا على فرص تسهٌل عليهم ممارسة هذه الأمور سواء بالعنوان الثانوي أو بالعنوان الأولي.

وإذا كانت العبارة دائماً قاصرة أو مقصِّرة وتحتاج باستمرار إلى من يوجهها ويقومها فما ذنب الآخرين إذا فهموا عبارات السيد فضل الله وفق مقتضيات اللغة العربية وظواهرها المتسالم على حجيتها؟‍‍.

النموذج الثالث: إعادة النظر في التشريعات.

يقول الشاخوري: (نسب إلى سماحة السيد قول مفاده أنه لابد من إعادة النظر في بعض التشريعات بكونها تؤدي إلى الشلل والجمود وعندما رجعنا إلى المصدر الأصلي تبين أن سماحته يتحدث عن بعض الروايات الضعيفة السند الواردة في باب مكروهات السفر والتي عمل بها بعض من يرى التسامح في أدلة السنن) (1)

ثم يعرض الشاخوري بعد ذلك نصاً من كتاب الحدائق حول نحوس بعض الأيام، ليختم كلامه بنص لكلام السيد فضل الله حول هذه القضية من كتاب (تأملات في آفاق الإمام الكاظم).. (إن الفكرة التي تحكم كل هذه الأحاديث هي أنٌ التطير لا ينطلق من واقع موضوعي في الأمور التي يتطير الناس منها، بل هناك عادات معينة.تحولت إلى سلوك بشري عام وإلى أوضاع نفسية داخلية صعبة فلا بد من مواجهتها بالموقف المضاد الذي يمثل صدمة قوية للمشاعر وبالوسائل الإيمانية التي تفتح قلب الإنسان على مواقع الثقة بالله في كل شيء والتوكل عليه في كل أمر..

إننا نريد أن نؤكد على ذلك لأن الطريقة التي يثير فيها الأسلوب الفقهي مسألة المكروهات في باب السفر وفي أبواب الأعمال العادية المتعلقة بأوضاع الإنسان العامة والخاصة قد يؤدي إلى الكثير مـن الشـلل




(1) مرجعية المرحلة، ص 54.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://minhaj.ahlamontada.com
منهاج السنة
لا اله الا الله محمد رسول الله
لا اله الا الله محمد رسول الله
منهاج السنة


مرجعية المرحلة وغبار التغيير Vitiligo-ae30eb86b8مرجعية المرحلة وغبار التغيير Iraqiaabc6667cb59
عدد المساهمات : 897
تاريخ التسجيل : 27/10/2012

مرجعية المرحلة وغبار التغيير Empty
مُساهمةموضوع: رد: مرجعية المرحلة وغبار التغيير   مرجعية المرحلة وغبار التغيير Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 16, 2012 7:19 pm

/صفحة 70/

والجمود على المستوى العملي بحيث تتعطل مسيرة الحياة العامة للإنسان فتؤدي إلى كثير من الأضرار النفسية والاجتماعية والاقتصادية وقد تنعكس في بعض الحالات على الأوضاع السياسية عندما تتحول الأمة إلى أمة خائفة من الزمن في نشاطاتها العامة والخاصة). (1)

بداية، تجدر الإشارة إلى أن ما ذكره الشاخوري لم يرد في كتاب (خلفيات كتاب مأساة الزهراء) التي سرقت مسودته.

أضف أنٌ ما تقدم من كلام السيد فضل الله يدحض إدعاء الشاخوري بأن هذه النماذج ليس لها أصل بأي معنى من المعاني. ومن ناحية ثانية، فأنه ليس في كلام السيد فضل الله المذكور آنفاً، أي إشارة إلى ضعف السند، كما أدعى الشاخوري، وإنما هو يناقش في دلالة الروايات، إذ صرح السيد فضل الله وبشكل ظاهر، بأنه لابد من إعادة النظر في دلالة هذه الروايات المتعلقة بأوضاع الانسان، العامة والخاصة، والتي تؤدي إلى الكثير من الشلل والجمود على المستوى العملي.

ولا ندري بعد هذا كيف يدعي الشاخوري أنه لدى رجوعه إلى المصدر الأصلي، تبين له أن السيد فضل الله يتحدث بخلاف ما ينقله بعضهم عنه؛ فأي تبيان يتحدث عنه الشاخوري.

النموذج الرابع: الذهاب إلى نوادي العراة.

يعرض الشاخوري بعد ذلك نموذجاً رابعاً سماه (افتراءات)، وهي ليست سوى حقائق دامغة، وإن كره الشاخوري الذي يقولSadالافتراء على سماحته بأنه يجوز الذهاب إلى نوادي العراة أو نظر الرجل إلى عورة الرجل أو نظر المرأة إلى عورة المرأة في غير حالات الضرورة العرفية، وكذا عرض مسألة استمناء المرأة بغير وجهها الصحيح،مما سوف تقف عليها مفصلاً في داخل الكتاب..) (2)




(1) مرجعية المرحلة، ص 56 ـ 57.

(2) مرجعية المرحلة، ص 57.

/صفحة 71/

وحيث إن الشاخوري أشار إلى أنه سيبحث هذه المسألة بالتفصيل في موضع آخر من الكتاب، فإننا نكتفي الآن بإيراد نص السيد فضل الله في خصوص هذه النقطة، والذي يعلق فيه على جواز النظر إلى عورة الكافرات في ما اعتدن أن تظهرنه، ليعمم هذا الحكم على المسلمات أيضاً. يقول السيد فضل الله: (عالم النظر هو عالم الاحترام. فكل إنسان يسقط احترامه من هذا الجانب جاز للآخرين النظر إليه..وهذا يختلف باختلاف الأزمان.فلو أن النساء قد اعتادت الخروج بلباس البحر، جاز النظر إليهن بهذا اللحاظ..وهناك نقطة مهمة، هي التعليل "بأنهن لا ينتهين إذا نهين" يشمل كل النساء من المسلمات والكافرات اللاتي يكشفن بعض أجزاء من الجسد..وفي ضوء ذلك، قد يشمل الموضوع النظر إلى العورة عندما تكشفها صاحبتها كما في نوادي العراة أو السابحات في البحر في بعض البلدان أو نحو ذلك..) (1)
2 ـ افهموا إذا قرأتم:

عرض الشاخوري تحت عنوان (إقرأوا قبل أن تؤلفوا)، لأمثلة عدة. إتهم من خلالها بعضهم بعدم تتبع الآراء حول المسائل المتعلقة بها. وهذه الأمثلة هي:

أ ـ سورة عبس وتولى.

يقول الشاخوري إن فريقاً من علماء الشيعة ذهب إلى أن المقصود بالآية (عبس وتولى، أن جاءه الأعمى …) (رجل من بني أمية أو عثمان بن عفان كما في تفسير الصافي (ج 5، ص284) واستقر به صاحب الميزان. وذهب فريق من كبار العلماء والمفسرين الشيعة إلى أن المراد بالآية هو النبي (ص) كما في تفسير الكاشف للشيخ محمد جواد مغنية (ج 7، ص 515) والسيد محسن الأمين في أعيان الشيعة (ج 2، ص 51) وسيرة المصطفى للسيد هاشم معروف الحسني (ص 194) وذكره صاحب




(1) كتاب النكاح، ص 66.

/صفحة 72/

مجمع البيان كأحد الاحتمالين، وكذلك الشيخ السبحاني. وهناك بعض العلماء اختاروا الوجه الأول، ومع ذلك أعطوا توجيهاً للرأي الثاني كالسيد المرتضى علم الهدى…) (1)

الملاحظ أنٌ الشاخوري قد اقتصر في إيراده لأسماء العلماء ممن ذهبوا إلى أن المراد بالآية هو النبي (ص) على خصوص بعض المتأخرين منهم.أما المتقدمون، فإنه لم يجد أحداً منهم يؤيد ما ذهب إليه. ولا ينفعه التمسك بما نقله عن صاحب مجمع البيان من أنه ذكر نزول هذه الآية في النبي (ص) كأحد احتمالين، إذا أن الصحيح أن صاحب مجمع البيان ذكر هذا الأمر كأحد قولين، ولا يخفى على القارئ الفطن الفارق بين الاثنين (إحتمالين ـ قولين) ، وإن لم يفطن إلى ذلك الشاخوري، وكذلك الأمر فيما نسبه إلى الشيخ جعفر السبحاني. وفي ما يتعلق بتوجيه السيد المرتضى علم الهدى، فإنما ساقه تنزلاً وفي سياق الفرض الذي يبغي من خلاله تنزيه النبي (ص) ، وبالتالي لا يصح استدلال الشاخوري به.

وبغض النظر عن كل ما تقدم، فإن خطأ هؤلاء المتأخرين في التفسير لا يصحح تفسير السيد فضل الله ولا يبرره، إذ لا يصح الاستدلال بكلام العلماء، لأن الأمر يدور مدار الدليل (2) .

وتنبغي الإشارة إلى أن أثنين ممن ذكرهم الشاخوري لهما شطحات معروفة و مشهورة يعرفها العلماء ولسنا بصدد الخوض فيها، ونأمل ألا نضطر إلى الحديث عنها أو التعرض لها والملفت هنا تمسك الشاخوري، بقول ثلاثة من العلماء المحدثين، وتركه، بل تجاهله لآراء كبار علماء المذاهب و أساطينه.

ب ـ قوله تعالى: (ولقد همت به وهم بها)

كنا قد تحدثنا عن هذه النقطة سابقاً فراجع.

ج ـ قوله تعالى: (قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب)




(1) مرجعية المرحلة، ص 59.

(2) لمزيد من التفاصيل حول تفسير الآية انظر: خلفيات كتاب مأساة الزهراء عليها السلام، ص 155.

/صفحة 73/

أورد الشاخوري هذه الآية في سياق اتهامه للآخرين بتحريف كلام السيد فضل الله أو الافتراء عليه. إلا أنه، وكعادته، لم يشر إلى مصدر هذا الافتراء، علماً أن هذه المسألة لم تذكر في خلفيات كتاب (مأساة الزهراء) الذي اعتمد الشاخوري على مسودته المسروقة وإن كان قد حصل عليها من مصدر آخر لمؤلف آخر، والذي نظنه أنه أخذه من كتاب (الولاية التكوينية) للشيخ "جلال الدين الصغير" كان حرياً به أن يشير إلى هذا المصدر، وبالتالي لا يطلق اتهامه إطلاقاً.
3 ـ هل تزوج أبناء آدم من اخوتهما؟.

وفي هذا الصدد، نقل الشيخ الشاخوري إجابة السيد أبي القاسم الخوئي عن سؤال في هذا الموضوع، وجاء فيها: (الأخبار الواردة في ذلك مختلفة ولا محذور فيما لو صدقت إن كان بالأخوات لإمكان أنها لم تكن محرمة في شرع آدم (ع) على الأخوة) (1) .

وقبل التعليق على رأي السيد فضل الله في هذه المسألة ومقارنتها مع ما ذكره الخوئي، لابد من ذكر ما قاله السيد فضل الله في هذا الصدد:

(أول الخلق كان هذا الشيء حلال، لماذا؟ لأن هذا هو الذي يفسح المجال لإنطلاقة البشرية، ولا يوجد طريق غيره).؟

ويضيف: (فنظام العائلة مكون من أب وأم وأخوة وأخوات، وهو إنما يتوازن ويستقيم عندما تكون هناك مناعة عند الأب وعند الأم وعند الأخ وعند الأخت ضد أي إحساس جنسي تجاه الآخر لأنه لو فرضنا أن الأحاسيس الجنسية كانت موجودة في حياة الأب والأم تجاه أولادهما، أو في حياة الأولاد تجاه بعضهما البعض فلن تستقر حياة عائلية ولن تنسجم في خصوص الجو العائلي المغلق، حيث يفسح المجال لهذه الأمور بشكل فوق العادة. لذلك فإن الله سبحانه وتعالى بعد أن صار هناك أبناء عم أو




(1) مرجعية المرحلة، ص 62

/صفحة 74/

أبناء خال وخالة، أي عندما أمتد التناسل وأصبحت هناك علاقات طبيعية، حرم الله ذلك ليستقيم نظام العائلة ولتنموا العائلة في جو طاهر نظيف من الناحية الجنسية، وبعد ذلك تنطلق لينشئ كل واحد منهم عائلة.) (1)

بناء على ما تقدم، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:

ـ أشار السيد أبو القاسم الخوئي إلى أن الأخبار الواردة في ذلك مختلفة، معتبراً أن لا محذور من تزاوج الأخوة مع الأخوات على فرض صدق هذه الروايات،فيما اعتبر السيد فضل الله أن لا طريق غير ذلك للتناسل، والفارق كبير بين هذين القولين.

ـ ويلاحظ أنه في الوقت الذي تحدث فيه السيد الخوئي بطريقة تنزلية وعلى سبيل الفرض، نرى أن السيد فضل الله تحدث بطريقة تقريرية جازمة.

ـ إلى ذلك، أشار السيد أبو القاسم الخوئي إلى حصر التزاوج على فرضه بين الاخوة، وتبعه في ذلك صاحب تفسير الميزان الذي ذكر رأيه الكاتب. أما السيد فضل الله، فقد عمم الأمر ليشمل الأب والأم تجاه أولادهما، وهو مخالف في ذلك لمسلمات المذهب وضروراته، بخلاف ما ذهب إليه كاتبنا.

ـ من ناحية ثانية، فإننا لم نجد أحداً من العلماء قد تحدث بما تحدث به السيد فضل الله. عن عدم نظافة وطهارة الجو العائلي عند آدم (ع) قبل صدور حكم التشريع الذي يحرٌم هذه العلاقات فيما بين الاخوة و الأخوات فضلاً عن الآباء والأبناء.

ـ وتجدر الإشارة إلى انه وبحسب منطق السيد فضل الله إذا كانت مسألة التناسل بين الاخوة والأخوات أمراً مشروعاً وحلالاً فما معنى استخدام بعض المفردات التي فيها نوع إساءة وتجريح في مقام الأنبياء من قبيل عدم النظافة والطهارة.

ـ وأخيراً فهل إذا كان ثمة عائلة تعيش في صحراء وكان هناك أب وأم وبنت وإبن وخالة، فهل يجيز السيد فضل الله هذا التزاوج، بسبب فقدانهم الوسيلة لما عداه وتوفر الرغبة والميل الجنسي.




(1) الندوة، ج 1، ص 737.

/صفحة 75/

حقائق أخرى:

وسوف نقدم لك عزيزي القارىء بعض النماذج التي يظهر فيها الطريقة والأسلوب اللذان يستخدمهما، السيد فضل الله في حقٌ الأنبياء والأولياء المعصومين، وليست هذه النماذج إلاٌ عينة بسيطة جداً من كمّ هائل جادت به قريحته وخياله الواسع.

1 ـ موسى (ع) وقتل القبطي: (ولكن هل كان يشعر بالذنب لقتل القبطي، باعتبار أن ذلك يمثل جريمة دينية في مستوى الخطيئة التي يطلب فيها المغفرة من الله أو أنّ المسألة هي أنٌه يشعر بالخطأ غير المقصود الذي كان لا يجب أن يؤدي إلى ما انتهى إليه مما يجعله يعيش الألم الذاتي تجاه عملية القتل.. أننا نرجٌح الاحتمال الثاني). (1)

ولا يخفي عليك ما لمعنى الترجيح من دلالة!.

2 ـ موسى (ع) ووسوسة الشيطان: (أما حديث التأثير الشيطاني في الأشياء.. فان الظاهر إرادة الارتباط بهذه الأشياء في الجانب العملي من خـلال وسوسته للإنسان في الأخذ بها في الطـريقة المضٌادة لمصلحته وهذا هو الذي نفهمه من آية موسى (ع) لانٌ قتله للقطبي قد يكون ناشئاً من الوسوسة الخفية فيما تصنعه من حاله الإثارة التي تقود إلى ذلك) (2)

3 ـ خطأ داود (ع) : (.. فيكون معرضاً للخطأ من خلال طبيعة الأجواء المثيرة الضاغطة المحيطة به وانتبه ـ بعد إصدار حكمه لمصلحة صاحب النعجة ـ إلى استسلامه للمشاعر العاطفية أمام مأساة هذا الإنسان الفقير، وخطأه في عدم الاستماع إلى وجهه النظر الآخرى (فإستغفر ربه) على هذا الخطأ في إجراءات الحكم الشكلية..) (3)




(1) من وحي القرآن، ج 17، ص 310.

(2) من وحي القرآن، ج 19، ص 301.

(3) من وحي، القرآن، ج 19، ص 278.

/صفحة 76/

4 ـ لوط (ع) ليس نبياً بشكل مباشر: (..هناك أنبياء محليٌون، هؤلاء الأنبياء المحليون لا يرتبطون بالوحي مباشرة إنما يرتبطون بالوحي العام.. إبراهيم (ع) هو مسؤول لوط، كأنه لوط ليس نبيا بشكل مباشر، ولكن نبوٌته من خلال أنهٌ وكيل إبراهيم (ع) في هذا المجال..) (1)

5 ـ الإمام علي والذنوب الكبيرة: (.. ألا تشعر أنٌ علياً (ع) لا يزال خائفاً ولاسيما أنٌ الذنوب والخطايا التي طلب من الله سبحانه أن يغفرها له من الذنوب الكبيرة التي يكفي ذنب واحد لينقصم الظهر منها) (2) ثم يقول (فالإمام (ع) يقول: يا رب خلقت لي هذه الغرائز ومن حولي أجواء تثير هذه الغرائز، تستيقظ غرائزي عندما تحفٌ بها الروائح والأجواء الطيبة التي تثيرها … أعطيتني عقلاً ولكن غرائزي في بعض الحالات تغلب عقلي فأقع في المعصية) (3)




(1) شريط مسجل بصوت السيد فضل الله.

(2) في رحاب دعاء كميل، ص 94.

(3) في رحاب دعاء كميل، ص 169.

/صفحة 77/
الفصل الثاني
قصور علمي

/صفحة 78/

/صفحة 79/

يعالج هذا الفصل عدَّة مباحث تتناول بالنقد بعض الموضوعات التي طرحها الشاخوري والتي تتعلق بعلم النفس وبعلم الإجتماع بالإضافة إلى المنطق الأرسطي والحقيقة المطلقة. وسوف يتضح للقارئ من خلال هذه المعالجة مبلغ قصوره العلمي وقلَّة باعه في هذا المجال.
المبحث الأوَّل: نزعة التبرير أم تبرير النزعة؟

إستنفذ الشاخوري ما يقارب الثلاث صفحات من دراسته لتحليل ظاهرة نزعة التبرير مستعيناً بعبارات وآراء علماء النفس الذين إعتبرهم بأنهم يستطيعون أن يضعوا أيديهم على جذور المشكلة. (1) ولعلَّ هذا الجزء من كتابه هو الأطرف في الوقت الذي يشعر فيه القارئ اتجاه الكاتب بما لا يحسن ذكره. ولتبيان القصد مما ذكرناه نعرض خلاصة لما ذكره في هذا المجال:

(اعتاد العلماء القدامى في نظرتهم إلى الإنسان أن يعتبروه مكوناً من ذات واحدة هي التي يشير إليها الإنسان بكلمة "أنا" ولكنَّ هذا الرأي قد تبين خطؤه حيث أنَّا نجد الإنسان كثيراً ما يعاتب نفسه ويتحدث إليها.. وعليه لا بدَّ أن تكون هناك أكثر من ذات. وقد اعتبر هؤلاء العلماء –في نظريتهم هذه التي لا نعلم مدى دقتها– أن الإنسان مكون من ثلاث ذوات: الذات الحيوانية، والذات البشرية، والذات المثالية.. ومن أهم ما يميز الذات الحيوانية أنها لا شعورية ويغلب عليها طابع اللذَّة والألم.. وهي في هذا لا




(1) مرجعية المرحلة، ص 81.

/صفحة 80/

تعرف الحلال والحرام أو الشروط والقيود.. وهذه الذات تحاول دائماً أن تجرَّ الإنسان إلى أسفل السافلين.

وأمَّا الذات البشرية فهي شعورية واعية.. إنَّها تشعر بقيود المجتمع وتحاول مراعاتها… إنَّ الذات البشرية تفهم الحساب والعقاب أكثر ممَّا تفهم المثل العليا ولولا الذات المثالية التي تراقبها لصارت مطيَّة للطبيعة الحيوانية..

وأمَّا الذات المثالية.. وهي التي تسمى في الروايات (صوت الملك) وفي العرف الإجتماعي "بالضمير" فهي القوة الرادعة في داخل الإنسان.. وقد كان القدماء يصفون الضمير بأنه "الصوت الإلهي في الإنسان" وهذا وصف غير دقيق فالضمير يستمدُّ جذوره من العقائد والتقاليد والقيم الإجتماعية التي ينشأ فيها الإنسان.

إنَّ الضمير نسبي إذاً فهو يتلون بلون المجتمع وهو قد يدفع الإنسان أحياناً إلى القسوة والظلم إذا كانت القيم الإجتماعية مؤيدة لهما… إنَّ الضمير صوت المجتمع لا صوت الله..) (1)

إنَّ الكاتب لم يدرك أن المطالعات المتفرقة في هذا الحقل من العلوم (علم النفس) لن تجديه نفعاً بل ستغرقه بالمزيد من الإشكالات والمتاهات وحتى لا نطيل نقول:

1 ـ إن قوله بأن نظرية كون الإنسان مكوناً من ذات واحدة يشار إليها بكلمة (أنا) نظرية خاطئة وأنه لا بد أن يكون مكوناً من أكثر من ذات هو كلام غير دقيق لأن علماءنا الأفاضل بل حتى علماء النفس الحديثين لا يعتبرون أن هناك أكثر من ذات لدى الإنسان وإنما هي ذات واحدة والتعدد الحاصل إنما هو في قوى هذه النفس، والتقسيم الذي قسمه الكاتب هو تقسيم لهذه القوى ولا يدل على تعدد الذات وهكذا عندما يقسم علماء النفس يقولون (نفس حيوانية…) إنما يقصدون القوى التي تتمتع بها النفس.




(1) مرجعية المرحلة، ص 81 ـ 82 ـ 83.



/صفحة 81/

2 ـ قال الكاتب عندما تحدث عن نظرية هؤلاء العلماء أنه لا يعرف مدى دقتها فإذا كان الأمر كذلك فلماذا سلم بها وحاكم الآخرين على أساسها ألم يكن الأجدر به أن يعطي لنفسه بعض الوقت لمناقشة هذه النظرية ومعرفة بعض تفاصيلها وحيثياتها بدلاً من التسليم بها وهو لا يعلم إلى أين ستؤدي به خاصة وأنه قد طالب الآخرين بالتريث بعض الوقت لدراسة كتابتهم لأن ثمة فرقاً بين أن (يمسك القلم بعقله وبين أن يمسك القلم بعاطفته). (1)

3 ـ إن تعريفه للذات الحيوانية والذات البشرية وإن كانت لا تخلو من مناقشة تفصيلية إلا أننا قد نغض الطرف عنها وهذا ما لا نستطيع أن نفعله حول كلامه في ما يسمى بالذات المثالية ونحن لا ندري إن كان هذا الكاتب يعلم أبعاد هذا التفسير لهذه الذات وإلى أين سيؤدي به هذا الطرح الخطير

فإن كان لا يدري فتلك مصيبة * وإن كان يدري فالمصيبة أعظم

وحتى لا يبقى القارىء متشوقاً لمعرفة خطورة هذا الطرح نقول محاولين الإختصار قدر المستطاع:

يعتبر مضمون الذات المثالية التي أشار إليها الشاخوري لناحية مصدر معاييرها وجذورها هو نفس المضمون الذي تحدث عنه عالم النفس الشهيرSadسيغموند فرويد) وإن اختلفت التسمية حيث أطلق عليها فرويد إسم "الأنا الأعلى" إن هذا التفسير "للأنا الأعلى" جاء بناءً على نظرية فرويد حول ما يسمى "الطوطم" و "التابو" وتمثل "عقدة أوديب" الشهيرة – التي خلاصتها أن الكبت الجنسي وغيرة الإبن أدى به إلى قتل والده رغبة منه في الحصول على والدته – جزءاً أساسياً في هذا "التابو" (الحرام المقدس) . إن هذه العقدة عند فرويد يعود إليها الفضل في نشوء الحضارة من خلال الكبت الجنسي وعلى أساسها يفسر فرويد نشوء الدين. (2)




(1) مرجعية المرحلة، ص 65.

(2) راجع الطوطم والتابو، دار الحوراء، ص 15. وكذلك راجع نفس المصدر المقالة الرابعة ص 123.

/صفحة 82/

فالدين عند فرويد إنطلاقاً من هذه النظرية هو نتيجة الكبت الجنسي، والعودة إلى الدين بالتالي هي عودة إلى هذا التابو الخرافي الذي يعود إلى عصر الطوطمية. وإن كنا نعتذر للقارئ عن غرابة هذه المصطلحات بعض الشيء لكن الدخول في شرحها سيخرجنا عن إطار البحث وعلى أي حال وخلاصة هذا البحث فإن إعتبار كون الضمير يستمد جذوره من القيم الإجتماعية التي ينشـأ فيها الإنسان وبالتالي تلونه بلون المجتمع إن هذا الطرح يؤدي إلى الطعن بالفطرة الإنسانية (فطرة الله التي فطر الناس عليها) . وبالتالي نفي وجود معايير أخلاقية عامة مشتركة بين كل الشعوب ونفي وجود قواعد عقلية أخلاقية بديهية. إن ذلك يعني أن الضمير سوف يحكم بشرعية الكثير من القضايا التي يستقبحها العقل لمجرد أنها مستمدة من التقاليد كالذي نراه اليوم في دول الغرب، فأين الحسن والقبح العقليان إلا إذا كان كاتبنا هذا يعتبرهما شرعيين.

ورغم ذلك نجد إصراراً منه على إعتبار وصف الضمير (بالصوت الإلهي في الإنسان) وصفاً غير دقيق. وقد توسع في سرد بعض القصص حول وجوب قيام الإنسان بمداهمة أغوار النفس لمعرفة دوافع العمل الذي يقوم به، وهل هو بدافع التقرب لله أو بدافع التعصب والجاه والمنصب؟

وهنا نطرح على الكاتب (المتبصر) السؤال التالي:

هل قمت (بمداهمة) نفسك ومحاولة التفتيش في خفاياها لمعرفة سبب كتابتك لهذه السطور والتي إتخذت طابع التعصب والتسرع، فهل كان دافعك حقاً الدفاع عن دين الله أم هو تعصب بغيض يحول بينك وبين معرفة الحق والحقيقة؟!
المبحث الثاني: فلسفات شاخورية.

يشن الكاتب، في كتابه، حملة شعواء على المنطق الأرسطي، وهو وإن ذكر أنه ليس (ضد المنطق الأرسطي، بل ضد سوء استغلاله) (1) إلا أن هذا لا يبرر هجومه على هذا المنطق، فإن وجود بعض المسلمين الذين يسيئون للإسلام بتصرفاتهم، لا يبرر للبعض القيام بالتهجم على الإسلام. بحجة أن ذلك ليس هجوماً على الإسلام بل على سوء إستغلاله.




(1) مرجعية المرحلة، ص 79، الهامش.

/صفحة 83/

ولا يحتاج القارىء إلى كثير تأمل في بطلان هذه الدعوى مهما تمسك الكاتب بالحجج والمبررات. وقد استغل الكاتب هجومه على المنطق الأرسطي ليمرر مقولة خطيرة أجمع الفلاسفة الإسلاميون على بطلانها، بل يمكن القول أنها من البديهيات الفلسفية وإن حاولت بعض المذاهب الفلسفية الغربية نقضها من هنا وهناك، والمقولة تتعلق بالحقائق فهل هي مطلقة أم نسبيه حيث إعتبر الفلاسفة الإسلاميون أن الحقيقة مطلقة. (1) على أي حال فللنظر ماذا يقول الفلاسفة الإسلاميون في كلا الموضوعين:
1 ـ الحقيقة مطلقة لا نسبية:

يعتبر الفلاسفة الإسلاميون أن المطابقة للواقع وعدمها هي المعيار في صدق القضايا وكذبها. فإذا طابقت الواقع وصفت بالقضية الصادقة، وإذا خالفتها وصفت بالكاذبة. وبما أن الواقع واحد لا يختلف بين فردٍ وآخر. فالحقيقة واحدة مطلقة لا تختلف بين فرد وآخر وعليه فكل قضية إما أن تخالف الواقع أو تطابقه وعلى الأول تكون القضية كاذبة، وعلى الثاني تكون صادقة. لكن أي واقع ينبغي على القضية أن تطابقه حتى توصف بالصدق، هل هو الواقع الخارجي؟

يجيب الفلاسفة على هذا السؤال بالقول أن ملاك الخطأ والصواب، والصدق والكذب، هو إنطباق القضايا على واقعها، أي على واقع نفس القضية.ولتوضيح هذه النقطة نقول: يصنف الفلاسفة القضايا إلى ثلاثة أقسام:

الخارجية: وتسمى القضية خارجية إذا كان الحكم فيها على موضوع ما لا ينطبق إلا على الأفراد الموجودة في زمان الحكم فقط. كقولنا "قتل من في العسكر" فصدق هذه القضية هو انطباقها على الخارج حال الحكم. فإذا هلك من في العسكر كانت صادقة وإلا فكاذبة.




(1) مرجعية المرحلة، ص 7 ـ 8 ـ 9. كذلك ص 24 وراجع نفس المصدر ص 79 ـ 103 وحتى 105.

/صفحة 84/

الحقيقية: وهي القضية التي يكون الحكم فيها ناظراً إلى الأفراد المحققة حال الحكم والآتية بعده كقولنا: (كل جسم متناه أو متحيز منقسم إلى غير نهاية) فصدق هذا النوع من القضايا هي مطابقتها للخارج فعلياً أو مستقبلياً ففي جانب الأفراد الموجودة بالفعل فالأمر فيها واضح على غرار القضية الخارجية، أما في جانب الأفراد المقدرة (أي المقدر أن توجد) فإنا نفترضها موجودة ثم نحكم على الكل بأنها كذا فإذا طابقتها كانت صادقة وإلا فكاذبة.

الذهنية: أما القضية الذهنية فالصدق فيها هو مطابقتها لما يسمى "نفس الأمر" إذ لا خارج لها لكي تطابقه. والمراد بنفس الأمر هو ما يقابل فرض الفارض.

فقولنا (الإنسان كلي) أو (الإنسان نوع) كلها قضايا ليس لها مصاديق خارجية بل هي قضايا ذهنية، وعالمها الذهن لأنها كلية ولا كليات في الخارج ومع ذلك فإن هذه القضايا واقعية في نفس الأمر وليس واقعيتها بحسب فرض الفارض وإعتبار المعتبر.وبمعنى آخر أن واقعية هذه القضايا لا ينبع من إعتبار المعتبر. ودليل ذلك أن قولنا (الإنسان جزئي) أو (ليس بنوع) باطل. وهذا يكشف عن سببٍ ما يفرض علينا صدق بعض القضايا وكذب بعضها الآخر. وليس هذا السبب إلا إنطباق هذه القضايا على نفس الأمر الذي هو الملاك في صدق القضايا الذهنية وكذبها. ومن هنا يمكننا القول إن ملاك الصدق في القضايا الذهنية هو الإنطباق على نفس الأمر والذي هو أعم من الوجود الخارجي الملموس. فنفس الأمر في القضايا الخارجية هو خارجها، وفي القضايا الذهنية هو واقعها وإن لم يكن لها خارج ملموس. (1)

وقد حاول الكاتب التعمية على القراء لإثبات مدعاه عند تمسكه ببعض الأمثلة التي أكل الدهر عليها وشرب، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على مستوى تحصيله.




(1) نظرية المعرفة، الشيخ جعفر السبحاني، ص 216، 217.

/صفحة 85/

والمثال الذي ذكره هو ما كان شائعاً في الزمان الماضي من كون الأرض مسطحة وليست كروية. فإن هذا القول كان مقبولاً ومتسالماً عليه، ورغم ذلك فإنه ثبت بطلانه. فهذا يعني أن هذا القول كان صادقاً، أما الآن فهو كاذب. (1)

وتعليقاً على مثال الكاتب نقول: مما تقدم تبين أن الحقيقة واحدة، ولا يمكن أن تكون كلا النظريتين موصوفة بالحقيقة، فإن الأرض إما أن تكون مسطحة، كما قيل سابقاً، وإما أن تكون كروية كما أثبت ذلك الآن.

وعليه فإن تسالم الناس على قضية معينة لا يجعلها صادقة ما دام الملاك في الصدق والكذب هو مطابقة الواقع وعدمه. والقول بغير هذا إنما يرجع إلى السفسطة وإنكار كاشفية العلم. وقد غاب عن كاتبنا "الباحث" أن ملاك الحقيقة في القضايا الحاكية عن الكون ليس هو المقبولية، ولا الرفض ملاك الخطأ. بل كما ذكرنا هو مطابقتها للواقع أو عدمها. وفي ختام هذه النقطة ننقل بعض ما قاله العلماء في هذا الشأن:

يقول الشهيد السيد الصدر:

(ويخلص معنا في هذه الدراسة:

أولاً: إن الحقيقة مطلقة وغير متطورة.

ثانياً: إن الحقيقة تتعارض تعارضاً مطلقاً مع الخطأ…) (2)

ويقول الشيخ جعفر السبحاني:

(يرى الفلاسفة الإسلاميون أن القضايا الصادقة هي المطابقة للواقع، والكاذبة هي المخالفة له). (3)




(1) مرجعية المرحلة، ص 100.

(2) فلسفتنا، السيد محمد باقر الصدر، ص 175.

(3) نظرية المعرفة، ص 214.

/صفحة 86/

ويقول أيضاً:

(.. وبما أن الحقيقة ليست متعددة، بل هي واحدة..) (1)

لقد كان حرياً بكاتبنا (الباحث) التعمق بما يقوله الفلاسفة الإسلاميون لا أن يتمسك، من غير علم ولا تدقيق، بما يقول شلر أو مانهايم أو غيرهم من الفلاسفة الأوروبيين من الذين قال عنهم الشيخ السبحاني:

(وكم لهم من زلات وعثرات ناتجة عن عدم تعمقهم في دراسة وفهم مبادئ الفلسفة الإسلامية ونظرياتها). (2)

وأخيراً نختم القول إن مقولة نسبية الحقيقة وإصرار الكاتب عليها والدفاع عنها دليل على أن الحقيقة مطلقة لأننا نسأل الكاتب هل قولك بنسبية الحقيقة، هو حقيقة مطلقة أم نسبية، وعلى القول الأول إعتراف بوجود حقائق مطلقة وهو يخالف الفرض، وعلى القول الثاني، أعني أن قضية "الحقيقة نسبية" تصبح هذه القضية نسبية، وبالتالي قد يقبلها البعض ولا يقبلها الآخر وفي كلا الإحتمالين القضية فاسدة. ولا محيص عن القول بما ذكرناه في البداية من أن الحقيقة مطلقة واحدة. إن من مخاطر القول بنسبية الحقيقة، هو الإعتراف بصدق العقائد الفاسدة، ما دامت تمثل بالنسبة إلى قائليها حقائق وفق ما يقتنعون به من الحقائق. على أن هذه الفكرة عند كاتبنا قد أخذها من أستاذه السيد "فضل الله" الذي يقول:

(.. إن كل ما جاءنا من تراث فقهي وكلامي وفلسفي، هو نتاج المجتهدين والفقهاء والفلاسفة والمفكرين من خلال معطياتهم الفكرية. ولا يمثل الحقيقة إلا بمقدار ما نقتنع به من تجسيده للحقيقة على أساس ما نملكه من مقاييس الحقيقة.) (3) مع أننا نسأل السيد فضل الله إن كان كل الفكر الإسلامي لا يمثل الحقيقة إلا بمقدار ما نقتنع به من تجسيده للحقيقة فلماذا يقيم الدنيا ولا يقعدها عندما يخطؤه الآخرون ثم يصفهم بما يصفهم به من عبارات (التحجر) و (التعقد)




(1) نظرية المعرفة، ص 224.

(2) نظرية المعرفة، ص 229.

(3) حوارات في الفكر والسياسة والإجتماع، السيد فضل الله، ص 480.

/صفحة 87/

و(التخلف) وغيرها ما دامت أقواله لا تمثل الحقيقة، إلا بالمقدار الذي يقتنع به من الحقيقة، والتي لا يقتنع بها الآخرون.

علماً أن أقواله تخالف ما جاء به أئمة المذهب وما نقله عنهم علماؤه، بل إن بعض أقواله تخالف أوضح البديهيات وما تسالم عليه العقلاء. وعلى أي حال فإن القول بنسبية الحقيقة هو عين السفسطة ما داما يعتبران أن الحق والباطل تابعان لتفكير الإنسان، وبالتالي فإنه لا وجود للحقائق وراء الفكر الإنساني. فإن السيد فضل الله يقول بأن ما نملكه لا يمثل الحقيقة إلا بمقدار ما نقتنع به من الحقيقة على أساس ما نملكه على أساس من مقاييس الحقيقة.
2 ـ المنطق الأرسطي:

إن كلام الكاتب حول المنطق الأرسطي شأنه شأن كلامه حول الحقيقة، أي أنه ينبع من مغالطات وشبهات. فهو يأخذ على هذا المنطق أنه يمنع الخطأ من ناحية الشكل أي صورة القياس لكنه لا يمنع الخطأ في المادة أو المضمون والجوهر. بل هو يصف المنطق الأرسطي بالمنطق الفوتوغرافي، أما المنطق الجديد فهو، عنده، منطق سينمائي.

ثم هو يقول: (منطق أرسطو يريد أن يأخذ عن الأمور صورة ثابتة مطلقة ويعتبرها نهائية. هذا بينما الحياة في حركة متواصلة والفوتوغرافية لا يمثل من حقيقتها إلا لحظة عابرة) (1)

وهذا الكلام لا يخلو من سفسطة واضحة إضافة إلى وجود شبهات ومغالطات فادحة لا بد من إزالتها وتوضيح القول فيها:

1 ـ إن المنطق الأرسطي عبارة عن قواعد عامة تؤمن لمن يراعيها سلامة في الفكر ومناعة في الوقوع في الخطأ.




(1) مرجعية المرحلة، ص 98.

/صفحة 88/

ولم يدع أحد أن هذا المنطق هو الذي يؤمن المادة أو المعلومات للعقل وبالتالي فهو يسهر على شكل التفكير وصورته. أما المادة فهو يكتسبها بطرق مختلفة إما عبر قواعد عقلية مسلمة أو بديهية كمبادئ عدم التناقض والكل أكبر من الجزء وغيرها أو عبر قضايا خارجية تجريبية (كتمدد الحديد بالحرارة) وغليان الماء عند بلوغه درجة المائة وغيرها. وعليه فإن أي خطأ يقع في نتيجة قياس منطقي ما، مع صحة شكله، فإنما هو ناتج عن خطأ في مادة القياس. وما دامت القواعد العقلية العامة والبديهية، قضايا صحيحة نظراً لبداهتها، فإن الأخطاء التي يرتكبها الإنسان في أقيسته المنطقية، مع مراعاتها للقواعد المنطقية، إنما تعود إلى فساد مادة القياس. والتي عادة تكون قضايا غير صادقة وغير مطابقة للواقع فإذا كانت هذه القضايا علمية طبيعية، فالخطأ يعود إلى العلوم الطبيعية التي قدمت هذه المادة. وهذا ما حاول الإشارة إليه الشهيد مطهري (رحمه الله) والذي نقل كلامه الكاتب، وإن لم يوفق لفهمه وفهم أبعاده ومراميه. يقول الشهيد مطهري:

(.. إن منع الخطأ في صورة القياس يعطينا فائدة نسبية ومنع الخطأ في مادة القياس ليس ميسراً للقواعد والضوابط المنطقية، ولكن مع الدقة والمراقبة الكثيرة يمكن أن يطمئن إلى ذلك) (1)

2 ـ إن تشبيه المنطق الأرسطي بالمنطق الفوتوغرافي وبأنه يعطيك صورة ثابتة ويعتبرها نهائية بينما الحياة في حركة متواصلة والفوتوغرافية لا يمثل من حقيقتها إلا لحظة عابرة.

أقول إن هذا الكلام فيه سفسطة واضحة، لأن المنطق عبارة عن قواعد ينبغي للعقل مراعاتها، فهي في حركة متواصلة ما دام يوجد عاقل على ظهر هذه الأرض، هذه القواعد صحيحة في نفسها سواء راعاها الذهن أم لم يراعها.




(1) المنطق، الشهيد مطهري، ص 120.

/صفحة 89/

وعليه فإن ثبات الصورة التي يعطينا إياها المنطق مع تطور الحياة لا تقدح في صحتها. وما دامت الحياة تتطور فإن هذا المنطق سيبقى يزودك بالصور وفق هذه التطورات، وكما ذكرنا آنفاً فإن الطبيعة هي التي تزود المنطق بمادته، ولا علاقة للمنطق بها.

3 ـ إن هجوم المناطقة الغربيين على المنطق الأرسطي معروف الهدف والغايات ويبدو أن كاتبنا (الحذق) يساهم في تحقيق غاياتهم من حيث يدري أو من حيث لا يدري.

4 ـ إن المنطق الحديث، والمعروف بالمنطق الرياضي، ليس له خصائص تميزه من حيث بنيانه عن المنطق الأرسطي، بقدر ما له من خصائص تميزه من ناحية الشكل والخارج فقط. وذلك لأن المنطق الرياضي يدعي لنفسه أنه مستقل تماماً عن (الفكر) أو قل عن كل نزعة (سيكولوجيه) في المنطق. (1)

لقد حول المنطق الرياضي القضايا اللفظية التي كان يستعملها المنطق الأرسطي إلى قضايا رمزية رياضية مجردة عن الفكر وعن الواقع العيني. ومن هنا فإن تطور المنطق الرياضي مرتبط بتطور علم الرياضيات وخاصة علم (الجبر).

ومن هنا فإن ما قيل عن تطور المنطق الرياضي، إنما هو في الحقيقة مرتبط بتطور الرياضيات حيث حل فيها الحساب الآلي محل القياس اللفظي. (2)

وفي الختام نقول: إن ما قدمناه كفيل بإثبات فساد ما حاول الكاتب إثباته.

وهو في الوقت الذي يشنع على البعض حفظ أسماء مفكرين متغربين يدعي أنهم يرددون أسماءهم بدل الكتابة والرد عليهم، (3) ينسى نفسه فيقوم بحفظ بعض الأسماء من المفكرين الغربيين ثم يردد مقولاتهم بدل أن يناقشها ويثبت بطلانها.

ولعل كاتبنا (المنصف) يعتبر نفسه أعلى شأناً من هؤلاء الذين يشنع عليهم، فهم يحفظون أسماء المتغربين، أما هو فيحفظ أسماء الغربيين أنفسهم، فهم يشربون من الساقية، أما هو فينهل من النبع!!!. وأي نبع!




(1) أصول المنطق الرياضي، محمد ثابت الفندي، ص 8.

(2) نفس المصدر، ص 18.

(3) مرجعية المرحلة، ص 24.

/صفحة 90/

/صفحة 91/
الفصل الثالث
مقدمات لا بد منها

/صفحة 92/

/صفحة 93/

يتطرق هذا الفصل إلى بعض المقولات التي ذكرها الشاخوري في الفصل الثاني من كتابه والتي إعتبرها كمقدمات للملاحظات التي سوف يبديها حول مطالب كتاب (مأساة الزهراء).
مقدمة أولى: الميزان في التهميش والتأصيل.

يقول الشاخوريSadإنّ هذا النوع من البحوث التي تركز على أمور هامشية – لا يعدو كونها تفصيلاً من تفاصيل الحوادث التاريخية – ونضخمها ونجعلها في مصاف القضايا الإستراتيجية التي تهدِّد وجود الإسلام والمسلمين ونترك الحديث عن الهجمة الإستكبارية التي تجتاح العالم الإسلامي برمته ومذهب أهل البيت بالخصوص لهو أمر خطير جداً يدل على بساطة من يشترك في هذه المعارك… وإن من الخطأ أن ينشغل الناس في أحاديث الضلع أو زواج القاسم أو وجود ليلى في كربلاء وعدمه…) (1)

وهنا بعض النقاط لا بدَّ من الإشارة إليها فنقول:

1 ـ كان الأجدر بالشاخوري أن يضع معياراً وميزاناً للتفريق بين القضايا الأساسية والقضايا الهامشية حتى لا تختلط الأمور على القارئ.

2 ـ هل يستطيع كاتب أو عدة كتَّاب أن يضخموا حدثاً تاريخياً معيناً ويجعلوه في مصاف القضايا الإستراتيجية بمعزلٍ عن منطق وحركة التاريخ نفسه ومن خلال الوقائع والحوادث التي تفرض نفسها على المؤرخين والمهتمين بشؤون البحث التاريخي من حيث قيمة وموقع الأشخاص الذين يمثلون محور الحدث التاريخي إضافة إلى دلالة الأحداث وتأثيرها على كافة الصعد والمستويات السياسية والإجتماعية والعقائدية.




(1) مرجعية المرحلة، ص66.

/صفحة 94/

وبتعبير آخر إن كل قضية إنما تستقي أهميتها من إرتباطها بالقضية الأهم من جهة ومن مدلولها من جهة أخرى. فقضية كسر الضلع، على فرض أنها القضية من ناحية حجمها وموقعها ترتبط بحجم وموقع هذا الشخص المكسور ضلعه، وعندما يكون هذا الشخص هو الزهراء (ع) بضعة رسول الله (ص) وأم أبيها التي من آذاها فقد آذى رسول الله (ص) ومن آذى رسول الله (ص) فقد آذى الله واجترأ عليه، عند ذلك لن تكون هذه القضية هامشية تفصيلية. ولن يكون الحديث فيها دليل تخلف؟! هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن القضايا إنما تنبع أهميتها أو بالمقابل هامشيتها من المدلول الذي تدل عليه وليس من نفسها. وعليه فإن مقارنة قضية الإعتداء على الزهراء (ع) بل وكسر ضلعها مع أحاديث زواج القاسم أو وجود ليلى في كربلاء فيه خلط ومغالطة فادحة فبينما يفتقر البحث في مسألة زواج القاسم أو وجود ليلى في كربلاء إل أي مدلول نرى أن قضية الزهراء (ع) تحمل الكثير من المداليل التاريخية أو العقيدية أقلها الإدانة القاطعة لمرتكبي هذا العمل فإنه لا يمكن لمن يرتكب مثل هذا العمل الشنيع أن يحكم الإسلام والمسلمين.

3 ـ لماذا الإصرار على حصر قضية الإعتداء على الزهراء (ع) ومظلوميتها بقضية كسر الضلع؟ ألا يفهم منها محاولة إظهارها بأنها قضية تفصيلية لا ترتبط بمشروع متكامل، هذا المشروع الذي لم يستهدف الزهراء (ع) فحسب بل رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) والخلافة الإلهية. كما يوهم حصر النزاع في خصوص كسر الضلع، أن غير ذلك ثابت عند السيد فضل الله والحال أنه لم يثبت عنده أكثر من قوله (وإن).

4 ـ إننا نرى أنفسنا متحيرين مع أهل هذا المنطق: فعندما أخبرنا التاريخ بتفاصيل حادثة الإعتداء قال هؤلاء بأنها لا تعدو كونها تفصيلاً من التفاصيل وهي قضية هامشية ولو لم يخبرنا التاريخ بهذه التفاصيل لطعنوا هم أنفسهم بالحادثة بحجة أنه كيف يمكن لحادثة بهذه الخطورة أن تقع على بضعة رسول الله (ص) دون أن يخبرنا التاريخ أو الرواة بتفاصيلها.

/صفحة 95/

5 ـ إننا نتساءل –ونسأل الشاخوري– عما إذا كان إهمال أو تهميش بعض التفاصيل من حوادث تاريخية معيّنة – وعلى فرض كونها تفصيلاً – يسـاعد على تقويـم البحث التاريخي أم يؤدي إلى هدمه وتقويضه خصوصاً إذا كان هذا البحث يعالج مفصلاً مهماً من مفاصل التاريخ الإسلامي والذي له مساس بشكل أو بآخر بمسألة الخلافة.

6 ـ هل التصدِّي للهجمة الإستكبارية ضد الإسلام عموماً وضدَّ مذهب أهل البيت خصوصاً يعني للشاخوري ولغيره أن يُسمح بتقويض أسس العقيدة والمذهب من داخله وتحت ستار مقولة التصدي للهجمة الإستكبارية الخطيرة. فأي قوة يمكن بها مواجهة هذه الهجمة الشرسة والخطيرة إذا كانت الساحة الداخلية غير متماسكة وغير متجانسة وغير متحدة وخصوصاً فيما يتعلق بالمبادئ والأسس والركائز التي يقوم عليها المذهب وتنبني عليها العقيدة.

7 ـ هل الذي يساهم في الدفاع عن العقيدة والمذهب ويبذل في ذلك قصارى جهده من خلال الإحساس بالمسؤولية الكبرى تجاه هذه المسألة والتي هي من أعظم التكاليف الشرعية على الإطلاق يجوز للشاخوري ولغيره أن يتهمه بالبساطة والسذاجة؟ وهل سيرة النبي وأهل بيته والمعصومين من ذريته وكذلك كل التابعين لهم على مدى الأيام والدهور كانت إلاّ دفاعاً عن العقيدة والمذهب؟

بناءً لما تقدم، يبقى أن نشير إلى تفاهة وسخافة بعض الأمثلة التي ذكرها الشاخوري وإعتبرها أدلَّة وبراهين تؤيد مدَّعاه بأن البحث في هذه القضايا الثانوية يخدم بطريقة أو بأخرى المخابرات الأميركية والإسرائيلية التي تعمل جاهدة على تعميق الخلاف والتحاقد بين المسلمين وتؤدي إلى التقاطع بين المؤمنين وإيجاد العداء المستحكم بينهم وصولاً إلى التراشق بالسباب والشتائم وتضييع الوقت وبعثرة الجهد الذي يفترض أن يكون متجهاً لمحاربة أمريكا وإسرائيل. والذي يثير إستغراب الشاخوري وإصراره أنَّ الذين يهتمون بهذه الأمور ليس لديهم كتاب أو مقال واحد يتحدثون فيه عن أخطر عدو للمسلمين المتمثل بأمريكا وأعوانها وحلفائها! (1)




(1) مرجعية المرحلة، ص 68 ـ 70.

/صفحة 96/

ونقول:

يمكن لأي متتبع ومطلع على حركة وسيرة الفقهاء والمراجع الكبار أن يلمس لديهم وعلى وجه اليقين أي صلابة وشجاعة وأي إرادة قويَّة كانوا يحملونها في مواجهة أي احتمال بوجود خطر أو عداء يتعرض له الإسلام حتى يكونوا هم في الخط الأوَّل في الدفاع والمواجهة والإستعداد الدائم للتضحية بأنفسهم لأجل أن تبقى العقيدة والشريعة قائمة ومصانة ولعلنا لا نغالي إذا قلنا أنَّ رمز هذا التصدي والمواجهة والمقاومة كان متجسداً في شخص الإمام الخميني (قدس سره) لما كان يحمل من صلابة في العقيدة قلَّ نظيرها إل ى ممارسة يومية ومعاشة لحركة الجهاد والمقاومة ضد الإستكبار العالمي بكل صوره وأشكاله وألوانه، نحن لا نشك لحظة واحدة أن هذه هي حال كل العلماء والفقهاء والمراجع الكبار فيما لو أتيح لهم ما أتيح للإمام الخميني من سلطة وحكومة مكنته من تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.

كما يمكن وبحسب منطق الشاخوري نفسه أن نطلب منه أن يعطينا مؤلفاً أو مقالاً واحداً للسيد الخوئي (قدس سره) تناول فيه خطر الإستكبار العالمي على الإسلام. ومع ذلك فإننا لا نشك ولو للحظة واحدة في أن السيد الخوئي (قده) كان على إستعداد للتضحية بنفسه وولده في سبيل حفظ الإسلام. كذلك يمكن أن نحيل الشاخوري إلى تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي المملوء بآلاف الكتب وعشرات الآلاف من المقالات وملايين الخطابات المعادية للإستكبار العالمي وخطره فماذا كانت النتيجة؟ هل كانت إلاَّ مزيداً من السيطرة والتوسع والإحتلال والهيمنة على مقدرات وثروات العالم الإسلامي؟.

وأما إذا كانت ميزة المجتمع المتخلف هي التراشق بكلمات التكفير والخروج عن الدين والمذهب (1) – على حد قول الشاخوري – كذلك فإنه ليس أسهل على الذين لا يملكون الحجَّة القوية والبرهان الساطع والعقيدة الثابتة والراسخة من أن يتسلحوا بمنطق جديد ومعاصر سمته الأساسية إتهام الآخرين بالعمالة للمخابرات المركزية الأميركية وبالعقد النفسية وبالتحجر الفكري وإلى غيرها من مفردات متداولة بشكل كثيف في هذه الأيام.




(1) مرجعية المرحلة، ص69.

/صفحة 97/
مقدمة ثانية: إستشهاد أصولي في غير محله.

ذكر الشاخوري في مقدمته الثانية ما نصّه: (من المعروف لدى علماء الأصول أن هناك إتجاهين أصوليين في مسألة قبول الروايات والأخبار التي تتحدث عن المسائل التاريخية والكرامات والمعاجز وأمور الثواب والعقاب، فصاحب الكفاية – على حسب رأيه – لا يرى ثبوت الحجَّية لتلك الأخبار حتى لو أفادت الظن وذلك لأنها لا يترتب عليها أثر شرعي بينما على رأي السيد الخوئي يجوز الإخبار بها إذا كانت من الظنون الخاصة كخبر الواحد الذي لم يصل إلى حدِّ التواتر…

وعلى هذا الأساس فإن العلماء الذين يسلكون مسلك صاحب الكفاية لا يمكنهم الإخبار البتِّي عن الأمور التاريخية وتفاصيلها بشكل قاطع ما لم يصل الأمر إلى حدِّ التواتر ومن المعلوم أنَّ دعوى التواتر ليست سهله على العالم المحقق فهو أمر يحتاج إلى تتبّع للرواة في الطبقات وإحراز امتناع اتفاقهم على الكذب لا أن يجد رواية في كتاب سليم بن قيس أو غيره ثم تأتي المصادر المتأخرة – التي هي بالعشرات – لتنقل عن هذا الكتاب هذه الرواية ثم يأتي شخص فيقول أن الحديث متواتر) (1)

يمكن مناقشة هذا الكلام من عدَّة جهات:

1 ـ إن المسألة – موضوع البحث – مبنائية فربما لا يكون المحقق السيد جعفر مرتضى أو غيره ممَّن يتعرضون لهذه المواضع الفقهية الأصولية من القائلين بجعل الحجيَّة.

2 ـ هل يعتبر الشاخوري أن السيد فضل الله ممَّن يقول بذلك فإذا كان الأمر بالإيجاب فيلزم من ذلك أن لا يخبر بشيء مما يخبر به عادةً من على المنابر وفي كلِّ مكان ثم يرتب عليه الآثار وبالتالي فإنَّ عليه أن يلزمه بعدم التشكيك فيما يشكك به من قضايا تاريخية ما لم يحصل له القطع بعدم وقوعها. ولا يقال بأن التشكيك بحادثة أو نفي وقوعها لا




(1) مرجعية المرحلة، ص72 ـ 73.

/صفحة 98/

يعتبر إخباراً لأننا نجيب أنَّ التشكيك إخبار بوجود المانع عن الأخـذ بالمشكك فيه، ولأن النفي إخبار بعدم الوقوع.كذلك لا يقال بأن على الآخرين عدم الإخبار بالوقوع لأننا نقول

لعلَّ هؤلاء ممن دلَّ الدليل عندهم على الوقوع وصحَّت عندهم الأخبار عليه وهم لا يقولون بجعل الحجيَّة فيصح الإخبار منهم عندئذٍ.

ومع ذلك فإننا نعلم الشاخوري بأن السيد فضل الله ممَّن لا يقولون بجعل الحجيّة كما صرَّح بذلك في رسالته إلى آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي (دام ظله) حيث قالSadلكن بناءً على رأينا في ثبوت الحجيّة ببناء العقلاء فإن مقتضاه ثبوت الأمور الشرعية وغير الشرعية بالخبر الموثوق به نوعاً) (1)

ولنا أن نطلب من الشاخوري أن يتفق أولاً مع السيد فضل الله حول هذه المسألة الأصولية لا سيَّما أنك قد عرفت أن السيد فضل الله ممَّن لا يتبنى مسلك صاحب الكفاية.

ثم أننا لا نسلم بترتب عدم الإخبار على مسلك الحجية لأن الحجيّة بمعنى التنجيز والتعذير وهي مسلك صاحب الكفاية إنما هي مفاد الأدلة الدالَّة على حجيَّة الخبر الواحد وهذا ليس له إرتباط بمؤدى نفس الخبر.

3 ـ إنَّ الكلام هنا –فيما أثاره الشاخوري ـ يتعلّق بالظن ودعوى المناقشة في حجيَّة الظن في المقام باطلة لأن الروايات التي بين أيدينا – والتي قدمها العلامة السيد جعفر مرتضى – تصل إلى حدّ التواتر فلا مجال للطعن فيه كما يطعنون في حجيَّة الظن المتعلقة بحجيَّة خبر الآحاد.

4 ـ هناك فرق بين الإجماع حول القضايا الفقهية والإجماع حول القضايا التاريخية ففي الأوَّل تنبع حجيَّة من الكشف عن قول المعصوم ولو لم يطبق العلماء على المسألة قولاً واحداً كما يعلم ذلك أهل الإختصاص بل أنَّ المحقق الحلِّي قال في المعتبر أنَّ قول المائة لا ينفع ما لم يكشف عن رأي المعصوم ولو قال اثنان مع كاشفيته لأصبح حجة، بخلاف الثاني لعدم الحاجة إلى الكشف عن قول المعصوم أو فعله أو تقريره في المسائل التاريخية وإلاَّ فلا يمكن لأحد من المسلمين إثبات القضايا التاريخية. وكانت القضايا التاريخية الحادثة بعد زمن الغيبة الكبرى غير قابلة للإثبات.




(1) أجوبة السيد فضل الله على استفتاءات الشيخ التبريزي.

/صفحة 95/

5 ـ إننا نستغرب قول الشاخوري بأنه لا يجد سوى رواية في كتاب سليم بن قيس علماً بأن صاحب كتاب (مأساة الزهراء) قد جمع إحدى وأربعين رواية، أربع منها فقط عن طريق كتاب سليم وهي الروايات رقم (2 ـ 6 ـ 7 ـ Cool (1) كما أنَّه قد أورد في فصول أخرى عديدة عشرات النصوص التي يعلم الناظر فيها أنَّ جلهَّا إن لم يكن كلها لم يعتمد على كتاب سُليم خصوصاً ما روي منها عن غير طريق شـيعة أهـل البيت عليهم السلام فلماذا التركيز في قضية الزهراء عليها السلام على أنها لم تذكر إلاَّ من طريق كتاب سليم ثم الإدعاء بعد ذلك أنَّ هذا الكتاب ضعيف وغير صالح للإعتماد عليه علماً بأن الطعن في هذا الكتاب في غير محله كما أثبته السيد جعفر مرتضى وكما سيأتي الحديث عنه لاحقاً، إضافة إلى ما ذكرناه من أنَّ معظم الروايات التي ذكرت هي من غير طريق كتاب سُليم.

ولا ينفع التمسك بأقوال الأشخاص في هذه الأمور العلمية حتى يقال رأي السيد الخوئي (قدس سره) في هذه المسألة كذا أو رأي غيره كذا إذ ليس هذا إلاَّ محض التقليد مع أنَّ اللازم في هذه الأمور التحقيق والتثبت والإجتهاد وإبداء النظر.

ورغم ذلك فأننا سنناقش أدلَّة الطعن في كتاب سليم بن قيس بعد قليل.

6 ـ إن لم تكن إحدى وأربعون رواية مختلفة المصادر تفي بدعوى التواتر فبأي شيء يكون التواتر! وعليه فلا يصح أن يدّعي أحد التواتر بعد الآن.
مقدمة ثالثة: مصادرات شاخورية:

يأخذ الشاخوري في مقدمته الثالثة على الآخرين عدم تأليفهم كتاباً خاصاً طيلة هذه العهود يردون فيه على (السيد عبد الحسين شرف الدين أو الشيخ كاشف الغطاء أو الشيخ المفيد أو السيد هاشم معروف الحسني أو الميرزا محسن الفضلي وغيرهم، ولماذا بدأ الح
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://minhaj.ahlamontada.com
منهاج السنة
لا اله الا الله محمد رسول الله
لا اله الا الله محمد رسول الله
منهاج السنة


مرجعية المرحلة وغبار التغيير Vitiligo-ae30eb86b8مرجعية المرحلة وغبار التغيير Iraqiaabc6667cb59
عدد المساهمات : 897
تاريخ التسجيل : 27/10/2012

مرجعية المرحلة وغبار التغيير Empty
مُساهمةموضوع: رد: مرجعية المرحلة وغبار التغيير   مرجعية المرحلة وغبار التغيير Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 16, 2012 7:20 pm

/صفحة 101/

3 ـ أمَّا الشيخ المفيد (قده) فإنَّ دعوى عدم ثبوت هذه القضية عنده هي دعوى من غير دليل لأنَّ العمدة في دليلهم إنما هو التشكيك في نسبه كتاب الإختصاص له حيث ذكرت فيه رواية الإعتداء على الزهراء (ع) وقد أثبت العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى في كتابه أنَّ كتاب الإختصاص لمحمد إبن الحسين بن عمران وأنَّ إختيار المفيد لهذه الرواية منه شاهد على تأييده لمضمونها.

والغريب أنَّ عمدة ما استدلَّ به الشاخوري متابعاً بذلك السيد فضل الله على موقف الشيخ المفيد من هذه القضية إنما كان عدم ذكر المفيد لها في كتبه. وأنت تعلم أنَّ السكوت لا يدل على الإنكار، وقد أشار إلى ذلك العلاّمة المحقق السيد جعفر مرتضى (1) والذي أوضح أيضاً أن استدلالهم بما في كتاب الإرشاد لا يصح وأنهم قد التبس عليهم الأمر في فهم عبارات المفيد رغم وضوحها.

4 ـ أما رأي الشيخ كاشف الغطاء فقد استدل هؤلاء على موقفه من قوله: (ولكن قضية ضرب الزهراء ولطم خدها مما لا يكاد يقبله وجداني ويتقبله عقلي.. لا لأن القوم يتحرجون… بل لأن السجايا العربية والتقاليد الجاهلية التي ركزتها الشريعة الإسلامية… تمنع بشدة أن تضرب المرأة أو تمد إليها يد سوء) (2)

وقد تجاهل الشاخوري فضلاً عن سيده قول الشيخ كاشف الغطاء (طفحت واستفاضت كتب الشيعة من صدر الإسلام والقرن الأول مثل كتاب سليم بن قيس ومن بعده إلى القرن الحادي عشر وما بعده بل وإلى يومنا، كل كتب الشيعة التي عنيت بأحوال الأئمة وأبيهم الآية الكبرى وأمهم الصديقة الزهراء (صلوات الله عليهم أجمعين) .

وكل من ترجم لهم وألف كتاباً فيهم، أطبقت كلمتهم تقريباً أو تحقيقاً في ذكر مصائب تلك البضعة الطاهرة: أنها بعد رحلة أبيها المصطفى ضرب الظالمون وجهها ولطموا خدها حتى احمرَّت عينها وتناثر قرطها وعصـرت




(1) مأساة الزهراء،ج1، ص172.

(2) جنة المأوى، ص81.

/صفحة 102/

بالباب حتى كسر ضلعها وأسقطت جنينها وماتت وفي عضدها كالدملج ثم أخذ شعراء أهل البيت سلام الله عليهم هذه القضايا والرزايا ونظموها في أشعارهم ومراثيهم وأرسلوها إرسال المسلَّمات من الكميت والسيد الحميري ودعبل الخزاعي والنميري والسلامي وديك الجن ومن بعدهم ومن قبلهم إلى هذا العصر، وتوسع أعاظم شعراء الشيعة في القرن الثالث عشر والرابع عشر الذي نحن فيه كالخطيِّ والكعبي والكوازين وآل السيد مهدي الحلِّيين وغيرهم ممَّن لا يسع تعدادهم ويفوت الحصر جمعهم وآحادهم وكل تلك الفجائع والفظائع وأن كانت في غاية الفظاعة والشناعة ومن موجبات الوحشة والدهشة ولكن يمكن للعقل أن يجوزها وللأذهان أن تستسيغها وللأفكار أن تقبلها وتهضمها ولا سيما وأنَّ القوم قد اقترفوا في قضية الخلافة وغصب المنصب الإلهي من أهله ما يُعدُّ من أعظم وأفظع). (1)

كما تجاهل الشاخوري انشاد الشيخ كاشف الغطاء:

وفي الطفوق سقوط السبط منجدلاً * من سقط محسن خلف الباب منهجه

وبالخيام ضـرام النار من حطـبٍ * بباب دار إبـنه الهـادي تـؤججه. (2)

ويبدو أن من استدلّ بكلام الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله مما تقدم ذكره لم يطلّع على كتاب جنة المأوى ليدرك أنَّ الشيخ رحمه الله لم ينفِ ما جرى عليها (ع) كما حاول بعضهم الإستفادة ولسنا بذلك نؤول كلامـه كما إدعى ذلك الشـاخوري (3) بل أنّـَه



(1) جنة المأوى، ص78 ـ 81.

(2) مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرم، ص389، منشورات قسم الدراسات الإسلامية، طهران، إيران.

(3) مرجعية المرحلة، ص74، الهامش.

/صفحة 103/

رحمـه الله صرَّح بذلك بقوله: (وأمَّا قضية قنفد وأنَّ الرجل لم يصادر أمواله كما صنع مع سائر ولاته وأمرائه وقول الإمام عليه السلام أنَّه شكر له ضربته فلا أمنع من أنَّه ضربها بسوطه مـن وراء الرداء وإنما الذي استبعده أو أمنعه وهو لطمه الوجه وقنفد ليس ممن يخشى العار لو ضربها من وراء الثياب أو على عضدها…) (1)

وقد علَّق العلاّمة الحجَّة السيد محمد علي القاضي الطباطبائي على كلام الشيخ كاشف الغطاء في الهامش بقولهSadيظهر من هذا الكلام أنَّ مُراد شيخنا الإمام رحمه الله من أوَّل هذا المقال إلى آخره هو استبعاد أن تصل يدٌ أثيمة من أجنبي إلى بدن الصدّيقة الطاهرة ووجهها سلام الله عليها بالضرب واللطم وهذا الإستبعاد في محله فإنه لا يمكن أن يصل يد أجنبي إلى بدنها قطعاً وأمَّا الضرب من وراء الثياب والرداء فلا استبعاد في ذلك في نظره رحمه الله كيف وقد طفحت واستفاضت كتب الشيعة من صدر الإسلام إلى اليوم وأطبقت كلمتهم أنها ضُربت بعد أبيها حتى كسر ضلعها وأسقطت جنينها وماتت وفي عضدها كالدملج) (2)

ولا ندري بعد ذلك كيف سوَّغ الشاخوري لنفسه أن يحرِّف كلام الشيخ كاشف الغطاء عن مقاصده والعجب كلُّ العجب أن يتهم الآخرين بأنهم (يقرؤون الكلام بشكل مقلوب) وينسى نفسه، فهل بعد ذلك أيُّ شكٍ في كلام الشيخ كاشف الغطاء أو في قصده. فإن هجوم القوم على دارها عليها السلام وإحراقهم للبيت وضربها وعصرها خلف الباب وكسر ضلعها وإسقاط جنينها كل ذلك قد أثبته الشيخ كاشف الغطاء وأقرَّ به بل أنَّه قد أكَّد الإجماع والإتفاق عليه فليفهم الشاخوري وغيره ذلك.




(1) جنة المأوى، ص85.

(2) المصدر نفسه، ص85، الهامش.

/صفحة 104/

5 ـ وأمَّا فيما يتعلق بقول السيد هاشم معروف الحسني الذي إعتبر أنَّ هذه الروايات لا تثبت أسانيدها في مقابل النقد العلمي (1) ففيه إشكال، لأن صحَّة السند بالمعنى الرجالي ليس هو العمده في القضايا التاريخية لا سيما إذا كان نقل هذه الأحداث ممَّن يفترض بهم أنهم مؤيدون للقوم الذين هاجموا الزهراء (ع) وتقتضي مصلحتهم إبعاد أيِّ شبهه عنهم فضلاً عن أنَّ السيد الحسني لم يقدم لنا دليلاً واحداً على عدم ثبوت هذه الروايات وبالتالي فإن التشكيك بصحة الروايات بحجَّة عدم صلابتها أمام النقد يبقى دعوى من غير دليل وستأتي مناقشته السيد الحسني بعد صفحات.

6 ـ أمَّا قول الشاخوري بأنه هل كان ممكناً الرد على الإمام الخميني (قده) على إفتراض كونه مؤيداً للشيخ كاشف الغطاء ففضلاً عن أنه مصادرة غير مقبولة لما تبيَّن من الرأي الصريح للشيخ كاشف الغطاء فإنَّ النقاش العلمي يدور مدار الدليل بغضِّ النظر عن صاحبه، والإمام الخميني (قده) لا يشكك بأي من القضايا التاريخية أو العقائدية التي تمسُّ المذهب.

7 ـ إنَّ الشاخوري في الوقت الذي قال فيه – في النصِّ المتقدّم – بأن أصل الهجوم على الدار والتهديد بالإحراق ممَّا اتفق عليه الكل وأنَّ الخلاف إنما هو في التفاصيل يقول في بداية كتابه بأنَّ ما لم يتفاعل به السيد فضل الله، هو حديث ضرب الزهراء (ع) فقط، (أمَّا بقية الأمور كالهجوم على الدار والتهديد بالإحراق وإشعال النار والإعتداء على حرمة الزهراء (ع) والإمام (ع) فلم ينكرها أحد..) (2) فالشاخوري تارة يعتبر يأن المتفق عليه فقط هو التهديد، وتارة أخرى يذهب إلى أبعد من التهديد ليعترف بالإحراق بل يعتبر أن ذلك مَّما لا ينكره أحد.

ويحتار القارئ من يصدق، ممَّن نصَّبوا أنفسهم للدفاع عن السيد فضل الله هل يصدِّق الشاخوري الذي إعتبر أنَّ أصل الهجوم والتهديد بالإحراق ممَّا اتفق عليه الكل أم يصدق صاحب (هوامش نقدية) الذي إعتبر أنَّ موضع النزاع (ليس هو غصب فدك أو محاولة دخول دار فاطمة أو دخوله فعلاً أو محاولة الإحراق أو الإحراق




(1) مرجعية المرحلة ص74. الهامش.

(2) مرجعية المرحلة، ص30 ـ 31.

/صفحة 104/

فعلاً أو إنتهاك حرمة علي (ع) فإن ذلك كله ما لا يختلف عليه إثنان لا من الشيعة ولا مـن غيـرهم، إنما البحث فـي ضربها وبالطريقة التي تصورها بعض الروايات بطريقة مذّلة ومهينة) (1)

ورغم ذلك فإن السيد فضل الله لم ينفِ الضرب فقط وإنما نفى أيضاً إسقاط الجنين وكسر الضلع واكتفى بالموافقة على التهديد بالإحراق الذي أفرغه من محتواه الجدِّي الحقيقي ليصبح شكلياً يراد منه مجرَّد التهويل والتخويف، لأنَّه زعم أنَّ قلوب المهاجمين كانت مملوءة بحبِّ الزهراء (ع) فلا يمكن أن يصدر منهم أمرّ سيئ أو فعل قبيح تجاهها. وبعد كل ما تقدّم فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو، لماذا هذا الإصرار من السيد فضل الله على التشكيك المؤدي لنفي ما جرى على الزهراء (ع) من إعتداء إبتداءً من التهديد بالإحراق مروراً بالإحراق فعلاً والذي لا يختلف عليه أحد من الشيعة ولا من غيرهم على حدِّ تعبير الحسيني في هوامشه النقدية، كما تقدم وصولاً إلى الضرب وكسر الضلع وإسقاط الجنين كما أيدَّ وأكدَّ السيد شرف الدين والشيخ كاشف الغطاء رغم كل المحاولات التي بذلها الشاخوري وغيره للإيهام والتضليل والتعمية على آراء هذين العلمين الكبيرين؟!

(كبرت كلمة تخرج من أفواههم…) .
مقدمة رابعة: تضليل لا يقف عند حد:

وقد أورد الشاخوري نماذج من نصوصٍ نقلها عن السيد الحسني والشيخ مغنية والشهيد الثاني والسيد الخوئي التي يكفي للمتأمل فيها أن يجد أنَّها لا تؤيد مدعَّاه بوجه من الوجوه بعدم الرد على هؤلاء الذين اعتبرهم الشاخوري أنهم قد ذكروا أمراً عظيماً على المذهب بل قد يكون العكس هو الصحيح. ونحن نكتفي بإيراد نموذجين للسيد الحسني والسيد الخوئي حتى نقف على حقيقة ما نقول ولنكشف لك مستوى علم هذا الرجل وفهمه.




(1) هوامش نقدية محمد الحسيني ص29.

/صفحة 106/

ينقل الشاخوري عن السيد الحسني رواية عن الإمام زين العابدين (ع) خلاصتها أنَّ جماعة من أهل العراق ذكروا عنده الخلفاء الثلاثة بسوء. وعندما سألهم هل هـم مـن المهاجرين الأولين أو من الذين تبوأوا الدار ويحبون من هاجر إليهم وأجابوا بالنفي عندها شهد أنهم ليسوا من الذين قال الله تعالى في حقهم (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا إغفر لنا ولإخواننا..) ثم قال لهم (ع) أخرجوا عني فلا بارك الله فيكم (1) والذي تدلُّ عليه هذه الرواية أنَّ الإمام (ع) قد علم حقيقة نواياهم السيئة وأنهم لا يقولون ذلك غيرة على الإسلام لأنهم ليسوا من الإسلام في شيء، وليس كما حاول الشاخوري الإيحاء للقراء من أنَّ الإمام (ع) لم يرضَ بمجرد ذكره الثلاثة في مجلسه وتذكرنا هذه الرواية بما جرى بين الإمام علي (ع) وأبي سفيان بعد السقيفة عندما عرض عليه هذا الأخير خدماته وأنه على إستعداد لأن يملأها عليه خيلاً ورجلاً، (فزجره علي (ع) وقال: والله إنك ما أردت بهذا إلا الفتنة، وإنك والله طالما بغيت للإسلام شراً! لا حاجة لنا في نصيحتك) (2)

ولسنا ندري إذا كان الشاخوري يفهم من هذه الرواية أنَّ الإمام (ع) كان يدافع عن الخليفة الأوَّل. وإذا كان هذا هو مبلغ علم الشاخوري في فهم الروايات والإستدلال بها – وهو على حدِّ علمنا طالب في بحث الخارج – فإنه لا شكَ طالب بحثٍ خارج العلم!

1 ـ ثم يورد الشاخوري نصاً للسيد الخوئي حول إسلام الذين غصبوا الخلافة ليرتب على ذلك أثراً شرعياً من طهارة أو نجاسة ونحوها وإليك النص الحرفي كما نقله الشاخوريSadومن هنا يحكم بإسلام الأولين الغاصبين لحق أمير المؤمنين (ع) ظاهراً لعدم نصبهم –ظاهراً – عداوةً لأهل البيت وإنما نازعوهم في تحصيل المقام والرياسة العامة) (3)




(1) مرجعية المرحلة ص75.

(2) الكامل في التاريخ، لإبن الأثير، دار صادر، ج2، ص326.

(3) مرجعية المرحلة، ص77.

/صفحة 107/

ويبدو من كلام الشاخوري هنا ـ ويصلح هذا شاهداً على ما ذكرناه من أنه طالب للبحث خارج العلم ـ أنَّه لم يدقق في كلام السيد الخوئي الذي كان يتحدث (قده) عن الإسلام الظاهري لكي يرتب عليه أثراً شرعياً يتعلق بأحكام الطهارة والنجاسة ويكفي التأمل في تكرار كلمة (ظاهراً) مرتين حتى ندرك مقصد السيد الخوئي (قده) .

وأمَّا قول الشاخوري أنَّ (السيد الخوئي لم يحكم بصحَّة رواية كسر الضلع عندما سئل عن صحتها كما في صراط النجاة ج3، ص314، بل عبَّر عنها بالمشهورة) (1) فإنَّ هذا الكلام –كالعادة – فيه تحريف فاضح وخطير لكلام السيد الخوئي (قده) ومدلوله وإليك نصِّ السؤال والإجابة عنه في المصدر الذي أشار إليه الشاخوري نفسه:

(س: هل الروايات التي يذكرها خطباء المنبر وبعض الكتَّاب عن كسر "عمر" لضلع السيدة فاطمة (ع) صحيحة برأيكم؟
الخوئي: ذلك مشهور معروف، والله العالم) (2)

إننا نسأل الشاخوري عن سبب هذا التدليس والتحريف في كلام السيد الخوئي بأنَّه عبر عن هذه الرواية بالمشهورة والحال أنَّه يظهر من جواب السيد الخوئي لكل متأمِّل منصف وفطن – ولا نظن أنَّ الشاخوري منهم – أنَّه (قده) في الوقت الذي سئل عن صحَّة الروايات فقد أجاب (قده) بشهرة ومعروفية الحادثة ولك أن تتأمل في دقَّة جوابه (قده) (ذلك مشهور ومعروف) فهو لم يلحظ في جوابه الإشارة إلى شهرة رواية وإلا كان ينبغي أن يجيب (هي مشهورة ومعروفة) أي الرواية. ونكرِّر بأن جوابه (قده) إنما كان يلحظ حادثة كسر (عمر) لضلع الزهراء (ع) .




(1) مرجعية المرحلة، ص77.

(2) صراط النجاة، ج3، ص314.

/صفحة 108/

بقي أن نشير إلى قضية يثيرها الشاخوري باستمرار وقد أوردها هنا عن السيد الخوئي حيث قال: (وقد نسي صاحبنا أن السيد الخوئي لا يعتمد في تحقيقاته الفقهية على ما يسمعه من قرّاء العزاء..) ومن المعروف أن الذي يقصده الشاخوري بكلمة (صاحبنا) في هذا المورد هو السيد تقي الطباطبائي صاحب تقريرات السيد الخوئي الفقهية المعروفة بإسم منهاج الصالحين والذي هو من أبرز طلاب السيد الخوئي.

ولسنا ندري بحسب منطق الشاخوري إن كان السيد تقي الطباطبائي ممن يستدل بأبحاثه الفقهية على قراء العزاء ونضيف أيضاً منذ متى كان العلماء سواء السيد الخوئي أو غيره من الفقهاء والمراجع قديماً وحديثاً يستدلون في أبحاثهم الفقهية بما يسمعونه من قرَّاء العزاء –حبذا لو يذكر لنا واحداً – كما أننا نتساءل عن السرَّ وراء هذه الهجمة المركزة على قرَّاء العزاء منذ سنين عديدة ومديده من جهة الشاخوري ومن السيد فضل الله بالذات، فهل أنَّ وراء الأكمه ما وراءها؟
مقدمة خامسة: سفسطة شاخورية:

يتحدث الشاخوري عن مفارقة عند صاحب كتاب المأساة حين تعرض لمسألة الشطرنج وفتوى الإمام الخميني (قده) فيها، وأن الإمام قد جعل الفتوى شرطية، ليعلِّق بعد ذلك على كلام العلاّمة المحقق بطريقة لا تخلو من سفسطة واضحة حيث يقولSadوهي وإن كانت كذلك، لكن كل من يعيش في إيران… يسمع أخبار المسابقات المحلية والدولية في لعبة الشطرنج التي يشترك فيها الإيرانيون مع موافقة المسؤولين هناك، فإذا كان المسؤولون في إيران فهموا الإباحة من فتوى الإمام فلماذا لم يردعهم الإمام أو غيره ويقول لهم أنَّ موضوع القضية الشرطية لم يتحقق بعد؟) (1)




(1) مرجعية المرحلة، ص79.

ويمكن للقارئ أن يلحظ السفسطة من خلال:

1 ـ يعترف الشاخوري أن الفتوى إنما جاءت كمسألة شرطية وهي قوله (وهي وإن كانت كذلك) كما تقدم.

2 ـ من المعلوم لدى طلاَّب العلم –وأن جهل الشاخوري بذلك أو تجاهله ـ أنَّ الفقيه إنما يستنبط أحكاماً كليه تنطبق على الواقع وأما فيما يتعلق بتشخيص الجزئيات من قبيل هل هذا خمر أم لا فهي تقع على عاتق المكَّلف.

3 ـ ومما تقدم يتضح أن قول الشاخوري بفهم الناس في إيران لإباحة وحلَّية لعبة الشطرنج لا يتعلق بفتوى الإمام من حيث كونها فتوى، إنما يتعلق بتحديد الجزئيات. أيضاً يتضح لك بطلان قوله لماذا لم يردعهم الإمام ويقول لهم أن موضوع القضية الشرطية لم يتحقق بعد وذلك لأن الفقيه وكما ذكرنا لا يتدخل بتشخيص الموضوعات بل لا يجب عليه ردعهم وإن أخطأوا بتشخيصهم ولذلك قيل (لا تقليد في الموضوعات).

ولا بُّد هنا من الإشارة إلى إسفاف الشاخوري في الإساءة للفقهاء والمراجع عبر تقديم أمثلة يزعم أنها شواهد صالحة للطعن عليهم من قبيل إختلاف جماعة من المفكرين الأوروبيين حول أسنان الحصان وقد ذهب بهم الجدل كلَّ مذهب فيما كان الحصان قربهم وهم قادرون على فحص أسنانه، لكنهم لم يفعلوا ذلك إعتقاداً منهم أنَّه عمل غير لائق بالمفكرين. وهذا في رأيه يشبه ما هو حاصل عند فقهائنا الذين يجيبون عند سؤالهم عن التدخين بأنه إن كان سبباً في أمراض الرئة والقلب والسرطان فإنه يحرم على المبتدئ والمعتاد ويعقب على ذلك قائلاً: (ولا يكلفون أنفسهم حسم هذا الجدل لأنه ليس عليهم بيان الموضوعات) (1) ثم يصعِّد الشاخوري في الإساءة للفقهاء حين يتهمهم أنهم عندما يجيبون على بعض الأسئلة التي يفبركها عملاء المخابرات –بزعمه ـ لا يكلفون أنفسهم قراءة نص الكتاب فأصالة البراءة من وجوب التأكد ـ حسب إتهامه ـ محكماً.




(1) مرجعية المرحلة، ص78، هامش.

/صفحة 110/

ونحن وإن كنا تعرضنا وناقشنا هذه المسألة في الفصل الأول من كتابنا هذا تحت عنوان نظره في (الإستفتاءات) إلا إننا نقول: إن كان عند علمائنا أصل البراءة جارياً فإنَّ إشتغال الذَّمة –بالإساءة للفقهاء والتشكيك بهم وسوء النيّة بحقهم ـ هي الأصل عند الشاخوري فإشتغال الذّمة اليقيني يستدعي ـ عنده ـ فراغها اليقيني.

إن الشاخوري الذي يحقر علماء هذا المذهب وفقهاءه ويسخف عقولهم إلى هذا الحد حيث لا شك أنه يربأ بنفسه عن الإنتساب إليهم والإقتداء بهم –عملاً بأصالة البراءة ـ إننا نسأله إلى أي مذهب ينتمي وبأي فقهاء يقتدي؟

/صفحة 111/
الفصل الرابع
وإن عدتم عدنا

/صفحة 112/

/صفحة 113/

يعالج هذا الفصل مجموع الملاحظات التي أوردها الكاتب في الفصل الثالث من كتابه والذي يبدو من سياق بحثه أنَّه بيت القصيد فيما حاول أن يثبته في معرض نقده المزعوم لكتاب مأساة الزهراء (ع) .. ونحن وكما سبق أن عالجنا وفنَّدنا إفتراءه وتضليله المتعمد سوف نقوم بإتباع نفس الطريقة لكشف وفضح هذه المزاعم والتلفيقات بالأسلوب العلمي الهادئ والرصين المبتني على الدليل والحجَّة والبرهان.
المبحث الأوَّل: جمل أم ناقه؟!

سوف يتضح من خلال هذه المناقشة كيف أن الكاتب لا يستطيع التمييز والتفريق بين بعض الأمور بطريقة علمية أو منطقية، وهذه الحالة إما ناشئة من قصور في إدراك المطالب العلمية التي لا تحتملها ذهنيته وإما ناشئة عن قصد وتعمد للتضليل والتمويه، وكلا الأمرين يؤدي إلى العواقب الوخيمة المضّرة بالدين والدنيا معاً.
أولاً: بين الثوابت والضرورات:

يقول الكاتب في إشكاله المزعوم على كتاب مأساة الزهراء (ع) : (محاولة التركيز على أنَّ الخصم قد أتى بأشياء تخالف الثوابت… ولم يوضح هذه الثوابت التي يكون إنكارها خروجاً على حقائق الدين سوى كسر الضلع وكأنما القارئ يتصور أنَّ كسر الضلع ضرورة من ضرورات الدين أو المذهب بحيث تصبح أصول الدين عندنا. التوحيد النبوة المعاد بالإضافة إلى كسر الضلع… وقد فتشت من بداية الكتاب إلى آخره عن العلاقة بين كسر الضلع من جهة وثوابت الدين والعقيدة من جهة أخرى فلم أجد تفصيـلاً

/صفحة 114/

من الكاتب إلاّ في موضع واحد حيث قال ما نصه(ثم هو يقول لك مرَّة أخرى لكي يمهد لإقناعك بأنهم مأجورون على غصب الخلافة) (مأساة الزهراء ج1 ص136) .. وبعبارة أخرى أنه يقول إنَّ روح غصب الخلافة مرتبط بمحاولة ضرب الزهراء (ع) فلو فرضنا أن الزهراء كانت غائبة عن البيت في تلك اللحظة لانقضى الأساس الرئيسي في غصب الخلافة،وبذلك يكون المساس بهذا الحدث الفيزيائي الخارجي وهو إنكسار الضلع مساساً بالقضية المعنوية وهي إغتصاب الخلافة..) (1)

ثم يضيف الكاتب في مكان آخر فيقولSad…إذا كان إنكار أو التشكيك بحادثة تاريخية هو إنكار لثوابت الدين والعقيدة فإن هذا الباحث قد أنكر كثيراً من الأمور التي تسالم عليها قرَّاء التعزية أو عامَّة الناس). (2)

إن ما تقدَّم من كلام الكاتب إضافة إلى ما فيه من مغالطات فادحة لا تخلو من سفسطة، فإن فيه أيضاً إستهتاراً بقضية الإعتداء على الزهراء ومقامها وتفريغ هذه الحادثة من كلِّ أهميتها ودلالتها المادية والمعنوية. ويمكن تسجيل الملاحظات التالية:

1 ـ يبدو أن الشاخوري قد غلبه التعصب والحقد فلم يسعفه عقله للتمييز بين الثوابت والضرورات فليرجع القارئ إلى النصوص التي أوردها الكاتب من كتاب مأساة الزهراء (ع) ج1 من ص11 إلى صفحة 17 فإنه لن يجد فيها كلمة (ضرورة من ضرورات الدين).

إن قضية قطع رأس الإمام الحسين (ع) هي من الثوابت، ولكن هل هي من ضرورات المذهب بحيث أنَّ إنكارها –مع عدم إستلزامه تكذيب المعصوم – يخرج عن المذهب. ومعراج الرسول من الثوابت أيضاً ولكن هل هي عند الكاتب من ضرورات الدين لتصبح بالتالي بحسب منطقه أصول الدين عندنا التوحيد والنبوة والمعاد والإمامة والعدل ومعراج الرسول وقطع رأس الحسين! إن القارئ الفطن يدرك سريعاً بأن ثمة فرقاً واضـحاً




(1) مرجعية المرحلة، ص113 ـ 114.

(2) مرجعية المرحلة، ص123 ـ 124.

/صفحة 115/

وكبيراً بين ثوابت الدين وضروراته.

2 ـ إننا نتساءل عن سبب عدم ذكره العدل والإمامة لدى تعداده أصول الدين أم أنَّه يدرجها تحت الأصول الثلاثة، ولعلَّه يعتبر الإمامة من المتحوِّل كما يروّج لذلك مدّعو التجديد والحداثة.

3 ـ لقد تقدَّم الحديث عن الأسباب المشبوهة بحصر القضية بكسر الضلع وتشبيهها بقضية وجود ليلى وعدم وجودها في كربلاء فلا نعيد.

4 ـ إن قضية الإعتداء على الزهراء (ع) مرتبطة بقضية غصب الخلافة ولن ينفع في فك هذا الإرتباط ما حاوله الكاتب عبر استدلاله السفسطائي عندما قال إنَّ هذا الإرتباط على فرض غياب الزهراء (ع) عن البيت في تلك اللحظة يعني أن ينتفي الأساس الرئيسي في غصب الخلافة والمغالطة السفسطائية عند الشاخوري المعجب بالقياس الأرسطي –وإن طعن به كثيراً– واضحة، لأنه إعتبر أن الإعتداء على الزهراء (ع) هو سبب غصب الخلافة ومع إنتفاء السبب ينتفي المسبب، مع أن الأمر معاكس تماماً، إذ أنَّ غصب الخلافة هو سبب الإعتداء فلولا الطمع في السلطة وغصب الخلافة لما كان ثمة داعٍ للذهاب إلى بيت الزهراء (ع) لمحاولة إحضار أمير المؤمنين (ع) للمبايعة عنوة وكرهاً وبالتالي التعرض لبنت رسول الله (ص) وضربها.

وبعد ذلك فهل يمكن التشكيك في كون غصب الخلافة مرتبطاً بمحاولة ضرب الزهراء، وهل تصح دعوى من يدعي أنَّ هؤلاء لا يمكن أن يصدر عنهم أمرٌ كهذا بحق الزهراء (ع) .

ولست أدري كيف يتورع من يقول إحرقوا الدار بمن فيها ـ وفيها فاطمة (ع) عن ضربها أو هتك حرمة بيتها، لا سيما وأنه قد تطاول على ما هو أعظم من ذلك وأكبر ألا وهو المنصب الإلهي المتمثل بخلافة رسول الله (ص) وإن كان ثمة من يدعي ذلك بحجة هزيلة كهذه فليس ببعيد أن يدعي أنَّ هؤلاء لم يكونوا يقصدون التعرض لوصية رسول الله (ص) بحق أمير المؤمنين (ع) وإنما إجتهدوا فأخطأوا فلهم أجر واحد، كما نبه إلى قولهم هذا السيد جعفر مرتضى في كتابه مأساة الزهراء. (ع)

5 ـ هل أن حادثة كسر الضلع والإعتداء على الزهراء تمثل عند الشاخوري هذا المستوى المتدني حتى يعتبره حدثاً فيزيائياً خارجياً خال من الدلالة والمعنى، وإذا كان الأمـر

/صفحة 116/

كذلك فإن قطع رأس الحسين ويدي العباس لا يعـدو كونـه حدثـاً فيزيائياً أو كيمائياً أو جيولوجياً!!! والتعليق يبقى للقارئ.

6 ـ أمَّا عن تفتيش الشاخوري عن العلاقة بين كسر الضلع من جهة وثوابت العقيدة من جهة أخرى فهو تفتيش بالمقلوب، فكيف لمن أضاع نفسه أن يجد غيره. فكتاب مأساة الزهراء (ع) وبحسب ما أشار إليه المؤلف لم يكن كتاباً يبحث في خصوص مسألة كسر الضلع، وإنما يبحث في كلِّ ما جرى على الزهراء (ع) من إعتداءات إبتداءً من التهديد بالإحراق –الذي أفرغه السيد فضل الله من مضمونه ـ مروراً بالإحراق وكسر الضلع وصولاً إلى ضربها وإسقاط جنينها، فليس كسر الضلع إلاّ حلقة في سلسلة طويلة من الجرائم التي ارتكبت في حق الزهراء (ع) –والتي أنكرها السيد فضل الله ـ

أضف إلى ذلك أن السيد جعفر مرتضى قد أشار في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه (مأساة الزهراء) إلى سبب إختياره لهذا الموضوع تحديداً، ونعني به (مأساة الزهراء) بإعتبار أن هذا العنوان قد أصبح رمزاً للقضية برمتها.

ورغم ذلك فإن السيد جعفر مرتضى قد قطع الطريق على كل محاولة تريد أن تحصر موضوع النزاع مع السيد فضل الله بخصوص كسر الضلع كما حاول الشاخوري القيام به وذلك عندما أصدر السيد مرتضى كتابه (خلفيات كتاب مأساة الزهراء) ليظهر فيه حجم الدوافع التي ألجأته إلى هذا الموقف.

7 ـ وبعد كل ما تقدَّم فإن إعتبار الشاخوري أن إنكار حادثة تاريخية لها علاقة بثوابت الدين هي إتهام للسيد جعفر مرتضى بإنكار ثوابت المذهب لأنه أنكر الكثير من الأمور التي تسالم عليها قراء العزاء، لا يصح. فإننا وبغضِّ النظر عن كل ما تقدَّم حول دوافع كتاب (مأساة الزهراء (ع)) فإنَّ تشبيه ما جرى على الزهراء (ع) من ظلم وإعتداء مع ما تسالم عليه قراء العزاء وعامَّة الناس إنما هو إستهتار وإستخفاف بمقام السيدة الزهراء وما تمثله من موقع يكفي فيه ما جاء على لسان أبيها.. إن الله يرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضبها.

/صفحة 117/
ثانياً: عدم تفريق أم تحريف:

يقول الشاخوريSadوالمفارقة الكبيرة هنا قول الكاتب إن حادثة الضلع دلت عليها النصوص الصحيحة والصريحة المتواترة..)

ثم ينقل عن كتاب مأساة الزهراء ج1، ص141، نصاً يحاول الإستشهاد به على ما إعتبره مفارقة كبيرة فيقولSadوهناك روايات كثيرة بل متواترة عن المعصومين) (1)

ولا شك أن القارئ قد لاحظ أن كل ما قاله العلامة المحقق وحسب النص الذي أورده الشاخوري نفسه بأنه هناك (روايات كثيرة بل متواترة عن المعصومين (ع)) (2) . ومن المعلوم أن الروايات المتواترة لا تحتاج في ثبوت مضمونها إلى تتبع أسانيدها كما إدعى الشاخوري. إذ أن حجيتها تنبع من تواترها وليس من صحة سندها بالمعنى الرجالي. وعليه فإن صحة السند لم تكن محل نظر العلاّمة الحجة السيد جعفر مرتضى.

أضف إلى ذلك بأن قول الشاخوري نقلاً عن العلاّمة المحقق أن حادثة الضلع دلت عليها النصوص الصحيحة، تحريف للكلام، بل هي فبركة من الشاخوري الذي يجيد هذه المهنة وينسبها إلى غيره، لأن السيد جعفر مرتضى لم يكن يتحدث عن خصوص كسر الضلع وإليك عبارته الكاملة:

(أما إذا كان هذا الشخص يريد أن ينشر بين الناس إجتهاده المخالف لثوابت المذاهب التي قامت عليها، البراهين القاطعة، ودلت عليها النصوص الصريحة والصحيحة والمتواترة..) (3)

والسؤال الذي يطرح هنا، ما هو الدافع الذي يقف خلف هذا والتحريف؟




(1) مرجعية المرحلة، ص115.

(2) مأساة الزهراء (ع) ، ج1، 17.

(3) المصدر نفسه، ج1، ص141.

/صفحة 118/

إن الهدف من وراء ذلك هو إظهار التناقض في كلام السيد جعفر مرتضى، لأنهم يعلمون أن ليس بإمكانهم ذلك دون تحريف. ومن هنا نرى أن الشاخوري بعد أن حرَّف كلام السيد جعفر مرتضى مدعياً أن سماحته تحدث عن النصوص الصحيحة.قال:

(لكنه سرعان ما نسي ما كتبه[يقصد العلامة السيد جعفر مرتضى] في ص27، ج1، حيث صرح في سياق الحديث عن هذه المسألة أنه من الصعب الحصول على الروايات الصحيحة حيث قالSadليس من حق أحد أن يطلب من الناس أن يقتصروا فيما يثيرونه من قضايا على ما ورد عن النبي (ص) والأئمة (ع) بأسانيد صحيحة وفق المعايير الرجالية في توثيق رجال السند. لأن ذلك معناه أن يسكت الناس كلهم عن الحديث في جل القضايا والمسائل، دينية كانت أو تاريخية أو غيرها).

ثم يقول: (بل إن هذا الذي يطلب ذلك من الناس، لو أراد هو أن يقتصر في كلامه على خصوص القضايا التي وردت بأسانيد صحيحة عن المعصومين، فسيجد نفسه مضطراً إلى السكوت، والجلوس في بيته، كونه لن يجد إلا الشيء اليسير الذي سيستنفذه خلال أيام أو أقل من ذلك…). (1)

وبعد ما تقدم من أن الشاخوري قد حرَّف بكلام السيد جعفر مرتضى حول كلمة (الصحيحة)، يتضح لك بطلان ما حاول الشاخوري إبرازه من تناقض.

أضف إلى ذلك أن الشاخوري عمد إلى حذف تكملة الكلام المتقدم والذي نقله من كتاب (مأساة الزهراء) والذي يتضح فيه مقصود الكاتب من عدم الإقتصار على الروايات الصحيحة السند. وبقية الكلام هوSadعلى أننا نقول، هو أيضاً يقول: [إشارة إلى السيد فضل الله] أن ثبوت القضايا لا يتوقف على توفر سند صحيح لها برواية عن المعصومين، فثمة قرائن أخرى تقوي من درجة الإعتماد أحياناً، ككون الرواية الضعيفة قد عمل بها المشهور، وإستندوا إليها مع وجود ذات السند




(1) مرجعية المرحلة، ص115.

/صفحة 119/

الصحيح أمام أعينهم، ثم لم يلتفتوا إليها وكذا لو كان النص يمثل إقراراً من فاسق بأمر يدينه أو يناقض توجهاته، فإنه لا يصح أن يقال: إن هذا فاسق فلا يقبل قوله.

وعلى هذا، فلا بد من ملاحظة القرائن المختلفة في قضايا الفقه، والأصول، والعقيدة، والتاريخ وغيرها من قبل أهل الإختصاص، حيث يستفيدون منها في تقوية الضعيف سنداً، أو تضعيف القوي، بحسب الموارد وتوفر الشواهد). (1)

كل ذلك يضاف إليه أن كلام العلامة المحقق الآنف الذكر قد جاء في مقدمة كتابه وكان يتحدث عن ضوابط عامة وقواعد كلية للبحث بشكل عام، فلم يكن يتحدث عن قضية كسر الضلع ولا عن الإعتداء على الزهراء في الجملة في هذا المورد (أعني في ص27) .
ثالثاً: تشهير أم طلب الشهرة؟

يزعم الشاخوري أن هناك الكثير من التناقض في كتاب مأساة الزهراء، وأنه سوف يبينه لاحقاً، (2) وإكتفى بمثال واحد يقول فيه:

(فمن باب المثال، يقول إن ما كتبه هو مجرد مناقشة في الأفكار وليس تشهيراً، ثم بعد صفحة واحدة يعترف أنه تشهير، وإن الذي أدى إلى هذا التشهير هو أن المُشَهَّر به قد أتى بأفكار مخالفة لثوابت الدين والعقيدة.

وهاك هاتين العبارتين: ففي ص11، ج1، يقول(إذا كانت مناقشة الأفكار ونقدها تشهيراً، فاللازم إغلاق أبواب المعرفة والعلم…) وفي ص12، ج1، يقولSadإن المبادرة إلى نقد الفكر ليس تجنياً وتشهيراً، بل إن الإصرار على طرح الأمور التي تمس الثوابت الدينية أو المذهبية أو




(1) مأساة الزهراء (ع) ، ج1، ص28.

(2) مرجعية المرحلة، ص123.

/صفحة 120/

التاريخية أو غيرها بطريقة خالية من الدقة العلمية، وتجاوز الحدود الطبيعية هو الذي يؤدي إلى التشهير بصاحبها) (1)

وهذا الفهم من الشاخوري لكلام العلامة المتبحر السيد جعفر مرتضى، لا يخلو من سطحية واضحة. إذ كيف يعقل من رجل كالشاخوري يزعم أنه طالب (بحث الخارج)، وهو لا يفرق بين أن يلجأ الشخص إلى التشهير بشخص آخر، وبين معنى الإصرار على طرح قضايا تثير النقاش لكونها تخالف الثوابت فإن النقاش ليس تشهيراً بصاحبها ولو فرض أن ذلك أدى إشتهار أمر قائلها، حيث يعلم بأنه مخالف للثوابت. فذلك بسبب نفس صاحب تلك الأفكار، ومن فعله هو.

فكيف يمكن للشاخوري وهو طالب (بحث الخارج)، أن لا يفرق بين هذين القولين، إلا إذا كان طالب بحث خارج العلم والمعرفة.

على أن الذي يسمى تشهيراً ممنوعاً إنما هو الكلام الذي يتعلق بقضايا شخصية للآخرين، أما التعرض لآرائهم وأفكارهم فليس من التشهير في شيء لا من قريب ولا من بعيد.

أضف إلى ذلك أننا قد نعتبر التعرض لآراء وأفكار الآخرين تشهيراً، إذا كانت تلك الآراء مخجلة وسيئة وكان أصحابها يكتمونها ويحتفظون بها لأنفسهم ولا يجهرون بها، وهو ما لا يصح في هذا المقام أو فيما نحن فيه، لأن هؤلاء يعلنون عن آرائهم صراحة على أكثر من كتاب وصحيفة ومجلة، بل ويعتبرونها من مآثرهم ومفاخرهم.
رابعاً: عقدة المشهور أم عقدة الفهم:

ثم يتابع الشاخوري تخبطه وتخليطه –كعادته ـ فيقولSadمحاولة إبراز الإجتهادات والأفكار التي ورثناها عن العلماء السابقين كأشياء مقدسة لا يجوز البحث فيها أو دراستها وهذا ما نحب أن نصطلح عليه بعقدة المشهور…) (2)




(1) مرجعية المرحلة، ص123.

(2) مرجعية المرحلة، ص126.

/صفحة 121/

ويضيف في مكان آخرSadيلاحظ القارئ أن الكاتب مصاب بعقدة المشهور فلذلك يستنكر إجتماع عدَّة فتاوى مخالفة للمشهور… يقول ما نصه (على أنَّ إجتماع فتاوى شاذة كبيرة لدى شخصٍ واحد قد يؤدي إلى أن يصبح هذا الشخص خارج دائرة المذهب الفقهي الذي ينتمي إليه) صفحة 162، ج1) (1)

لقد إستعصى البحث على الشاخوري كما إستعصى عليه الفهم فلم يفرق –كعادته ـ بين المشهور والإجماع وإليك بعض الملاحظات على ما تقدَّم من كلامه:

1 ـ بداية نحب أن نقول أنه حين مراجعتنا للنصِّ الذي نقله عن كتاب (مأساة الزهراء) تبيَّن لنا:

أ ـ لم ترد عبارة (فتاوى شاذة كبيرة) بل وردت عبارة (فتاوى شاذة كثيرة) والفرق بينهما كبير لأن التعبير بـ (كثيرة) أراد به العلامة المحقق أن يشير إلى الكثرة العددية للفتاوى لا إلى حجمها وضخامتها النوعية، وقد كان بالإمكان تجاهل هذا التزييف وإعتباره خطأً لولا أنه أورد نفس هذا النص بنفس العبارة في مكان لاحق من هذا الكتاب (2) إضافة إلى وجود تزييف آخر في النص.

ب ـ والتزييف الثاني هو عبارة (الذي ينتمي إليه) كما نقل الشاخوري، والصحيح أن العبارة كانت (الذي ينتمون إليه) والفرق بينهما واضح لأدنى متأمل، فالشاخوري أراد الإيحاء أنَّ العلاّمة المحقق يشير إلى السيد فضل الله مباشرة، بينما عبارة السيد المحقق العاملي كانت تلحظ الإشارة إلى قاعدة كلية دونما النظر إلى شخص بعينه.

ج ـ لا شك أن القارئ قد لاحظ عدم ورود كلمة (المشهور) في نص السيد المحقق. فإذا كان الشاخوري قد فهم أن المقصود من الفتاوى الشاذة ما يقابل المشهور فهو من باب التخليط منه فلا ذنب على الآخرين لقصوره عن إدراك هذا المعنى المقصود.




(1) مرجعية المرحلة، ص135.

(2) مرجعية المرحلة، ص139.

/صفحة 122/

2 ـ إنَّ المقصود من الفتاوى الشاذة هو ما يقابل الإجماع وليس كما فهم الشاخوري بأنها الشهرة ولعلّه قد أخذ ذلك من قول الإمام (ع) : (خذ ما إشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر) فإفترض أنّ الشهرة مقابلة للشذوذ، وبالتالي فإن مخالفة الشهرة عين الشذوذ وهذا مبلغ الشاخوري في (الفهم) ولعله دليل على مستوى تحصيله (العلمي) كيف وقد صرَّح علماء الأصول بخلاف ذلك كما هو عن مؤسس علم الأصول الحديث الشيخ الأنصاري (قده) في كتابه المعروف بالرسائل حيث صرَّح أنَّ المراد من الشهرة في هذه الرواية هو الإجماع وذلك بحمل الشهرة هنا على معناها اللغوي، وهو الظهور والمعروفية لا الإصطلاح الحادث متأخراً بين العلماء، وجعل (قده) قرينة هذا الفهم قول الإمام في بقية الرواية المذكورة آنفاً ما لفظه: (فإن المجمع عليه لا ريب فيه) حيث علّل (عليه السلام) الأخذ بالمشهور وترك الشاذ أن المجمع عليه –وهو ما تأخذه مقابل الشاذ الذي تتركه ـ لا ريب فيه.

وخلاصة القول أنّ الأخذ بالفتاوى الشاذة ليس من قبيل مخالفة المشهور لأن المشهور إنما هو وجود أكثرية مقابل أقلية، أمّا الأخذ بالشاذ فهو أن يعتمد شخص الفتاوى الشاذة التي إنفرد بها آخر مقابل الإجماع.

ولبيان المراد من الفتاوى الشاذة إليك بعض الأمثلة:

إنك قد تجد عبر التاريخ بعض المخالفات لجملة من العلماء في قضايا هي من مسلمات المذهب إلا أنَّ قلَّة هذه المخالفات وتعدادها قد لا يبلغ عند الفقيه عدد أصابع اليد الواحدة فلا يقدح ذلك في إنتمائه للمذهب وعلى سبيل المثال، قد نجد عالماً يقول بعدم وجوب تعيين البسملة لكل سورة أثناء الصلاة.

ثم نجد آخر يقول بالإحتياط الإستحبابي لترك الشهادة الثالثة في الإقامة والآذان وهكذا.. فهذا النوع من الفتاوى لا شك أنّه يخالف مسلمات المذهب وإجماعهم ويطلق عليهم إصطلاحاً (الفتاوى الشاذة).

ومع ذلك فإن وجود فتوى أو إثنين بل ثلاث من هذا النوع عند عالم ما لا يقدح كما أسلفنا بإنتمائه الفقهي للمذهب، لكن السؤال الذي يطرح هنا، ماذا لو إجتمع عدد كبير من هذا النوع من الفتاوى الشاذة عند شخصٍ واحد؟!أي أنَّه يجمع الفتاوى الشاذة

/صفحة 123/

لأكثر العلماء لتصبح الظاهرة المميزة في فقهه أفلا يقدح هذا الأخذ بالمخالفات والفتاوى الشاذة بإنتماء هذا الفقيه لمذهبه؟

وهل يعتبر هذا الشخص مطلق شخص ينتمي للمذهب الذي يدَّعي أنَّه ينتمي إليه؟

ورغم ذلك فأنَّه لا بَّد من التذكير أنَّ السيد المحقق لم يوجه الإتهام إلى فلان من الناس بل كل ما طرحه هو قضية علميه تمثل قاعدة عامَّة لا يختلف عليها إثنان.

3 ـ وبعد ما تقدَّم يتضح لك أنَّه لا عبرة ولا جدوى لكل تلك الفتاوى التي حشدها الشاخوري نقلاً عن السيد الخوئي (قده) مدَّعياً أنه (قده) قد خالف فيها المشهور، ورغم ذلك نجد أن تلك الفتاوى التي استشهد بها الشاخوري والتي بلغ عددها الثلاثين، لا تتسم بالدقة المطلوبة، وإليك بعض الأمثلة:

أ ـ (من زنى بذات بعل فلا تحرم عليه مؤبداً (وإن إحتاط في المنهاج، ولكنه أفتى بذلك في حالات خاصة)) (1)

ويكفي إعتراف الشاخوري أنَّ فتوى السيد الخوئي (قده) كما جاء في رسالته العملية هي الحرمه مؤبداً على الأحوط وجوباً. (2) وإن أفتى (قده) في حالات خاصة، على فرض صحتها، فلماذا الإصرار على تعميم الحكم؟

ب ـ (جواز خروج المرأة من دون إذن زوجها إذا لم يناف حقَّ الإستمتاع (وإن احتاط في الرسالة العملية)) (3) وكما في السابقة فإن الشاخوري إعترف أن فتوى السيد الخوئي (قده) هي الإحتياط الوجوبي بعدم جواز خروج المرأة بدون إذن الزوج.

والملفت هنا أن هاتين الفتويين اللتين زعم الشاخوري أنَّ السيد الخوئي (قده) قد أفتى فيهما بخلاف ما ذكره في رسالته العملية قد نقلهما عن السيد فضل الله في كتاب النكاح، ونحن نسأل لماذا اختص السيد الخوئي (قده) بهما السيد فضل الله دون غيره ولماذا لم يعلم بهما أيضاً أقرب المقربين منه (قده) لا سيما تلامذته ممَّن قرَّروا أبحاثه لازموه طوال




(1) مرجعية المرحلة، ص136.

(2) منهاج الصالحين باب النكاح فتوى رقم 1263.

(3) مرجعية المرحلة، ص136.

/صفحة 124/

حياته وحتى اللحظة الأخيرة لوفاته، وممَّن لا يزالون في العراق وعلى وجه الخصوص بعض المراجع أمثال الميرزا علي الغروي –السيد علي السيستاني. وغيرهم من العلماء الكبار المنتشرين في أقطار العالم الإسلامي. كما يحق لنا أن نسأل أيضاً عن سبب إشاعة السيد فضل الله لهذه الفتوى، فإن جاز نشرها فلماذا لم يذكرها (قده) في رسالته العملية، وإن لم يجز نشرها وقد أسر بها (قده) من باب الرأي العلمي فلماذا نشرها؟

ج ـ (جواز بقاء العامي على تقليد الميت في المسائل التي تعلمها من فتاواه حال حياته، ولم ينسها خلافاً للمشهور الذي يجوز البقاء مطلقاً). (1)

والمطلع يعلم أن باب التقليد من المباحث المستدل فيها بسيرة العقلاء أو عملهم وبأحكام العقل بصورة عامة والخلاف بينهم هو في تحديد معالم هذه السيرة، فنرى بعضهم يلتزم بالبقاء على تقليد الميت وآخر يحرّم وثالث يجوِّز، والذي يلتزم بالجواز تارة يلتزم به مطلقاً وأخرى فيما تعلم وثالثة فيما عمل ورابعاً كما ذكر السيد الخوئي (قده) وعليه فإن بطلان دعوى الشاخوري بمخالفة المشهور واضحة وبيِّنه.

ورغم أن الشاخوري إعتبر أن المشهور لا يمثل قول المعصوم الذي لا يجوز الخروج عليه وهو قول لا خلاف فيه، إلاَّ أنَّ الطريف محاولته التدليل على هذا القول بالكلام الذي ذكره آية الله السيد هبة الدين الشهرستاني وإليك نصُّهSadوأمَّا في القرون الأخيرة فالسيطرة أضحت للرأي العام على رأي الأعلام… فصار العالم والفقيه يتكلم من خوفه بين الطلاب غير ما يتلطف به بين العوام وبالعكس، ويختار في كتبه الإستدلالية غير ما يفتي به في الرسائل العملية، ويستعمل في بيان الفتوى فنوناً من السياسة والمجاملة خوفاً من هياج العوام…). (2)

ولنقارن هذا الكلام مع ما ذكره الشاخوري قبل ذلك، فهو يقولSadولا بُّد هنا عند بسط الكلام حول هذه النقطة من أن نوضح أنَّ المقصود بالمشهور في كلمات العلـماء هم العلماء القـدامى كالشيخ الصدوق والمرتضى والمفيد




(1) مرجعية المرحلة، ص137.

(2) مرجعية المرحلة، ص144.

/صفحة 125/

والطوسي وابن البرَّاج وابن أبي عقيل وإبن الجنيد وأمثالهم وليس الفقهاء المعاصرين لأنه لا قيمة للشهرات أو الإجماعات المتأخرة). (1)

وبعد هذا نسأل ما هي العلاقة بين الأخذ بالمشهور حسب ما شرحه الشاخوري نفسه وبين الأخذ بالرأي العام. أي العامة بدلاً من الأعلام كما تحدث السيد الشهرستاني، وفرق كبير بين الأخذ بمشهور القدماء وبين كلام الشهرستاني الذي لا يتحدث عن هذا الأمر بل عن المتأخرين في القرون الأخيرة الذي يحاول العوام أن يفرضوا رأيهم على العلماء على حدّ قوله. فما هو الربط بين هذا وذاك؟

ولماذا يستشهد الشاخوري بكلام لا علاقة له بالموضوع ولا رابط!؟

وأمَّا قول الشاخوري طعناً على السيد المحقق (ولم يدر أنَّ الفقيه الذي يرجع إليه هو في تقليده قد خالف المشهور كثيراً) (2)

فهذا أقل ما يقال فيه أنه رجمٌ بالغيب وبهتان وإفتراء لا حدود له، فمن أين أتى الشاخوري ومن أيّ مصدر استقى معرفته حول أن السيد المحقق مقلد، وليت لهذا (المتفيهق) الجرأة والشجاعة التي تجعله يصرّح ويعترف بآراء كبار المراجع والعلماء التي فيها القول الفصل والبرهان الساطع حول مكانة السيد المحقق في الأوساط العلمية في مختلف أرجاء العالم الإسلامي والتي يعرفها بل وشهد بها السيد فضل الله نفسه.

إنما يبقى على الشاخوري أن يبيّن لنا وللناس الشهادات التي تستطيع أن تدفع عن سيِّده شبهة وصوله إلى درجة الإجتهاد ونحن سوف ننتظر –إلى ما شاء الله ـ هذا الحدث. فلم يرق إلينا ولا تناهى إلى سمعنا شهادة واحدة من أي مرجع من المراجع الكبار سواء ممَّن توفوا أو من الذين لا يزالون على قيد الحياة يمكنها أن تضع السيد فضل الله في عداد المجتهدين بل ولا حتى من علماء أفاضل من أساتذة الحوزة العلمية المعروفين في علمهم وورعهم سواء في قم أو النجف. وبالتالي فإن دعوى أن يكون الإنسان مقلداً أتقى وأنفع يوم القيامة من الإدعاء بإجتهاد لا دليل عليه ولا برهان إلا شـهادته بنفسه ولا شـك أنَّ




(1) مرجعية المرحلة، ص135.

(2) نفس المصدر، ص135

/صفحة 126/

المرجع الذي قصد الشاخوري أن السيد المحقق يرجع إليه في تقليده – حسب ادعَّائه –هو إمَّا الإمام الخميني (قده) وهو الأرجح وإمَّا السيد الخوئي (قده) وكلاهما ممَّا لا يخفى على أحد مرتبتهما العلمية ويكفيك في هذا المجال ما قاله الشهيد دستغيب (قده) عن تقليد الإمام (قده) (إرحموا أنفسكم بتقليد الإمام الخميني) ويحق لنا أن نسأل الشاخوري عن مرجعه الذي يرجع إليه في تقليده وعن مرتبته العلمية وعن الشهادات التي تثبت إجتهاده.

ومهما يكن من أمر فإنَّ مرتبة العلماء العلمية تعرف إما بأبحاثهم المتداولة وإمَّا من خلال تلامذتهم لا سيما أولئك الذين يقرِّرون أبحاثهم الفقهية.

فأمَّا أبحاث من يرجع الشاخوري في تقليده إليه ففيها العجب العجاب وما أدراك ما فيها وأما تلامذته ممَّن قرروا أبحاثه الفقهية فيكفيك أن الشاخوري أحدهم – وهو بحسب الظاهر يبدو أنَّه (وجه الصحَّارة).
خامساً: تصحيح الأفهام:

ويتابع الشاخوري قائلاً:

(وكأنَّ هذا الباحث لم يطرق سمعه كتاب (تصحيح الإعتقاد) الذي ألفه الشيخ المفيد رداً على الشيخ الصدوق، ومن إسم الكتاب نفهم أنَّه يردُّ على الشيخ الصدوق ويصحّح إعتقاداته أي أنَّ بعض الأفكار أو العقائد غير صحيحه، فكان الأولى بهذا الباحث أن يؤلف كتاباً في الردِّ على الشيخ المفيد ويبين أن العقائد التي كتبها الشيخ الصدوق صحيحه 100% لا يجوز المساس بها لأنها ممَّا دلَّت عليها الأدلة القاطعة والبراهبين الساطعة!). (1)

ثم يضيفSadوالغريب في الأمر أن هذا الكاتب ألف كتاباً في تأييد الشيخ المفيد ووصفه بأنه يمثِّل المدرسة المتوازنة في العقائد ممَّا يعني أنَّه من مؤيديه، وهذا يعني ضمناً عدم تأييد الشيخ الصدوق…) (2)




(1) مرجعية المرحلة، ص127.

(2) نفس المصدر، ص128.

/صفحة 127/

ليس عجيباً على الشاخوري هذا المستوى من الفهم –لكثرة ما جاء بالترهات– ونحن لطالما حاولنا منذ البداية أن نعمل على تصحيح فهمه وإدراكـه ولكنه قـد استعصى على الفهم والإدراك.ويكفي ما في نصَّه المتقدم من أنَّه قد فهم المسألة بشكل مقلوب –كما يحلو له أن يعبّر – وإليك البيان.

أ ـ التناقض الفاضح في كلام الشاخوري/فهو تارة يكاد يدعي أنَّ السيد المحقق لم يطرق سمعه كتاب تصحيح الإعتقاد، وتارة أخرى يعترف أنَّ هذا (الكاتب) ألَّف كتاباً في تأييد الشيخ المفيد وصفه فيه بأنه يمثل المدرسة المتوازنة في العقائد.

ب ـ إن من العجيب جداً قياس ما يجري الآن، بما كان بين الصدوق والمفيد، فأي حقيقة ثابتة في المذهب شكك فيها الصدوق رحمه الله. فإن الشيخ الصدوق لم يتصرف في أساسيات عقائد التشيع، ولم يحرك ساكناً في ثوابته وإنما ذكر مضامين ما روي عن أهل البيت، فلم يوافق المفيد على عد بعضها في جملة ما تسالم عليه الشيعة، لأن بعضها ربما لم يكن معروفاً بدرجة كبيرة أو ربما لم يثبت من ناحية السند وهذا غير ما يجري من التشكيك في حديث الغدير سنداً ودلالة، أو الحديث عن الأنبياء وعصمتهم وغير ذلك من أمور يعلم خلافها من المذهب الحق.

وهذا السبب في تأليف الشيخ المفيد لكتابه معلوم لكل عالم وباحث، وإن لم يعلم به الشاخوري أو أنه قد علمه ولكنه تجاهله لغاية في نفسه قضاها. كما ذكر هذا المعنى هبة الدين الشهرستاني في تقديمه لكتاب "تصحيح الإعتقاد" حيث قال عن عقائد الصدوق التي صححها المفيد: (… تلك العقائد التي دونها هذا الشيخ بإسم الإمامية، وأوهم الناس بأ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://minhaj.ahlamontada.com
منهاج السنة
لا اله الا الله محمد رسول الله
لا اله الا الله محمد رسول الله
منهاج السنة


مرجعية المرحلة وغبار التغيير Vitiligo-ae30eb86b8مرجعية المرحلة وغبار التغيير Iraqiaabc6667cb59
عدد المساهمات : 897
تاريخ التسجيل : 27/10/2012

مرجعية المرحلة وغبار التغيير Empty
مُساهمةموضوع: رد: مرجعية المرحلة وغبار التغيير   مرجعية المرحلة وغبار التغيير Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 16, 2012 7:21 pm

/صفحة 130/

أقرَّ على سهوه وأخذ الناس الحكم الخطأ عنه… ولكن إذا لم يقره الله عليه بل بيَّنه له بنحو ما فإنه لا مانع منه عقلاً ولا شرعاً…) (1)

ثم يذكر الشاخوري في هامش الكتاب أنَّ هذا النص الذي قدَّمه قد أخذه من كتاب (الصحيح من سيرة النبي الأعظم) ج3، ص292، طبعة جامعة المدرسين. ثم يعلّق أنَّه اعتمد على الطبعة البيروتية من هذا الكتاب في غير هذا المورد. (2)

وهذا النص يستدعي بعض المناقشة من عدة جهات:

1 ـ إن إعتماد الشاخوري الطبعة القديمة فيما يخص هذا النص وإعتماده الطبعة البيروتية الجديدة فيما يخص بقية المطالب يثير الاستغراب والدهشة وسوف يأتي الكلام حوله.

2 ـ وبالعودة إلى الطبعة الجديدة نجد أنّ السيد المحقق قد أعاد التحقيق في هذه القضية وبنى عليها رأياً جديداً يخالف ما جاء في الطبعة الأولى، ونحن نرى أن ليس في ذلك ما يضير لأن ذلك من مستلزمات أصول البحث العلمي حين تنكشف للباحث أدلة وقرائن جديدة تستدعي منه أن يبدل أو يعدّل أو يغيِّر في رأيه كما أشار إلى ذلك السيد المحقق في مقدمة طبعتة الجديدة حيث قال أن فيها إضافات جديدة وتصحيحات هامة، وسوف نوقف القارئ على هذه التعديلات الجديدة:

أ ـ إن السيد المحقق لم يذكر ـ في طبعتة الجديدة ـ عبارةSadفإن الروايات.. من التواتر…) بل قال (فان الروايات … عديدة) (3) .

ب ـ لقد حذف السيد المحقق عبارة (ولا ما يوجب ردها) الواردة في الطبعة الأولى (4) .

ج ـ أمّا عبارة (نعم ومن الممكن أن يسهى الله نبيّه الأعظم) فإنها قد حذفت في الطبـعة الثانية وأستبدلها بعـبارة (وقـد يمكن للبعض أن يوجّه سهـو




(1) مرجعية المرحلة، ص124 ـ 126.

(2) مرجعية المرحلة، ص126، هامش.

(3) الصحيح من سيرة النبي ط.جديدة، ج 5، ص 179.

(4) نفس المصدر، ص 179.

/صفحة 131/

النبي (ص) بأن من الممكن أن يسهى الله نبيّه الأعظم (ص) …) (1) .

د ـ وكذلك حذف السيد المحقق عبارة (ويمكن أن نذكر من وجوه المصلحة…) ثم قدم ما قدمه في الطبعة الأولى تحت عنوان توجيه البعض لسهو النبي) (2) .

هـ ـ إن السيد المحقق قد أضاف في نهاية النقطة الثالثة من النص الذي قدّمه الشاخوري نقلاً عن الطبعة الأولى وتحديداً بعد عبارة (عن صلاة الصبح في السفر..) أضاف عبارة (ان صحّت الرواية ونحن نرى أنها غير صحيحه..) (3)

و ـ أضاف السيد المحقق بعد إيراد النقطة الثالثة المذكورة آنفاً مناقشة تحت عنوان (قصور هذه التوجيهات) ما نصّه: (ولكنها توجيهات لا تكفي فان التعيير بذلك إنما يصح ممن لا يقع منه سهو أصلاً، أمّا من حاله في ذلك حال الآخرين فلا يقبل ذلك منه، وأمّا بالنسبة للغلو في الرسول فمن الممكن أن يدفع بطرق أخرى لا يلزم منها محذور. وكذلك الحال بالنسبة إلى تعلّم أحكام السهو فان ذلك ممكن بدون أن يبتلى به النبي (ص) ككثير من الأحكام الأخرى.

هذا بالإضافة إلى مفسده في هذا السهو وهو فقدان الثقة بتعليم النبي (ص) ، وبكل ما جاء به). (4)

ز ـ وكذلك أضاف السيد المحقق بعد ما ذكره من إيراد وجواب ما نصّهSadوكلمتنا الأخيرة هي: أنّ إنساء الله تعالى لنبيّه (ص) .. لمصلحة يراها يصطدم بمقولة. أنّ هذا ما هو إلاّ إحالة على مجهول وما أدّعى من عدم إقرار الله تعالى له على السهو لا يكفي في حفظ كرامة النبي (ص) والإطمئنان إلى ما يصدر عنه (ص) بما يكون له. طابـع الفوريـة وعـدم




(1) الصحيح من سيرة النبي ط.جديدة، ص 180.

(2) الصحيح من سيرة النبي ط.جديدة، ص 180.

(3) نفس المصدر، ص 181.

(4) نفس المصدر، ص 181.

/صفحة 132/

المهلة، حيث لا تبقى فرصة لظهور الخلاف. كما أنّ ذلك يسئ إلى قداسة النبي (ص) بنظر الناس، وذلك ظاهر لا يخفى.) (1)

3 ـ إنّ كل ما تقدم ذكره من تعديلات أجراها السيد المحقق في طبعته الثانية لكتابه، يكشف عن السبب الحقيقي الذي يقف وراء عدم إعتماد الشاخوري على هذه الطبعة وإقتصاره على الطبعة الأولى.

بل يمكن القول أن نفس عبارة الشاخوري وإقتصاره على النظر في الطبعة الأولى يدل أن في الطبعة الثانية ما يخالف ما يحاول الشاخوري إثباته.

4 ـ كنا قد ذكرنا آنفاً أن قيام الباحث بتعديل رأيه عن قضية ما لظهور أدلة جديدة لديه أو بسبب التعمق أكثر في التحقيق وفي الأدلة السابقة لا يمكن إعتباره مؤاخذة على الباحث بل هو من مفاخره التي تدل على عدم إصراره وعناده على رأي ثبت له بطلانه. لا سيما أن الفرق بين كلا الطبعتين يبلغ تقريباً الخمسة عشر عاماً وهي مدة كافية للحصول على المزيد من النضج الفكري والزيادة في بلورة أفكاره وإختيار الصحيح منها وهذا هو الخط السليم وليس من زاد تراجعاً إلى أفكار خاطئة مع تقدمه في السن.

وليت غير السيد المحقق يتحلى بهذه الميزة، ويتجرأ على العدول عن رأي تبناه بل هو يعتبر أن كل ما قاله خلال السنوات الواحدة والثلاثين تعبر عن رأيه، لم يبدل فيها شيئاً. كما ذكر ذلك في ندوة قاعة الجنان الأخيرة.

وهو إن انكشف له بطلان رأيه يرفض الاعتراف بذلك ويدعي أن ما ينقل عنه ليس هو ما قصده من كلامه. وبالنهاية فإن المهرب له من أفكاره الخاطئة التي يظهر بطلانها هو تعبيره الدائم (ليس هذا قصدي) و (هم فهموا خطأً) الخ…

5 ـ ومع ذلك فإن من المعروف بين العلماء أن الصدوق حين ذهب إلى القول بإمكان أن يسهي الله نبيه لم يعترض عليه علماؤنا، وإنما أعترض من اعترض حين فهم منه جواز السهو لا الإسهاء وشتان ما بينهما وبالتالي فإن نسبة الشاخوري إلى السيد المحقق القول بإمكانية السهو ناتج عن هذا الخلط.




(1) الصحيح من سيرة النبي ط.جديدة، ص182.



/صفحة 133/

ويكفيك في ذلك أن السيد المحقق قد عالج نسبة الخطأ والسهو إلى النبي وأظهر بطلانهما بعد المطلب الذي ذكره الشاخوري مباشرة. (1) وعلى أي حال فإننا لم نعد نعاتب الشاخوري على هذا الخلط والتخليط وذلك لكثرتها عنده، وهو يدل على مبلغ الشاخوري في العلم.!!
المبحث الثاني: أهل البيت والسيد فضل الله:

يتناول هذا البحث بعض المقولات التي ذكرها السيد فضل الله بحق أهل بيت العصمة (ع) والتي تعرض لها السيد المحقق في كتابه (مأساة الزهراء) حيث حاول الشاخوري عبثاً الدفاع عنها. فلننظر إلى محاولته تلك.
أولاً: أهل البيت عامة:

ـ ينقل الشاخوري عن كتاب(مأساة الزهراء) نصاً يتعلق بالسيد فضل الله فيقول:

(فلا يصح ما يردده البعض من أن المطلوب هو مجرد الأرتباط الفكري بهم (ع) من خلال معرفتنتا بسياستهم). (2)

ثم يعلق الشاخوري على هذه العبارة قائلاًSadفهو يقِّول الآخر مقولة مفادها أن إرتباطنا بالأئمة (ع) كارتباطنا بإرسطو والفارابي وغيرهم من المفكرين الذين نعجب بأفكارهم وهنا نتساءل أين الأمانة العلمية التي هي أمانة العلماء الذين يحفظون الشريعة) (3) .

ولا يخفى على القارئ سبب معالجة الشاخوري لعبارة السيد فضل الله دون الدخول بالدفاع عنها والإقتصار على شرح مقصد السيد المحقق، ومع ذلك فان قصر الأرتباط بأهل البيت (ع) على الإرتباط بهم فكرياً ومن خلال معرفتنا سياستهم لا يصـح،



(1) الصحيح في السيرة، طبعة أولى، ج 3، ص 294.

(2) مرجعية المرحلة ص152 نقلاً عن (مأساة الزهراء).ج 1، ص 91.

(3) مرجعية المرحلة ص 152.

/صفحة 134/

لان المطلوب هو الارتباط بهم فكرياً وسياسياً ومعنوياً ووجدانياً بل وحتى شخصياً، ما داموا يمثلون الحق كلّه، فالحق يعرف بهم، فهو يدور معهم كيفما داروا.
ثانياً: ـ الرسول الأعظم (ص) : فاطمة أم أبيها:

يقول الشاخوريSadومن أغرب ما سمعناه مقولة أطلقها البعض مفادها أن الزهراء (ع) قد عوضت النبي (ص) عن عطف الأم، حيث أنّ أمّه ماتت وهو لا يزال طفلاً فلأجل ذلك أطلق عليها لقب أم أبيها. هذا الكلام لا يمكن قبوله، إذ لا يمكننا قبول مقولة إنّ النبي (ص) كان يعاني من عقدة نقص نشأت عن فقده أمّه فأحتاج إلى من يعوضه ما فقده) (1) .

ثم يعلق الشاخوري على هذه المقولة التي جاء بها من كتاب مأساة الزهراء فيقول: (من الواضح أن الحديث لا ينسب النقص إلى النبي (ص) إنما يتعرض للعمل الذي قامت به الزهراء (ع) التي كانت تمسح رأس النبي (ص) من الأوساخ التي يرميها عليه المشركون وتداوي جراحه وتقوم مقام عمل الأم في العناية بولدها، فصارت أم أبيها وليس المراد أن النبي (ص) ناقص) (2) .

إن هذا الفهم من الشاخوري لمقولة أم أبيها هو تقريباً مراد السيد المحقق لكنه قطعاً ليس مراد السيد فضل الله أو على الأقل لا يمكن فهمه من كلامه، وكان الأجدر بالشاخوري ألا يدافع عن السيد فضل الله لاختلاف الفهم عند كليهما لمعنى كلمة
(أم أبيها) .

والطريف أنّ الشاخوري عندما حاول أن يعبر عن هذه الفكرة بعبارة أخرى، إنما جاء بنفس كلام السيد فضل الله الذي هو مورد الأشكال، حيث قال: (إنّ الشعور بالجوع لا يعني نقصاً فيه وليس هناك فرق بين الجوع إلى الطعام وبين الجوع إلى الحنان، فنحن نعيش الجوع إلى الحنان كما نعيش الجـوع إلى



(1) مرجعية المرحلة، ص153.

(2) نفس المصدر، ص 153.

/صفحة 135/

الطعام، فهل هناك نقص في النبي (ص) عندما يحسُّ بالجوع إن كان جوعاً للحنان أو للطعام..) (1) .

وقبل التعليق على هذا الكلام، لابُّد من إيراد ما ذكره السيد فضل الله في كتاب الندوة الذي يحيل الناس إليه دائماً فيقولSadبدأ النبي (ص) وهو يشكو فقد حنان الأم لأن حنان الأم ليس شيئاً يمكن أن تتكفله مرضعة أو مربية، إنه شيء من عمق الروح، من عمق القلب لان الولد جزء من الأم ولذلك فإن إحساسه كإحساس الإنسان بنفسه ليس شيئاً خارجاً عن حياته ولكنه شيء داخل في حياته وكانت هي جزءاً من الرسول (ص) والجزء يتفاعل مع الأجزاء الأخرى، ولذلك أعطته أمومتها بإحتضانها له، وقالها رسول الله (ص) وهو يشعر أن ذاك الفراغ الذي فقده بفقدان أمه استطاع أن يملأه من خلال إبنته، فإبنته هي أمّه بالروح وإبنته بالجسد ولذلك قال عنها إنها أم أبيها..) (2) .

ويمكن ملاحظة ما يلي:

1 ـ تأمل عزيز القارئ بالمفردات التي ذكرها السيد فضل الله:

ـ بدأ النبي (ص) حياته وهو يشكو فقد حنان الأم.

ـ أن حنان الأم شيء من عمق الروح والقلب.

ـ يشعر أن ذاك الفراغ الذي فقده.

ـ الشعور بالجوع إلى الحنان كما ورد في نص الشاخوري المنقول عن بيّنات.

2 ـ إذا كان النبي يشكو من فقد حنان الأم مع ما لكلمة يشكو من دلاله..

وكان حنان الأم شيئاً من عمق الروح فإن النبي (ص) في هذه الحال يشكو من شيء في عمق روحه، وإذا كان النبي (ص) يشعر بفراغ من هذا الفقد لشيء من عمق الـروح فالفـراغ




(1) مرجعية المرحلة، ص 154نقلاً عن بينات عدد 35.

(2) كتاب الندوة ج 1، ص 58.



/صفحة 136/

واقع وفق هذا المنطق في عمق روحه وقلبه، وقد لازمه هذا الفراغ وهذه الشكوى طوال خمسين سنة.

3 ـ عجباً من تشبيه الجوع إلى الحنان بالجوع إلى الطعام، كما أنّ السيد فضل الله قد شبه الجوع إلى الجنس بالجوع للطعام في تفسيره لسورة يوسف (ع) (1) . ولا ندري إلى أين سوف يؤدي به هذا التشبيه في المستقبل حين الكلام عن عدد أزواج النبي (ص) حيث تزوجهن عن عمر متأخر؟!.

4 ـ ولا بد هنا من مناقشة صغيرة لمقولة تعويض الزهراء (ع) للنبي (ص) عن حنان يزعم السيد فضل الله أنه (ص) فقده، عند العلماء المحببين للشاخوري الذين أصبح كلامهم حجة وقولهم دليلاًً، أعني علماء النفس:

إن نظرية كون الرسول (ص) يعاني من فراغ في عاطفة الأم التي فقدها صغيراً وأن الزهراء (ع) قد ملأت أو عوضت هذا الفراغ، إن هذه النظرية تسمى عند علماء النفس بنظرية (التعويض).

وهذه النظرية تعني أن الشخص قد يجد في شخص آخر أو في سلوك معين بديلاً لشيء أفتقده وهو صغير، وقد أختزن الشخص هذا الشيء المفقود في لا شعوره. وعلى سبيل المثال (وهذا المثال يضربه عادة علماء النفس وليس من اختراعنا) قد يلجأ شخص لعادة مص إصبعه وهذه العادة قد تكون على سبيل التعويض عن شيء فقده وهو عدم حصوله على الرضاعة من ثدي أمه. وبالتالي فإن مص الإصبع هو تعويض لهذه الحاجة التي يختزنها هذا الشخص.

على أن عناصر نظرية التعويض هذه هي:

ـ جهل الشخص بعقدته إذ أنه يختزنها في لا شعوره.

ـ جهل الشخص بأن سلوكه الجديد بمثابة تعويض وهو مرتبط بالعنصر الأول لأن جهله بعقدته المختزنة في لاشعوره يمنعه من إدراك هذا الربط بين شيء لا يعلم بوجوده بسبب كمونه في اللاشعور وبين سلوكه الجديد.

ـ إن هذا السلوك الجديد لهذا الشخص ليس إلا بديلاً ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يحل محل الأصل.



(1) كتاب الندوة ج 1، ص 303.

/صفحة 137/

ـ إن السلوك الجديد الذي بدأ على شكل تعويض يتحول تدريجياً إلى عادة لا يستطيع تركها أو التخلص منها إلا بمساعدة خارجية. على أن هذا الربط يدركه الطبيب المعالج إما بواسطة (التنويم المغناطيسي) أو بواسطة ما يسمى (بالتداعيات الحرة..). وبعد أن يكتشف الطبيب هذا الربط يقوم بتقديم بديل آخر للمريض ويشترط في هذا البديل أن يتمكن الشخص من التخلص منه بسهولة بعد حل مشكلته.

والجدير ذكره أن علماء النفس يعتبرون الأشخاص الذين يقومون بأفعال التعويض هذه مرضى نفسياً، ويعانون من عقدة نقص.

وبعد الذي قدمناه هل يقبل الشاخوري (الفرويدي) النزعة بأن ينسب للنبي (ص) ما ينسبه السيد فضل الله إليه؟.

كما أننا نسأل الشاخوري ماذا لو وقع هذا الكلام بين يدي بعض علماء النفس على إختلاف أهوائهم ومذاهبهم ممن يتربصون بالإسلام شراً فماذا تكون النتيجة؟!. وهل يصح هذا القول، مع ماله من مخاطر، ممن يزعم الشاخوري أنه يشكل خطراً على مصالح الإستكبار العالمي؟‍!

وهل أصبح الرسول (ص) يعاني من مرض نفسي فتكون الزهراء (ع) تمثل بديلاً لتعويض ما فقده؟.

وهل توجيه كهذا لكلام الرسول (ص) بحق الزهراء (ع) من قبل السيد فضل الله يخدم ما يسميه (بالتحديات الفكرية المعاصرة)؟!.

وهل يمكن للزهراء (ع) أن تحل محل الأم في هذا الجانب الخصوصي جداً، علماً بأنها تمثل، وفق منطق السيد فضل الله، البديل وليس الأصل؟.

وهل كان الرسول (ص) يختزن نقصاً طوال الخمسين سنة حتى تعوضه أبنته (ع) هذا النقص؟!.

ولماذا لم يجد الرسول (ص) في زوجته خديجة (ع) وهي أول زوجاته هذا البديل؟ ولماذا؟ ولماذا؟.

كل هذه الأسئلة تحتاج للإجابة عليها، فهل من مجيب؟!.

علماً أن النبي (ص) قد عاش في كنف عمه (أبي طالب) وزوجته فاطمة بنت أسد التي سـارعت وزوجها إلى تصديق رسالته في السر والعلانية منذ أن بدأ الإستخفاف

/صفحة 138/

بالأصنام لذلك نجده (ص) يقول عند وفاتها والدموع في عينيه (اليوم ماتت أمي … ما أحسست باليتم منذ أن التجأت إليها) علماً أنها توفيت في السنة الرابعة من الهجرة. وإذا علمنا أنه (ص) قد إلتجأ إليها عند وفاة والدته فهذا يعني أنه لم يشعر باليتم أبداً.

وبعد كل ذلك فإننا لا ندري كيف يقال: إن شخصية كشخصية النبي (ص) وهو أفضل وأكمل إنسان وجد على هذه الأرض أنه يشكو من فراغ في الحنان بسبب فقد أمه وهو بعمر ست سنوات، وكيف يمكن لأصحاب هذه المقولات أن يواجهوا التحديات الفكرية حول قضية إنتقال الإمامة إلى الإمام الجواد وهو بعمر ست سنوات؟!.

كل ذلك علماً أن النبي (ص) عندما أطلق هذه المقولة إنما كان بصدد وصف إبنته وموقعها منه وليس وصف حاله كما فهم ذلك السيد فضل الله، وأنه كان يمكن أن يطلقها (ص) حتى مع وفاة والدته عن عمر كبير ولو تجاوز العشرين.
ثالثاً: الإمام علي عليه السلام:

يعلّق الشاخوري على كلمة للسيد فضل الله مفادها (إن طبيعة الأمور تقتضي أنّه إذا إجتمعت المعارضة ليتمردوا على الخلافة أن يبادر الحكام لمواجهتهم) (1) . ثم يعقب على ذلك بقوله: (فهنا طرح هذا الباحث أنه كيف يقال إنّ الأمام علي متمرد) (2) .

ثم يشبه الشاخوري هذه المقولة بمقولة ذاك الذي اعتبر وصف الأمام علي (ع) أول ثائر في الإسلام بأنه كفر، وذلك لأنه شبه أمير المؤمنين بالثور الهائج (3) وهنا لابد من ملاحظة بعض الأمور:

1 ـ إن تشبيه إعتراض السيد المحقق على وصف السيد فضل الله لأمير المؤمنين بالتمرد بمن قال أن الإمام علي أول ثائر في الإسلام تشبيه سخيف، لان السيد المحقق قد جاء بنفس عبارة السيد فضل الله وأعترض عليها بعكس المقولة الأخـرى التي قولت قائلها



(1) مرجعية المرحلة، ص153، نقلاً عن مأساة الزهراء، ج1، ص230.

(2) مرجعية المرحلة ص 153 نقلاً عن مأساة الزهراء ج 1، ص 230.

(3) نفس المصدر، ص 155.

/صفحة 139/

بخلاف مقصده من القول.

2 ـ أضف إلى ذلك أن إعتراض السيد المحقق إنما كان على وصف أمير المؤمنين بالمتمرد على الخلافة ولما يستقر للغاصب حكم أو سلطان، فكيف يوصف بالمتمرد فضلاً عن كونه معارضاً، لان هجوم القوم على الدار كان فور عودتهم من السقيفة إلى المسجد، وحتى لو قيل أن ذلك حصل بعد بيعة الناس له فإن وصفه (ع) بالمعارضة فضلاً عن التمرد كان على أقل تقدير قبل بيعة أمير المؤمنين (ع) وبني هاشم له.

3 ـ وثمة إشكال يتعلق باستعمال السيد فضل الله لعبارة (طبيعة الأمور) لأن فيها إشارة إلى تبرئة القوم من فعلتهم، وهو على الأقل مما قد يفهمه العامة ويحتجون به، وان كان لا بد من معالجة القضية بهذه الطريقة فعليه أن يقول: (إن طبيعة الأمور وفق تصورهم وفهمهم..) وإن كناّ إجمالاً نعترض على هذه الطريقة في معالجة المسألة وتصويرها. والجدير ذكره أن هذا التعبير للسيد فضل الله يكثر من إستعماله، فقد قال منذ فترة وجيزة في مقابلة تلفزيونية وفي معرض استنكاره للقاء البابا مع حاخام يهودي (إن الفاتيكان ليس دولة غربية كإيطاليا وإنما هي بحسب طبيعة الأمور دولة السيد المسيح والناطق الرسمي بإسم السيد المسيح) (1) وهنا نكرّر قولنا إنّ إستعمال هذا التعبير لا يصح لأنه إشارة إلى كون هذا الأمر هو الواقع فكان حرياً بالسيد فضل الله أن يقول: (إنّ الفاتيكان … بحسب تصورهم أو وفق منطقهم …) دفعاً للشبهة والإشكال.

ومهما يكن من أمر فإن كثيراً من العبارات التي يستعملها السيد فضل الله لا تخلو من ضبابية تجعلها تفهم بأكثر من معنى وتحمل على أكثر من وجه. وهنا ينشأ السؤال عن الأسباب والدوافع التي تقف وراء معالجة هذا النوع من القضايا بهذه الطريقة الأمر الذي يشعر أنّ وراء الأكمه ما وراءها؟

4 ـ هل أنّ أمير المؤمنين (ع) تمرد على الخلافة فعلاً وهي حقه وإرثه المنهوب بحسب طبيعة الأمور وواقعها؟!.



(1) مقابلة مع تلفزيون المستقبل تاريخ 7/1/98.

/صفحة 140/
رابعاً: ـ الزهراء عليها السلام:

سنعالج هنا أربع نقاط:

أ ـ مصحف فاطمة (ع) : يقول الشاخوريSadوكذا الإشكال الذي ذكره على وصف مصحف الزهراء (ع) أنه من مؤلفات الزهراء (ع) ، مأساة صفحة 106[ج 1] مع أن السيد محسن الأمين يقول في أعيان الشيعة (ج1 ص 93) واصفاً كتاب الجامعة من مؤلفات أمير المؤمنين الجامعة) (1) .

يبدو أن الشاخوري ـ كعادته ـ لم يفهم موضع الإشكال، ولعله لم يطلع على كلام السيد فضل الله ليعرف ما فيه، فإن الأشكال ليس في مجرد وصف مصحف فاطمة (ع) أنه من مؤلفات السيدة الزهراء (ع) وإنما في ما يؤدي إليه هذا القول أو فقل فيما يحاول قائله الوصول منه إلى نتيجة فاسدة وهي نفي كون هذا المصحف يشتمل على أخبار الغيب وأن يكون جزء منه من إملاء ملك كان ينزل إليها ليسليها (2) .

أما إستشهاد الشاخوري بكلام السيد الأمين فهو عجيب لأن السيد الأمين ذكر أن الجامعة من إملاء رسول الله ومع ذلك فهل يصح لمن يخط الكتاب وهو من إملاء غيره أن يقال بأنه مؤلفه فأن هذا المنطق سيدفع الشاخوري للقول بأن القرآن هو من مؤلفات عثمان أو من مؤلفات زيد بن ثابت وفقاً لإختلاف المؤرخين فيمن جمع القرآن فهل يقول الشاخوري بل والسيد الأمين أو السيد فضل الله بذلك ورغم كل ذلك نكرر أن ما أشكله العلامة المحقق هو نفي السيد فضل الله أن يكون مصحف فاطمة من إملاء ملك وأنه يحتوي على علم ما يكون.

ب ـ عصمة الزهراء (ع) : يقول الشاخوري في معرض اعتراضه على السيد المحقق أنه يحشر أفكاراً لا يلتزم بها الآخرون: (إدعاؤه بأن سماحة السيد استفاد عصمة الزهراء (ع) من البيئة حيث يقول ما نصه:..وحـديثه هذا يستبطن



(1) مرجعية المرحلة، ص155.

(2) لمزيد من التفاصيل حول هذه النقطة راجع كتاب الفضيحة، محمد مرتضى، ص 133.

/صفحة 141/

أن الزهراء لو عاشت في بيئة أخرى ليست ببيئة صلاح وخير وإيمان، فلسوف تطبعها بطابعها الخاص فتكون المرأة الشريرة والمنحرفة والعياذ بالله) (1)

ثم يعلق الشاخوري على هذا قائلاً: (ولا ندري من أين أتى بهذه الفكرة حيث أختلق فكرة في ذهنه ونسبها إلى غيره وهذه مشكلة من يقرأ السطور من خلال عاطفته فهو لا يقرأ الكلمات كما هي بل يقرأها بشكل مقلوب.. وإلاّ فمن أين أتى بهذه الفكرة التي لم نسمعها في أي محاضرة من محاضرات السيد أو كتبه، ولو كان هذا الباحث دقيقاً لذكر المصدر ولكنه يذكر الآراء من دون ذكر المصدر) (2) .

غريب أمر هذا الشاخوري فهو لا يترك فرصة إلاّ ويظهر فيها قصوره الذهني، فهو لا يملك إلاّ الشتائم والتجريح بحيث أن قصوره عن الفهم والإدراك يدفعه دفعاً إلى إيقاع نفسه بالتهلكة وسوء المصير. فهل عدم سماع أو قراءة الشاخوري لبعض كلام السيد فضل الله حجّة على عدم وجود ذلك الكلام وقد قيل إن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، فكيف إذا كان من يزعم أنّه فتش ولم يجد… هو من أمثال الشاخوري ممن ينظر إلى الأشياء ـ لاسيما إذا كانت تخص من يدافع عنه ـ بنظّاره سوداء (على حد تعبير الشاخوري) فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وحسبك أنّ هذا النص قد جاء في كتاب تأملات إسلامية حول المرأة للسيد فضل الله صفحة 9 يقول فيه:

(وإذا كان بعض الناس يتحدث عن بعض الخصوصيات غير العادية في شخصيات هؤلاء النسوة فإننا لا نجد هناك خصوصية إلا الظروف الطبيعة التي كفلت لهن إمكانات النمو الروحي والعقلي والالتزام العملي بالمستوى الذي تتوازن فيه عناصر الشخصية بشكل طبيعي في مسألة النمو الذاتي. ولا نستطيع إطلاق الحديث المسؤول القائل بوجـود عناصـر غيبية



(1) مرجعية المرحلة، ص 151.

(2) نفس المصدر، ص151.

/صفحة 142/

مميزة تخرجهن عن مستوى المرأة العادي، لأن ذلك لا يخضع لأي إثبات قطعي…).

ولا بد أن القارئ قد لاحظ تعبير السيد فضل الله (لا نجد هناك خصوصية إلا الظروف الطبيعية). والتي قصد منها السيد فضل الله (البيئة التي عاشت فيها) وإلى هذا أشار السيد المحقق.

ولعل القارئ الآن قد أدرك من الذي يختلق الفكرة هل هو السيد المحقق كما زعم الشاخوري، أم هو الشاخوري نفسه الذي يصر على تبرئة السيد فضل الله ولو عبر تضليل القراء والزعم بأن هذا الكلام لم يقل به صاحب المقولة.

ولو كان هذا الكاتب دقيقاً لبحث في كتب السيد فضل الله بل لو قرأ كتاب السيد محمد الحسيني (هوامش نقدية). لوجد النص لأنه ذكره. (1) ورغم كل ما تقدم فإن كتب علمائنا الأبرار فيها الكثير من الأقوال التي لم يذكروا مصادرها فهل يتهمهم بما أتهم به السيد المحقق؟!

ومع ذلك نسأل الشاخوري الذي يعيش خلف أشرطة كاسيت وكتب السيد فضل الله كيف لم يسمع أو لم يقرأ هذه المقولة، بل لماذا لم يسأله عنها وعن مصدرها، ولنا أن نتوقع أنه قد فعل ذلك ولكنه تهرب وأراد تضليل القارئ (والتهويش) عليه
(كما يعبر الشاخوري) ، وإذا أردنا حمله على الأحسن فإنه لنا القول إنه قرأها لكنه لم يلتفت إليها ولم يفهمها، وإذا أراد الشاخوري أن نحمله على أحسن من ذلك، فلنا أن نقول أن هذا المورد لم يمر معه أو لم يطلع عليه، ووفق هذا المحمل نسأله كيف يحق له اتهام الآخرين بعدم التدقيق، وأنهم يختلقون أفكاراً في أذهانهم وينسبونها إلى غيرهم دون حصول القطع لديه أن السيد فضل الله لم يتحدث بهذه المقولة؟ وهل المعيار عنده في صحة نسبة المقولات إلى السيد فضل الله وعدمها هو كونه مطلعاً عليها أو أنها قد مَّرت على يديه؟!.



(1) للمزيد من التفاصيل راجع (الفضيحة) ص171.

/صفحة 143/
ج ـ النشاط الإجتماعي للزهراء (ع) :

ينقل الشاخوري نصاً عن السيد فضل الله يقول فيه:

(إننا لا نجد في التاريخ ما يشير إلى نشاط إجتماعي للسيدة الزهراء في داخل المجتمع الإسلامي إلا في رواية أو روايتين).

ويعلق الشاخوري على هذه المقولة فيقول:

(ومن الواضح هنا أن السيد يقصد أن الرواة لم يفيضوا في هذا الجانب الإجتماعي،وليس في مقام إنكار نشاط الزهراء الإجتماعي بدليل العشرات من المحاضرات التي ألقاها سماحته في هذا الموضوع.. ولكن هذا الكاتب حاول أن ينهال بهذه العبارة المتقدمة، ليقول السيد ما لم يقله وهذا من أخطر أساليب التحريف …) (1)

ويلاحظ على كلام الشاخوري المتقدم الذكر:

1 ـ إن السيد فضل الله ذكر بأنه (لا يجد في التاريخ) ولو أراد المعنى الذي ذكره الشاخوري لكان قال إننا لم نجد (روايات) أو (لم نجد عند الرواة) أو عبر كما عبر الشاخوري، إلا إذا كان الشاخوري أفصح وأبلغ من السيد فضل الله.

وعلى هذا فالمشكلة ليست بسوء الفهم كما يتهم السيد فضل الله الآخرين بل بسوء التعبير عنده. وإن كنا نشك بذلك لأن السيد فضل الله وعند مناقشته بهذه الأفكار يدافع عنها ولذلك قال بعد أن تحرك المخلصون ووقفوا بوجه أفكاره وطروحاته، إن كل ما كتبه خلال الثلاثين سنة هو مسؤول عنه!!!. (2)

2ـ رغم أن الشاخوري أدعى وجود العشرات من المحاضرات التي تحدث فيها السيد فضل الله عن النشاط الإجتماعي للزهراء (ع) فإنه لم يقدم لنا ولو مصدراً واحداً من العشرات هذه.



(1) مرجعية المرحلة، ص152.

(2) لقاء حواري في قاعة الجنان، 22 تشرين الأول 1997.

/صفحة 144/

ويحق لنا أن نتساءل عن المصادر التي أعتمدها السيد فضل الله في توثيق معلوماته عن نشاط الزهراء (ع) الذي تحدث عنه بعشرات المحاضرات، مادام لا يوجد إلا في رواية أو روايتين.
د ـ الزهراء (ع) رضيت عن الشيخين:

ينقل الشاخوري عن كتاب مأساة الزهراء كلاماً للسيد فضل الله يقول فيه: (إن القضية قد انتهت في حينها، فأنها (ع) قد رضيت على أبي بكر وعمر حينما استرضياها قبل وفاتها) ويعلق الشاخوري على هذا الكلام فيقول: (وهنا يتكل على عدم ذكر المصدر فأين الأمانة العلمية في نقل كلام الآخر علماً أنّ لسماحة السيد عشرات بل مئات المحاضرات المطبوعة وغير المطبوعة مما يكذب هذه النسبة) (1)

وهنا لابدّ من الوقوف على عدّة أمور:

1 ـ إن كلمة السيد فضل الله هذه قد ذكرها في محاضرة مسجلة، وهي المحاضرة التي كانت الشرارة في إثارة العلماء والرأي العام الشيعي ضدّه، وهي ـ المحاضرة ـ التي أشار إليها السيد فضل الله في رسائله إلى السيد المحقق العاملي والى السيد جواد الكلبابكاني نجل المرجع الديني المقدس. عندما قال إن هذا الموضوع لم يطرحه على الملأ وإنما جاء في جلسة خاصة بالأخوات وقد أراد من خلال إثارة هذا الموضوع تحريك الجو العلمي (2) ولا ندري كيف أن هدف السيد فضل الله من طرح هذه القضية هو إثارة الجو العلمي في الوقت الذي يقوم بطرح مثل هذه الأفكار. في جلسات خاصة بالأخوات في مسجد بئر العبد بعيداً عن الحوزات العلمية وبعيداً عن العلماء وذوي الاختصاص في مثل هذه الموضوعات؟

2 ـ هل يصح بعد هذا أن يسأل الشاخوري عن المصدر؟ في الوقت الذي يزعم فيه أنّه مطّلع على محاضرات السيد فضل الله؟.



(1) مرجعية المرحلة، ص 157.

(2) راجع كتاب الفضيحة قسم الملحقات.

/صفحة 145/

3 ـ إن وجود محاضرات للسيد فضل الله تخالف ما ذكره آنفاً لا يخوّل الشاخوري الإدّعاء أنّ ما جاء في كلام السيد فضل الله يكذّب هذه النسبة، لأنه وعلى فرض وجود هذا المناقض فهو يوجب تناقض ما صـدر عن السيد فضل الله، ولا يصحح تكذيب ما نسب إليه، فـوجـود المتناقضات في كلام السيد فضل الله يتحمل تبعاتها نفس السيد فضل الله، ولا يصح تحميلها للآخرين.

4 ـ إن السيد المحقق لم يذكر في جميع ثنايا كتاب مأساة الزهراء مصادر كلمات السيد فضل الله، ويحق لنا أن نسأل الشاخوري عن سبب مطالبته بذكر المصدر في موارد خاصة جداً ولم يطالب في موارد أخرى، علماً أن السيد المحقق وكما ذكرنا لم يشر إلى أي مصدر. ولنا أن نتوقع أن الشاخوري عندما لم يستطع تجميل كلام السيد فضل الله في هذه الموارد الخاصّة تهربّ الى طلب المصدر.
المبحث الثالث: تحريف كلام العلماء.

يعرض هذا المبحث إلى جملة من تحريفات الشاخوري لأقوال بعض العلماء إضافة إلى نسبة بعض الآراء إليهم ممّا لا يقولون به.
أولاً: علم الأئمة بما كان وبما يكون:

يقول الشاخوريSadإن المشهور من علمائنا كالشيخ الطوسي والسيد المرتضى علم الهدى والشيخ المفيد وغيرهم من أعلام المذهب ـ كالشيخ الصدوق الذي يقول بسهو المعصوم ـ إن المعصوم يقولون غير مقّدم في الصناعات وعليه أن يرجع لأهل الخبرة. ولا يعلم ما كان وعلم ما يكون (راجع تلخيص الشافي للشيخ الطوسي ج 1، ص 252 ـ … أوائل المقالات للشيخ المفيد ص 67… رسائل الشريف المرتضى ج 3، ص 131… وراجع الشيعة في الميزان الشيخ مغنية…) فالمشهور كلهم على خلاف قول الكاتب، حيث يقول إنّ الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون راجع الكتاب ص 109، وهـذا عين عقـيدة الغلاة التي يمثلها يونس بن ظبيان

/صفحة 146/

ومحمد بن جمهور ومحمد بن فقلاس أبو الخطاب وغيرهم ممن حاربهم الأئمة …) (1) .

إن هذا التحريف من الشاخوري لكلام هؤلاء الأعلام من أشنع وأقبح الأعمال التي تصدر عن بعض المدعين للإنتساب إلى مذهب أهل البيت (ع) ويزعمون أنهم من حماة هذا الدين الحنيف والمدافعين عنه وسوف يتضح بعد قليل زيف دعوى هؤلاء من خلال النصوص التي أوردها أعلام المذهب كما هي دون تحريف أو تلاعب بها وإليك البيان:
1 ـ مع كلام العلماء.

أ ـ مع كلام الشيخ الطوسي (قده) : يقول (قده) في تلخيص الشافي ما حرفيته:

(لأننا لا نوجب كون الإمام (ع) عالماً بجميع الدين من لدن خلقه، وكمال عقله …) (2) .

ب ـ مع كلام السيد المرتضى (علم الهدى) (قده) يقول (قده) في رسائله:

(الجواب قد بينّا في رسالة أمليناها منفردة ما يجب أن يعلمه الإمام وما يجب أن لا يعلمه.

وقلنا: إن الإمام لا يجب أن يعلم الغيوب وما كان وما يكون لان ذلك يؤدي إلى أنّه مشارك للقديم تعالى في جميع معلوماته وأنّ معلوماته لا يتناهى، وأنّه يوجب أن يكون عالماً بنفسه وقد ثبت أنّه عالم بعلم حادث …

فأماّ الغائبات، أو الكائنات الماضيات والمستقبلات، فإن علم بإعلام الله تعالى شيئاً فجائز، وإلاّ فذلك غير واجب …) (3)

ج ـ مع كلام الشيخ المفيد (قده) يقول (قده) في أوائل المقالات:

(وأقول: إنّ الائمة من آل محمد (ع) قد كانوا يعرفون ضمائر بعض



(1) مرجعية المرحلة ص130 ـ 131.

(2) تلخيص الشافعي، ج 1، ص 253.

(3) رسائل الشريف المرتضى، ج3، ص131.



/صفحة 147/

العباد ويعرفون ما يكون قبل كونه،وليس ذلك بواجب في صفاتهم ولا شرطاً في إمامتهم، وإنما أكرمهم الله تعالى به وأعلمهم إيّاه للطفٍ في طاعتهم والتمسك بإقامتهم، وليس ذلك بواجب عقلاً ولكنه وجـب لهم مـن جهـة السماع، فإمّا إطلاق القول عليهم بأنهم يعلمون الغيب فهو منكر بيّن الفساد، لان الوصف بذلك إنما يستحقه من علم الأشياء بنفسه لا بعلمٍ مستفاد، وهذا لا يكون إلا الله عزّ وجلّ وعلى قولي هذا جماعة أهل الإمامه …) (1)

د ـ مع كلام الشيخ الصدوق (قده) :

أمّا كلام الشيخ الصدوق حول السهو فقد كان في معرض تفسيره لرواية تتعلّق بأحكام السهو والشك وقد جاء في الرواية (سمعت أبا عبد الله (ع) أن الله تبارك وتعالى أنام رسوله (ص) عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، ثمّ قام فبدأ فصلّى الركعتين اللتين قبل الفجر، ثم صلى الفجر. وأسهاه في صلاته فسّلم في ركعتين، ثم وصف ما قاله ذو الشمالين …).

وقد علّق الصدوق (قده) على هذه الرواية بقوله: (… وليس سهو النبي (ص) كسهونا لان سهوه من الله سبحانه وإنما أسهاه ليُعلم أنه بشر مخلوق فلا يُتخذ رباً معبوداً دونه …) (2) .

وتعليقاً على ما ذكره الصدوق (قده) نقول:

1 ـ قد تقدّم في حديثنا عن كتاب تصحيح الاعتقاد أنّ الشيخ الصدوق لم يكن مختصاً بالعقائد وأنّه كان ينسب إلى الشيعة ما جاء في ظاهر الروايات بعيداً عن التحقيق فيها وقد أشرنا إلى ذلك تفصيلاً فراجع.

2 ـ إنّ الشيخ الصدوق إنما كان يحاول توجيه الرواية لا جل تنزيه الشيعة عن القول بعدم السهو، لأنه (قده) كان يعتبر أنّ منكري السهو إنما هم من الغلاة والمفوضه..



(1) أوائل المقالات، ص67.

(2) من لا يحضره الفقيه، منشورات جامعة المدرسين ـ قم، ج1، ص358.

/صفحة 148/

3 ـ إنّ المتأمل في تعليق الصدوق (قده) على الرواية يدرك ان قصده تجويز إسهاء الله لنبيه لا أنّ النبي (ص) يسهو، معتقداً أنّ ذلك من شأنه أن يثبت بشرية النبي (ص) وعبوديتة لله. وقد أشرنا الى ذلك في كلامنا عن كتاب تصحيح الاعتقاد فراجع.

وقد التفت إلى ذلك مصحّح كتاب (من لا يحضره الفقيه) الشيخ علي أكبر الغفاري، الذي علق على كلام الصدوق (قده) بقوله: (إنما يتم هذا الأشكال إذا كان القائل بالإسهاء أو السهو يعتقد بجواز السهو عليه مطلقاً لا في موارد خاصة مع إعلامه بلا فصل، فبعد أن أعلم ـ على فرض صحّة الروايات ـ فلا مجال لهذا الإشكال. والصدوق (قده) لا يعتقد جواز السهو عليه مطلقاً، إنما قال:

(إن الله سبحانه وتعالى أسهاه في تلك الموارد خاصة ليعلم للناس أنّه بشر وليثبت له العبودية وإن كان ظاهر كلامه ينافي مذهبه في الاعتقاد بالعصمة بمعناها العام). (1)
2 ـ نظرة في كلام العلماء:

أ ـ وبعد كل ما تقدم يتضح أن هؤلاء الأعلام لم يكونوا في وارد نفي أن يكون المعصوم يعلم ما كان وما يكون بل إن مرادهم نفي وجوب ذلك للمعصوم وبعبارة أخرى كان البحث بين الجواز والوجوب. ولسنا ندري إن كان الشاخوري ـ كعادته ـ يدرك الفرق بينهما.

على أن نسبة القول بسهو المعصوم إلى هؤلاء الأعلام من قبل الشاخوري دليل على عدم تفريقه هذا.

ب ـ إن ما نسبة إلى السيد المحقق بالقول إن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأحال الى كتاب مأساة الزهراء ج 1، ص 109، فهو وإن كان صحيحاً لناحية قول العلاّمة المـحقق بجـواز ذلك عليه كما ذهـب إليه الشـيخ الطـوسي والمفـيد



(1) من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق، منشورات جامعة المدرسين قم، ج1، ص358.

/صفحة 149/

والسيد المرتضى (علم الهدى) كما أشرنا آنفاً، إلاّ أنّ إطلاق القول بالكيفية التي أوردها الشاخوري مع عدم تفريقه بين جواز ذلك ووجوبه وفق الإحالة التي أحال إليها الشاخوري لا يصح بدليل أنّ السيد المحقق لم يكن يتحدث في المورد الذي أحـال إليه الشاخوري عـن علم الأئمة بما كان وما يكون وإنما كان ينقل (دام ظلّه) رواية عن مضمون مصحف فاطمة (ع)

وأنّ فيه علم ما يكون ولم يظهر منه ما يدلّ على أنه يتبنى ذلك أو يتحفظ عليه. وأمّا اشتمال مصحف فاطمة (ع) على علم ما يكون فليس بالضرورة أن يكون المقصود به علم الغيب مطلقاً، بل علم بعض أخبار الغيب وهو نصوص الحوادث الواقعة مما أخبرها إيّاه رسول الله (ص) أو الملك الذي كان ينزل إليها ليسليها.
ثانياً: الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء:

ويستمر مسلسل التحريفات عند الشاخوري ليصل إلى الشيخ كاشف الغطاء حيث يقول:

(تناقض الكتاب (مأساة الزهراء) في عرض رأي الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، حيث تارة يقول إن كاشف الغطاء لا ينكر وتارة يقول إنّه ينكر … وغيرها من التبريرات ولم يقل أن الشيخ كاشف الغطاء خالف حقائق الدين وثوابته…) (1)

كنا قد تحدثنا مفصلاً عن رأي الشيخ كاشف الغطاء في بداية الكتاب تحت عنوان (مصادرات شاخوريه) فراجع ومع ذلك نقول إنّ مراد السيد المحقق من أن الشيخ كاشف الغطاء لم ينكر ما جرى على الزهراء ـ هو أن الشيخ كاشف الغطاء لم يكتف بما ذكره في كتابه جنة المأوى، بل زاد على ذلك بأن أنشد تلك الأبيات الشعرية التي تخالف ما تمسّك به السيد فضل الله. وأمّا إدعاء الشاخوري بأن السيد المحقق عاد ونقل عن الشيخ كاشف الغطاء أنه ينكر ذلك فإنما كان من قبل السيد المحـقق على سبيل التنزل



(1) مرجعية المرحلة ص 170.

(2) راجع كتاب مأساة الزهراء ج 1، ص 191 ـ 192.

/صفحة 150/

والفرض. وهو قوله (دام ظلّه) إنّ الشيخ كاشف الغطاء وإن كان عالماً مبرّزاً لكن ذلك لا يجعله في أمنٍ من الوقوع في الخطأ والإشتباه. (2) ويبدو أنّ الشاخوري كثير الخلط، فهو لم يفرّق بين القول التقريري وبين القول التنزلي وقد تقدّم في كثير من الموارد السابقة عدم التفاته وتفريقه فتأمّل.

وأمّا إدعاؤه أنّ الشيخ كاشف الغطاء قد أنكر ما جرى على الزهراء وأنّ السيد المحقق لم يقل عن الشيخ كاشف الغطاء أنّه خالف حقائق الدين وثوابته، فهو تحريف لكلام الشيخ كاشف الغطاء ومقصده، ولا ينفع التمسك بقول الشيخ كاشف الغطاء أن قضية ضرب الزهراء ولطم خدها مما لا يكاد يقبله وجدانه لأننا قد بيّنا أن ما قصده الشيخ كاشف الغطاء بالضرب المستبعد إنما هو ملامسة القوم لبدنها الشريف، ولم يستبعد رحمة الله ضربها من وراء الرداء، وإليك مجدّداً النص الحرفي لكلام الشيخ كاشف الغطاء:

(وأمّا قضية قنفذ وأنّ الرجل لم يصادر أمواله كما صنع مع سائر ولاته وأمرائه وقول الإمام (ع) : أنّه شكر له ضربته فلا امنع من أنّه ضربها بسوطه من وراء الرداء وإنما الذي أستبعده أو أمنعه هو لطمه الوجه وقنفذ ليس ممّن يخشى العار لو ضربها من وراء الثياب أو على عضدها..) (1)

وقد علق على كلامه هذا رحمه الله العلامة السيد محمد علي القاضي الطباطبائي بقوله:

(يظهر من هذا الكلام أنّ مراد شيخنا الإمام رحمه الله من أوّل هذا المقال إلى آخره هو إستبعاد أن تصل يد أثيمة من أجنبي إلى بدن الصدّيقة الطاهرة ووجهها سلام الله عليها بالضرب واللطم وهذا الاستبعاد في محله فأنه لا يمكن أن يصل يد أجنبي إلى بدنها قطعاً. وأما الضرب من وراء الثياب والرداء فلا استبعاد في ذلك في نظره رحمه الله كيف وقد طفحت واستفاضت كتب الشيعة من صـدر الإسـلام إلى اليوم وأطبقت كلمتهم أنها



(1) جنة المأوى ص 84.

/صفحة 151/

ضربت بعد أبيها حتى كسر ضلعها وأسقطت جنينها وماتت. وفي عضدها كالدملج. ووافقهم على هذا الرأي كبير علماء المعتزله ورئيسهم إبراهيم بن سيار البصري المعروف بالنظّام.. أستاذ الجاحظ قال:

إن عمر ضرب بطن فاطمة (ع) يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها وكان يصيح أحرقوا الدار بمن فيها.. وهكـذا نقله عنه صـلاح الـدين الصفدي في الوافي بالوفيات كما في العبقات للعلامة السيد حامد حسين الهندي. وقال المؤرخ الكبير علي بن الحسين المسعودي رحمه الله في كتاب إثبات الوصية ما هذا لفظه:..

فتوجهوا إلى منزله فهجموا عليه، وأحرقوا بابه واستخرجوه كرهاً، وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً..) (1) .

مع أنه يمكن مناقشة كلام الشيخ كاشف الغطاء لأن ضربها (ع) من وراء الرداء لا يعني عدم تقبل لطم خدها، فإن كان الإستبعاد بسبب عدم تقبل ملامسة بدنها، فإنها (ع) كانت تضع خماراً والروايات في ذلك كثيرة. وبالتالي فإن ملامسة اليد للبشرة غير واقعة.

إننا نأسف لهذا التكرار باعادة كلام الشيخ كاشف الغطاء فذلك عائد إلى حجم الجريمة التي أرتكبها الشاخوري باصراره على التحريف بإيهام الناس بالأفكار المشوهة والشنيعة التي أقل ما يقال فيها أنها إفساد لعقول الناس ومعتقداتهم. وإننا نسأله عن الأمانة العلمية في النقل التي (يرندح) بها دائماً وباستمرار.
ثالثاً: السيد عبد الحسين شرف الدين:

وتكر سبحة التحريف عند الشاخوري لتطال هذه المّرة علماً من أعلام التشيع المجاهدين وهو السيد عبد الحسين شرف الدين. يقول الشاخوريSadوهكذا الكلام في عرضه لرأي السيد عبد الحسين شـرف الــدين فتارة يسـلّم بأن شـرف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://minhaj.ahlamontada.com
منهاج السنة
لا اله الا الله محمد رسول الله
لا اله الا الله محمد رسول الله
منهاج السنة


مرجعية المرحلة وغبار التغيير Vitiligo-ae30eb86b8مرجعية المرحلة وغبار التغيير Iraqiaabc6667cb59
عدد المساهمات : 897
تاريخ التسجيل : 27/10/2012

مرجعية المرحلة وغبار التغيير Empty
مُساهمةموضوع: رد: مرجعية المرحلة وغبار التغيير   مرجعية المرحلة وغبار التغيير Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 16, 2012 7:22 pm

/صفحة 152/

الديـن لم يذكر حديث الضلع كما في صفحة206.

(إن السيد عبد الحسين شرف الدين لم يكن في تأليفه بصدد تفصيل هذا الأمر..) وكما في صفحة 210 حيث يقول (إن عدم ثبوت ذلك عند آية الله شرف الدين لا يعني أنـه لا يمكن أن يثبت أصلاً.. وحتى لو لم يكـن كذلك فإن الإشكال العلمي يرد على السيد شرف الدين كما يرد على غيره فإن القضايا العلمية والدينية تابعة للدليل والبرهان..) فمن هذين المقطعين يفهم منه أن شرف الدين لم يذكر ذلك، ولكنه في صفحة 213 نسي ذلك وقال(فها نحن راجعنا ووجدنا خلاف ما يقول) أي أنه وجد شرف الدين ذكر حادثة الضلع) (1)

وفيما يخص هذا المقطع المليء بالتحريف والمغالطات نقول:

1 ـ إن السيد المحقق نفى أن يكون السيد شرف الدين قد ذكر حادثة الاعتداء بشكل تفصيلي ويلحظ ذلك من خلال قوله الذي نقله الشاخوري (لم يكن في تأليفه بصدد تفصيل هذا الأمر) وهذا مما لا يختلف عليه اثنان.

2 ـ أمّا النص الثاني وهو قوله: (إن عدم ثبوت ذلك عند آية الله شرف الدين..) فإن أيّ قارئ يفهم من ذلك أنه جاء على سبيل الفرض والتنزل ـ كما ذكرنا في كلام الشيخ كاشف الغطاء ـ بمعنى أنه حتى على فرض عدم ثبوته عند السيد شرف الدين فإن الاشكال يرد عليه.

3 ـ أمّا قوله (ها نحن راجعنا ووجدنا خلاف ما يقول) فإنما هو ردّ على كلّ من فرض عدم ثبوت أزيد من قول عمر (وإن) الذي ينقله السيد فضل الله عن السيد شرف الدين.

فقول السيد المحقق (ها نحن راجعنا ووجدنا خلاف ما يقول) ممّا يثبت أزيد من قوله (وإن) ممّا يلتزم به السيد شرف الدين في كتبه، وبالتالي يصبح عدم إعتماد الرأي القائل إن السيد شرف الدين قد ذكر ذلك على سبيل الإجمال، لا يصح خاصة،



(1) مرجعية المرحلة ص170ـ 171.

/صفحة 153/

وأن السيد شرف الدين قد ذكر نصاً يشير إلى حادثة الهجوم على منزل الزهراء (ع) دون ذكر تفاصيل الحادثة. فليراجع كتاب مأساة الزهراء ص206 وما بعد.

4 ـ لماذا التركيز على حادثة كسر الضلع تحديداً علماً أنّ مورد الكلام هو الاعتداء بما يشمل الضرب وغيره من الإحراق وإسقاط الجنين.

ورغم ذلك نجد الشاخوري حرف كلام السيد المحقق عند قوله (فها نحن راجعنا..) فيقول الشاخوري: أي وجدنا عند السيد شرف الدين ذكره لحادثة كسر الضلع وهذا تحريف لمقصود السيد المحقق الذي إنما قصد أنّه وجد ذكراً لقضية الاعتداء بشكل عام.

5 ـ لماذا تجاهل الشاخوري قول السيد المحقق أنّ السيد شرف الدين قد ذكر في هامش كتابيه (المراجعات والنص والاجتهاد) مصادر كثيرة وعند مراجعتها سيجد القارئ فيها من تعّرض لضرب الزهراء (ع) . وإسقاط جنينها، وقد نّوه العّلامة المدقق والمحقق أنّ ذلك كان خطوة ذكية من السيد شرف الدين الذي كان بصدد محاورة شيخ الأزهر، وقد أدرك رحمه الله خطورة مفاتحة الطرف الآخر بهذا الموضوع لما قد يسببه من إحراج وإنفعال عند محاوره، لذا أختار التعرض للموضوع إجمالاً ثم أحاله إلى المصادر ليطلع بنفسه على تفاصيلها، وقد أجاد السيد المحقق عندما قال أن السيد شرف الدين لو لم يكن يهدف إلى ذلك لكان عليه الاقتصار على المصادر التي تحدثت عن خصوص التهديد بالإحراق وإهمال ماعداها كما ينسب إليه السيد فضل الله (1)

6 ـ ويغضّ النظر عن كل ما تقدّم فإننا وعند مراجعتنا لكتب السيد شرف الدين وجدنا في كتابه (المجالس الفاخرة) ما يشير صراحة إلى ضربها، يقول (قده) : (وكأني بها وقد أصلى ضلعها الخطب، ولاع قلبها الكرب، ولعج فؤادها الحزن، وأستوقد صدرها الغبن، حين ذهبت كاظمة، ورجعت راغمة.. ولم تزل ـ بأبي هي وأمي ـ بعد أبيها (ص) ذات غصّة لا تساغ ودموع تترى من مقلة عبرى قـد أستسلمـت للوجـد وأخلـدت فـي بـيت أحـزانها



(1) مأساة الزهراء ج1، ص 208.

/صفحة 154/

للشـجون، حتى لحقت بأبيها (ص) معّصبة الرأس …) (1) .

ولا شك أن القارئ قد لاحظ قوله (قده) (قد أصلى ضلعها الخطب) وفيه إشارة واضحة منه (قده) إلى ما أشرنا إليه، إضافة لإشارته إلى بيت الأحزان الذي ينكر وجوده بعضهم.

ولعل القارئ سوف ينتبه إلى طبيعة الفرق بين كتاب المجالس الفاخرة الموجّه إلى خصوص الشيعة بإعتباره كتاب مآتم وبين الكتب الأخرى للسيد شرف الدين التي كانت تراعي خصوصية التوجّه إلى أهل السنة وهو ما قد لمّح إليه السيد المحقق العاملي ولا ندري بعد هذا التصريح المباشر والصريح كيف سيؤول الشاخوري موقف السيد شرف الدين وأيهما أثبت عند الناس الذي ينقل شفاها أم الذي هو مثبت في الكتب. ونخشى في هذا المقام أن يؤدي بهم التحريف إلى التشكيك بنسبة كتاب المجالس الفاخرة للسيد شرف الدين كما فعلوا من قبل عندما شككوا في نسبة كتاب الاختصاص للشيخ المفيد.
رابعاً: الشهادة الثالثة:

يقول الشاخوري: (محاولة إثارة الحديث عن عدم الإتيان بالشهادة الثالثة في الإقامة أنّ عدداً كبيراً من المراجع والعلماء الكبار يحتاطون في الإقامة لشبهة أنها جزء من الصلاة.. وأنا أتصور أن هذا الكاتب قد أوقع نفسه في خطأً فادح هنا لأنه لم يكن مطلعاً على فتاوى العلماء المحققين وكلماتهم في هذه المسألة وغيرها من مسائل الفقه) (2) .

ثم يستعرض الشاخوري بعض النصوص لعّدة علماء مدعياً أنها تصلح لإثبات دعواه التي تبدو غير واضحة لأننا ومن خلال مطالعتنا لمعالجة الشاخوري لهذه القضية لم نستطع أن نعثر على المورد الذي يحاول إثباته فهل هو يريد إثبات عدم جزئية الشهادة الثالثة في الآذان والإقامة أم إستحبابها العام عند كل العلماء أم الاحتياط الإستحبابي بتركها؟



(1) المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة، ص 35.

(2) مرجعية المرحلة ص 179.

/صفحة 155/

على أن اعتبار الشهادة الثالثة ليست جزءاً من الآذان والإقامة مما يعرفه الجميع، وقد أجمع الفقهاء على ذلك وبالتالي فلا حاجة لكل ما حشده الشاخوري من أقوال لبعض العلماء الذين لم يتحدثوا إلاّ عن كون الشهادة الثالثة ليست جزءً واليك موجزاً بأقوالهم كما أوردها الشاخوري.

ـ الشيخ الصدوق: (ولا شك في أنّ علياً ولي الله.. ولكن ليس ذلك في أصل الآذان).

ـ المقدّس الاردبيلي معلقاً على كلام الصدوقSadفينبغي إتباعه لأنه الحق).

ـ الشهيد الثانيSadولا يجوز اعتقاد شرعية غير هذه الفصول في الآذان والإقامة)

ـ الفيض الكاشانيSad.. فإن أعتقده شرعاً فهو حرام).

ـ الشيخ الطوسيSad.. فممّا لا يعمل عليه في الآذان والإقامة فمن عمل به كان مخطئاً)

ـ العلامة الحليSad.. فمما لا يعّول عليه) (1) .

ولا شك أن القارئ قد لاحظ، أنّ جميع هذه الأقوال إنما كانت تتحدث عن عدم شرعية اعتقاد كون الشهادة الثالثة من الآذان والإقامة.

وعليه فإن إستشهاد الشاخوري بما تقدم ذكره من أقوال العلماء في غير محله، لأنه ليس موضع البحث والإشكال لأن مأخذ السيد المحقق على السيد فضل الله هو حكم الأخير بالإحتياط الاستحبابي في ترك الشهادة الثالثة وهذا ما أعترف به الشاخوري نفسه عندما نقل نصاً من كتاب مأساة الزهراء (ع) مفاده (فإننا لا نريد أن نذكر هذا البعض بتعهداته بأن تكون جميع فتاويه تحظى بموافقٍ لها من علماء الطائفة فإن حكمه الإحتياطي باستحباب ترك الشهادة لعلي (ع) في الإقامة والآذان لم نجد له فيه موافقاً لا من الأولين ولا مـن الآخرين بعـد تتبعنا الواسع لما يزيد على رأي مائة عالم رضوان الله عليهم أجمعين فليذكر لنا



(1) مرجعية المرحلة، ص 180ـ182.

/صفحة 156/

ولو عالماً واحداً يقول الأحوط استحباب ترك الشهادة بالولاية في الإقامة والآذان مع عدم قصد الجزئية) (1) . ويتضح من هذا النص ما يلي:

1 ـ إنّ مورد الإشكال على السيد فضل الله وكما أسلفنا ليس في جزئية الشهادة الثالثة بل في حكم السيد فضل الله بالاحتياط الاستحبابي بتركها، كما يلاحظ أيضاً قول السيد المحقق في ختام النص المنقول آنفاً (مع عدم قصد الجزئية)

2 ـ إن قول السيد المحقق في هذا النص أنه تتبع ما يزيد عن رأي مائة عالم يبطل ما زعمه الشاخوري عندما أتهم السيد المحقق أنه لم يطّلع على فتاوى العلماء المحققين وكلماتهم وهو نص تقدم ذكره عند بداية هذه النقطة.

3 ـ وأمّا قول الشاخوري في البداية أنّ المراجع والعلماء الكبار يحتاطون في الإقامة لشبهة أنها جزء من الصلاة فهو غير صحيح، بل هو ينسب هذا للعلماء زوراً وبهتاناً وقد ناقض نفسه عندما ذكر وبعد صفحتين من كلامه السابق أنّ (كل الفقهاء يقولون بأنها ليست جزءً من الآذان والأقامة ولكن يجوز الإتيان بها بعنوان الاستحباب العام) (2)

فالشاخوري إذاً يعترف أنّ كل الفقهاء (مع ملاحظة كلمة كل) يقولون أنها ليست جزءاً، إضافة إلى إعتباره أنّ كلّ الفقهاء يجوزون الإتيان بعنوان الاستحباب العام، وهو أمر يؤكد ما ذهب إليه السيد المحقق من أنّ الإحتياط الإستحبابي عند السيد فضل الله في ترك الشهادة لعلي (ع) في الآذان والإقامة لم يجد له فيه موافقاً لا من الأولين ولا من الآخرين بإعتراف الشاخوري نفسه الذي لا يمكننا إلاّ أن نقدم له الشكر على هذه الاعتراف. إلا إذا كان قوله: ولكن لا يجوز الإتيان بها الخ.. كلام من عند نفسه بحيث يكون فتوى للشاخوري نفسه، والذي يجترىء على كل عرفناه وأسلفناه وسيأتي قد يجرؤ على أن يدعي لنفسه هذا المقام.



(1) مرجعية المرحلة، ص 180.

(2) نفس المصدر، ص182.

/صفحة 157/

وأمّا قوله إنّ السيد المحقق أخطأ في نقل فتوى السيد فضل الله في المسألة لأنه يحتاط بالترك إستحباباً في خصوص الإقامة لاحتمال كونها جزءً من الصلاة (2) فهو غير صحيح وذلك لان:

السيد فضل الله لم يثبت عنده الإستحباب، فهو مخالف لكل العلماء الذين قالوا بإستحبابها كما إعترف الشاخوري بذلك سابقاً.

يقول السيد فضل الله بعد حكمه الإحتياطي الإستحبابي بالترك: (كما أنني لا أجد مصلحة شرعية في إدخال أي عنصر جديد في الصلاة في مقدمتها وأفعالها لأن ذلك قد يؤدي إلى مفاسد كثيرة) (1)

فقول السيد فضل الله (في مقدماتها وأفعالها) إنما يقصد بمقدماتها خصوص الآذان ما دامت الإقامة جزءً من الصلاة فهي تدخل تحت عبارة (أفعالها). أو يحتمل ذلك على الأقل. مع أنه نفسه قد ذكر كلاً من الآذان والإقامة في جملة مقدمات الصلاة بل لم يذكر سواهما.

لماذا حصر السيد فضل الله عدم وجود مصلحة شرعية في إدخال عنصر جديد في خصوص الشهادة الثالثة فإن الصلاة على محمد وآله المتكرِّرة في الصلاة ليست جزءً من الصلاة، وكذلك الأمر في (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) فإنها ليست جزءً من التشهد بل إنّ المرتكز في أذهان عامة الناس أنَّ هذه الأخيرة هي جزءٌ من التشهد بخلاف الشهادة الثالثة المعروفة أنها ليست جزءً من الإقامة، فما ذكرناه يعتبر عناصر جديدة، فهل يجد السيد فضل الله أن لا مصلحة شرعية في إدخالها؟! أو أن فيها مفاسد كثيرة؟!

ورغم ذلك فإن المجمع عليه جواز إدخال أي ذكر في الصلاة بعنوان الذكر المطلق أو الدعاء فعلى فرض أن الإقامة جزء من الصلاة فإن إدخال الشهادة فيها تقرباً إلى الله لا إشكال فيه.

وأمَّا الذي استدلَّ به السيد فضل الله من رفض الشهيد الثاني لإدخال الشهادة بالولاية في الآذان محاولاً جعل كلام الشهيد الثاني داعماً لقوله فهو فاسد، لأنَّ ما ذكـره



(1) المسائل الفقهية، ج2، ص123.

/صفحة 158/

الشهيد الثاني (رحمه الله) كما جاء في نصّ السيد فضل الله نفسه هو: (إنَّ الشهادة لعلي بالولاية من حقائق الإيمان لا من فصول الآذان). (1)

لأنه رحمه الله إنما كان ينفي أن تكون الشهادة جزءً من الآذان وهو معنى قوله (لا من فصول الآذان) وهو أمرٌ أجمع عليه الشيعة بإعتراف السيد فضل الله في بداية فتواه التي بين أيدينا. (2)
خامساً: كتاب سُلَيمْ:

ولا تزال سلسلة التحريفات لأقوال العلماء إما باللفظ وأما بالمعنى مستمرة فهو ينسب لكبار العلماء، كما يقول، تشكيكهم في صحَّة كتاب سليم، فلنستعرض آراءهم كما ذكرها (الكاتب الأمين).

(يقول الشيخ المفيد: وأمَّا ما تعلق به أبو جعفر رحمه الله من حديث سُلَيمْ الذي رجع فيه إلى الكتاب المضاف إليه برواية أبان بن أبي عيَّاش فالمعنى فيه صحيح غير أنَّ هذا الكتاب غير موثوق به ولا يجوز العمل على أكثره وقد حصل فيه تخليط وتدليس فينبغي للمتدين أن يجتنب العمل بكل ما فيه ولا يعِّول على جملته والتقليد لراوية وليفزع إلى العلماء فيما تضمَّنه من الأحاديث ليوقفوه على الصحيح منها والفاسد (راجع تصحيح الإعتقاد صفحة 126) .

ولا بأس هنا بإيراد ما ذكره العلاّمة في الخلاصة حول هذا الكتاب حيث قال والوجه عندي الحكم بتعديل المشار اليه والتوقف في الفاسد من كتابه (الخلاصة صفحة 83) .



(1) المسائل الفقهية، ص 123.

(2) راجع المسائل الفقهية، ج2، ص 123.

/صفحة 159/

وقد علّق الشهيد الثاني بقوله: لا وجه للتوقف في الفاسد بل في الكتاب لضعف سنده على ما رأيت وعلى التنزل كما ينبغي أن يقال بردِّ الفاسد منه والتوقف في غيره.

وأمَّا الرجالي الكبير الشيخ النجاشي فقد اكتفى في ترجمة سليم بالتعرض إلى الكتاب من دون توثيقه. وفي معجم رجال الحديث: هذا والصحيح لا طريق لنا إلى كتاب سليم بن قيس المروي بطريق حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر عنه، وذلك لأن في الطريق محمد بن علي الصيرفي أبا سمينة وهو ضعيف كذاب (معجم رجال الحديث السيد الخوئي ج8، ص 226) وفي صفحة227: وكيفما كان فطريق الشيخ إلى كتاب سليم بن قيس بكلا سنديه ضعيف ولا أقل من جهة محمد بن علي الصيرفي أبي سمينة.

وفي كتاب الموضوعات في الآثار والأخبار صفحة 184 قال السيد هاشم معروف الحسني ويكفي هذه الرواية عيباً أنها من مرويات سليم بن قيس وهو من المشبوهين والمتهمين بالكذب، وقد ورد في الكتاب المنسوب إليه أنَّ محمد بن أبي بكر وعظ أباه عند الموت مع أنَّه كان في حدود السنتين من العمر كما ورد فيه أنَّ الأئمة ثلاثة عشر.

وقد ذكر الشيخ الطوسي أنَّ أبان بن أبي عيَّاش فيروز تابعي ضعيف.

وقد ذكر … المحقق التستري… ما حاصله: وأمَّا نقل المشايخ الثلاثة عن الكتاب ومدح النعماني له فلا يفيد بعد ما عرفت. هذا، وإبن الغضائري وإن طعن في جميع الكتاب – وقال في أبان: (نسب وضع كتاب سليم إليه) ولكن الأصح ما قال المفيد من وقوع التخليط فيه فلا يعول على جملته فما قامت القرائن من أخباره على صحته يعمل بها وما قامت على عدمها يجتنب العمل بها، وما خلت عنها يتوقف فيها) (1)




(1) مرجعية المرحلة، ص 162 حتى 165.

/صفحة 160/

وبعد هذا العرض لآراء هؤلاء العلماء، لا بد من التوقف عند كل واحد منهم للنظر في قولهم، وبالتالي الوقوف على صحة دعوى أنهم يشككون في صحة هذا الكتاب:
أ ـ الشيخ المفيد:

وحول رأي الشيخ المفيد فإننا يمكن أن نلحظ ما يلي:

1 ـ إن الشيخ المفيد قد أقر بصحة معنى الحديث الذي تعلق به الشيخ الصدوق والذي أخذه من كتاب سليم، والأرجح أن ثبوته عنده يعود لوجود قرائن صححت له هذا الحديث.

2 ـ إن الشيخ المفيد لم ينكر كون كتاب سليم أصلاً من الأصول، بل طعن به بدعوى حصول التخليط فيه بعد سليم وقصد بذلك راوية أبان بن أبي عياش ويلحظ ذلك من قوله (رحمه الله) (… الذي رجع فيه إلى الكتاب المضاف إليه برواية أبان بن أبي عياش) ثم قوله بعد ذلك (ولا يعول على جملته والتقليد لراويه) وراويه إنما هو (أبان) مع التأمل في كلمة (التقليد). أما رواية غير أبان للكتاب المذكور، فلم يتحدث عنها الشيخ المفيد.

إن الشيخ المفيد لم ينكر العمل بكل ما ورد في الكتاب، بل قال لا يجوز العمل على أكثره، أما قوله (ينبغي للمتدين أن يجتنب العمل بكل ما فيه) فالمقصود منه أن لا يعمل بكل ما ورد فيه بحيث لا يستثنى منه شيئاً. بأن يعتبر كل ما ورد فيه أمر مسلم به.

لذلك عبر الشيخ المفيد أنه لا ينبغي (التقليد لراويه) لأن التقليد يعني العمل بما ورد في الكتاب دون تحقيق. وهو غير مقبول إذا كان الكتاب مروياً عن خصوص إبن أبي عياش.

4 ـ ورغم كل ما تقدم فإن قول المفيد (وليفزع إلى العلماء فيما تضمنه من الأحاديث ليوقفوه على الصحيح منها والفاسد) إن هذا القول من الشيخ المفيد يوضح بشكل لا لبس فيه مقصود المفيد من كل ما ذكره. فهو دعا المتدين إلى مراجعة العلماء ليوقفوه على الأحاديث التي وردت في الكتاب ما دلت القرائن على ثبوتها.

/صفحة 161/

5 ـ وعليه فإن قول السيد المحقق، الذي نقله الشاخوري، أننا إذا رجعنا إلى كتاب سليم بن قيس، فلا نجد فيه إلا ما هو سليم وموافق للمذهب، وليس فيه ما يحتمل أن يكون غلواً في شأن الأئمة، أقول إن قول السيد المحقق هذا، موافق لما قاله المفيد حيث طلب الرجوع إلى العلماء ليحققوا فيما جاء في الكتاب وإظهار الفاسد منه أو الصحيح، إذ أن السيد المحقق قد ناقش في المواضع التي دفعت بعض العلماء للطعن في الكتاب وأثبت عدم دقة تلك الطعون، فإن قصة ما جرى على الزهراء لا تنحصر بذلك الكتاب بل أيدتها النصوص الكثيرة من غيره. (1) وبالتالي فالعودة إلى السيد المحقق إنما هو موافق لرأي الشيخ المفيد من العودة إلى العلماء للوقوف على ما ثبت من هذا الكتاب.

6 ـ أضف إلى ذلك أن المفيد يوثق سليم فهو يعتبره في كتابه الإختصاص (ص3وCool من شرطة الخميس ومن أصحاب الحسين (ع) .
ب ـ العلامة الحلي:

والحديث مع العلامة لا يبتعد عما جاء مع المفيد، لأن قول العلامة: (والوجه عندي بتعديل المشار إليه، والتوقف في الفاسد) دفعت بهؤلاء العلماء بالدعوة للتوقف في الفاسد منه.

هذا فضلاً عن أن العلامة حكم بعدالة سليم بن قيس. (2)
ج ـ الشهيد الثاني:

أما دعوى الشهيد الثاني أنه لا بد من التوقف في الكتاب لا في الفاسد فيه، لضعف سنده، فهو لا يصح، لأنه قد تقدم بعض القرائن التي يصح معها العمل بمضمون الكتاب رغم ضعف السند كوجود روايات في كتب أخرى تطابق ما جاء في كتاب سليم، دون أن تكون مأخوذة منه. أضف إلى ذلك أن الرد بسبب ضعف السند إنما هو مبنى من يعمـل بخبر الثقة لا المـوثوق، والسـيد فضـل الله قـائل بحـجية الخـبر الموثوق به.



(1) مأساة الزهراء، ج1، ص 142.

(2) معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج8، ص 220.

/صفحة 162/

بل إن السيد الخوئي (قده سره) والذي يعمل وفق مبني خبر الثقة، رغم تضعيفه لطريق سليم الذي ينتهي إلى أبي سمينة إلا أنه صححه وجوز العمل به كما يتضح بعد قليل، بعكس ما إدعى الشاخوري.
د ـ الشيخ النجاشي:

إن دعوى الشاخوري عدم توثيق النجاشي للكتاب واكتفاءه في ترجمة سليم بالتعرض للكتاب فقط، إن هذه الدعوى فيها تحريف لكلام الشيخ النجاشي (رحمه الله) وذلك لما يلي:

1 ـ ذكر محقق كتاب رجال النجاشي السيد (جواد الغروي النائيني) إن ظاهر إسناد النجاشي الكتب والأصول إلى أصحابها (بلا تعليق على قائل أو إشكال، ثبوت النسبة إليهم، وحينئذٍ قوله، رحمه الله في تراجم الرجال: له كتاب، أو كتب، شهادة تؤخذ بها كشهادته في ثبوت الكتاب…). (1)

2 ـ قول (النائيني) أيضاً: (وكان رحمه الله كثير الطرق إلى مصنفات أصحابنا وأصولهم… وإنما يكتفي بذكر طريق واحد فحسب لئلا يطول الكتاب فيخرج عن الغرض… وربما كانت هذه الكتب والأصول مما صرح الأصحاب بأنها معتمدة ويعول عليها وفيها أصول وكتب معروضة على أحد الأئمة المعصومين عليهم السلام وقد مدحو تلك الأصول أو صححوها أو رخصوا العمل بها أو أمروا بها، وهذه مثل كتاب سليم بن قيس الهلالي…) (2)

3 ـ إعتبار النجاشي (سليم بن قيس) من المتقدمين في التصنيف من سلفنا الصالح. حيث قال في مقدمة كتابه: (… وقد جعلت للأسماء أبواباً على الحروف ليهون على الملتمس لإسم مخصوص منها. أن أذكر المتقدمين في التصنيف



(1) رجال النجاشي، تحقيق محمد جواد النائيني، دار الأضواء، ج1، ص 22.

(2) رجال النجاشي، تحقيق محمد جواد النائيني، دار الأضواء، ج1، ص 22 ـ 23.

/صفحة 163/

من سلفنا الصالح، وهي أسماء قليلة..) (1) والمراجع للكتاب سيدرك أن هؤلاء المصنفين القلائل، إنما عددهم خمسة فقط أحدهم (سليم بن قيس). إضافة إلى قول النجاشي في ترجمة سليم (له كتاب) وقد تقدم معنى قوله هذا وأنه بمثابة توثيق منه له خاصة مع عدم طعنه بالكتاب أو بكاتبه.

ودعوى الشاخوري هذه لم يسبقه إليها أحد، ولا نظن أنه أخطأ فيها لأن السيد الخوئي نقل هذا عن النجاشي أيضاً حيث قال: (قال النجاشي في زمرة من ذكره من سلفنا الصالح في الطبقة الأولى) (2)

والشاخوري "الأمين" قد راجع معجم السيد الخوئي (قده) لأنه نقل عنه ما زعم أنه عدم توثيق من قبل السيد الخوئي (قده) .
هـ ـ السيد الخوئي (قده) :

أما رأي السيد الخوئي، فإن تحريف الكاتب له بيِّن وواضح، لأن الخوئي (قده) لم يضعف الكتاب ولا سليما، بل ضعف أحد طرقه وهو الطريق الذي فيه "محمد بن علي الصيرفي" أبو سمينة، كما إعترف بذلك الشاخوري.

ويمكن تفصيل ذلك بالآتي:

1 ـ سليم بن قيس: وصفه السيد الخوئي (قده) بأنه (ثقة جليل القدر عظيم الشأن ويكفي في ذلك شهادة البرقي بأنه من الأولياء من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام المؤيدة بما ذكره النعماني..) (3)

2 ـ كتاب سليم: وقد إعتبره السيد الخوئي (قده) : (من الأصول المعتبرة بل من أكبرها وأن جميع ما فيه صحيح قد صدر من المعصوم عليه السلام أو ممن لا بد من تصديقه وقبول روايته وعده صاحب الوسائل في الخاتمة في



(1) رجال النجاشي، تحقيق محمد جواد النائيني، دار الأضواء، ج1، ص 57.

(2) معجم رجال الحديث، ج8، ص 216.

(3) معجم رجال الحديث، ج8، ص 220.

/صفحة 164/

الفائدة الرابعة من الكتب المعتمدة التي قامت القرائن على ثبوتها وتواترت عن مؤلفيها أو علمت صحة نسبتها إليهم بحيث لم يبق فيه شك.) (1)

3 ـ مناقشة السيد الخوئي (قده) لأدلة من ذهب إلى أن الكتاب موضوع وهي:

* إشتمال الكتاب على أن الأئمة ثلاثة عشر، قال قدس سره:

(وبما ذكرناه يظهر أن ما نسبه إبن الغضائري إلى كتاب سليم بن قيس من رواية أن الأئمة ثلاثة عشر لا صحة له…) (2)

* قصة وعظ محمد بن أبي بكر أباه عند موته مع أن عمره وقتئذٍ أقل من ثلاث سنين:

يقول السيد الخوئي (قده) : (أما وعظ محمد بن أبي بكر أباه عند موته فلو صح فهو وإن لم يمكن عادة إلا أنه يمكن أن يكون على نحو الكرامة وخرق العادة). (3)

ثم ختم (قده) بالقول: (وعلى ذلك فلا وجه لدعوى وضع كتاب سليم بن قيس أصلاً) (4)

* قوله (قده) : (إن إشتمال كتاب على أمر باطل في مورد أو موردين لا يدل على وضعه كيف ويوجد ذلك في أكثر الكتب حتى كتاب الكافي الذي هو أمتن كتب الحديث وأتقنها..) (5)



(1) معجم رجال الحديث، ج8، ص 220.

(2) معجم رجال الحديث، ج8، ص 2240.

(3) نفس المصدر، ج8، ص 225.

(4) نفس المصدر، ج8، ص 225.

(5) معجم رجال الحديث، ج8، ص 225.

/صفحة 165/

أما تضعيفه (قده) الطريق إلى كتاب سليم، فقد تقدم أنه إنما يضعف طريق الشيخ الطوسي إليه المروي بسندين وكلاهما فيه أبو سمينة، وهذا هو ظاهر عبارة السيد الخوئي (قده) كما ذكرها الشاخوري نفسه حيث قال: (وكيفما كان فطريق الشيخ إلى كتاب سليم بن قيس بكلا سنديه ضعيف ولا أقل من جهة محمد بن علي الصيرفي (أبي سمينة)) (1)

إن خلاصة كلام السيد الخوئي (قده) هو أن كتاب سليم لم يثبت لديه عن طريق صحة السند بسبب ضعف الطريق إليه وإنما ثبت عن طريق قيام القرائن التي دلت على ثبوت رواياته وتواترها بحيث لم يبق فيها شك كما تقدم. بل أنه (قده) نقل عن صاحب الوسائل دعوى تواتر الكتاب دون الإعتراض عليه.
و ـ السيد هاشم معروف الحسني:

والعجيب في أمر كاتبنا هذا عدّه للسيد "هاشم معروف الحسني" في جملة العلماء الكبار الذين شككوا، كما إدعى الشاخوري بدون تثبُّت، في صحة كتاب سليم. إن آراء "السيد هاشم الحسني" المعروفة والتي توافق أهواء الكاتب هي التي جعلته يمنحه هذا اللقب، بشكل كثير وملفت في كتابه.

ويبدو أن إطلاق الألقاب لكل من يدافع عن السيد فضل الله أو يوافقه في آراءه أصبحت ظاهرة ملفتة. فالشاخوري أصبح (باحثاً إسلامياً كبيراً) و (محمد الحسيني) صاحب (هوامش نقدية) مفكراً إسلامياً، ولا ندري لمن ستمنح هذه (الأوسمة) في المستقبل؟!!

ومهما يكن من أمر، فيكفيك، الآن، لمعرفة سعة إطلاع السيد (هاشم معروف الحسني) وقدرته التحقيقية أنه جعل سليما في جملة (المشبوهين والمتهمين بالكذب) كما نقل الشاخوري. وهو إدعاء غريب، لأنه ما من أحد ممن طعن بالكتاب، إعتمد في تضعيفه له على الطعن بسليم أو إتهامه له بما إتهمه به السيد "الحسني" ويكفيك في ذلك:



(1) معجم رجال الحديث،ج8، ص 226 ـ 227.

/صفحة 166/

* إن دعوة الشيخ المفيد للوقوف على ما في الكتاب وتحقيق الفاسد منه إنما هو بسبب راوية وهو (أبان بن أبي عياش) وقد تقدم توثيقه لسليم نقلاً عن كتابه الإختصاص.

وحتى إبن الغضائري. الذي كان أشد العلماء طعناً في الكتاب، فإن طعنه إنما هو لإنحصار راوي كتاب سليم، بنظره، بأبان. وقد ناقش السيد الخوئي بذلك ورده. (1)

* الشيخ الطوسي الذي عده من أصحاب أمير المؤمنين (ع) بل والحسن والحسين، وعلي بن الحسين والباقر عليهم السلام.

* النجاشي، الذي إعتبره من السلف الصالح كما مر.

* السيد الخوئي الذي وصفه بأنه ثقة جليل القدر عظيم الشأن.

ومهما يكن من أمر فإننا سنقف على بعض أقوال السيد (الحسني) التي أخذها العلماء عليه فيما يلي من صفحات فإنتظر.
ي ـ المحقق التستري:

وما ذكره التستري فضلاً عن أنه يتفق مع ما تحدثنا به عند تعرضنا لرأي المفيد والعلامة، فإنه يؤكد ما فهمناه من كلام المفيد وذلك من قوله: (لكن الأصح ما قال المفيد من وقوع التخليط فيه فلا يعول على جملته فما قامت القرائن من أخباره على صحتها يعمل بها وما قامت على عدمها يجتنب العمل بها، وما خلت عنها يتوقف فيها) (2)

وبعد كل ما تقدم، كيف يجوز كاتبنا (الأمين) لنفسه أن يحرف كلام العلماء دون وازع، ثم يدعي أن الآخرين يخونون الأمانة العلمية، ولعل الخيانة عنده، هي الدقة والصدق، والأمانة هي التحريف والتزوير؟!

والطريف في إدعاءات هذا الكاتب إعتبار رأي السيد الخوئي (قده) واضحاً بعدم الإعتماد على الكتاب، بزعمه، (3) ثم مناقشته له (قده) من دون ذكر إسمه لأنه لم يحكـم



(1) معجم رجال الحديث، ج8، ص 225.

(2) مرجعية المرحلة، ص 165.

(3) مرجعية المرحلة، ص 165، هامش.

/صفحة 167/

بوضع الكتاب حيث قالSadومن الغريب ما ناقش به البعض حيث قالSadوجود سهو أو سهوين مع إحتمال التصحيف والتحريف لا يدل على أن الكتاب كله موضوع)) (1)

ومن المعلوم أن هذا البعض الذي قصده الشاخوري هو السيد الخوئي (قده) وقد ذكرنا نصه حرفياً سابقاً، ومع ذلك فإننا نعيده تأكيداً على ما نقول وزيادة في الفائدة:

(إن إشتمال كتاب على أمر باطل في مورد أو موردين لا يدل على وضعه كيف ويوجد ذلك في أكثر الكتب حتى كتاب الكافي الذي هو أمتن كتب الحديث وأتقنها) (2)

وإن قيل إن هذا الكلام إنما هو كلام السيد المحقق، فإننا نقول إنما هو كلام السيد الخوئي (قده) نقله عنه السيد المحقق.

هذا وقد نسي الشاخوري، وفق طريقته بالتعبير، أن السيد الخوئي (قده) لا يعتمد في تحقيقاته الفقهية والرجاليه على ما يسمعه من أشرطة أساتذته ومحاضراتهم أو في تقليده لهم كما يفعل ذلك الشاخوري وأضرابه.

ورغم كل ما تقدم، فإن كاتبنا (الأمين) مصر على تحريفه لكلام العلماء عندما إعتبر أن الشيخ المفيد والنجاشي قد حكما على أن كتاب سليم موضوع. (3)
سادساً: المفيد وكتابه الإرشاد:

يقول الكاتب:

(واللافت هنا أن الشيخ المفيد إختار أن عدد أولاد علي سبعة وعشرون ولداً ذكراً وأنثى وقال: (وفي الشيعة من يذكر أن فاطمة صلوات الله عليها أسقطت بعـد النبي (ص) ذكراً سماه رسول الله (ص) وهو حمل



(1) مرجعية المرحلة، ص 165.

(2) معجم رجال الحديث، ج8، ص 225.

(3) مرجعية المرحلة، ص 165.

/صفحة 168/

محسناً فعلى قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين (ع) ثمانية وعشرون ولداً والله أعلم وأحكم). وهذه العبارة واضحة الدلالة في أنه إختار القول الأول ونسب القول الثاني إلى طائفة من الشيعة وإلا لكان ذكر من البداية أن عددهم ثمانية وعشرون ولداً بما فيهم المحسن ثم ذكر الرأي الشاذ) (1)

وحول موضوع كلام المفيد والإرشاد، فإن هذه المناقشة القصيرة من الشاخوري لا تجدي نفعاً، فهو لم يقدم شيئاً جديداً، وإدعاؤه هذا هو عين إدعاء السيد فضل الله. وقد ناقشه السيد المحقق في كتابه (مأساة الزهراء (ع)) بطريقة علمية أظهر فيها المعنى الذي قصده الشيخ المفيد من عبارته، إضافة إلى وجود نصوص أخرى حاسمة في كتبه لا سيما ما جاء منها في كتاب، الإختصاص والمقنعة والأمالي، مما يشير إلى ما جرى على الزهراء من إعتداء وإسقاط للجنين. (2)

وكذلك فإن السيد (محمد مرتضى) ناقش في كتابه (الفضيحة) مراد الشيخ المفيد في الإرشاد وأوجه كلامه، وأن مراده بكلمة (الشيعة) هو ما يشمل فرق الإسماعيلية والزيدية، والإمامية وغير ذلك ولا نريد أن ينسب ذلك إلى فرقهم، وإنما إلى بعضها مع مناقشة ما أشكل عليه فراجع. (3)
سابعاً: إجماع الطوسي:

يقول الشاخوري:

(محاولة تأويل لرأي الشيخ المفيد في الإرشاد بما يتفق مع مزاجه مستدلاً بدعوى إجماع الشيخ الطوسي – ولم نتحقق من هذا الإجماع – الذي هو تلميذ المفيد.فكيف يكون أستاذه مخالفاً مع أنه يعلم أن دعاوى الإجماع



(1) مرجعية المرحلة، ص 169.

(2) مأساة الزهراء، ج1، ص 166 وما بعد.

(3) الفضيحة، محمد مرتضى، ص 157.

/صفحة 169/

سهلة فكثيراً ما نجد الشيخ الطوسي أو غيره يدعي الإجماع في كتاب وينفيه في كتاب آخر، ومن طريف ما ينقل هنا أنه تارة إدعيَّ الإجماع على حجية خبر الواحد وتارة على نفي الحجية وغيرها كثير من الشواهد الموجودة في الكتب الفقهية القديمة) (1)

إن ما ذكره الشاخوري هنا ظاهر السطحية، ولا يصلح للطعن بدعوى الطوسي للإجماع. ومهما يكن من أمر فإننا نقول:

إن إجماعات الشيخ الطوسي ليست كإجماعات مثل السيد إبن زهره (قده) في الغنية. ومجرد أن الطوسي كان يدعي الإجماع على مسألة في كتاب وينفيه في آخر إن لم يعرف له وجه صحيح، إنما يضر بدعوى الإجماع في خصوص ذلك المورد الذي وقع فيها الإثبات والنفي جميعاً، لا في غيره، وإلا لزم منه الطعن في كل إجماع مدعى ولا نعتقد أن ذلك مما ذهب إليه أحد.

وعليه، فلو صدر من شيخ الطائفة دعوى الإجماع في مورد ولم يظهر منه ما ينافي ذلك، لم يكن ثمة وجه للطعن في هذه الدعوى بما ذكره الشاخوري ولا بغيره.

وإذا تم هذا الكلام فالمفروض في محل البحث إدعاء الطوسي للإجماع مع عدم صدور ما ينفيه أو ينافيه، وظاهر الإجماع هو انه قد تتبع أقوال العلماء جميعاً، وهذه الدعوى وإن كان الأخذ بها على ظاهر معناها غير ممكن بإعتبار عدم توفر القدرة على تتبع أقوال جميع العلماء تحقيقاً، إلا أنها يقرب معها إلى الذهن أنه قد اطلع على أقوال أكابرهم وأعيانهم، وأولى العلماء أن يكون الطوسي قد إطلع على رأيه هو الشيخ المفيد (قده) ، نظراً إلى كونه من رموز المذهب مع معروفية رأيه بمقتضى الحال وكونه إستاذاً للطوسي، وهذا هو المقصود من إستغراب العلاّمة المحقق السيد جعفر مرتضى (دام ظله) أن يكون المفيد – وهو أستاذ الطوسي – مخالفاً مع فرض دعوى الشيخ للإجماع.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الإجماع في القضايا الفقهية يختلف عن الإجماع في القضايا التاريخية، ففي الأول المعتبر فيه كونه كاشفاً عن رأي المعصوم.



(1) مرجعية المرحلة، ص 166.

/صفحة 170/

أما الثاني فالمراد به مجرد الإتفاق والإطباق. ومن هنا يتضح لك عزيزي القارىء عدم جدوى تلك الأمثلة والأقوال التي حشدها الشاخوري حول دعاوى الإجماع المتعلقة بقضايا فقهية.

وعلى أي حال فإن السيد المحقق قد بحث هذه القضايا مفصلاً في كتابه (1) وكذلك عالج هذا الموضوع السيد (محمد مرتضى) في كتابه (الفضيحة) فراجع (2)
المبحث الرابع: من هنا وهناك:

سنتعرض في هذا المبحث لملاحظات متفرقة أبداها الشاخوري لا تندرج تحت عنوان واحد.
أولاً: الرجعة:

يقول الشاخوري:

(نسب إلى سماحة السيد القول بأن أخبار الرجعة يجب تأويلها راجع ص 101 ج1، ودخل في بحث طويل عريض عن الرجعة مع أنه ليس في أي كتاب أو محاضرة لسماحة السيد ما يدل على وجوب التأويل، وعلى ذلك فإن هذا لا يوجب مثل هذا التشنيع خصوصاً إذا ذهب إلى مثل ذلك القول الكبار من العلماء القدامى والمعاصرين). (3)

إننا نسأل: هل أصبح الشاخوري هو المعيار في كون السيد فضل الله قال ذلك أم لا؟ والغريب في أمره أنه يتحدث وكأنه قد راجع كل كتاب أو محاضرة للسيد فضل الله، ولم يجد أن السيد فضل الله قد قال بضرورة تأويل أخبار الرجعة. وإذا كان الشاخوري لم يجد النص الذي ذكره السيد فضل الله ومصدره فتلك مشكلته هو، زاده الله بصراً وبصيرة، وها نحن ننقل له نص السيد فضل الله كما جاء في مجلة المعارج في مقالة (مع الشيخ المفيد في تصحيح الإعتقاد): فهو يقول:



(1) مأساة الزهراء، ج1، ص 166.

(2) الفضيحة، محمد مرتضى، ص 162.

(3) مرجعية المرحلة، ص 155.

/صفحة 171/

(إن المسألة [الرجعة] ليست مرتبطة بالإمكان والإستحالة، بل هي مرتبطة بالمبررات العملية الواقعية في ضرورة ذلك، مما يجعل التأويل أكثر قرباً للإلتزام بالأحاديث من إبقائها على ظاهرها، لا سيما عند مواجهة التحديات الفكرية في هذه المسألة التي لا تمثل في طبيعتها أصلاً في أصول العقيدة.) (1)
ثانياً: النظر إلى العورة:

يقول الشاخوري:

(نسب إلى سماحة السيد القول بجواز نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة، وجواز النظر إلى عورات المشاركين في نوادي العراة… وفي المقام كان سماحة السيد يتحدث عن النظر إلى نساء الكفار وأهل الذمة تبعاً للمراجع العظام الذين بحثوا المسألة ـ وهل يقتصر في جواز النظر إليهن على ما جرت عادتهن على ستره أو لا، حيث أفتى الكثير منهم بالجواز مطلقاً – طبعاً مع عدم الريبة والتلذذ… والحاصل أن سماحة السيد ليس له رأي جديد في هذه المسألة غير ما ذكره الفقهاء… مع أن الفقهاء عندما يبحثون المسألة يتكلمون عن حكم النظر للكفار كما لو حصل إتفاقاً لا تعمد الذهاب إلى البحر أو غيره…) (2)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://minhaj.ahlamontada.com
منهاج السنة
لا اله الا الله محمد رسول الله
لا اله الا الله محمد رسول الله
منهاج السنة


مرجعية المرحلة وغبار التغيير Vitiligo-ae30eb86b8مرجعية المرحلة وغبار التغيير Iraqiaabc6667cb59
عدد المساهمات : 897
تاريخ التسجيل : 27/10/2012

مرجعية المرحلة وغبار التغيير Empty
مُساهمةموضوع: رد: مرجعية المرحلة وغبار التغيير   مرجعية المرحلة وغبار التغيير Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 16, 2012 7:23 pm

وهنا لا بد من التوقف وتسجيل عدة ملاحظات لا يخلو بعضها من طرافة:

1 ـ هل ان الكاتب "الأمين" مصر على إعمال التحريف في كل شيء حتى في هذه القضية التي كتب عنها بخط يده عندما قرر بحث السيد فضل الله في النكاح إلا إذا كان الشاخوري قد غاب عن ذهنه ذلك الذي كتبه مما كان يمليه عليه السيد فضل الله. لأن الكلام في موضوع النظر إلى العورة وإن كان مورده النساء الكافرات، إلا أن السـيد



(1) مجلة المعارج، عدد 28 ـ 31، ص 329.

(2) مرجعية المرحلة، ص 157.

/صفحة 172/

فضل الله عممه ليشمل النساء المسلمات أيضاً، وإليك عبارته كما وردت في كتاب النكاح بقلم الشاخوري نفسه:

(وهناك نقطة مهمة، وهي أن التعليل بأنهن لا ينتهين إذا نهين يشمل كل النساء من المسلمات والكافرات…) (1)

2 ـ أما قوله إن الكثير من الفقهاء أفتوا بالجواز مطلقاً، فليس بصحيح، لأنهم لم يفتوا بجـواز النظر إلى العـورة، بل إلى ما إعتـدن أن يظهرنـه من أجـزاء جسدهـن في زمنهم عليهم السلام كالوجه والرقبة والشعر والساق واليدين، ولا ندري هل اعتدن نساء أهل الكفر وأهل الذمة في ذلك العصر أن يظهرن عوراتهن؟! وكيف لم يلتفت السيد فضل الله إلى أن الرواية التي تتحدث عن جواز النظر إلى ما إعتدن إظهاره هو خصوص ما إعتدن إظهاره في ذلك الزمان، لا سيما وأن الرواية تتحدث عن الرجل الذي ينزل إلى الأسواق!! بل إن الرواية، وفقاً للسائل، تتعلق بخصوص الشعر واليدين.

3 ـ ومما تقدم يتضح لك بطلان ما قاله الشاخوري من أن المسألة تتعلق بحكم النظر كما لو حصل إتفاقاً لا تعمد الذهاب إلى البحر، لأن النظر إلى العورة التي (تكشفها صاحبتها كما في نوادي العراة أو السابحات في البحر في بعض البلدان أو نحو ذلك) (2) لا تحصل إتفاقاً، وكيف يمكن أن يكون النظر إلى السابحات وإلى اللواتي في نادي العراة أن يحصل إتفاقاً في مكان لا يمكن للمرء أن يرى ما يجري فيه إلا إذا قصد هذه الأماكن؟!

ومع ذلك فإن السيد فضل الله تجاهل أيضاً أن السابحات في نوادي العراة لم يعتدن أن يظهرن عوراتهن مطلقاً، وإنما في خصوص تلك الأماكن دون الأماكن الأخرى من أسواق وشوارع ومناطق عامة.

كما أن الحديث يدور حول النظر إلى ما إعتدن أن يظهرنه وهو كافٍ للدلالة على أن الحديث يتعلق بالنظر العمدي لا الإتفاقي.



(1) كتاب النكاح، تقريرات السيد فضل الله، بقلم الشاخوري، ج1، ص 66.

(2) كتاب النكاح، ج1، ص 66.

/صفحة 173/

4 ـ ومما يؤكد أن السيد فضل الله كان يتحدث عن النظر العمدي لا الإتفاقي أنه جعل ملاك جواز النظر هو (حرمة الجسد لدى صاحبه مما يخفيه منه، لا من خلال حالة تعبدية في مثل هذه الموارد) (1) فحرمة النظر إذن، عند السيد فضل الله، ليست حرمة تعبدية، ومن هنا جوَّز السيد فضل الله النظر إلى العورة في نوادي العراة. (2) بل أن كلام الشاخوري حول كون النظر بلا تلذذ أو ريبة دليل على النظر العمدي وإلا فلا معنى لهذا الشرط إذا كان النظر إتفاقياً.

5 ـ بل إن السيد فضل الله، ومن خلال ما تقدم من إعتبار ملاك جواز النظر وحرمته هو حرمة الجسد، قد جوز النظر إلى العورة في حال كشفها من قبل صاحبها مزاحاً. (3)

6 ـ إن السيد فضل الله عمد إلى تعميم الحكم من خلال إستيحاءات تعليلية (4) استحسانية، والإستحسان ممنوع في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) .

7 ـ يبدو أن السيد فضل الله قد خلط بين الكشف والنظر، فالكشف قد يتعلق بحرمة الجسد فيمن إذا نهين لا ينتهين من الكفار لتكون القضية متعلقة بحرمة الجسد.

أما النظر من المسلم فهو حالة تعبدية متعلقة بالتزام الأوامر والنواهي فيما من شأنه أن يكون طريقاً للفساد كحرمة السلام بالكف لأن جعل ملاك جواز النظر هو حرمة الجسد فيمن أسقط حرمة نفسه يتعمم إلى جواز السلام بالكف أيضاً، وفق طريقة السيد فضل الله في (الإستيحاء) لأنه لا خصوصية للنظر في تلك الحالة يميزها عن السلام ما دام الأمر يدور مدار حرمة الجسد فيمن أسقطت حرمة نفسها وأباحت السلام بالكف فان قيل: إن في ذلك (أعني السلام بالكف) نصاً خاصاً، فنقول له: إن ذلك كفيل في الطعن بإطلاق التعليل، وبالتالي حصره، بالنساء الكافرات وأهل الذمة، فيما إعتدن أن يظهرنه ـ في ذلك الزمن ـ ولا ينتهين إذا نهين.



(1) كتاب النكاح، ج1، ص 66.

(2) نفس المصدر، ج1، ص 66.

(3) كتاب النكاح، ج1، ص 66.

(4) نفس المصدر، ج1، ص 66.

/صفحة 174/
ثالثاً: بين مجيب ومجيب:

قول الشاخوري:

(إن إجابة المرجع على تساؤلات الناس التاريخية أو العقائدية ليست بدعاً من الأمور، فكتب السيد الخوئي طافحة بمثل هذه المسائل فمن باب المثال سئل السيد الخوئي… عن سهو المعصوم فقال ما نصه: القدر المتيقن من السهو الممنوع على المعصوم هو السهو في غير الموضوعات الخارجية (صراط النجاة، ج1، ص 462) …) (1)

نقول حول هذه المغالطات الشاخورية ما يلي:

1 ـ إن السيد المحقق، حيث جاء كلام الشاخوري إعتراضاً عليه، لم يكن يتحدث عن المسائل التاريخية والعقائدية فحسب، بل عن أكثر من ذلك حيث قال: (إن العلوم الإسلامية كثيرة، وفيها سعة وشمولية ظاهرة، بالإضافة إلى أنها بالغة الدقة في كثير من تفاصيلها، فلا غضاضة على العالم أن يتريث في الإجابة على كثير من الأسئلة التي توجه إليه في كافة العلوم، إذ ليس بمقدوره الإجابة على جميع الأسئلة…) (2)

هذا وقد لوحظ أن الشاخوري عند عرضه لهذا النص قد توقف عند كلمة (التي توجه إليه) ولم يكمل عبارة (في كافة العلوم) ولا يخفى عليك أن هذا الفعل إنما جاء لحصر دعواه بالأمور التاريخية والعقائدية. (3)

2 ـ كذلك قام الشاخوري بحذف النص الذي يلي ما قدمناه وهوSadفإذا كان المسؤول لم ينجز بحث تلك المسائل وتحقيقها، ودراسـتها بصـورة دقيقة



(1) مرجعية المرحلة، ص 131.

(2) مأساة الزهراء، ج1، ص 26.

(3) مرجعية المرحلة، ص 130.

/صفحة 175/

ووافية، تمكنه بعد ذلك من أن يعرضها على الناس بدقة وشمولية فليس له أن يصدر فيها أحكاماً قاطعة.) (1)

3 ـ يتضح لك مما تقدم، أن السيد المحقق كان يعترض على من يتصدى للإجابة على أسئلة دون تحقيقها ومعرفة الحق فيها. وأنه لا يحق له أن يثير الشك في نفوس الناس وأذهانهم بسبب إجابات لم يتحقق من صحتها، أو لم يبحث بها بعد. ويكفيك لمعرفة صحة ذلك قول السيد فضل الله في أجوبته على الإستفتاءات التي وجهت إلى المرجع الميرزا جواد التبريزي حول قضية الإعتداء على الزهراء (ع) : (إنني لم أنكر ذلك لأن الإنكار يحتاج إلى دليل وليس عندي دليل على النفي ولكنني قلت إني لا أتفاعل بمعنى أن لدي علامات إستفهام.)

فالسيد فضل الله. يعترف بأنه لا يملك دليلاً على النفي ومع ذلك أثار الشك في أذهان الناس بعدم تفاعله هذا.

والعجيب فيمن لا يملك دليلاً على النفي كيف لا يتفاعل مع حادثة ثابتة بالنصوص الصريحة والمتواترة؟!

والأعجب منه، إعتباره أن معنى عدم التفاعل هو وجود علامات إستفهام. فإن كان عدم التفاعل يعني وجود علامات إستفهام دون النفي. فينبغي على السيد فضل الله ومن ثم الشاخوري، أن لا يستشيط غضباً إذا قال أحد من الناس بأنه لا يتفاعل مع ما قيل عمن هو المستهدف في متفجرة بئر العبد، ما دام هذا التعبير لا يعني عدم النفي وإنما وجود علامات إستفهام: كما سيأتي في حينه بعد صفحات فإنتظر.

4 ـ وبعد كل ما تقدم يتضح لك أن إجابة العالم على تساؤلات الناس التاريخية أو العقائدية ليست بدعاً من الأمور كما قال الشاخوري، ما دام المجيب يملك دليلاً على إجابته، أما إذا كان هذا المجيب ليس محققاً في القضية موضوع السؤال فإن الإجابة عليها بصورة خاطئة تدفع بالعالم ليظهر علمه، ولو أن هذا العالم أجاب بلا أدري لكان خيراً له، فقد روي: (من ترك قول لا أعلم فقد هلك).



(1) مأساة الزهراء، ج1، ص 26.

/صفحة 176/

5 ـ وعليه فإن الأمثلة التي حشدها الشاخوري عن السيد الخوئي (قده) تصبح في غير محلها لأنه (قده) لم يعلم منه ومن سيرته أنه يجيب على سؤال لا يعلم إجابته ويكفيك في ذلك المثال الذي ذكره الشاخوري حول السهو، فقد أجاب (قده) عنه بقوله: (القدر المتيقن من السهو الممنوع عن المعصوم هو السهو في غير الموضوعات الخارجية). فالسيد الخوئي (قده) لم يثبت السهو على المعصوم في الموضوعات الخارجية كما فهم السيد فضل الله منه ومن ثم الشاخوري وإنما أجاب أن القدر المتيقن من السهو الممنوع هو في غير الموضوعات الخارجية، وأما في الموضوعات الخارجية فإنه أحجم عن الإجابة عليها ولم تكن محط نظره في الإجابة.

نعم لو قال (قده) : إن السهو الممنوع على المعصوم هو في غير الموضوعات الخارجية، لفهم منه قوله جواز السهو في المستثنى، ولكن تعبيره (بالقدر المتيقن) حال دون ذلك وإلا لأصبحت عبارته هذه لغواً، ونحن ننزه السيد الخوئي (قده) عن اللغو.
رابعاً: فأسألوا أهل الذكر:

ويتابع الشاخوري:

(والغريب في الأمر أن هذا الكاتب يرى نفسه مختصاً في الأمور التاريخية ولكنه في هذا المقام ينسى نفسه فيناقش في مسائل الفقه والتفسير والعقائد مع أنه ليس له درس في الفقه أو التفسير أو أي نشاط يذكر في هذا المجال…) (1)

لعل كلام الشاخوري هذا يدل على مدى تحصيله العلمي وذلك:

1 ـ كيف حكم الشاخوري أن ليس للسيد المحقق أي نشاط يذكر في مجال تدريس الفقه والتفسير، وهل أطلعه الله على غيبه، في حين حجبه عن أئمة أهل البيت (ع) كما يرى الشاخوري، ليعلم أنه ليس لسماحته (دام بقاؤه) دروس في الفقه والتفسير.



(1) مرجعية المرحلة، ص 131.

/صفحة 177/

2 ـ منذ متى كان يقاس علم الآخرين بوجود حلقات تدريس لهم، فإن كثيراً من العلماء الكبار كانوا يتفرغون للكتابة والتأليف دون التدريس.

3 ـ إن المطلع من العلماء، لا سيما أولئك الذين درسوا في قم المقدسة، يعلمون أنه كانت للسيد المحقق، حلقات تدريس لبحث الخارج استمرت عدة سنوات. وكذلك الآن في لبنان، فضلاً عن درس تفسير أسبوعي منذ ما يقارب السنتين.

4 ـ ولنفترض أن السيد المحقق مختص بالأمور التاريخية، وبالتالي فليس له المناقشة في مسائل الفقه والتفسير والعقائد، كما يزعم الشاخوري رغم ما في هذه الفكره من سفسطة واضحة، فإننا ننقل الحديث إلى السيد فضل الله لنسأله كيف يناقش في قضايا تاريخية يعلم الجميع أنها ليست من إختصاصه، مع أن كثيرين قد سمعوه ورأوه، لا سيما في قم… وفيهم علماء معروفون كيف يحجم عن الإجابة عن مختلف المسائل ويقول (لا تسألوني والسيد جعفر موجود).

هذا والكل يعرف أن سماحة السيد المحقق أمضى ما يقرب من ال 35 سنة في الحوزة العلمية بين النجف الأشرف وقم المقدسة، وشهادة العلماء في حقه وتقدمه في العديد من العلوم الإسلامية، بل وشهادة حتى السيد فضل الله نفسه في حقه ونظرتهم إليه لا سيما علماء قم معروفة.

وإذا كان السيد فضل الله يتمسك بكلام يقول إنه سمعه من السيد شرف الدين منذ ما يقارب الأربعين سنة، ولم يسمعه أحد غيره فلماذا لا يقبل من شرف الدين هذا العصر (السيد جعفر مرتضى) على حد تعبير السيد فضل الله في أكثر من مجلس وعلى مسمع الكثيرين من العلماء وغيرهم.

5 ـ الغريب في إدعاء الشاخوري هذا أنه قد ذكر في مقدمة كتابه أن الطالب الحوزوي يفترض فيه أن (يخوض في مزيج مركب من العلوم المتداخلة بينها، كالرجال والحديث والمنطق والفلسفة والعربية والتاريخ الروائي…) فكيف يحق لهذا الطالب أن يخوض غمار كل هذه البحوث، ولا يحق لغيره ذلك، وإن كان لا يحق للسيد المحقق أن يخوض في هذه الأبحاث، فان الأولى بالسيد فضل الله أن لا يخوض بها خصوصاً في الجانب الفلسفي والعقائدي والتاريخي ولا نريد أن نذكر الجانب الفقهي أيضاً.

/صفحة 178/

6 ـ وثمة تناقض آخر في كلام الشاخوري مع دعواه هذه لأنه إعتبر في مقدمة كتابه أيضاً أن (الأبحاث التي هي عبارة عن مزيج من المسائل العقائدية والفقهية والفكرية… لا يحتاج فيها إلى تخصص في التاريخ) (1)
خامساً: الشاخوري (محققاً)

يقول الكاتب: (عدم إعتماد هذا الباحث على توثيق الروايات ودراسة أسانيدها بل يعتمد دائماً على ذكر المصادر الكثيرة من العامة والخاصة في الهامش مما يوحي للقارئ الساذج إن هذه الرواية مؤكدة، وهو يخاف من ذكر السند لأنه لو ذكر بعض رجاله لتبين أنهم إما مجهولون أو كذابون أو ضعاف… والمثال الذي نذكره على عدم تدقيقه في الأسانيد قوله في ص 35 مأساة ج1 (بل يأبى الإلزام أو الإلتزام بما ورد عن النبي الكريم (ص) وعن الأئمة الطاهرين (ع) من أنها عليها السلام قد ولدت من ثمر الجنة).

ولكننا عندما نقرأ كتب العلماء الكبار نجد السيد هاشم معروف الحسني يقول تعليقاً على هذه الرواية (أن من الجائز القريب أن تكون هذه الرواية من وضع الغلاة وقد نسبت إلى سدير الصيرفي زوراً وبهتاناً). (2)

وكلام الشاخوري هذا إضافة إلى ما فيه من تحريف فان فيه تناقضاً فاضحاً وإليك البيان:

1 ـ في الوقت الذي إعتبر فيه الشاخوري إعتماد السيد المحقق على ذكر المصادر الكثيرة من العامة والخاصة مطعناً ومأخذاً، فانه إعتبر في الملحق رقم (3) في دراستة لمنهج السيد المحقق أن (الإستقراء الواسع لكثير من المصادر الشيعية والسنية من النقاط الإيجابية في منهجه). (3)



(1) مرجعية المرحلة، ص 14.

(2) مرجعية المرحلة، ص 146 ـ 147.

(3) مرجعية المرحلة، ص 239.

/صفحة 179/

2 ـ وكذلك فقد إعتبر هنا أن السيد المحقق يعتمد دائماً على عدم ذكر السند، لكنه قال هناك أنه لا يذكر السند غالباً، ثم علل تقييده للعبارة (بغالباً) بأن (المؤلف يذكر السند في بعض الأحيان) (1) ثم أعطى مثالاً على ذلك.

3 ـ إن قوله إنه لا يذكر السند دائماً فيه تزوير فاضح لأننا وعند تتبعنا للروايات المروية عن المعصومين (ع) فيما يتعلق بالإعتداء على الزهراء فقط، وجدنا أنه من أصل أربعين رواية (40) ذكر السيد المحقق سند خمسة وعشرين منها وهي حسب أرقامها في الأصل: 2 ـ 3 ـ 6 ـ 7 ـ 8 ـ 11 ـ 12 ـ 13 ـ 15 ـ 16 ـ 17 ـ 19 ـ 20 ـ 23 ـ 24 ـ 25 ـ 26 ـ 27 ـ 29 ـ 30 ـ 32 ـ 36 ـ 37 ـ 40 ـ 41. (2) مع العلم أن بقية الروايات قد ذكرت في مصادرها أيضاً بدون أسانيد.

4 ـ وثمة تزوير آخر، وهو دعواه أن السيد المحقق لا يشير إلى توثيق الرواية أو لا يدرس أسانيدها.

ففضلاً عما يقال بأن الروايات التي قدمها السيد المحقق حول الإعتداء على الزهراء (ع) والتي وصلت إلى حد التواتر، والمتواتر لا ينظر في أسانيده كما هو معلوم، فإن السيد المحقق قد اشار عدة مرات إلى حال سندها:

ففي رواية رقم (3) أشار إلى أن المجلسي قد وصفها بالمعتبرة، وكذلك الرواية رقم (11) ومثلها رقم (25) أما الرواية رقم (37) فقد صفها المجلسيان بالصحيحة. (3) أما الرواية رقم (32) فقد وصف سندها السيد المحقق بالصحيح. (4)

وبذلك يتضح أن السيد المحقق قد أشار إلى سند ستّ روايات.

5 ـ ثم إننا نسأل الكاتب هل الإعتداء الذي جرى على الزهراء (ع) من ضربها وإسقاط جنينها إذا جاء بسند صحيح، يقبل ويسلِّم به فإذا كان الأمر كذلك فإن الرواية (32) التي أشار السيد المحقق إلى سندها بأنه صحيح، فيها ما ينكره السـيد فضل الله، بل



(1) مرجعية المرحلة، ص 239.

(2) مأساة الزهراء، ج2، ص37 حتى 68.

(3) مأساة الزهراء، ج2، ص 37 حتى 68.

(4) نفس المصدر، ج2، ص 37 حتى 71.

/صفحة 180/

ومـا يحاول إنكاره الشاخوري نفسه، حيث تقول الرواية عن أبي عبد الله (ع) : (… وكان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره. فأسقطت محسناً. ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها..) (1)

وما دامت هذه الرواية الصحيحة السند قد نصت على ذلك فإن ذكر الروايات الأخرى لا حاجة إليه لأن ضعفها لا يقلل من قيمتها وإنما يكون بمثابة قرائن تضاف إلى الرواية الصحيحة أو تكون الرواية الصحيحة مقوية لعضد تلك الضعاف فليعلم أو فليفهم ذلك.

6 ـ والغريب في كلام كاتبنا هذا هو أنه لم يجد في كل كتاب مأساة الزهراء مثالاً على دعواه سوى الحديث المتعلق بولادة السيدة الزهراء من ثمر الجنة.

والأغرب منه أنه عندما إعتبر أن هذه القضية لم يوافق عليها كبار العلماء لم يجد من يوافقه على رأيه إلا السيد هاشم معروف الحسني، الذي إعتبره الشاخوري من كبار العلماء، والملاحظ أن هذه النعوت والألقاب على السيد (الحسني) حين يطلقها عليه من يدافع عن السيد فضل الله، فإن الأمر يعود فيما يظهر إلى أن آراءه مما يقبلها مزاجهم وتروق لهم.

وقد عرفت أننا سنتعرض لبعض أقوال السيد "هاشم معروف الحسني" فيما يلي من صفحات.

ولكن ما تجدر الإشارة إليه هنا هو تعبير السيد "الحسني" أنه (من الجائز القريب) فهل بهذه الطريقة تعالج القضايا، والأدهى من ذلك أنه رحمه الله عندما لم يستطع رفضها بسبب روايتها من قبل (سدير الصيرفي) وهو موثوق عند بعض العلماء، فإنه إحتمل أن تكون قد نسبت إليه زوراً وبهتاناً.

وقد مر معك عزيزي القارىء إعتباره "سليم بن قيس" من المشبوهين والكذابين وهو عند العلماء من أصحاب الأئمة حيث إعتبره السيد الخوئي أنه (ثقة إمامي).



(1) مأساة الزهراء، ج2، ص 65.

/صفحة 181/
سادساً: حسابات شاخورية:

ينتقل هنا كاتبنا (الفذ) إلى بذل محاولة لرفع بعض التناقض في كلام السيد فضل الله فيما يتعلق بدعوى النقل الشفاهي عن السيد (شرف الدين) لا سيما المتعلق منها بعمر سماحته (الشريف) آنذاك وقد أظهر هذا الكاتب في عملياته الحسابية هنا، نبوغاً (رياضياً) قل نظيره.

يقول:

(يحاول أن يوهم القارىء بأن هناك خطأ في الحسابات فمثلاً عندما قيل له أن عمر سماحة السيد في وقت سؤاله شرف الدين 23 أو 24 سنة قال إن وفاة شرف الدين 1957م وتاريخ مولد السيد 1935م، فكيف يكون عمره 23 أو 24. مع أن الواضح أن السيد ذكر التاريخ بالتقويم العربي حيث يكون عمر سماحته في ذلك الوقت بالميلادي 22 سنة بالهجري أو أقل بشهر أو شهرين فيكون مطابقاً لما ذكره.)

ويمكن هنا أن نسجل ملاحظات عدة:

1 ـ إن عبارته (…بالميلادي 22 سنة بالهجري أو أقل بشهر أو شهرين) غير مستقيمة ولا بد أن ثمة خللاً وربما مطبعياً في ذلك، ونرجح أن تكون عبارته هي على الشكل التالي (بالميلادي 22 سنة وبالهجري 23 سنة أو أقل بشهر أو شهرين).

2 ـ ورغم هذا فإن الكاتب عمد إلى تحريف نص السيد جعفر مرتضى، لأن سماحته لم يقس الفارق بين ولادة السيد فضل الله ووفاة السيد شرف الدين وإنما مع لقاءه به رحمه الله حيث أشار السيد فضل الله في أحد أحاديثه أنه إلتقاه أوائل الخمسينات عند مجيئه من النجف في إحدى الزيارات لعلها زيارته عند وفاة السيد محسن الأمين فتكون الزيارة عندئذٍ عام 1951 وهذا يعني أن كلام السيد فضل الله حول عمره آنذاك وقوله أنه كان 23 أو 24 سنة غير دقيق البته لأن عمره إنما كان 16 سنة. إلا أن للسيد فضل الله قولاً

/صفحة 182/

آخر وهو أن لقاءه مع السيد شرف الدين كان في أواسط الخمسينات أي عام 1955 وهذا يعني أن عمر السيد فضل الله آنذاك كان عشرين عاماً، وهو أيضاً لا يتوافق مع كلام سماحته أنه كان بعمر 23 أو 24 سنة.

ولو سلمنا جدلاً أن عمر سماحته كان 23 أو 24 سنة عند لقاءه بالسيد شرف الدين فهذا يعني أنه قد لقيه بعد وفاته رحمه الله بسنة أو سنتين.!!!

3 ـ قد تبين لك عزيزي القارىء أن الفارق بين العمر الذي ذكره السيد فضل الله وبين العمر المفترض أن يكون عليه عند لقاءه بالسيد شرف الدين هو ثلاث سنوات على

أقل التقادير وهي فارق لا يحصل بين التاريخ الميلادي والتاريخ الهجري حسب التوجيه الذي حاوله الشاخوري إلا بعد تسع وتسعين سنة ولا يمكن أن يحصل خلال عشرين سنة.

4 ـ أضف إلى ذلك أن السيد فضل الله إنما ذكر تقريب عمره بعد ذكره أنه إلتقى بالسيد شرف الدين في الخمسينات (سواء في أولها أو في أواسطها) فلا وجه لحديثه عن التاريخ الميلادي في لقاءه معه رحمه الله ثم عن التاريخ الهجري حول عمره.

ومن جهة ثانية أن التقويم الميلادي هو الشائع في تعابيرنا في هذه الأيام، فعند إطلاق أي رقم يتعلق بعمر شخص ما يفهم منه أنه يريد به التاريخ الميلادي إلا إذا صرح أنه يقصد الهجري ليكون تصريحه دليلاً عن مراده.

5 ـ ومع ذلك فإن السيد جعفر مرتضى قد ذكر في كتابه "مأساة الزهراء" الطبعة الثانية نماذج من أخطاء السيد فضل الله في تحديد التواريخ فيما يرتبط بعمره أيضاً. والتي كانت بمثابة أدلة على عدم دقة نقولاته القريبة والتي لا يتجاوز تاريخها العشر سنوات فكيف بتلك التي مضى عليها حوالي الأربعين سنة.

والغريب في الأمر أن هذه الشواهد التي أتى بها السيد المحقق والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على حسن نيتة وصلاح سريرته وأنه إنما جاء بها ليثبت أن ما نقل عن السيد شرف الدين سببه الخطأ أو النسيان نظراً لعامل الزمن، وليس إتهاماً لأحد بالكذب، ورغم ذلك فإن هذا المحمل الحسن الذي حمله السيد المحقق لم يقبل منه وكأنهم يصرون بذلك، على ما يحاول السيد المحقق تبرأة السيد فضل الله منه.

/صفحة 183/
المبحث الخامس: كلمتان لا بد منهما:
أولاً: متفجرة بئر العبد:

يقول الشاخوري: (محاولة التشكيك في أن سماحة السيد كان المقصود في إنفجار بئر العبد.. مع أن القاصي والداني والعدو والصديق يعرف أن المقصود ليس هدم البناية التي يعيش فيها سماحته ولا ندري ما علاقة هذا الأمر بهذا البحث) (1)

ثم ساق نصاً طويلاً من كتاب (الحجاب) الذي ورد فيه الحديث عن المتفجرة وتخطيط الإستخبارات الأميركية لها. (2)

وهنا لا بد من التوقف قليلاً ووضع النقاط على الحروف:

1 ـ أما حول سؤال الشاخوري عن علاقة هذا الأمر بالبحث فنقول:

إن السيد المحقق كان يرد على قول السيد فضل الله أنه لا يهمه إن (إنكسر ضلع الزهراء أو لم ينكسر)، وإن ذلك ليس من إهتماماته. فكان جواب السيد المحقق أنه كيف لا يهتم السيد فضل الله بما يجري على الزهراء (ع) ويهتم بالتذكير دائماً بحادثة يحتمل أن يكون له نوع إرتباط بها.

2 ـ غريب أمر الشاخوري هذا كيف (يستنفر) وتظهر عليه علامات الأسف واللوعة والحزن بسبب التشكيك بكون السيد فضل الله هو المستهدف بمتفجرة بئر العبد، ولا يحرك ساكناً على من يشكك بما جرى على الزهراء (ع) مع أن القاصي والداني والعدو والصديق يعرف أن الزهراء (ع) قد إعتدي عليها بالضرب وأسقطت جنينها وماتت وفي عضدها كالدملج. وكيف يقبل الشاخوري بشهادة مدير الإستخبارات الأميركية (وليم كايسي) بحجة أنها تشكل إعترافاً منهم، ولا يقبل بشهادة أئمة أهل البيت (ع) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، بل وشهادة القوم الذين إعتدوا عليها (ع) مع ما لهذا الإعتراف من دلالة.



(1) مرجعية المرحلة، ص 173.

(2) نفس المصدر، ص 174 حتى 179.

/صفحة 184/

3 ـ لقد حاول الشاخوري أن يدافع عن السيد فضل الله فيما يتعلق بما جرى على الزهراء معتبراً أنه لم ينفِ ما جرى عليها وإنما قال: أنه لا يتفاعل بمعنى أن سماحته لديه علامات إستفهام متابعاً بذلك ما ذكره السيد فضل الله نفسه.

ونحن نقول إن كان قوله إنه لا يتفاعل لا يعني النفي وإنما يعني أن لديه علامات إستفهام، فإننا لا نتفاعل مع الكثير من الملابسات التي رافقت الجريمة في بئر العبد، ونطلب من السيد فضل الله ومن ثم الشاخوري عدم إعتبار ذلك نفياً لكون السيد فضل الله هو المستهدف منها:

أ ـ إننا لم نتفاعل مع قيام (كايسي) بالكشف عن تورط المخابرات الأميركية في العملية بعد أربع سنوات على حصول الجريمة مخالفاً بذلك قانوناً أميركياً صارماً صادراً عن مجلس الأمن القومي يمنع بموجبه الكشف عن أي عملية من عمليات الإستخبارات المركزية قبل أربعين سنة من حصولها، علماً أن الكشف عن العمليات الناجحة لهم أولى من الكشف عن عمليات فاشلة لا مصلحة للمخابرات بكشفها.

ب ـ إننا لم نتفاعل كيف يمكن لعملية خطط لها بهذه الدقة، كما جاء في النص الذي نقله الشاخوري عن كتاب الحجاب، أن ينتج عنها هدم المبنى المقابل للمبنى الذي يقطنه السيد فضل الله، على عكس ما ذكره الشاخوري عندما قال أن المقصود هو اغتيال السيد فضل ال له وليس هدم البناية التي يعيش فيها، ويبدو أن الشاخوري لم يكن في لبنان آنذاك ليعلم أن البناية التي هدمت هي تلك التي كانت قيد الإنشاء آنذاك وتقع مقابل مبنى السيد فضل الله.

ج ـ إننا لم نتفاعل مع التناقضات التي وردت على لسان (كايسي) في الكتاب المذكور حيث يقول: (لكن وكالة المخابرات المركزية عبر مخابرات دولة صديقة حاولت أن تثبت عدم تورطها. كان هناك طريقة واحدة لقد أعطوا معلومات لا تقبل الجدل ساعدت فضل الله في القبض على بعض العاملين المستأجرين) (1)




(1) مرجعية المرحلة، ص 178.

/صفحة 185/

أقول إننا لم نتفاعل كيف أن المخابرات المركزية حاولت أن تثبت عدم تورطها عبر إعطاء معلومات تساعد في القبض على مرتكبي هذه الجريمة ليعترفوا أن المخابرات الأميركية تقف وراء هذا الفعل؟!!

د ـ إننا لم نتفاعل مع قول (كايسي) حول خطف (وليم بكلي) رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية، كما وصفه (كايسي) في بيروت، أن خطفه كان (محنة مخزية) (1) ثم يعترف في مذكراته بعملية بئر العبد الفاشلة والتي ستكون أكثر خزياً لهم.

و ـ إننا لم نتفاعل كيف يمكن لمرتكب هذه الجريمة أن يعطي معلومات تكشف عن تورطه في الوقت الذي يقول فيه إنه إستأجر (مجموعة أخرى للتخطيط لعمل خداعي بعد التفجير بحيث أنه لا يبدو مرتبطاً بالولايات المتحدة) (2) إضافة إلى تفاصيل أخرى لم نتفاعل معها ونفضل عدم البوح والجهر بها ولعله لها وقتها.

4 ـ إذا كان الشاخوري سيأخذ بشهادة (كايسي) في هذا المجال، فهل يجوز له أن يأخذ بشهادته أيضاً حول دفع تعويض للسيد فضل الله بعد الإنفجار، وهو نص تم حذفه من الترجمة العربية للكتاب بضغط من "شخصية دينية شيعية متطرفة" وإليك الترجمة العربية للنص المحذوف كما جاء في النسخة الإنكليزية للكتاب: (.. بالرغم من ذلك ما زال فضل الله مشكلة الآن أكثر من قبل. تقرب منه السعوديون وسألوه أن يعمل بمثابة جهاز إنذار مبكر ينذرهم حول أي عملية إرهابية، ضد مرافق أميركية أو سعودية، مقابل مبلغ من المال، وهو مليونا دولار، وافق فضل الله، ولكنه طلب أن تكون الدفعة على شكل أغذية وأدوية ونفقات تعليمية لرجاله. هذا الأمر سوف يعزز مكانته بين مؤيديه وأتباعه. ووافق السعوديون. لم يكن هناك أي عملية إرهابية مدعومة من فضل الله ضد الأميركيين وعلق بندر قائلاً: رشـوته كانت أسهل مـن قتله وقـد ذهـل



(1) مرجعية المرحلة، ص175.

(2) مرجعية المرحلة، ص 178.

/صفحة 186/

(كايسي) بالمبلغ المالي الصغير نسبياً الذي يحل هكذا مشكلة عملاقة) (1)

ونحن بالطبع ننزه السيد فضل الله عما ينسبه إليه هذا الكتاب، ولكننا إنما ذكرناه طعناً على الشاخوري.

كنا نتمنى من الشاخوري ألا يفتح الأبواب على هكذا مواضيع لا سيما وإن هدف السيد المحقق من تعرضه لها إنما هو، كما ذكرنا في البداية معاتبة السيد فضل الله على أن الإعتداء على الزهراء لا يهمه وليس من إهتماماته، في حين يهتم دائماً بالتذكير بحادثة جرت له منذ سنوات عديدة.
ثانياً: السيد هاشم معروف الحسني:

يلاحظ على الكاتب كثرة إستشهاده بكلام السيد (هاشم معروف الحسني) ولا نظن أن سبب ذلك إلا ان للسيد (الحسني) بعض الآراء التي ترضي الشاخوري ومن يدافع عنه.

وكنا قد أشرنا إلى أننا سنضطر لتقديم بعض النماذج والعينات من هذه الآراء التي كانت الدافع لهذا الحجم والكم الهائل من المدح والثناء على السيد "الحسني" إلى درجة وضع إسمه في خانة "كبار المحققين والعلماء" إلى جانب: الشيخ المفيد والطوسي والسيد المرتضى (علم الهدى) والخوئي وغيرهم رضوان الله عليهم.

وقبل المباشرة بعرض تلك الآراء وإلقاء الضوء عليها لا بد من الإجابة على سؤال قد يسأله البعض وهو: إن كان للسيد هاشم معروف تلك الآراء فلماذا السكوت عليها طوال هذه الفترة والإعتراض على كلام السيد فضل الله دون سواه؟

والإجابة على هذا السؤال بسيطة وواضحة وهي:

1 ـ إن تأثير كتب السيد (هاشم معروف الحسني) محدودة في الزمان والمكان على عكس مقولات السيد فضل الله التي ينشرها في كل مناسبة من على المنابر والإذاعة والتلفزيون والصحف والكتب وغيرها من الطرق والوسائل.




(1) الحجاب، الحروب الخفية لوكالة المخابرات المركزية، ترجمة مأخوذة عن النسخة الإنكليزية، فصل (20) ، ص395.

/صفحة 187/

2 ـ إن حجم عثرات السيد (الحسني) لا تشكل خطراً على التشيع وعقائده وحقائقه، ولم تطل مختلف جوانبه الفكرية والعقائدية والفقهية والتفسيرية والتاريخية وما إلى ذلك.

والآن فلننظر إلى تلك الآراء التي إستشهد بها الشاخوري مع نظرة سريعة على بعض آراء السيد (هاشم معروف)
1 ـ آراء السيد هاشم التي إستشهد بها الكاتب.

1 ـ موضوعية السيد (الحسني):

يقول الكاتب: (وكمثال حي على الكاتب الموضوعي العلامة السيد هاشم معروف الحسني فهو في الوقت الذي يبين عيـوب صحيح البخـاري والروايات المحرفة فيه يذكر الروايات المقلقة في الكافي بنفس الصراحة) (1)

وعند مراجعتنا لكتاب "الموضوعات في الآثار والأخبار " للسيد "هاشم معروف " حيث أشار الكاتب وجدنا أن السيد (الحسني) يشبه ما جاء في مرويات الشيعة عن مصير الشيخين وقضية التابوت الذي يسعر نار جهنم عند فتحه وغيرها من الرويات، يشبهها بما جاء في مرويات السنة التي تصف أمير المؤمنين (ع) أنه من أهل النار وأنه ليس من أولياء محمد (ص) وأنه قد أحل حرم رسول الله (2) ولا يخفى على القارىء الفرق بينهما.

يقول السيد الحسني:

(وبعد التتبع في المرويات السنية أستطيع أن أقول بأن المرويات التي وضعها أتباع الحاكمين والحاقدين ممن ينتسبون إلى السنة ليست بأقل من المرويات الشيعية ولا المرويات الشيعية التي تسيء إلى الخلفاء بأقسى منها) (3) فهذه عند السيد (الحسني) كتلك.



(1) مرجعية المرحلة، ص129.

(2) الموضوعات في الآثار والأخبار، ص196 ـ 197.

(3) نفس المصدر، ص 196 197.

/صفحة 188/
2 ـ ولادة الزهراء (ع) من ثمار الجنة:

يقول الكاتب: (والمثال الذي نذكره على عدم تدقيقه في الأسانيد قوله في ص 35 مأساة ج1: "بل يأبى الإلزام أو الإلتزام بما ورد عن النبي الكريم (ص) وعن الأئمة الطاهرين (ع) مع أنها عليها السلام قد ولدت من ثمر الجنة).

ولكننا عندما نقرأ كتب العلماء الكبار نجد السيد هاشم معروف الحسني يقول تعليقاً على هذه الرواية: (أن من الجائز القريب أن تكون هذه الرواية من صنع الغلاة وقد نسبت إلى سدير الصيرفي زوراً وبهتاناً) (1)

والشاخوري ـ كعادته ـ لم يكمل كلام السيد (الحسني) الذي يضيف: (وقد جاء عنه أنه كان مخلطاً على حد تعبير المؤلفين في الرجال ولم يخرجوا من ترجمته بنتيجة توحي بجواز الأخذ بمروياته والإعتماد عليها) (2)

وعليه فإننا نسأل الشاخوري عن كتب كبار العلماء، الذين أشار إليهم أين هم؟ ولماذا لم يستدل إلا بكلام السيد (الحسني).

ومع ذلك فإننا نعلق على كلام السيد الحسني فنقول:

أ ـ ما هو المعيار الذي إعتمده للحكم على وضع هذه الرواية؟ وإذا كانت موضوعة فلماذا هذا التعبير (من الجائز القريب)؟!

ولماذا ادعى أنها نسبت إلى سدير الصيرفي؟ ألا يدل ذلك على أن رفضها كان مزاجياً، ولكن لم يستطع إتهام (الصيرفي) بها لوثاقته.

ب ـ ومع ذلك فإن قوله أن (سديراً) قد جاء عنه بأنه مخلط غير واضح، فإذا كان كذلك فلماذا يحتمل أن تكون نسبت إليه زوراً وبهتاناً، فإن المخلط لا يستبعد عنه ذلك، فلماذا يحاول تبرئته؟!



(1) مرجعية المرحلة، ص129.

(2) الموضوعات في الآثار والأخبار، ص196 ـ 197.

/صفحة 189/

ج ـ ورغم ذلك فإن كلام (الحسني) غير منسجم، إذ كيف نقل أن (سديراً) مخلط، ثم ذكر أن علماء الرجال لم يخرجوا بنتيجة توحي بجواز الأخذ برواياته.

د ـ إننا نسأل السيد (الحسني) عن هؤلاء الذين إعتبروا سدير مخلطاً والحال أن:

1 ـ الشيخ الطوسي وضعه بين أصحاب الأئمة زين العابدين والباقر والصادق عليهم السلام.

2 ـ المجلسي: وضعه بين الرواة الممدوحين والحسن.

3 ـ السيد الخوئي: وصفه أنه ثقة غير عامي. (1)

وعلى أي حال فإننا سنتعرض لبعض آراء السيد الحسني حول بعض الرواة أثناء حديثنا عن رأيه في سليم بن قيس فانتظر.

هـ ـ كل ذلك علماً أن سند رواية (سدير) معتبر كما وصفه المرجع الديني الميرزا جواد التبريزي. (2)
ثالثاً ـ السيد هاشم وسليم بن قيس:

ثم أن الكاتب في معرض حديثه عن كتاب سليم بن قيس: وإستشهاده برأي السيد (الحسني) ينقل عنه قوله:

(ويكفي هذه الرواية عيباً أنها من مرويات سليم بن قيس وهو من المشبوهين والمتهمين بالكذب..) (3)

إننا لا نغالي بقولنا إن إتهام السيد (الحسني) لسليم بن قيس أنه من المشبوهين والمتهمين بالكذب كاف للدلالة على عدم إمكان موافقة السيد (الحسني) في تحقيقاته كيف لا وهو يكيل هذه الإتهامات إلى أحد أصحاب الأئمة (ع) وقد مر معك عزيزي القارىء أن:




(1) رجال الطوسي. رجال المجلسي، ص217. معجم رجال الحديث، ج8، ص34، ج23، ص159.

(2) إعتقاداتنا إجابات الشيخ التبريزي على الإستفتاءات التي وجهت إليه، سؤال رقم11، ص21.

(3) مرجعية المرحلة، ص 164.

/صفحة 190/

* الشيخ الطوسي عده من أصحاب علي والحسن والحسين وزين العابدين والباقر عليهم السلام. (1) كما تقدم توثيق المفيد له في كتابه الإختصاص حيث ذكر أنه من شرطة الخميس وأصحاب الإمام الحسين (ع)

* النجاشي: قد إعتبره من أوائل المصنفين من سلفنا الصالح. (2)

* الخوئي: إعتبره ثقة جليل القدر عظيم الشأن. (3)

ولا يخفى على القارىء أن السيد (الحسني) قد خلط بين الطعن بسليم نفسه، وبين ما جاء من طعن في كتابه بوقوع تخليط فيه وما يدل على ذلك قوله:

(وقد ورد في الكتاب المنسوب إليه أن محمد بن أبي بكر وعظ أباه عند الموت مع أنه كان بحدود السنتين). (4)

ومن المعلوم أن من إدعى حصول تخليط في الكتاب، إنما ذكر أن ذلك حصل بعد سليم، وقد نسب البعض ذلك إلى راوية (أبان بن أبي عياش) وقد مر معنا تفصيل ذلك فيما تقدم أثناء حديثنا عن كتاب سليم فراجع.

ومهما يكن من أمر فإن مفارقات السيد (الحسني) الرجاليه لم تقتصر على (سليم) فحسب، فإن ذلك في أكثر من مورد، ومن أمثلته إضافة إلى ما ذكره حول "سدير الصيرفي "ما يلي:
أ ـ محمد بن سنان:

وقد ذكر السيد (الحسني) عنه أنه من المتهمين بالكذب على الأئمة (ع) (5) وما أسهل هذه التهمة عنده.

علماً أن الشيخ المفيد وصفه أنه من خاصة الإمام الرضا (ع) وثقاته وأهل العلم والورع والفقه من شيعته. (6)



(1) رجال الطوسي.

(2) رجال النجاشي، ج1، ص57.

(3) معجم رجال الحديث، ج8، ص216.

(4) الموضوعات في الآثار والأخبار، ص184.

(5) نفس المصدر، ص219.

(6) الإرشاد، ج2، ص248.

/صفحة 191/

أما المجلسي فقد قال إنه معتمد عليه عنده. (1)

ورغم أن البعض قد ضعفه إلا أنه لم يتهمه أحد بما إتهمه به السيد (الحسني). وقد إعتمد في إتهامه هذا على ما نقله عن (الفضلّ بن شاذان) أنه قال: (لا أحل لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان) (2)

إلا أنه لم يلتفت إلى أن الفضل إنما منع الرواية عنه حال حياته، وأما بعد وفاته (أي وفاة الفضل) فلا بأس بالرواية عنه كما في الكشي، وهذا ما نقله محقق كتاب (رجال النجاشي) محمد جواد النائيني عن المحقق المماقاني في كتابه تنقيح المقال:

(من أدلة القائلين بضعفه رميه بالغلو.. إن رمي القدماء رجلاً بالغلو لا وثوق لنا عليه لأن جملة ما هو الآن من ضروريات الشيعة في مراتب الأئمة (ع) كان يومئذ يعد غلواً.. رموه بالغلو وإمتنعوا من رواية أخباره إما إجتهاداً منهم أو تقية مخافة أن يرموا أيضاً بما رمي هو به كما يكشف عن ذلك تقييد الفضل المنع من رواية أخبار محمد بن سنان في حال حياته وأذن في الرواية بعد موته. فإن ذلك ليس إلا للتقية في حال حياته وخوف التهمة، وإلا فموت الفضل لا يبدل الغالي بصحيح الإعتقاد ولا الفاسق بالعادل.

فإن تجويز الرواية بعد الممات صريح في التعويل عليه.. فتبين أن الفضل بن شاذان الذي هو أسبق القادحين فيه وأعظمهم لم يكن قادحاً في الحقيقة، وإنما صدر منه ما صدر من باب التقية والخوف من الجهال والعوام، بل والخواص المعاندين لمحمد).

وقال الممامقاني أيضاً:

(وقد تلخص مما ذكرنا كله أن الأقوى كون الرجل ثقة صحيح الإعتقاد معتمداً مقبول الرواية.. ولو كان ضعيفاً لما روى عنه جم غفير من أجلاء




(1) رجال المجلسي، ص303.

(2) الموضوعات في الآثار والأخبار، ص 219.

/صفحة 192/

أصحابنا من العدول والثقات من أهل العلم) (1)
ب ـ أبو بصير:

ففي الوقت الذي قال السيد (الحسني) عنه، ـ بهدف ردّ بعض الروايات بفضائل أهل البيت ـ إن الذين (يكنون بأبي بصير أربعة لا غير.. وكلهم من المتهمين) (2)

لكنه يعود ويعتمد على روايته في تضعيف أبي الجارود فهو يقول: (وعن أبي بصير أن الإمام الصادق ذكر كثيراً لغواً وسالم إبن أبي حفصة وأبا الجارود وقال: كذابون مكذبون كفار عليهم لعنة الله..) (3)

إلى غيرها من النماذج التي لو تتبع القارىء كتابه لوجد الكثير منها.

4 ـ ينقل الشاخوري في معرض حديثه عن الرجعة نصاً للسيد هاشم معروف يقول فيه:

(ومجمل القول أن الرجعة ليست معتقدات الإمامية ولا من الضروريات عندهم) (4) وهذا القول لم يسبقه إليه أحد، لأننا لم نجد من علماء الإمامية من ينكر كون الرجعة من معتقداتهم، نعم يوجد خلاف حول طبيعتها.

فكيف يتجرأ السيد (الحسني) على نفيها وإعتبارها، ليست من معتقدات الإمامية.

وعلى أي حال، فإن الرجعة متواترة كما ذكر ذلك السيد فضل الله نفسه، لكنه قال بوجوب تأويلها كما أسلفنا فراجع.




(1) تنقيح المقال، ج3، ص 128، 135، راجع رجال النجاشي، ج2، ص 209 ـ 210.

(2) الموضوعات، ص 233.

(3) نفس المصدر، ص255.

(4) مرجعية المرحلة، ص156.

/صفحة 193/

ومهما يكن من أمر فيكفي التأمل فيما قاله المرجع الديني الميرزا جواد التبريزي: (ليست من أصول المذهب ولكنها ثابتة يقيناً لورود أخبار معتبرة فيها كما لا يبعد تواترها إجمالاً..) (1)
رابعاً: نظرة سريعة على منهج السيد الحسني:

لقد ألقينا نظرة سريعة على بعض كتب السيد (الحسني) وتحديداً على ثلاثة منها وهي: سيرة المصطفى، سيرة الأئمة الإثني عشر، الموضوعات في الاثار والأخبار. ولا نخفي القول أن نظرتنا كانت عابرة جداً ومع ذلك فقد خرجنا بهذا الكم من الأخطاء والآراء غير المقبولة التي مر بعضها وإليك بعضها الآخر:
1 ـ النبي محمد (ص) :
أ ـ كراماته (ص) :

ففي الوقت الذي يعترف فيه بما نقل عن آمنة بن وهب والدة الرسول (ص) عن النور الذي خرج منها فأضاءت له قصور بصرى من الشام، وأنه حين ولادته بدا واضعاً يديه بالأرض ورافعاً رأسه إلى السماء. (2)

ورغم حديثه عن البركات التي رأتها حليمة السعدية على يديه (ص) (3) وحديثه عن حادثة شق الصدر وإعتبارها نوعاً من الإعجاز رغم إختلاف رواياتها وضعف أسانيدها فإن ذلك لا يكفي لإنكارها. (4)

ورغم إعتباره أن البركات التي رافقته (ص) بشكل غير عادي كل ذلك من دواعي الفراسة بمستقبل سعيد حافل بالحوادث الجسام (5)

أقول رغم تسليمه بكل ذلك فإنه يقول بعد ذلك:




(1) إعتقاداتنا، ص 50.

(2) سيرة المصطفى، ص 45.

(3) سيرة المصطفى، ص 43.

(4) نفس المصدر، ص 46.

(5) نفس المصدر، ص 47.

/صفحة 194/

(إن محمد بن عبد الله (ص) يوم كان حملاً وطفلاً ويافعاً وشاباً وكهلاً لم يخرج في شيء من حالاته ومراحل حياته عن سنن الكون وقوانين الطبيعة، ولم تدع الحاجة في طفولته وشبابه إلى تلك الحوادث الجسام التي إمتلأت بها كتب الحديث والسير السنية والشيعية سواء في ذلك ما رافق ولادته وطفولته في بني سعد من العجائب والغرائب التي نبهت على بعضها في كتابي الموضوعات وما يرويه المحدثون والمؤرخون مما جرى له في طريقه إلى الشام وهو في قافلة تتألف من مائة وثمانين من التجار ومعاونيهم كحديث الغمامة التي كانت تضلله والمياه التي كانت تتفجر من بطون الصحراء).

وقد إستدل السيد هاشم على بطلانها بعدم إحتجاجه بها (ص) على أهل مكة (1) مع انه (ص) لم يحتج أيضاً بحادثة شق الصدر أضف إلى ذلك أنها من القضايا الغريبة العجيبة ورغم ذلك قبلها السيد (الحسني) مع ما فيها من دلالة على جبرية العصمة بإعتبار أن المعاصي مرهونة بعلقة سوداء في جوف الإنسان ولا خلاص منها إلا بعملية جراحية يتصدى لها الملائكة.
ب ـ النبي (ص) وحرب الفجار:

وقد لوحظ إصرار السيد "الحسني" على كون النبي (ص) قد شارك في حرب الفجار، رغم إعترافه أن تلك الحرب إنما سميت بالفجار لأنها تحدت حرمة الأشهر الحرم، بل وإعترافه أن فريقاً من المؤرخين رأى أن أبا طالب منع الهاشميين من الإشتراك فيها. (2)
ج ـ أخبار ورقه بن نوفل:

رغم تشكيكه فيما جاء من أحاديث حول بحيرا الراهب وما نسب إليه من أخبار أثناء لقاءه مع النبي (ص) في سفره إلى الشـام وأن مـن الجائز أن لا يكون دوره قد تجاوز




(1) سيرة المصطفى، ص 56.

(2) نفس المصدر، ص 51.

/صفحة 195/

حدود الفراسة فيما سيكون من أمره بعد أن وجد فيه ملامح الرجل الذي يبشر بنبوته الإنجيل (1)

إلا أنه أرسل أخبار ورقه بن نوفل وما ينسب إليه إرسال المسلمات من سؤال النبي (ص) له عن نبوته وهل أن الله مخرجه وباعثه، ثم إنقطاع الوحي بعد موته، مع ما في هذه الروايات من دلالات منكرة وتناقضها وضعف أسانيدها. (2)

ويكفيك في ذلك أن يكون "ورقه" حسب زعمهم، قد أعطى للرسول صك النبوة ولولاها لبقي (ص) حائراً تائهاً لا يعلم أهو نبي أم لا!!
2 ـ الإمام علي (ع) :
أ ـ ولادته (ع) :

يتجاهل السيد "هاشم معروف" ولادة أمير المؤمنين (ع) داخل الكعبة وإنشقاق حائطها لدخول "فاطمة بنت أسد" إليها حيث وضعت وليدها. بل يعتبر أنها وضعت تحت أستار الكعبة، وفي مكان آخر إلى جوارها يقول:

(ولادة أمير المؤمنين إلى جوار بيت الله الحرام) (3)

ويقول في كتاب آخر:

(فإنحازت ناحية وتوارت عن عيونهم خلف أستار الكعبة.. فيسر الله ولادة مولودها وهي متعلقة بأستار الكعبة..) (4)

ولا نجد سبباً لموقفه هذا إلا إصراره على الطعن بالغيبيات والكرامات التي تخص أهل البيت عليهم السلام ووقوعه تحت تأثير التفسير المادي والحسي للتاريخ، غافلاً أو متغافلاً عن أن هذه الكرامات إنما هي لإظهار أن هؤلاء الناس شأنهم ليس كشأن الناس العاديين.




(1) سيرة المصطفى، ص 56، والموضوعات، ص 202 و 206.

(2) سيرة المصطفى، ص 109 ـ 110.

(3) سيرة الأئمة، ج1، ص 153.

(4) سيرة المصطفى، ص 113.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://minhaj.ahlamontada.com
منهاج السنة
لا اله الا الله محمد رسول الله
لا اله الا الله محمد رسول الله
منهاج السنة


مرجعية المرحلة وغبار التغيير Vitiligo-ae30eb86b8مرجعية المرحلة وغبار التغيير Iraqiaabc6667cb59
عدد المساهمات : 897
تاريخ التسجيل : 27/10/2012

مرجعية المرحلة وغبار التغيير Empty
مُساهمةموضوع: رد: مرجعية المرحلة وغبار التغيير   مرجعية المرحلة وغبار التغيير Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 16, 2012 7:24 pm

/صفحة 196/
ب ـ عمره (ع) حين إسلامه:

نفى السيد "الحسني" وجود روايات تتحدث عن أن عمر أمير المؤمنين (ع) حين إسلامه سبع سنين (1)
ج ـ زواجه (ع) من فاطمة (ع) :

يقول السيد هاشم معروف:

(وما أن دخلت السنة الثانية من هجرة النبي (ص) ..حتى بدأ الخطاب يتسابقون إلى النبي يطلبونها منه وهو يردهم رداً جميلاً ويقول لكل من جاءه: إني أنتظر فيها أمر الله، وبلا شك لقد كان الإمام علي (ع) أحد الطامعين في الزواج منها..) (2)

وقد كان الأجدر بالسيد (الحسني) إستعمال ألفاظ أدق وأكثر لياقةً من كلمة (الطامعين) بحق أمير المؤمنين (ع) لا سيما وأنه وضعه في عداد هؤلاء الذين كان طلبهم الزواج من الزهراء (ع) معروف الأهداف والغايات. وقد كان بإمكانه أن يعبر بطريقة أخرى كأن يقول أنه (ع) كان راغباً بالزواج منها (ع) مع أن الروايات تقول: إنه (ع) لم يكن ملتفتاً إلى هذا الأمر.
د ـ عمره (ع) حين كفله رسول الله (ص) :

وفي هذا المقام نجد للسيد (الحسني) قولين مختلفين فهو يقول:

(لم يكن غريباً هذا الزواج فأكثر المسلمين كانوا لا يرون لفاطمة كفؤاً غير علي الذي إحتضنه والدها وهو صبي لم يتجاوز السادسة من عمره تدرج ونشأ في بيت النبي) (3)




(1) سيرة المصطفى، ص 113.

(2) سيرة الأئمة، ج1، ص87.

(3) سيرة الأئمة، ص 85.

/صفحة 197/

ثم يقول في مكان آخر: (فلقد كان والده مع علو شأنه.. فقيراً لا يملك ما يسد به حاجة عياله مما دفع محمداً (ص) أن يقترح على أعمامه أن يأخذ كل واحد منهم ولداً من أولاده ليخففوا عنه ثقل ما كان يعانيه.. وإختار لنفسه من بينهم علياً وهو صبي لم يتجاوز الثامنة من عمره..) (1)
3 ـ الزهراء (ع) :

أ ـ ولادتها (ع) :

وقد تقدم الحديث عنها وأن الحسني وصف روايات ولادتها من ثمر الجنة أنها من صنع الغلاة، لكنه في معرض حديثه، عن حادثة شق الصدر فقد إعتبر أنها رغم إختلافها وضعف أسانيدها فإن ذلك وحده لا يكفي لإنكارها لأنها قد تكون على سبيل الإعجاز، لكنه لا يقبل أن تكون هذه على سبيل الكرامة لها (ع) مع وجود روايات معتبرة فيها.
ب ـ زواجها (ع) من علي (ع) :

يقول السيد (الحسني): (لقد كانت الزهراء (ع) يوم زواجها من علي (ع) في حدود الخامسة عشر من عمرها كما في أكثر الروايات وفي حدود الثامنة عشر عند فريق آخر من المحدثين وقيل غير ذلك) (2)

ثم يذكر قول المستشرق (لامنس) إنه (لا يوجد سبب لتأخير زواجها إلى أن بلغت سن الثامنة عشر إلا أنها كانت محرومة الجمال لم يرغب بها أحد من الناس..) (3)

ثم يعلق السيد (الحسني) بقوله: (هذا مع العلم أن الروايات الكثيرة التي نصت على أن زواجها كان وهي في سن مبكر أكثر عدداً وأقرب إلى الصحة




(1) سيرة الأئمة، ص 91.

(2) سيرة الأئمة، ص 81 ـ 82.

(3) نفس المصدر، ص 82.

/صفحة 198/

من تلك التي إعتمدها (لامنس)) (1)

والفرق بين سنّ الخامسة عشر الذي رجحه السيد (الحسني) وبين الثامنة عشرة ليس كبيراً ليكون ثمة فرق في بعض الإعتبارات؟! وهل الزواج في ذلك الزمن في سن الخامسة عشر يسمى سناً مبكراً؟!

ولماذا تجاهل الروايات التي ذكرت أن زواجها كان بعمر التسع سنوات؟! وكذلك تجاهل الروايات التي قال فيها رسول الله (ص) لبعض من تقدم لخطبتها أنها لا تزال صغيرة، وهل يصح لمن بعمر الخامسة عشر أن يقال إنها صغيرة؟!

هذا من جهة عمرها (ع) حين زواجها. أما من ناحية الوضع الإقتصادي فهو يقول:

(وهكذا إستقبلت سيدة النساء فاطمة الزهراء حياتها الجديدة في ذلك البيت المتواضع.. تلك الحياة التي وصفها المؤرخون والمحدثون بالخشونة والفقر، ولم نر واحداً منهم حاول أن ينفي عنها ما كانت تقاسيه من شظف العيش والفقر ويصف جهازها بغير هذا النوع من الأثاث المتواضع ذلك لأن أباها لم يكن يملك شيئاً ولا يدخر لنفسه شيئاً مما كانت تدره الغنائم) (2)

مع أنه كان قبل ذلك قد وصف حال الرسول (ص) بغير هذا الوصف وإليك عبارته:

(إلى غير ذلك من المرويات الكثيرة التي تصف النبي (ص) وأهل بيته بالفقر والبؤس، وما كانوا يعانونه من الفاقة والجوع في كثير من الأوقات وبالتالي تنزل عليهم الموائد من السماء كما حدث للزهراء (ع) وحسبما أظن أن هذا اللون من المرويات أكثره من الموضوعات، أولاً لأن أكثره مـن المراسيل.. وثانياً أن النبي (ص) بعد معركة بـدر كان لديه مما



(1) سيرة الأئمة، ص 83.

(2) سيرة الأئمة، ج1، ص 91.

/صفحة 199/

أفاء الله عليه من الغزوات لسد حاجته، هذا بالإضافة إلى ما كان يملكه من أموال خديجة.. ولا أستبعد أن تكون من صنع القصاصين والمرتزقة وقد وضعوها ليستدرجوا من كان يجتمع إليهم على تقديم الهبات لهم.. وأما من صنع بعض المحبين الذين لا يفهمون أهل البيت إلا من زاوية الغيبيات وهذا النوع من الكرامات والأساطير..) (1)
ج ـ الإعتداء عليها وإستشهادها (ع) :

فالسيد (الحسني) يقول واصفاً الروايات التي تتحدث عما جرى عليها بعد وفاة أبيها من ضرب القوم لها وإحراق بيتها وكسر ضلعها وإسقاط جنينها يقول:

(إلى كثير من المرويات التي لا تثبت أسانيدها في مقابل النقد العلمي) (2)

مع أنه سلم بحادثة شق الصدر رغم عدم ثبوتها أمام النقد العلمي، وكذلك فعل بأخبار ورقه بن نوفل. وقد تقدم الحديث عنهما فراجع.

ومع ذلك فهو يقول: (لقد أطبقت على الزهراء الهموم وحطمتها الأحزان وأحاطت بها سحب قاتمة، فمن موت أبيها إلى إغتصاب الخلافة من إبن عمها إلى إنتزاع فدك من يدها وحرمانها من إرثها إلى غير ذلك من الكوارث والمصائب التي أحاطت بها خلال أيام معدودات) (3)

ولا ندري ما هي تلك المصائب التي أحاطت بها غير ما ذكره السيد (الحسني)؟! كل ذلك مضافاً إلى أن ثمة روايات متواترة وصحيحة السند ذكرت حادثة الإعتداء عليها وإسقاط جنينها كنا قد تعرضنا لها في حينه فراجع.



(1) سيرة الأئمة، ص 74 ـ 75.

(2) سيرة الأئمة، ج1، ص 131.

(3) سيرة المصطفى، ص 147.

/صفحة 200/
4 ـ الإمام محمد الجواد (ع) :

ولعل كلامه حول الإمام الجواد (ع) حين تسلم مقاليد الإمامة من أخطر مقولاته، وهي تدل على طريقته في معالجة القضايا التاريخية التي أقل ما يقال فيها أنها طريقة إستحسانية غير خاضعة لضوابط علمية.

فقد قال بعد أن أشار إلى أن أكثر المصادر تؤكد أنه (ع) كان في السادسة من عمره، وأنه لا يستبعد أن يكون فوق هذا السن يقول: (وتشير بعض المرويات إلى أنه أحس بالخطر على أبيه من خلال طوافه حول الكعبة ووداعه لها في السنة التي خرج فيها إلى خراسان، فلقد جاء في أعيان الشيعة من الدلائل أن أمية بن علي قال: كنت مع أبي الحسن (ع) بمكة في السنة التي حج فيها مودعاً عندما أراد السفر إلى خراسان ومعه ولده أبو جعفر الجواد فودع أبو الحسن الرضا البيت وعدل إلى المقام فصلى عنده، وكان أبو جعفر على عنق أحد غلمانه يطوف به فنزل عن عنقه وجلس في حجر إبراهيم وأطال، فقال له موفق قم جعلت فداك، فإمتنع عنه وقال: لا أبرح من مكاني هذا إلا أن يشاء الله، واستبان في وجهه الغم، فجاء موفق الخادم إلى الإمام الرضا وأخبره بما كان مـن أمـر أبى جعفر، فقـام إليه بنفسه

وقال له: قم يا بني، فامتنع عليه وقال: لا أبرح من مكاني هذا وكيف أقوم وقد ودعت البيت وداعاً لا رجوع بعده، وأخيراً قام مع أبيه ومضى معه حيث أراد.

ويبدو من هذه الرواية أنه قد أدرك من خلال زيارة أبيه للبيت ووداعه له ما يجول في نفسه من المخاطر التي تنتظره، وإدراك هذا الأمر لا يكون ممن هو في مثل هذا السن، وإذا أضفنا إلى ذلك ما جاء في بعض المرويات من أن المأمون قد زوجه من إبنته أم الفضل بعد وفاة أبيه بمدة يسيرة بعد حوار جرى بين المأمون وبين العباس من جهة وبين الإمام

/صفحة 201/

الجواد وقاضي القضاة يحي بن أكتم من جهة ثانية، إذا أخذنا ذلك كله بعين الإعتبار يصبح من الممكن أن يكون عند وفاة أبيه فوق العاشرة وربما في حدود الرابعة عشرة من عمره، في حين أنه ليس لدينا من الروايات ما يؤيد هذا). (1)

إن المرء، أمام هذا الكلام، يحار ماذا يقول عن هذا النوع من الإستحسانات التي لا تدل إلا على التخبط الذي قد يعيشه الإنسان إذا ما أراد أن يتجاهل بعض الحالات الغيبية والكرامات الإلهية الت ي يعطيها الله لبعض عباده، ويحاول أن يدرس التاريخ بطريقة مادية حسية بعيداً عن بعض الإعتبارات المتعلقة باللطف ومن العبر والحوادث التي يقدمها لنا الله سبحانه وتعالى ليظهر لنا أن هؤلاء الأشخاص لهم شأن آخر ليس كشأن باقي البشر.

وإلا فكيف نستطيع أن نفهم هذا التشكيك عند السيد "الحسني" في كل هذه الروايات التي إعترف أنها تؤكد أن عمره (ع) كان ست سنوات. معتمداً على بعض الإستظهارات التي ليس لها مستند، كيف وقد ذكرت الرواية المتقدمة أنه (ع) كان يطوف على عنق أحد غلمانه، وهل من كان في عمر الرابعة عشرة يطوف بهذه الطريقة؟ وهل تصرف الإمام الجواد (ع) ، على فرض صحة الرواية، من إمتناعه عن القيام من مـكانه، بل وإمتناعه عن ذلك عندما طلب منه ذلك أبوه الرضا (ع) ، تصرف من يبلغ من العمر الرابعة عشرة؟

أضف إلى ذلك كيف يرجح هذا القول رغم عدم وجود روايات تؤيده، بإعترافه، والتشكيك بالقول الآخر المدعم بالروايات الكثيرة بإعترافه أيضاً؟

ولا نظن أن وراء ذلك كله إلا عدم تقبل عقله وذهنه لشخص يبلغ من العمر ست سنوات كيف يمكن أن يتصدى لشؤون الإمامة. وقد غاب عن ذهنه أن من يتحدث عنهم هم أناس يزقون العلم زقاً فيرضعونه منذ طفولتهم.



(1) سيرة الأئمة، ج2، ص 443 ـ 444.

/صفحة 202/

وكما ذكرنا سابقاً، فإن هذا النموذج كفيل بإعطاء صورة واضحة عن طريقة السيد "الحسني" في معالجته للروايات وللقضايا التاريخية فتأمل.

علماً أن عيسى (ع) قد خاطب القوم وهو في المهد أن الله جل وعلا قد آتاه الكتاب وجعله نبياً. بل أن القارىء لا شك أنه سمع وقرأ، عن ذلك الطفل الذي لم يبلغ الثامنة من عمره كيف يعالج مسائل رياضية معقدة. أو ذلك الذي يحفظ القرآن.
5 ـ لعن الظالمين:

ويقول في مجال إستنكار لعن بعض ظلم واعتدى:

(كما وأن الأئمة.. كانوا أرفع من أن يستعملوا لغة السب والشتم للأشخاص والتشفي بلعنهم والتشهير بهم..) (1)

مع أنه ذكر أن الله سبحانه وتعالى قد لعن الظالمين في أكثر السور والآيات، وأن الأئمة (ع) لا يتعدون أسلوب القرآن الكريم في التنديد بالظالمين. (2)

في الوقت الذي يقول فيه ما تقدم ذكره، فإنه وفي مورد الطعن على بعض من يروي فضائل أهل البيت (ع) ممن إتهم بالغلو فإنه لا يتوانى عن ذكر بعض الروايات التي تحتوي على مفردات إستنكرها بحق غاصبي حق أهل البيت فيقول للطعن على أبي الجارود:

(وعن أبي بصير أن الإمام الصادق ذكر كثيراً... وأبا الجارود وقال: كذابون مكذبون كفار عليهم لعنة الله..) (3)

فاللعن بحق الغاصبين لا يصدر عنهم عليهم السلام أما بحق البعض الآخر فإن الروايات جاهزة دون أن يعلق عليها وعلى سندها ودلالتها؟!

والسيد (الحسني) لم يكتف بذلك بل نراه يروي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: (..أبلغ أهل الكوفة أني بريء ممن تبرأ من أبي بكر وعمر، ومن لم يعرف فضلهما فقد جهل السنة..) بل وروى عنه (ع) أنه قـال: بلغني أن قومـاً



(1) الموضوعات في الآثار والأخبار، ص 178.

(2) نفس المصدر، ص 182.

(3) الموضوعات، ص 255.

/صفحة 203/

بالعراق يزعمون أنهم يحبوننا ويتناولون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وأني أمرتهم بذلك فأبلغهم أني بريء منهم، والذي نفسي بيده لو وليت لتقربت إلى الله بدمائهم، لا نالتني شفاعة محمد (ص) إن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما) (1)

وغيرها من الروايات التي علق عليها السيد هاشم معروف أنها وإن لم تكن (مستوفية للشروط المطلوبة من حيث متنها وسندها كما يبدو ذلك من رواية جابر المتقدمة التي يقول الإمام فيها: لو وليت لتقربت إلى الله بدمائهم، إلا أن هذه المرويات على تقدير صدورها ولو لأي جهة من الجهات تلمح إلى أن لغة السباب والشتائم ليست مألوفة للأئمة ولا هي من منطقهم) (2)

كل ذلك علماً أننا لا نأخذ على السيد (الحسني) إعتراضه على السب والشتم لأن ذلك مما لا خلاف عليه، وإنما اعتراضنا على اللعن.
6 ـ الشيخان الجليلان:

ويقول السيد الحسني:

(وعن إسحاق بن عمار الصيرفي وجماعة آخرين أحاديث حول الشيخين الجليلين ومصيرهما في الآخرة بأسانيد ضعيفة واهية لا يجوز الإعتماد عليها.) (3)

ويقول: في مكان آخر من كتابه الموضوعات في والآثار والأخبار:




(1) الموضوعات، ص 179.

(2) الموضوعات، ص 189.

(3) المصدر نفسه، ص 191.

/صفحة 204/

(ويمضي المفضل في حديثه ليصف موقف الإمام المنتظر من الشيخين الجليلين أبي بكر وعمر..) (1)

والمفارقة في كلامه إضافة إلى الوصف هي: أن منطق اللعن مرفوض بحق الشيخين، أما بحق من يروي عن الشيخين شيئاً، كالمفضل الذي ذكر في الرواية السابقة، فلا يتوانى السيد (الحسني) عن وصف روايته بالبعيدة عن منطق الإسلام، ثم يذكر أن الإمام قد (لعن المفضل وحذر أصحابه من مكره ودسائسه في أكثر من مناسبة ووصفه بالشرك والكفر..) (2)

يقول هذا رغم إعترافه بوجود (بعض المرويات عن الإمام الصادق (ع) في الثناء عليه، وأنه أقل ما يوجب ذلك التوقف في أمره والحذر من مروياته) (3)
7 ـ القوم وفدك:

أما موقف القوم من فدك فإنه لم يكن مخططاً له، عند السيد (الحسني) بل جاء متأخراً. فلنقرأ عزيزي القارىء كلامه حول هذا الموضوع:

(ولا أظن أن إنتزاع فدك وسهم ذوي القربى من يدها كان داخلاً في حساب القوم لولا موقفها الحازم من الخلافة، ولكنهم بعد تعاطف عدد كبير من المسلمين وإقتناعهم بحجتها أدركوا أن بقاء فدك في يدها يمدها بالقوة ويوفر لعلي قسطاً من المال يعينه على المضي في موقفه المتصلب، بعد أن أدركوا ذلك إنتزعوها من يدها وأضافوها إلى ميزانية الدولة..)

ولنقارن بين قوله عن تعاطف عدد كبير من المسلمين وإقتناعهم بحجتها (ع) وبين قوله:




(1) الموضوعات في الآثار والأخبار، ص184.

(2) المصدر نفسه، ص 186.

(3) المصدر نفسه، ص 186.

/صفحة 205/

(وقد تأثر بموقفها جماعة من علماء المسلمين وأدهشهم أن تجري الأمور في غير مجراها الطبيعي وساءهم غضبها. ولكن الذين أحسوا بذلك ومسهم الخوف كانوا بالقياس إلى الجمهور الأعظم وذوي الأطماع والأحقاد قلة لا تغن شيئاً)

أما حول المأمون وفدك فهو يروي رواية مفادها أن المأمون عندما تسلم الخلافة، كان أول عمل قام به أنه جلس يراقب المظالم التي إرتكبها أسلافه فكانت أول رقعة وقعت في يده فدك فنظر فيها وبكى (1)

كل ذلك علماً أن موقف القوم من فدك وإغتصابهم لها كان في الأيام الأوائل من سيطرتهم على الخلافة وأن تحركها (ع) كان في وقت لاحق من غصبهم لفدك.
8 ـ منهج جديد في رد الروايات:

والملاحظ عند السيد (الحسني) أيضاً إعتماده على فهم جديد في رد الروايات، ويكفي لردها عنده وجودها في بعض الكتب وإليك بعض عباراته:

أ ـ (ويكفي هذه الرواية عيباً أنها من مروايات سليم بن قيس..) (2) وقد مر معنا كلامه هذا.

ب ـ قوله: (ويكفي هذه الرواية عيباً أنها من مرويات نزهة الأبصار) (3)

ج ـ وقوله أيضاً: (ويكفي هذه الروايات عيباً أنها من مرويات الواقدي الذي كان من أقدم المؤلفين في التاريخ والمغازي.) (4)

د ـ وقوله أيضاً: (هذه الرواية من مرويات إبن شهراشـوب وحـاله




(1) راجع حول كلامه عن فدك سيرة الأئمة، ص 142.

(2) الموضوعات في الآثار والأخبار، ص 184.

(3) المصدر نفسه، ص221.

(4) المصدر نفسه، ص 225.

(5) المصدر نفسه، ص 221.

/صفحة 206/

معروف في الإعتماد على الروايات الضعيفة) (5) ولا ندري لو إستمرينا في متابعة قراءة ما أتحفنا به السيد (الحسني) عن كُتبٍ وكتَّاب يكفي لرد الرواية أنها مذكورة في كتبهم وتآليفهم. فهل سيبقى لنا روايات، وهل سيبقى لنا تاريخ خاصة إذا إعتمدنا على الروايات الصحيحة بالمعنى السندي. ولا أعتقد أنه سيبقى لنا في نهاية كلام السيد (الحسني) من كتب يمكن الإعتماد عليها إلا سيرة (المصطفى) وسيرة الأئمة الأثني عشر.

أما الكافي وغيره، فإن دورهم في الطعن بهم قادم كيف ولا وقد ورد فيه رواية أن الأئمة ثلاثة عشر وهذه الرواية مع واحدة أخرى كفيلة بأن تجعل من روايات الكافي مردودة لمجرد أنها من مروياته. كيف لا وقد إعتبر أن "سليم بن قيس" من المشبوهين والمتهمين بالكذب لأن كتابه إشتمل على رواية ذكرت أن الأئمة ثلاثة عشر، رغم إشتمال الكتاب على عشرات المواضع التي ذكر فيها أنهم إثنا عشر إماماً. ورغم إحتمال وجود تصحيف في الرواية فإن ذلك لم يمنع السيد (الحسني) من إطلاق إتهامه هذا.

وأخيراً فإننا نعتقد بعدم حاجتنا للإتيان بالمزيد من النماذج، لأن ما قدمناه، كفيل بإلقاء الضوء على منهج السيد (هاشم معروف الحسني) في دراساته، وبالتالي فهل يصح للشاخوري وغيره أن يحتجوا بكلامه وبآرائه. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

/صفحة 207/
الفصل الخامس
علامات استفهام أم شبهات؟

/صفحة 208/

/صفحة 209/

سوف نتعرض في هذا الفصل لبعض الشبهات التي طرحها الكاتب بعنوان (علامات إستفهام حول بعض ألسنة الروايات) ولا نظن إلا أنها شبهات، يراد منها التعمية على القراء، لا سيما وأن هذه الشبهات قد أوضحها جميعاً السيد المحقق جعفر مرتضى في كتابه مأساة الزهراء فراجع.

والجدير ذكره أن هذا الكاتب لم يأت بشيء جديد فما ذكره تحت عنوان (علامات إستفهام) هو عين ما ذكره السيد فضل الله. فلننظر في هذه الشبهات ولنر ما فيها:
1 ـ لماذا تأخر أمير المؤمنين (ع) عن إنقاذ الزهراء (ع) :

يطرح الكاتب هذا السؤال للتشكيك بما جرى على الزهراء (ع) متذرعاً بحجة واهية مفادها أنه (لا يعقل أن ينتظر أمير المؤمنين أن يكيل هذا الشخص الضربات للزهراء وهو ينظر إليها ثم بعد ذلك يتدخل..) (1)

وجواب الشبهه واضح بيِّن: إن القوم قد جاءوا إلى بيت الزهراء (ع) بعد أن قاموا بعدة خطوات تمهيدية:

الخطوة الأولى: إشاعة أن أمير المؤمنين (ع) لا يريد الخلافة وأنه تراجع وتنازل عنها.

الخطوة الثانية: عقد البيعة لأبي بكر ودفع الناس لتقديم البيعة له.

الخطوة الثالثة: حملة إعلامية تدين إمتناع علي (ع) مع بعض أصحابه عن البيعة وأن ذلك قد يؤدي إلى فتنة تعم الإسلام وأن أخذ البيعة منه (ع) لا بد منها لأن فيها حفظ للإسلام والدين.




(1) مرجعية المرحلة، ص 193.

/صفحة 210/

وأمام هذه الخطوات الثلاث، أصبح الجو مؤاتٍ للذهاب إلى بيت علي (ع) لأخذ البيعة ولو عنوة.

وأمام هذا الواقع المشحون من جهة، ووصية رسول الله (ص) لعلي (ع) بعدم التصدي مع قلة الناصر من جهة ثانية كان لا بد من التعامل مع مجيء القوم لأخذ البيعة بطريقة حكيمة تكشف عن أهدافهم وغاياتهم الحقيقية.

ولو أردنا أن نفكر بالخيارات المتاحة أمام أمير المؤمنين (ع) في ذلك الزمن لوجدنا أنه مع ضرورة أن يكون موقفه (ع) يؤدي للكشف عن نواياهم وحقيقة أطماعهم، أمام إحتمالين:

أ ـ التصدي لهم فور هجومهم على المنزل، وهو إحتمال مليء بالمخاطر، وأن هذه الخطوة لا تخلو من:

أولاً: إما أن يقتل (ع) وبالتالي يتم ضياع القضية وإدعاء القوم أنه إمتنع عن البيعة وقام بالسيف وهم أشاعوا قبلاً أنه (ع) رفضها وتنازل عنها.

ثانياً: إما أن يقاتلهم وهذا فضلاً عن أنه مخالف لوصية الرسول بعدم القتال مع عدم وجود الناصر، لسوف يضع الأمة أمام خيارات صعبة، وقد أشار إليها أمير المؤمنين في الرواية التي ذكر الكاتب بعضاً منها، وأعني بها رواية محمد بن الحنفية، حيث ذكر أن قيامه (ع) بالسيف سيضع كل إنسان أمام إحتمالات عدة: إما البيعة له فيقاتل إلى جانبه، وإما مخالفته فيقتل بسيفه، وإما خاذل لا يقاتل فيكفر لإمتناعه عن بيعته ونصرته.

ب ـ عدم التصدي لهم وجعلهم يدخلون الدار، ويفعلون ما يفعلون، ثم التصدي بعد ذلك وبعد إنتشار فعلهم لدفعهم عن أهله وبيته ولا علاقة لذلك بموضوع الخلافة، فإن موقفه منها واضح وبيِّن بعدم البيعة.

وقد كان الخيار الأخير هو الموقف الذي إتخذه أمير المؤمنين (ع) بحكمته البالغة فتحقق ما لا يستطيع تحقيقه بتصديه للقوم بداية.

وعليه، فإن تأخره (ع) عن نصرة الزهراء إنما كان يهدف من خلاله لتفويت الفرصة عليهم فلا يمكنهم من تحريف ما قد يحدث، أما بعد أن فعلوا ما فعلوه وشاع أمرهم فإن التهديد بشهر السيف لا مانع منه. وهذه الخطوة لم تحقق لأمير المؤمنين أهدافه فحسب،

بل دفعت بالقوم للذهاب إلى منزلها (ع) في محاولة مكشوفة منهم لإعادة الإعتبار لأنفسهم

/صفحة 211/

عبر محاولة إسترضائها (ع) .

وقد كان موقفه (ع) من التهديد بشهر سيفه إن حاول أحد نبش بعض القبور لمعرفة قبرها (ع) بحجة الصلاة عليها، دليلاً على صحة ما نقول، لأنه (ع) كان يعرف تماماً أن تهديده بشهر السيف في هذا المورد سيؤدي غرضه، لأنه لن يستطيع أحد إتهامه بوجود أطماع شخصية تقف وراء ذلك، فإن نبش القبر، وهو قبر الزهراء (ع) ، غير مبرر شرعاً ولا عقلاً ولا أخلاقاً.
2 ـ فذكر قول رسول الله (ص) :

ومن شبهات هذا الكاتب قوله إنه وحسب (رأي المتأخرين أن المعصوم لا ينسى فكيف تقول هذه الرواية "فذكر قول رسول الله") (1) وقد كان تعليقه هذا على ما جاء ببعض الروايات أنه (ع) وثب على عمر وأخذ بتلابيبه (ثم هزه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله فذكر قول رسول الله وما أوصى به من الصبر والطاعة، فقال والذي كرم محمداً بالنبوة يا إبن رضي الله عن عمر لولا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي..) (2)

وقول الكاتب هذا يدل على مبلغه في العلم فإن قول الراوي (فذكر قول رسول الله) إنما يعني أنه ردد وصية رسول الله له أمام عمر فالمقصود من (ذكر) أنه قال وأخبر، بمعنى الذكر اللفظي، وهو كقوله تعالى وذكر إسم ربه فصلى (3)

ولم يقل (فتذكر) ليكون المعنى ما يقابل النسيان.والرواية على فرض صحتها، تشير إلى أن أمير المؤمنين (ع) أراد أن يعلمهم سبب عدم قتله للرجل. وما يؤكد هذا المعنى هو العبارة التي تلي هذه حيث يقولSadفذكر قول رسول الله.. فقال والذي كرم محمداً..) ولا يخفى على كل متبصر، وإن خفي على كاتبنا، أنه عطف بالفاء في كلمـة



(1) مرجعية المرحلة، ص 193.

(2) مرجعية المرحلة، ص 193. كتاب سليم، ص 250.

(3) سورة الأعلى.

/صفحة 212/

(فقال) ولم يحصل العطف (بالواو).

ورغم كل ذلك، فإن هذه العبارة حتى لو حملت على معنى التذكر فإنما هي عبارة الراوي لما رأى أن أمير المؤمنين (ع) أحجم عن قتل الرجل مبرراً ذلك بوصية رسول الله (ص) ، فوصف ذلك بهذه العبارة، ولا يعني ذلك أن أمير المؤمنين كان ناسياً بالفعل، وإنما أراد (ع) أن يكشف للحاضرين عن سبب تركه له. (1)
3 ـ قولها (ع) لأنشرن شعري ولأشقن جيبي ولآتين قبر أبي:

وقد علق الكاتب على هذه الرواية قائلاً: (كيف يعقل أن الزهراء تكشف شعرها وتهدد بإرتكاب هذا الشيء المحرم حيث أن فرض الكلام أن الدار وخارجها ممتلئة بالمهاجمين) (2)

ولرد هذه الشبهة لا بد من ملاحظات عدة:

أ ـ من المعلوم أنه ليس بالضرورة الأخذ بكامل الرواية، فقد يؤخذ منها جزء ويترك آخر.

ب ـ ورغم ذلك فإن هذه الرواية لا تحتوي على أمر منكر كما يحاول الكاتب إظهاره، وذلك لأن ثمة رواية أخرى تنقل هذه الحادثة وتذكر أنها (ع) قالت (لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله على رأسي). وقد ذكر هذه الرواية الكاتب نفسه عندما نقل كلام السيد (هاشم معروف الحسني) (3) الأمر الذي يعني أنها (ع) قد هددت بنشر شعرها دون أن يعني ذلك خروجها مكشفة الرأس لأنها قالت (ولأضعن قميص رسول الله على رأسي) وإنما أرادت (ع) أن خروجها مع وضع قميص رسول الله على رأسها مع نشر شعرها هو خروج من حاله حال السبي، وذلك كفيل بإنزال غضب الله على الأمه.




(1) راجع كتاب الفضيحة، ص 90.

(2) مرجعية المرحلة، ص 194.

(3) مرجعية المرحلة، ص122.

/صفحة 213/

ج ـ بل حتى لو فرضنا أنها (ع) نشرت شعرها وخرجت مكشفة الرأس، فلا يعني ذلك وقوع نظر أحد عليها لأن بمجرد خروجها (ع) ، بهذه الحالة، يستدعي غضب الله ونزول العذاب لما لها من مرتبة عظيمة، وأن الله سيحول بينهم وبين النظر إليها.

ويكفي لإظهار هذا المعنى أنها (ع) قالت بعد ذلك (فما ناقة صالح بأكرم على الله مني ولا فصيلها بأكرم عليه من ولدي) فإن العذاب قد نزل بعد عقرهم لناقة صالح (ع) . أضف إلى ذلك أن ثمة قرينة أخرى تدلل على أن مرادها (ع) من ذلك إستحقاقهم لنزول غضب الله عليهم هو قول سلمان لها (ع) في آخر الرواية:

(.. يا بنت رسول الله: لقد بعث أبوك رحمة فلا تكوني أنت السبب في هلاك هذه الأمة.)

فسلمان يعرف تماماً أن خروجها (ع) ، على فرض صحته، بهذه الحالة إنما يعني هلاك الأمة وأنها (ع) أكرم عند الله من أن يسمح لأحد بالنظر إليها. وإن قيل: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا حصل ما حصل من الإعتداء عليها وكسر ضلعها وإسقاط جنينها. فنقول: إن الله أراد أن يكشف للأمة عن هؤلاء، والأمور تسير في هذا المجال وفق القوانين الطبيعية وهذا أمر ليس له علاقة بدعاءها عليهم بالفناء لو أرادت ذلك، كما أن الحسين (ع) لو أراد فناء القوم لدعا عليهم فلم يبق منهم أحد.

د ـ ورغم كل ما تقدم فإنه لا يوجد في الرواية أنها (ع) ستخرج أمام الناس. فإنها (ع) قد تفعل ذلك في داخل بيتها حيث يوجد قبر أبيها فيه، ولا يوجد هناك أحد من الناس.
4 ـ هل للزهراء قرط أم لا؟

يقول الكاتب معلقاً على الرواية التي تتحدث أن الرجل عندما ضربها على وجهها قد تناثر قرطها.

إن الزهراء ليس لديها قرط، مستدلاً بما روي عن رسول الله في حديث (القرط) قوله (ص) (ما لآل محمد والدنيا") ومستدلاً أيضاً بما قاله أمير المؤمنين (ع) عن وصف

/صفحة 214/

حال آل محمد (ونحن أهل بيت محمد (ص) لا سقوف لبيوتنا ولا أبواب ولا ستور إلا الجرائد وما أشبهها)!! (1)

ويمكن لنا هنا إبداء بعض الملاحظات:

أ ـ إن ما أشكله الكاتب هنا هو عين إشكال السيد فضل الله الذي تمسك بحديث القرط لرد هذه الرواية، ولا نعلم لماذا يستدل بحديث القرط لردها، ولا يفعل العكس، أعني يستدل برواية تناثر قرطها من جراء ضربها لرد حديث القرط.

وإن قيل حديث القرط مشهور، قيل أيضاً أن حديث ضربها وتناثر قرطها أكثر من مشهور.

هذا علماً أن ما جاء في كتاب (مأساة الزهراء) (ع) فحسب، ثلاث روايات قد ذكرت هذه الحادثة:

الأولى: عن الزهراء (ع) فإنها قالت: (.. إنتثر قرطي من أذني..) (2)

الثانية: عن الصادق (ع) أنه قال: (وصفعة عمر على خدها حتى بدا (أبرى) قرطاها تحت خمارها) (3)

الثالثة: عن الصادق (ع) قال: (ثم لطمها، فكأني أنظر إلى قرطها في أذنها حين نقفت) (4)

علماً أن هذه الروايات الثلاث غير الرواية التي ذكرها الكاتب لتصبح الروايات أربعاً فكيف يرد السيد فضل الله أربع روايات برواية واحدة علماً أن سند بعضها معتبر.

ب ـ وأما ما إستدل به من قول الرسول (ص) (ما لآل محمد والدنيا) فلا يصح أن يكون شاهداً لأن إمتلاك قرط لا يعني التمسك بالدنيا، فإن الرسول (ص) قد ترك لها (فدكاً) ومن المعلوم أن إنتاجها كان كبيراً حيث كانت (ع) توزع جزءاً كبيراً منه على الفقراء والمساكين.




(1) مرجعية المرحلة، ص194.

(2) مأساة الزهراء، ج2، ص 48.

(3) المصدر نفسه، ص 58 ـ 60.

(4) المصدر نفسه، ص 64.

/صفحة 215/

ج ـ وأما كون حال أهل البيت (ع) حال أضعف الناس وأن سقوف بيوتهم وأبوابه كانت من الجرائد وأشباهها فلا يطعن بذلك، لأن إمتلاك قرط ليس دليل غنى أو تكبر، لأن أضعف الناس في ذلك الوقت كان يملك مثله ومن قال: إن قرطها كان من ذهب أو من فضة، ومن قال: إنه كان له قيمة تنافي الزهد.

د ـ مضافاً إليه أن السيد فضل الله، الذي يستشهد كثيراً بهذه الرواية، قد علق قائلاً: (أنها (ع) كانت تتفهم ما يريده النبي قبل أن يقوله أو من دون أن يقوله) (1) وذلك تعليقاً على مضمون الرواية أنها (ع) علمت سبب عدم دخوله (ص) عليها من سفره. فإن الزهراء (ع) ما دامت تعرف ما يريده الرسول (ص) قبل أن يقوله أو دون أن يقوله، فإنها من الأولى أن تعرف أن إمتلاك قرط ـ على فرض كونه دليلاً على التمسك بالدنيا أو أنه أمر منكر لا يصح صدوره منهم ـ مما لا يقبله الرسول (ص) قبل أن يقوله. وهل يعقل أن يكون هذا الأمر منكراً وتفعله الزهراء (ع) وبموافقة علي (ع) كل ذلك برسم السيد فضل الله.
5 ـ إشتمال بعض الروايات على قضايا غريبة.

ومن القضايا التي يطعن بها الكاتب إشتمال بعض الروايات على أمور غريبة، حسب إدعائه، كخروج يد من قبر الرسول (ص) وصوت يتحدث إلى عمر، وإرتفاع حيطان مسجد رسول الله، وقول عمر أنه كاد أن يلين لولا تذكره كيد محمد وولوغ علي في دماء صناديد العرب.

ولا ندري لماذا ينكر هؤلاء كرامات أهل البيت عليهم السلام؟! ولو سلمنا فقد تقدم، أن إشتمال بعض الروايات على قضايا غريبة لا يطعن بها، إذ يصح الأخذ ببعض من الرواية، وترك بعضها الآخر. ولأجل ذلك نجد السيد فضل الله يعتبر أن ذيل زيارة عاشوراء أي الجزء المتعلق باللعن، غير صحيح، بغض النظر عن صحة رأيه هذا وعدمه.




(1) كتاب الندوة، ج1، ص610.

/صفحة 216/
6 ـ هل يوجد تناقض في عدد أنصار علي (ع) :

يدعي الكاتب وجود تناقض في الروايات التي تتحدث عن العدد الذي ذكره أمير المؤمنين (ع) أنه لو توافر لديه لقام بالأمر.

قد نقل الكاتب عدة روايات منها:

* قول النبي (ص) لعلي (ع) إن تموا عشرين فجاهدهم.

* ويعلق الكاتب على هذه الرواية أن بني هاشم وحدهم وصل عددهم إلى العشرين.

* ومنها أن علياً (قال: (لو كان لي عدة أصحاب طالوت أو عدة أهل بدر وهم أعدادكم لضربتكم بالسيف).

* ومنها قوله (ع) Sadلو أن رجالاً ينصحون لله عز وجل ولرسوله بعدد هذه الشياه [كان عددها ثلاثين شاة] لأزلت إبن آكلة الذبان).

*ومنها قوله (ع) في رواية محمد بن الحنفية (ولو لم أتق هذه الحال يا أخا اليهود ثم طلبت حقي لكنت أولى ممن طلبه لعلم من مضى من أصحاب محمد (ص) ومن بحضرتك منهم، إني كنت أكثر عدداً وأعز عشيرة..) (1)

ولا شك أن القارىء قد لاحظ عدم وجود تناقض بين هذه الروايات وذلك للأسباب التالية:

أ ـ إن الرواية الأولى تتحدث عن وصية رسول الله. أما البواقي فهي من كلمات أمير المؤمنين (ع) فلا تناقض بينهما.

ب ـ بل حتى لو كانت الروايات جميعها من قول رسول الله (ص) فلا يحصل التناقض، لأن التناقض أو التعارض إنما يحصل بين الأخبار، أما ما بين أيدينا فإنه على سبيل الإنشاء. ولمزيد من التوضيح نقول إن التناقض إنما يحصل إذا ما كانت الروايات تتحدث عن قضية حصلت ووقعت لا عن قضية لم تحصل أو عن فرض يفترضه. فإذا قال قائل قـد




(1) مرجعية المرحلة، ص 195 ـ 196.

/صفحة 217/

إجتمع لدي خمسة أشخاص، وفي رواية أخرى إجتمع لدي عشرة أشخاص فالتناقض حاصل

لأن القضية من المفروض أنها وقعت بالفعل، والحال أن الواقع واحد، إما خمس وإما عشر، أما في القضية الإنشائية فهذا النوع من الإختلاف لا يوجب تعارضاً لأنك قد تقول لو إجتمع لدي مائة لفعلت كذا، ثم تقول تحدياً وتنزلاً لو إجتمع لدي خمسون لفعلت كذا، ثم تتنزل أكثر ليصل العدد إلى عشرين. فهل في هذا تناقض. وهذا الأمر كثير الإستعمال. فالرجل الشجاع قد يقول لو إجتمع علي خمسة أشخاص لصرعتهم، ثم يبرز شجاعته أكثر ويزيد من تحديه فيقول لو إجتمع علي عشرون شخصاً لصرعتهم وهكذا. ونكرر أن هذا النوع لا يوجب تعارضاً ولا تناقضاً.

ج ـ أما قوله (ع) : (إني كنت أكثر عدداً..) فقد ذكر أمير المؤمنين (ع) هذا أنه سيكون كذلك فيما لو طلب حقه، والفرق واضح أيضاً لأن قوله هذا يختص في حال شهره للسيف

وطلبه حقه، فإنه لا شك أن عدد الذين سوف يؤيدونه، طمعاً وخوفاً وصدقاً سيكون أكثر من غيره. فكثرة العدد لاحقة على طلبه لحقه.

أما الروايات الأخرى فهي تلحظ العدد الذي ينبغي أن يبايعه ليقوم بالأمر، أي المبايعة قبل قيامه بالسيف، بل المبايعة التي تكون مثابة حجَّه على القيام بالأمر، وذلك على غرار ما حصل بعد مقتل عثمان عندما بايعه الناس فلم يجد بداً من القبول بالخلافة وهو معنى قوله (ع) : (لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر) فإن وجود الناصر كفيل بقيام الحجة للقبول بالخلافة.

د ـ وأما حول تساؤله عن أن بني هاشم كان عددهم أكثر من عشرين: فإننا وإن كنا نطلب من الكاتب أن يعدد لنا بني هاشم لنرى عددهم، فإن عدد بني هاشم لا يفيد حتى لو وصل إلى المائة لأن المطلوب هو العدد من غيرهم وإلا فإن القوم سيبرزون القضية على أنها عشائرية وأنه لم يبايعه سوى عائلته وعشيرته. وفي هذا مخاطر كبيرة لا تفيد القضية فلا بد من أن يبايعه مسلمون آخرون غير قومه وعائلته لتقوم الحجة لوجود الناصر.

/صفحة 218/
7 ـ علي (ع) لم يذكر ما جرى عليها (ع) في رواية محمد بن الحنفية:

ومن شبهات كاتبنا أيضاً أنه إلتفت، وأي إلتفاتة! إلى أن الإمام (ع) في رواية إبن الحنفية، رغم طولها لم يتعرض لما جرى عليها (ع) رغم أنه تعرض فيها لجميع المحن التي أصابته في حياته منذ صغره. (1) إلا إن كاتبنا (المتبصر) الذي إلتفت إلى هذا الأمر، والذي أقر أن اهتمام الإمام ينصب في هذه الرواية على إغتصاب الخلافة، أقول رغم إعترافه بذلك، فإنه لم يلتفت إلى عدم ذكره (ع) في هذه الخطبة لإغتصاب فدك أيضاً فهل هذا يعني التشكيك بغصب فدك لعدم ذكره (ع) لها في هذه الخطبة؟!!

وهل يشترط لإثبات قضية ما أو حادثة تاريخية ذكرها في جميع خطب الأئمة وكلماتهم ومناظراتهم وحواراتهم؟!!

هذه هي مجمل شبهات الكاتب التي ظهر مدى وهنها وضعفها والتي ينبغي أن لا تخفى على القارىء الفطن وإن كنا لم نستغرب كيف خفيت على كاتبنا (الفذ) الذي غلبه التعصب وبات لا ينظر إلى الأشياء (إلا من خلال نظارة سوداء) (ويقرأ الكلمات بالمقلوب) كما يحلو له التعبير.



(1) مرجعية المرحلة، ص196.

/صفحة 219/
الفصل السادس
السلبية الممنهجة

/صفحة 220/

/صفحة 221/

سنتوقف في هذا الفصل لننظر في الملحق رقم (3) والذي جعله الكاتب كدراسة في منهجية العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى، لا سيما ما أطلق عليه إسم (النقاط السلبية) في المنهج لنرى مدى إنصاف هذا الكاتب، وأن هذه النقاط التي وصفها بالسلبية، ليست سوى سلبية كاتبنا (السلبي) تجاه كل ما يمس أهل البيت (ع) والإيجابي (جداً) فيما يتعلق بأعدائهم.
أولاً: الموضوعية المفرطة!!

إن أول ما يصادفنا في ملحق هذا الكاتب هو قوله:

(قد آثرت أن ألقي إطلالة على منهجية مؤلف (المأساة) من خلال جولة سريعة في بعض مؤلفاته المختلفة، لأن من الخطأ أن ندرس الإنسان من خلال بحث واحد..) (1)

لقد قرر الكاتب أن يدرس منهجية مؤلف (المأساة).

والطريف تصريحه أن دراسته ستكون من خلال مؤلفاته المختلفة، إلا أن المطلع على دراسته سيجد أنه لم يعتمد سوى على كتاب (الصحيح من سيرة النبي الأعظم)، فأين الجولة في بعض (المؤلفات المختلفة)؟!.
ثانياً: البحوث الهامشية من جديد:

إن أول ملاحظة يبديها الكاتب (الفذ) حول النقاط السلبية، بزعمه، في المنهج ما أسماه (إثارة بعض البحوث الهامشية). وقد عرض بعض النماذج منها وهي:



(1) مرجعية المرحلة، ص 217.

/صفحة 222/

* هل كانت عائشة جميلة أم لا.

* عدم نفي أهمية مكان الجنة.

* هل جرح علي (ع) في قتاله مع عمر بن عبد ود العامري في معركة الخندق.

* هل أن أبا بكر جميل أم قبيح. (1)

ولا ندري أين السلبية في أبحاث كهذه. خاصة عندما يكون الباحث يبحث في التاريخ ويناقش صحة القضايا فيه. فإنه يصطدم بروايات تتحدث في هذا الموضوع فهل المطلوب تركها أم مناقشتها وإظهار مدى صدقها أو كذبها خصوصاً إذا كان يراد لتلك الأمور أن تسهم في إظهار إمتيازات حظي بها من قبل النبي (ص) تلك الإمتيازات التي يراد لها أن يكون لها دور في المزيد من التقدير والتقديس، والدخول إلى وجدان الناس. وعقولهم وفكرهم. أو يراد بها تبرأتهم من أمور قد تخل بمقامهم.

إلا أن الملفت هنا إختيار الكاتب لنماذج النقاط السلبية في أمور تتعلق بالخلفاء الثلاثة والفريق المقابل لأهل البيت (عليهم السلام) على وجه الخصوص ـ كما سنرى ـ فلا ندري هل هدف الكاتب بالفعل دراسة المنهج أم الدفاع عن هؤلاء. وليتأمل القارىء في النماذج المتقدمة، كما فليتأمل في النماذج الآتية ليرى أن كل تلك النماذج، بإستثناء أربعة منها تتعلق بالفريق الآخر، وهم ما عدا أهل البيت (ع) .
ثالثاً: سلبيات الآخر تزعج الكاتب:

ملاحظة الكاتب الثانية هي ما أسماه (التركيز على سلبيات الآخر) دون ذكر بعض الإيجابيات. وأن هذا الأسلوب لن يخترق العالم السني على عكس مؤلفات وكتب بعض العلماء أمثال السيد هاشم معروف الحسني فلننظر إلى تلك النماذج التي عرضها في هذا المجال، ولنرى من هم هؤلاء الذين قال عنهم أنهم يملكون بعض الإيجابيات التي يتجاهلها السيد جعفر مرتضى:



(1) مرجعية المرحلة، ص 219 ـ 220.

/صفحة 223/

* إعتقاد اليهود أن الله سيغفر لهم كل ما يرتكبونه من جرائم.

* هل أعتق أبو بكر بعض المسلمين.

* هل عذب المشركون أبا بكر.

* هل كان أبو بكر رئيساً متبعاً في قومه.

* هل كان عمر قارئاً.

* هل شرب عمر الخمر بعد حرب بدر (1)

إن من يتحدث عنهم الكاتب الموقر ويدعي أن لهم إيجابيات لا بد من ذكرها هما الشيخان. يقولها الكاتب وفي قلمه غصة من عدم ذكر محاسنهم وإيجابياتهم. فانظر كيف يعلق الكاتب على مناقشة العلامة المحقق للموضوع المتقدم حول أبي بكر. يقول:

(وبالنتيجة خرج أبو بكر لا رئيساً ولا معذباً) (2)

ولا شك أن القارىء قد لاحظ تلك الغصة والأسف واللوعة في طريقة تعبير الكاتب.

ولا ندري لماذا ينزعج الكاتب من مناقشة هذه الأمور لإظهار وبطلانها، خاصة وأن القوم حاولوا التمسك بها لإظهار إستحقاقه للخلافة. ومع ذلك فللنظر ماذا قال السيد هاشم معروف الحسني في هذا المجال خاصة وأنه ـ برأي الكاتب ـ من المحققين الكبار. (3)



(1) مرجعية المرحلة، ص 224 ـ 229.

(2) المصدر نفسه، ص225.

(3) سيرة المصطفى، ص 123.

/صفحة 224/

وكذلك راجع كلامه حول إسلام أبي بكر وقدرته على إقناع الآخرين بالدخول إلى الإسلام. (1)

إلا أن الأطرف في هذه النقطة هو محاولته إظهار التناقض في كلام السيد جعفر مرتضى حيث يقول إن أسلوب السيد المحقق قد أوقعه في إرتكاب المفارقات، وأعطى مثالاً على ذلك مسألة مبارزة أبي بكر لولده: يقول الكاتب: (حاول بكل جهده أن يبطل أدلة هذه المسألة ونقل الأقوال التي تفندها مثل ما قاله: إبن ظفر في الينبوع: (لم يثبت أن أبا بكر دعا إبنه للمبارزة وإنما هو شيء ذكر في كتب التفسير).. ولكنه في مسألة تحقيق تاريخ إسلام أبي بكر، وبيان تأخره وبطلان الأقوال التي تدعي تقدمه قال: (..وأولاد أبي بكر حالهم معلوم، حتى أن أحدهم قد طلب مبارزة أبيه ـ أبي بكر ـ يوم أحد أو بدر، كما سيأتي..) والآن نريد أن نعرف الحقيقة، وهل الصحيح ما هو موجود في الصحيح من السيرة الجزء2 أم في الصحيح من السيرة الجزء6؟) (2)

ونحن نقول:

إن الحقيقة في كلا القولين إلا أنه لن يراها من ختم الله على قلبه وعلى سمعه وعلى بصره غشاوة. والمفارقة هي مفارقة الكاتب (البصير).

ومهما يكن من أمر فإن ما نفاه السيد المحقق في القول الأول أن يكون أبو بكر هو الذي دعا ولده للمبارزة، وأما القول الثاني فهو يقول أن ولد أبي بكر هو الذي دعا والده للمبارزة. فلا تناقض في ذلك. ولا ندري إن كان الكاتب يفهم مثل هذا الكلام ويفرق بينه.

والذي يثير الإستغراب هو أسفه عن التحدث عن سلبيات اليهود وإعتقادهم أن الله سيغفر لهم جرائمهم. ولعل الكاتب يعتبر أيضاً أن الحديث عن إغتصاب الخلافة لا يصح لأنه تركيز على سلبيات الآخر.



(1) سيرة المصطفى، ص122 ـ 124.

(2) مرجعية المرحلة، ص226.

/صفحة 225/
رابعاً: تضخيم الأمور الصغيرة:

وتأمل عزيزي القارىء في نموذج الملاحظة الثالثة التي أبداها الكاتب والتي تتعلق بقيام عمر بن الخطاب بغرس نخلة ولكنها لم تعش، وعندما أخذها رسول الله (ص) وغرسها من جديد عاشت (1) ولا أعتقد أننا بحاجة للتعليق على هذه الملاحظة.
خامساً: المنهج القديم والمنهج الحديث:

والملاحظة الرابعة التي يبديها الكاتب هي ما أسماه (صراع المنهجين الحديث والقديم) عند السيد المحقق، أي المنهج التشكيكي الحديث والمنهج القطعي القديم. وقد نسي الكاتب نفسه هنا وظن أن "فرويد" قد تجسد أو تقمص به، ولعله يؤمن بالتقمص، حيث إستدل على هذا (الصراع) بكلمة قال أن السيد المحقق يرددها وهي: (ونحن نشك في صحة ذلك بل نجزم بعدم صحته) (2)

ثم إستخلص الكاتب (الفرويدي) أن هذه العبارة تدل على وجود صراع عند السيد المحقق بين المنهجين. وإذا أردنا أن نجاريه في إستنتاجاته فإننا نرى عكس ما ذهب إليه فإن الإنتقال من الشك إلى اليقين هي الطريقة العلمية الصحيحة وهو المراد من منهج الشك الحديث، لا الشك المستمر، لأن الشك ليس هو المطلوب لذاته بل هو مطلوب ليكون الوسيلة للوصول إلى اليقين.

إلا أن مشكلة الكاتب هبي إعتياده على الإستماع إلى أشرطة الكاسيت التي طالما تتحدث عن إثارة الشكوك وعلامات الإستفهام خصوصاً بما يلامس أموراً دينية وثوابت إيمانية بحجة محاولة الوصول بهذا الشك إلى اليقين وتثبيت الحقائق، وأحياناً. لمجرد الشـك والشبهة، الذي لا يفيد العلم ولا يقرره إن كان مقصوداً لذاته أما كاتبنا (الشكاك) فيبدو



(1) مرجعية المرحلة، ص 226.

(2) مرجعية المرحلة، ص 229.

/صفحة 226/

أنه ليس (فرويدي) النزعة فحسب بل هو (بيروني) (1) النزعة أيضـاً فهو يظـن أن

المنهج الحديث يقتضي الشك المطلق في كل شيء حتى في كونه شاكاً أيضاً، فهو يشك في أنه يشك حسب تعبير الفلاسفة.

وبعد كل ذلك فللنظر إلى النماذج التي إختارها الكاتب وليلاحظ القارىء أولئك الذين يدافع عنهم كما أشرنا في بداية الفصل:

* الزعم: أن الرسول لم يتزوج بكراً غير عائشة.

* المزاعم عن زواج عثمان من إبنتي رسول الله (ص)

* باب هجرة أبي بكر.

* هل كان بئر رومه من صدقات عثمان. (2)

فلاحظ كيف أن نماذجه هذه تتعلق بعثمان، وعائشة وأبي بكر فلا داعي للتعليق، حتى لا نتهم بأننا ضد المحاولات التي تبذل للتخلي عن عقائدنا لصالح عقيدة اخواننا من أهل السنة!!
سادساً: عدم الإلتزام بأسس التحقيق:

والملاحظة الخامسة التي يذكرها الكاتب هي دعواه أن السيد المحقق لا يلتزم بأسس التحقيق التي رسمها بنفسه ومنها رفضه لبعض الروايات لوجود تناقض بينها. (3) ثم عرض نماذج من تلك الروايات التي إدعى أن السيد المحقق رفضها لوجود تناقض فيها. وإليك هذه النماذج وتأمل بها:

* رفض رواية أن عثمان إشترى بئر رومه وجعلها صدقة وذلك لإختلاف الروايات وتناقضها، فبعضها يقول أن ثمنها 40 ألفاً وبعضها 35 ألفاً وبعضها أنه حفرها ولم يشترها. [الصحيح، ج4، ص163].



(1) نسبة إلى (بيرون) وهو فيلسوف من أصحاب مذهب الشك المطلق، وهو من المذاهب السفسطائية التي رفضت إمكانية المعرفة.

(2) مرجعية المرحلة، ص230.

(3) مرجعية المرحلة، ص231.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://minhaj.ahlamontada.com
منهاج السنة
لا اله الا الله محمد رسول الله
لا اله الا الله محمد رسول الله
منهاج السنة


مرجعية المرحلة وغبار التغيير Vitiligo-ae30eb86b8مرجعية المرحلة وغبار التغيير Iraqiaabc6667cb59
عدد المساهمات : 897
تاريخ التسجيل : 27/10/2012

مرجعية المرحلة وغبار التغيير Empty
مُساهمةموضوع: رد: مرجعية المرحلة وغبار التغيير   مرجعية المرحلة وغبار التغيير Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 16, 2012 7:25 pm

/صفحة 227/

* التشكيك في أن يكون النبي (ص) قد رعى الغنم لغير أهله بأجر تزهد منه العجائز فبعضها أنه لم يكن أجيراً لأحد قط، وبعضها يقول لأهل مكة وبعضها يقول لأهلي وبعدها يقول بالقراريط. [الصحيح، ج2، ص98].

* التشكيك في أن أبا بكر أعتق بعض العبيد، وذلك لأسباب منها تناقض الروايات فبعضها يقول إن الثمن سبع أواقٍ وبعضها تسع وبعضها خمس (1) [الصحيح، ج3، ص90 ـ 91].

ثم يعلق كاتبنا (العبقري) على هذا أنه إذا كانت هذه الروايات مشكوكاً بها لإختلافها في تحديد الثمن، فإنه ينبغي تطبيق ذلك على الروايات التي تتحدث عما جرى للزهراء (ع) . (2)

وقبل أن نعرض تلك القضايا التي إعتبر الكاتب أنها تمثل إختلافاً في الروايات لا بد من التوقف قليلاً عند ما ذكره آنفاً:

1 ـ يلاحظة من جديد على النماذج التي يقدمها للقارىء أنها تتعلق بأبي بكر وعثمان، وقضية رعي النبي للغنم والتي يهم أهل السنة إثباتها.

2 ـ إن السيد المحقق لم يرفض هذه القضايا لمجرد تناقضها بل لأسباب عدة أحدها التناقض فراجع الصحيح حيث أشرنا.

3 ـ كنا قد أشرنا في الفصل السادس عند حديثنا عما أشكل به الكاتب حول عدم قيام علي (ع) ودعواه وجود تناقض حول العدد الذي تحدث عنه (ع) أنه لو توفر له لقام وطلب حقه. ونعود ونكرر مع بعض الزيادة فنقول:

إن التناقض الذي يصح أن يقال أنه موجود بين الروايات هو في الروايات التي تتحدث عن أمر وقع فعلاً وأن تكون هذه الروايات تتحدث جميعها عن حيثية واحدة من هذه الحادثة فعندئذٍ تسمى هذه الروايات متعارضة أو متناقضة حيث لا يمكن الجمع بينها. أما إذا كانت الروايات تتحدث عن أمر يفترض المرء حصوله، كما في الحديث عن وجـود



(1) مرجعية المرحلة، ص231.

(2) مرجعية المرحلة، ص232.

/صفحة 228/

العدد المناسب لقيام أمير المؤمنين (ع) لطلب حقه، كما تقدم فلا يصح أن يقال أن هذه الروايات متناقضة. فراجع ما قلناه هناك.

وكذلك لا يقال للروايات المثبتة أنها متعارضة، إذ لا تعارض بين المثبتات، والمقصود بالمثبتات هي أن تكون الروايات تتحدث عن حادثة معينة لكن كل رواية منها تثبت حيثية معينة من الحادثة لتشكل هذه الروايات جميعها مجموع تلك الحادثة.

والآن لنطبق هذا الكلام على ما تقدم من نماذج فنقول:

* حول دعوى شراء عثمان لبئر رومه: فالروايات في هذا مختلفة بعضها يقول إن ثمنها 40 ألفاً وبعضها يقول 35 ألفاً وبعضها إنه حفرها ولم يشترها.

ومن المفترض أن ثمة قول لا بد من صحته وهو إما أن يكون إشتراها وإما لا، وبما أن هناك إختلافاً في هذا الأمر إذا بعضها يقول أنه إشتراها وبعضها الآخر أنه حفرها ولم يشترها، وبما أن هذه الروايات تتحدث عن حيثية واحدة من جهة واحدة وهي الشراء وواحدة تثبت وأخرى تنفي فالتناقض هنا حاصل.

أضف إلى ذلك أن الشراء على فرضه لا بد أن يكون بمبلغ محدد، إما 40ألفاً وإما 35 ألفاً والقولان يتحدثان عن أمر واحد من جهة واحدة وحيثية واحدة وهي ثمن الشراء. فالتناقض حاصل أيضاً.

* رعي النبي (ص) للغنم: أما حول هذه القضية فإن التناقض واقع من حيث أن هناك قولاً إنه (ص) لم يكن أجيراً لأحد في الوقت الذي تقول فيه بعض الروايات أنه رعى لأهل مكه أي أنه كان أجيراً.

وثمة إختلاف في الروايات عن الأجر الذي كان يأخذه لقاء عمله. نعم قد يكون الإشكال وارد على عدم وجود تناقض بين الروايات التي تتحدث أنه (ص) رعى لأهله والأخرى التي تقول لأهل مكه. إذ يمكن الجمع والقول أنه رعى لأهله ولأهل مكه أيضاً. إلا إذا كانت الروايات التي تتحدث عن رعيه لأهله على سبيل الحصر أي أنه (ص) لم يرعَ لغير أهله.

كما لا يوجد تعارض بين كونه (ص) لم يكن أجيراً لأحد وبين التي تقول (لأهلي) لأن الذي يرعى لأهله يصح أن يقال أنه لم يكن أجيراً لأحد.

/صفحة 229/

كما لا يوجد تعارض بين القول بالقراريط أو إختلاف الأجرة وبين القول (لأهل مكه) لأنه إذا ثبت أنه (ص) رعى لأهل مكه، فيمكن القول أن الأجره إختلفت بين مرة وأخرى. لكن التعارض حاصل بين القول إنه (ص) فعل ذلك لأهل مكة وبين أنه لم يكن أجيراً لأحد.

ومع ذلك كله فإن السيد المحقق، وكما أسلفنا لم ينف الحادثة لمجرد التناقض، بل لأسباب عدة أحدها التناقض.

* عتق أبي بكر لبلال: وما يقال حول هذه النقطة هو عين ما قيل حول بئر رومة وشراء عثمان لها. لأن بعضها يقول إن الثمن كان سبع أواق وبعضها تسع وبعضها خمس، والثمن المفروض أنه دفعه واحد فالتناقض واقع لا محالة.

ومع ذلك فإن الكاتب إعترف بنفسه أن السيد المحقق شكك بهذا لأسباب منها تناقض الروايات وليس لمجرد تناقضها وحسب. (1)

والآن فلنقرأ تلك الروايات التي ذكرها الكاتب والذي قال أنه لا بد من تطبيق مبدأ رد الروايات لتناقضها عليها. يقول: (إن الإمام (ع) لم يثر وذلك لأنه لم يحصل على عشرين رجلاً، وبعضها تقول عدة بدر أي 313 رجلاً، أو الروايات الواردة حول تفاصيل الإعتداء على الزهراء (ع) حيث أن بعضها يقول أن عمر لطم الزهراء على وجهها حتى إنتثر قرطها وبعضها يقول أن الذي فعل ذلك هو قنفذ، وفي رواية أن عمر ضربها بالسوط فآثر ذلك في عضدها كالدملج، وفي رواية رابعة أنه وجأها بالسيف وهو في غمده، وفي رواية خامسة أنه عصرها بالباب. وفي رواية سادسة أنه شاهدها في الطريق فأخذ منها صك فدك ومزقه فقالت له الزهراء (ع) بقر الله بطنك كما بقرت صحيفتي هذه من دون الإشارة إلى تعرضها إلى الضرب. وفي رواية سابعة أن عمر رفسها بعد أن أخذ منها الصك. وفي رواية ثامنة أنهم إقتحموا الدار وأخـذوا علياً وخرجـت الزهراء إلى قبر أبيها (ص) من دون



(1) مرجعية المرحلة، ص231.

/صفحة 230/

الإشارة إلى تعرضها للضرب أيضاً.. فالحاصل أن بعض الروايات تنسب هذا العمل لعمر، وبعضها لقنفذ، وبعضها للمغيرة، وبعضها لا يتعرض لهذا الأمر أصلاً. فهل يمكن أن يدعي أن كل هذه الروايات صحيحة وأن الثلاثة ضربوها، وهل يمكن أن يدعـي أن الزهراء (ع) ضربت بالسيف في غمـده وعصرت بالباب ولطمت على وجهها ورفست في بطنها وضربت بالسوط..) (1)

وحسبك، عزيزي القارىء، هذا الكلام دلالة على المستوى العلمي لهذا الكاتب الذي أظهر براءة وسذاجة وبساطة علمية قل نظيرها، هذا إن لم نتهمه بتضليل القراء وتحريف القضايا عن مقاصدها وحقائقها.

فإذا تأملت فيما ذكرناه حول معايير تناقض الروايات فإنك ستجد أن هذه الروايات من المثبتات التي لا تعارض بينها لأن كل رواية تثبت أمر مختلفاً. وقوله الأخير كافٍ للتدليل على ذلك. نعم ما المانع من أن يكون الثلاثة تعرضوا لها بالضرب، خاصة وأن الهجمات على الدار قد تعددت، وما المانع من أن تكون عليها السلام قد ضربت على وجهها ورفست وضربت بالسوط وعصرت بالباب. وحسبك دلالة على مأساة هذا الرجل قوله أن بعض الروايات لم يتعرض لهذا الأمر أصلاً، أو قوله أن بعض الروايات يتحدث عن نوع واحد من الضرب ولم تتعرض للضرب الآخر، وقوله إن بعضها تعرضت لهجومهم على الدار وأخذهم علياً دون التعرض لموضوع الضرب. نعم حسبك هذا القول دلالة على مأساته التي يعيش فيها، فهل يفترض في كل رواية صدرت عن أهل البيت أن تتحدث عن الأمر كله بكل تفاصيله. ولعله يقول لنا بعد ذلك أن القوم لم يغتصبوا الخلافة لوجود تناقض في الروايات، لأن بعضها تحدثت عن موضوع فدك ولم تذكر غصب الخلافة أصلاً. ثم يقول بعد ذلك أن غصب فدك لم يحصل أو أنه يشكك به لوجود تناقض في الروايات أيضاً فبعضها يتحدث عن غصب الخلافة فقط (كما في رواية محمد بن الحنفية المتقدمة الذكر) ولم تتعرض لموضوع فدك أصلاً. وإذا إستمرينا بذلك فإنه لن يثبت بالروايات شيئ لأن بعض الروايات



(1) مرجعية المرحلة، ص232 ـ 233.

/صفحة 231/

لم تتعرض لوجود الله أصلاً وبعضها الآخر لم يتعرض للصلاة، وأخرى لم تتعرض للصوم، ورابعة لم تتعرض للخمس، وخامسة للحج.. إلى آخر اللائحة.

ولعلك عزيزي القارىء تضحك وأنت تقرأ هذه الكلمات، وهو بالفعل أمر مضحك، لكنه كما قلت دلالة كافية على مستوى كاتبنا (المحقق، المدقق، الباحث، المفكر، المبدع..) ولا غرابة في ذلك فهو التلميذ (النشيط) و (المتفوق) عند السيد فضل الله لذا تصدى للرد كما تصدى سابقاً لكتابة تقريرات السيد فضل الله الفقهيه حول (النكاح).

وقد قيل في المثل الشعبي: (فرخ البـط عـوام).

إن لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

/صفحة 232/

/صفحة 233/
الفصل السابع
نظرة إحصائية في الكتاب

/صفحة 234/

/صفحة 235/
هذا الفصل عبارة عن جداول
بالافتراءات
والتناقضات
والشتائم والإساءات

/صفحة 261/
الفصل الثامن
مفارقات شاخورية

/صفحة 262/

/صفحة 263/

عندما أطلعت على كتاب (مرجعية المرحلة) الذي بين أيدينا لفت إنتباهي أمر آخر أيضاً غير التحريف والتزوير وما شاكل، وهو بعض المسائل التي تمثل مفارقات غريبة، بعضها يثير الطرافة وبعضها الآخر يثير الإستغراب إن لم نقل الأسف على ما وصل إليه كاتبنا. وقد أحببت أن أفرد لهذه المفارقات فصلاً مستقلاً.
1 ـ المفارقة الأولى: الطريقة الحوزوية:

يقول الكاتب: (وإذا كان من المفترض أن أتحدث هنا عن ظروف هذه الدراسة فإني آثرت الحديث عنها في المقدمات الخمس التي كتبتها على الطريقة الحوزوية التي قد لا تكون مألوفة لدى الأوساط الجامعية..) (1)

والمفارقة هنا أن كاتبنا إنتظر لكي يكتب مقدماته تلك حتى الصفحة (65) والذي يقرأ تلك المقدمات يتساءل عن تلك الطريقة الحوزوية التي يدعي الكاتب أنه كتبها بها. فهل القصص والحكايات التي ملأت كتابه هي طريقة حوزوية، وهل التحدث عن بعض نظريات علم النفس التي فهمها الكاتب بطريقة سيئة، أو التمسك بنظريات علمنفسية خاطئة ولا يعلم إلى أين ستؤدي به هو طريقة حوزوية، وهل التهجم والسخرية من قراء العزاء الذين يحملون مسؤولية إقامة الشعائر الحسينية ونقلها إلى الناس هي طريقة حوزوية، إلا إذا كان الكاتب يعتبر أن نقل بضعة أسطر من كتاب (الكفاية) والإستشهاد بها في غير موضعها يضفي على كتابته (طريقة حوزوية).



(1) مرجعية المرحلة، ص7.

/صفحة 264/

وأما من يقرأ كلامه عن الأوساط الجامعية فربما يظن أن عادة كاتبنا هي إعتماد الطريقة الجامعية في كتاباته، لكن المطلع على كتابه سيعلم أنه ليس من هذا ولا ذاك،فهو لم يكتب بطريقة حوزوية فضلاً عن الجامعية. وإذا أردنا أن نصف طريقة كتابته فإن أكثر ما يمكن أن يقال أنها طريقة (حكواتية).
2 ـ المفارقة الثانية: القرآن حمال ذو أوجه:

يقول الكاتب: (.. بل إن القرآن وهو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه قد تعرض للتحريف المعنوي، حيث نجد كل فرقة تحاول أن تقرأ القرآن على طريقتها الخاصة حتى أن أكثر الحركات الإسلامية تخلفاً وهي حركة طالبان تؤكد عقائدها وأفكارها السخيفة بالآيات القرآنية.. ويحكي لنا التاريخ أن الخوارج كانوا يؤكدون نظرياتهم العقائدية والفقهية بالآيات القرآنية مما دفع أمير المؤمنين (ع) بأن يأمر مبعوثه إليهم بأن يحتج بالسنة فإن القرآن حمال ذو أوجه) (1)

والمفارقة الطريفة هنا أنه في الوقت الذي إعتبر فيه أن كل فرقة تحاول أن تستدل على آراءها بالقرآن الكريم وقد أعطى مثالاً على ذلك بحركة الطالبان والخوارج، وإستشهد بكلام أمير المؤمنين (ع) بضرورة الإحتجاج بالسنة لأن القرآن حمال ذو أوجه، فإنه يمجّد في مكان آخر ما أسماه بالمنهج الفقهي عند السيد فضل الله الذي إعتبره مؤسساً لمنهج جديد في عالم النظريات الفقهية والذي يرتكز حسب إدعاءه على إعتبار القرآن الكريم هو الأساس في التصور الفقهي الإسلامي (2) وهو بذلك إنما يرتكب، ما إتهم به حركة الطالبان وغيرهم، أعني تبرير الفتاوى الشاذة المخالفة لمسلمات المذهب وثوابته بأنها (مستوحاة) من القرآن الكريم وقد نسي كاتبنا (الفذ) أن القرآن حمال ذو أوجه ولا يعلم تفسيره إلا الله والراسخون في العلم.



(1) مرجعية المرحلة، ص 6 ـ 7.

(2) مجلة المرشد العددان: 3 ـ 4، 1995، مقال بعنوان نظرة في المنهج الفقهي للسيد فضل الله، ص277.

/صفحة 265/

ولم يكتف الكاتب في مقالته تلك بذلك، بل إعتبر أن الفقهاء إعتادوا في أبحاثهم الفقهية على التركيز في مناقشة تفاصيل الروايات من دون الإلتفات إلى الأسس القرآنية العامة (1) فالقرآن، حسب المنهج الجديد لدى الكاتب هو مرآة الأحاديث، وهذا وحده كفيل بجعل السنة خاضعة لعواصف القصور في الفهم والإستدلال، ففهم السيد فضل الله للقرآن يصبح، وفق هذا المنهج (البديع)، هو الحاكم على السنة وأحاديث أهل بيت العصمة، (فيستوحي) كما (يستوحون) (2) (ويستظهر) كما يستظهرون، ولعل إستيحاءاته وإستظهاراته أحق لديه بالإتباع ما دامت هي الحاكمة عليها، فهذا هو معنى أن يكون القرآن هو مرآة الأحاديث، علماً أن المسلم عندنا هو كون أهل البيت هم القرآن الناطق.

وعلى أي حال، فإن كلامه هذا عن منهج جديد "بديع" لدى السيد فضل الله ليس من (عندياته) بل هو تكرار لكلام السيد فضل الله الذي إعتبر أنه إبتدع منهجاً جديداً بالفقه، وهو الإعتماد على القرآن ـ حسب زعمه ـ، وأما إتهام الكاتب للعلماء بعدم إهتمامهم بالقرآن فقد أخذه من السيد فضل الله أيضاً الذي إعتبر أن علماءنا لا يهتمون بالقرآن، بل القرآن عندهم على الهامش، (3) وهذا الإتهام لعلماء المذهب ومراجعه ليس وحيداً فتعال عزيزي القارىء لنجمع معاً صفات العلماء والمراجع التي حددها السيد فضل الله لنرى حال تلك الصورة وفق تصويره لها:

أ ـ (من المؤسف أن المسائل العقيدية لا تولى الإهتمام المناسب من العلماء).

ب ـ (العلماء غير ملمين بالجانب العلمي للعقائد).

ج ـ (العلماء لا يملكون عمق التحليل في العقائد) (4)




(1) مجلة المرشد العددان: 3 ـ 4، 1995، مقال بعنوان نظرة في المنهج الفقهي للسيد فضل الله، ص277

(2) للإنسان والحياة، ص 310.

(3) محاضرة مسجلة، راجع أيضاً كتاب خلفيات كتاب مأساة الزهراء، ج1، ص267.

(4) المسائل الفقهية، ج1، ص317.

/صفحة 266/

د ـ (المرجعيات تقبع في زاوية معينة من الساحة). (1)

هـ ـ (من الصعب أن ينفتح الواقع على مرجعية رائدة منفتحة على الواقع الإسلامي كله). (2)

و ـ (الأسماء المطروحة في الحوزات العلمية لا تملك الكثير من الوعي المرجعي). (3)

ز ـ (غالبية علماء الدين تبنوا ولا يزالون نظرة سلبية تجاه المرأة).

ح ـ (قليل من العلماء من درس القضايا بعمق). (4) يقصد قضايا المرأة.

وبعد هذا عزيزي القارىء ما رأيك بهؤلاء العلماء والمراجع الذين لا يهتمون بالعقائد ولا يملكون عمقاً فيها وهم قابعون في زوايا الساحة ولا ينفتحون على الواقع الإسلامي ولا يملكون الوعي المرجعي وينظرون إلى المرأة بسلبية ولا يدرسون القضايا بالعمق والقرآن عندهم على الهامش.

ألا تشعر معي عزيزي القارىء، وحال علماءنا هو هذا، إننا بحاجة إلى شخصية فقهية ألمعية.

أ ـ يجعل القرآن مرآة الأحاديث فيكون فهمه للآية ضابطة وحاكمة على الروايات.

ب ـ يستوحي القرآن كما كان الأئمة يستوحونه. (5)

ج ـ يكون ملماً بالجانب العلمي للعقائد فينسب إلى إبراهيم (ع) عبادة الكواكب ويصفه بالسذاجة والبساطة. (6)



(1) المعالم الجديدة للمرجعية، ص128.

(2) المصدر نفسه، ص123.

(3) المصدر نفسه، ص81.

(4) دنيا المرأة، ص 30.

(5) للإنسان والحياة، ص310.

(6) من وحي القرآن، ج9، ص115 ـ 121.

/صفحة 267/

د ـ يملك عمق التحليل في العقائد فيقول أن نوحاً (ع) لم يلتفت إلى الوحي وإلى قوله تعالى "إلا من سبق عليه القول" لأنها لم تكن واضحة.

هـ ـ من يولي الإهتمام بالمسائل العقائدية، فيقول أن يوسف (ع) عزم على أن ينال من إمرأة العزيز ما أرادت نيله منه. (1) وأنه إنجذب إليها إنجذاباً غريزياً لا إرادياً (2) وأن العصمة لا تعني عدم الإنجذاب إلى الطعام المحرم والشراب المحرم أو الشهوة المحرمة ولكنها لا تمارس هذا الحرام (3) في الوقت الذي يقول فيه إن الإنسان الذي تخطر في باله المعصية ولا يفعلها هو إنسان سيء. (4)

و ـ من يملك نظرة إيجابية تجاه المرأة من خلال درسه للقضايا بعمق، وقد تفتق هذا الذهن بدراسته العميقة تلك بنتائج باهرة تكشف عن النظرة الإيجابية تجاه المرأة وإعطائها حقوقها كاملة فالمرأة بعدما أنعم الله عليها بهذه المرجعية (الحركية) قد إستغنت عن خدمات الرجل ما دام الإستمناء مباحاً لديها. والنظر إلى العورة جائز، ولا تؤثم بالنظر لأن حرمة النظر ليست تعبدية بل تابعة لحرمة الجسد فمن أسقط حرمة جسده يجوز النظر إلى عورته. (5)

وبعد هذا عزيزي القارىء، أقبض بيدك على دينك الحق، فإن القابض على دينه كالقابض على الجمر، ولا تخف من الإتهامات بأنك (متحجر) (ومتخلف) (ومعقد) وتعمل من خلال (عقد نفسية) (وحسد) وتتحرك بتأثير من المخابرات الأميركية والإسرائيلية وبعض العربية فإن هذه الصفات، عزيزي القارىء من صفات المؤمن، حيث لم تعد صفات المؤمن تقتصر على (تعفير الجبين والتختم باليمين، وزيارة الأربعين) بل هناك صفات أخرى فرضتها عملية تطوير أساليب رجم المؤمنين وإتهامهم بعدما عفا الزمن على الإتهام بالكفر والزندقة والرافضه وغيرها، فهذه المخابرات عزيزي القارىء، أصبحت تهتم




(1) شريط مسجل.

(2) الندوة، ج1، ص304.

(3) دنيا الشباب، ص36.

(4) الندوة، ج1، ص640.

(5) كتاب النكاح، ج1، ص68. وكذلك فقه الحياة حول الإستمناء.

/صفحة 268/

بالعقائد وتدافع عن الأنبياء وأهل بيت العصمة، فكل من ينزه الأنبياء والأئمة ولا يقول بجواز الإستمناء للمرأة، ولا يدعو لإعادة النظر في القياس للعمل به ولا يحقر العلماء ويسفههم، كل من لا يقول بذلك فهو من المخابرات أو يعمل بتأثيرهم.
3 ـ المفارقة الثالثة: ثبت علمياً إستحالة الأمانة!!

يقول الكاتب: (إني أعترف بإستحالة الموضوعية المطلقة، فقد ثبت علمياً أنه من المستحيل أو من الصعب أن يكون الإنسان كآلة التصوير التي تنقل الأفكار كما هي من دون أية مبالغة أو تحيز خاصة في الحقول الفكرية والدينية) (1)

والمفارقة هنا، كيفية ثبوت إستحالة الموضوعية علمياً، والإتهام الخطير هو أن هذه الإستحالة تظهر خاصة في الحقل الديني.

إلا أننا نسأل الكاتب هل ثبت علمياً أيضاً إستحالة أن تكون أميناً فيما تنقل من آراء العلماء. وعادلاً فيما تحكم فيكون الله جل وعلا قد كلفك بما لا تطيق؟!!
4 ـ المفارقة الرابعة: إبليس جميل!!

ولعل هذه المفارقة من أطرف ما جاء في كتابه. فقد كان الكاتب يدافع عن السيد (فضل الله) وكيف أن البعض يحاول تشويه صورته فينظر إلى سيئاته دون أن ينظر إلى محاسنه وحسناته. وأن من يكره شخصاً ينظر إلى سيئاته ولا يرى حسناته ومن أحب شخصاً يرى حسناته ولا يرى سيئاته. والمفارقة هنا هو إستذكاره لقصة طريفة حيث يقول الكاتب:

(ومن طريف ما ينقل في هذا الصدد أن رجلاً رأى إبليس في المنام فإندهش حين رآه جميلاً على العكس مما يصوره الرسامون. فسأله في ذلك فأجاب الملعون (ماذا أصنع والقلم بيد أعدائي) (2)



(1) مرجعية المرحلة، ص10.

(2) نفس المصدر، ص10.

/صفحة 269/

ولا أعلم سبب إستشهاده بقصة إبليس الملعون في معرض دفاعه عن السيد فضل الله وأن الآخرين من "الحاسدين والمعقدين" هم الذين يحاولون تشويه صورته؟!!

ثم هل أن إبليس حقاً جميل لكن من يكرهه لا يرى منه إلا سيئاته وينس حسناته، كما يظهر من إستشهاد الكاتب بهذه القصة فيما يحاول إثباته؟؟!!
5 ـ المفارقة الخامسة: كل ما عدا التكفير لا يعتبر شتائم:

يقول الكاتب: (وأما القول بأني إستعملت العبارات الساخنة، فأرجو من القارىء تصفح هذه الدراسة من أولها لآخرها فلن يجد فيها أي عبارة يشم منها تكفير الآخر أو الإتهام بالخروج عن حقائق الدين أو المذهب وثوابته). (1)

ويحاول الكاتب هنا الإيحاء أن في الكتب الأخرى، ويقصد خصوصاً، كتاب (مأساة الزهراء) عبارات تكفير وخروج عن الدين والمذهب، وهو كذب صريح.

إلا أن المفارقة هنا أنه قد أظهر للقارىء وكأن العبارات الساخنة لا تكون إلا بالتكفير، لكن الكاتب نسي أو تناسى أو تجاهل وربما يجهل أن ثمة أساليب جديدة وعبارات ساخنة تم تطويرها لتتناسب مع حاجات العصر والحداثه، وأن التجديد قد طاول حتى عبارات التهجم، فلم يعد التكفير في (المحدثين) هو الإتهام، بل (التخلف) والعمل (بوحي المخابرات) هي التهمة الجديدة.

ومع ذلك نقول لكاتبنا (المهذب) أنك لن تحتاج إلى التكفير، خاصة وأن التحريف والتزوير والتضليل وغيرها من العناوين التي تدل على غياب الأمانة العلمية سلاح فتاك أغناك عن اللجوء إلى هذه العبارات.

ويبدو أن التجديد لم يطل المناهج الفقهية فحسب، بل طال أساليب الشتائم والتهجم أيضاً.



(1) مرجعية المرحلة، ص13.

/صفحة 270/

ويبدو أن (البعض) ليس فقط مؤسساً لمنهج فقهي جديد بل هو مؤسس أيضاً لمنهج جديد في إستعمال العبارات الساخنة أيضاً فهو (مجدد) بكل معنى الكلمة.
6 ـ المفارقة السادسة: السيد جعفر مرتضى أولى:

يسأل الكاتب نفسه أنه كيف يناقش في قضايا تاريخية مع أنه ليس له مؤلفات في هذا المجال، ثم يجيب على هذا التساؤل فيقول:

(إن الدرس الحوزوي يفترض بالطالب أن يخوض في مزيج مركب من العلوم المتداخلة بينها، كالرجال والحديث والمنطق والفلسفة والعربية والتاريخ الروائي التي تصب في إتجاه واحد، وهي دراسة التراث الفقهي.. وعليه فلا يعد الدخول في ذلك تطفلاً..)

ثم يضيف (إن البحث التاريخي هو الذي يحتاج إلى بحث تاريخي آخر يناقشه، وأما الأبحاث التي هي عبارة عن مزيج من المسائل العقائدية والفقهية والفكرية.. فلا يحتاج فيها إلى تخصص في التاريخ) (1)

فالكاتب، هو طالب حوزوي، يحق له المناقشة في كل هذه الأمور، أما المحقق السيد جعفر مرتضى، وهو العالم الكبير، والأستاذ الفذ الذي قضى أعواماً مديدة في قم يدير الأبحاث ويشرف عليها ويدرس في الحوزة فلا يحق له ذلك وها هو الكاتب يقول بعد صفحات من قوله ذاك:

(والغريب في الأمر أن هذا الكاتب يرى نفسه مختصاً في الأمور التاريخية ولكنه في هذا المقام ينسى نفسه فيناقش في مسائل الفقه والتفسير والعقائد مع أنه ليس له درس في الفقه أو التفسير أو أي نشاط يذكر في هذا المجال) (2)



(1) مرجعية المرحلة، ص 13 ـ 14.

(2) المصدر نفسه، ص131.

/صفحة 271/

ونحن لا نغبطه على جرأته على نفي أمور يعلم خلافها كل من يعرف السيد جعفر مرتضى.
7 ـ المفارقة السابعة: الكتاب للعوام:

يقول الكاتب: (وهناك ملاحظات صغيرة، وذلك ككثرة نقل النصوص وأقوال العلماء، وذلك لأني راعيت العوام ـ من الطلبه وغيرهم ـ الذين ينظرون إلى من قال ولا ينظرون إلى ما قيل.) (1)

والمفارقة هو إعترافه أنه يقدم للعوام ما يريدونه حتى ولو كانت طريقة سيئة فهو يقدم لهم أموراً محاولاً تضليلهم عبر قائلها بغض النظر عن القول ومدى صحته.

إلا أن ثمة مفارقة أخرى في كلامه وهو إعتبار وجود عوام من الطلبة أيضاً. ونحن نكاد نصدق قوله هذا بعد ما قدمه لنا
8 ـ المفارقة الثامنة: التهكم والتهجم على قراء العزاء:

يقول الكاتب: (كما لاحظ بعض الأخوة وجود بعض التهجم والتهكم على بعض الأوساط الحوزوية، أو قراء العزاء، فنرجو من إخواننا أن يتحملوا هذه الهفوات التي لا يقصد بها الأشخاص بقدر ما يقصد بها الأفكار) فالكاتب يعترف إذن بوجود تهكم وتهجم على قراء العزاء والأوساط الحوزوية مع أنه ذكر قبل صفحتين فقط أن القارىء لن يجد عبارات قاسية وأنه لن يجد أكثر من الإتهام بالخروج عن حقائق أصول البحث وثوابته (2) إلا إذا إعتبر أن التهكم والتهجم ليس عبارات قاسية وأنه من قبيل الإتهام بالخروج عن أصول البحث.

وعلى أي حال، راجع الفصل الخاص بالجداول لا سيما جدول الشتائم.



(1) مرجعية المرحلة، ص15.

(2) المصدر نفسه، ص13.

/صفحة 272/
9 ـ المفارقة التاسعة: الولايات المتحدة تفضل من؟؟

يقول الكاتب: (.. الولايات المتحدة الأميركية التي تفضل المرجعيات التقليدية على المرجعيات الحركية الأصولية..) (1)

إننا نتساءل عن تلك المرجعيات التقليدية من هي؟ هل هو الإمام القائد الخامنئي حفظه الله أم هو السيد السيستاني أم السيد الحكيم، أم الشيخ التبريزي أم الشيخ الخراساني أم الشيخ بهجت أم الشيخ اللنكراني أم السيد ناصر مكار الشيرازي أم السيد الزنجاني أم الشيخ الغروي إلى آخر لائحة المراجع العظام ممن يدافع عن العقيدة وعن أهل بيت العصمة (ع) ممن تصدى للسيد فضل الله ومقولاته الغريبة عن التشيع والتي لم نعد بحاجة لذكرها بعدما تقدم، وما نشر في هذا المجال وما جاء في هذا الكتاب كافٍ للدلالة على غرابتها عن مذهب أهل البيت. فأميركا لا تفضل المرجعيات، ويكفي أنها مرجعيات لتمثل بذلك كابوساً لأميركا وللإستكبار العالمي الذي يسعى دائماً لإبعاد المسلمين عن عقائدهم الحقه وعن أهل البيت (ع) وعن الأنبياء (ع) . وإن كان ثمة شيء تفضله أمريكا فهي لا شك تفضل من يسعى للطعن بالعقائد والأئمة والأنبياء وتعاليمهم وقضايا الدين والإيمان ورموز الدين وشعائره، لأنه السبيل الوحيد للقضاء على النهضة الإسلامية العالمية التي تحققت بفعل الإمام الخميني (قده) وإنتصار الثورة الإسلامية في إيران التي باركها جميع هؤلاء المراجع الذين أسماهم (كاتبنا الغيور) بالتقليديين والذين كانوا حصناً منيعاً، لا سيما من يعيش منهم في إيران، أمام مؤامرات إسقاط الثورة، خاصة بعد رحيل الإمام الخميني (قده) ووقوفهم إلى جانب ولي أمر المسلمين القائد المعظم والمرجع الأمثل السيد الخامنئي (حفظه المولى بحفظه) .
10 ـ المفارقة العاشرة: الولاية التكوينية تعني علم الإمام بما كان وما يكون!!!

يقول الكاتب: (ممن لا يقول بالولاية التكوينية بمعنى علم الإمام بما كان وما يكون..) (2)




(1) مرجعية المرحلة، ص19.

(2) مرجعية المرحلة، ص24.

/صفحة 273/

ولا يخفى على القارىء طرافة هذا القول، لأن الولاية التكوينية ليس هذا معناها، وإن دل هذا القول على شيء فهو يدل على مستوى تحصيل هذا الكاتب "الباحث الإسلامي الكبير" الذي لا يعلم معنى الولاية التكوينية فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
11 ـ المفارقة الحادية عشرة: الأساليب البدائية في التشهير!!

يقول الكاتب عمن أسماهم بالمشهرين أنهم (قد أثبتوا فشلهم بسبب إعتمادهم الأساليب البدائية) (1)

والمفارقة هنا أن (كاتبنا الخبير) متخصص بالتشهير فهو مطلع جداً على أساليب التشهير ليعلم القديم منها من الحديث، ولعل كتابه هذا نموذج من نماذج الأساليب الحديثة المعتمدة، بحسب الظاهر، على التحريف والتزوير والتضليل فتلك الوسائل والطرق كفيلة بتشويه صورة الفاضل ونحن نعترف ـ بحسب الظاهر ـ للكاتب (الخبير) بأعلميته في هذا المجال.
12 ـ المفارقة الثانية عشرة: كبار العلماء؟!

يقول الكاتب حول (عبس وتولى) :

(ذهب فريق منهم [العلماء] إلى أن المقصود بالآية رجل من بني أمية أو عثمان بن عفان كما في تفسير الصافي (ج5، ص284) وإستقر به صاحب الميزان وذهب فريق من كبار العلماء والمفسرين الشيعة إلى أن المراد بالآية هو النبي (ص) كما في تفسير الكاشف للشيخ محمد جواد مغنية (ج7، ص515) والسيد محسن الأمين في أعيان الشيعة (ج2، ص51) وسيرة المصطفى للسيد هاشم معروف الحسني، وذكـره صـاحب



(1) مرجعية المرحلة، ص25.

/صفحة 274/

مجمع البيان كأحد الإحتمالين وكذلك الشيخ جعفر السبحاني وهناك بعض العلماء إختاروا الوجه الأول ومع ذلك أعطوا توجيهاً للرأي الثاني كالسيد المرتضى علم الهدى) (1)

والمفارقة هنا قوله عن صاحب تفسير الصافي والميزان (ذهب فريق من العلماء أما الشيخ الطبرسي فذكره بقوله (وذكر صاحب مجمع البيان) أما الشيخ السبحاني فإكتفى بقوله (وكذلك الشيخ جعفر السبحاني).

أما قوله عن السيد المرتضى (علم الهدى) فهو (هناك بعض العلماء).

ورغم عدم صحة ما نسبه إلى الشيخ الطبرسي من أنه ذكره كأحد الإحتمالين لأن الشيخ الطبرسي (رحمه الله) ذكره كقول موجود وهو قول علماء السنة، حيث من المعلوم أن صاحب المجمع كان يورد في كتابه مختلف الآراء في الآية حتى أراء علماء السنة، والفرق واضح بين ذكره كرأي وبين ذكره كإحتمال عند أي متبصر.

ورغم ذلك، فإنه عبر عن هؤلاء الأعلام بما عبر به لأنهم جاءوا بما جاء به الأئمة (ع) حول نزول هذه السورة، أما المخالفون لهم من بعض المعاصرين ممن لا تخفى على القارىء بعض آرائهم غير المقبولة لا سيما السيد هاشم معروف الحسني، الذي تقدمت بعض آراءه، فقد وصفهم (بكبار العلماء والمفسرين الشيعة) ولا شك أن هدف الكاتب من ذلك معروف وغير خفي فليتأمل في ذلك.
13 ـ المفارقة الثالثة عشرة: كتاب مأساة الزهراء يمثل درجة عادية من الكتب المتداولة!!

يقول الكاتب: (وهذا النوع من الكتب [يقصد كتاب مأساة الزهراء] يمثل درجة عادية من الكتب المتداولة..)

والمفارقة هنا أن كتاب مأساة الزهراء يمثل درجة عادية من الكتب ومع ذلك إستنفر الكاتب قوته في محاولة فاشلة للرد عليه، علماً أن كتابه هذا هو الكتاب الثالث الذي



(1) مرجعية المرحلة، ص59.

/صفحة 275/

صدر من جهة السيد فضل الله ولعل هناك المزيد، فإن كان كتاب يمثل درجة عادية ونال هذا الحجم من الردود فكيف يكون الكتاب غير العادي. علماً أنه صدرت بعض التقريظات من كبار العلماء ومراجع الأمة بحق كتاب مأساة الزهراء فلتراجع في محلها (1)
14 ـ المفارقة الرابعة عشرة: بساطة الكاتب:

يقول كاتبنا الفطن: (إن هذا النوع من البحوث التي تركز على أمور هامشية لا يعدو كونها تفصيلاً من تفاصيل الحوادث التاريخية وتضخمها.. لهو أمر خطير جداً يدل على بساطة من يشترك في هذه المعارك) (2)

إننا لم نستغرب من الكاتب أن يعتبر قضايا تتعلق بمظلومية الزهراء (ع) والخلافة والإمامة، وعصمة الأنبياء والتشيع وشعائره وعقائده أنها قضايا هامشية، (وفرخ البط عوام) كما يقول المثل الشعبي، لكن قوله إن الإشتراك في مثل هذه الأمور يدل على بساطة من يشترك في هذه المعارك لا يخلو من طرافة، لأن كتابه هذا ألا يعتبر إشتراكاً في هذه المعركة، فلماذا جعل نفسه بسيطاً، ورغم أنه برر لنفسه في مكان آخر أنه دُفع للرد ولو بمقدار الضرورة، فإننا نتساءل عن تلك الضرورة التي دفعته ليكون بسيطاً (وساذجاً) ولم تدفعه للدفاع عن العقيدة وأهل البيت (ع) والأنبياء.

ونتمنى من الكاتب أن لا ينفعل من وصفه بالسذاجة بل ينبغي له أن يفرح ويفخر بذلك فإنه يكون بذلك قد نال درجة راقية فقد تقدم أن السيد فضل الله وصف آدم وإبراهيم (ع) بالسذاجة فراجع.



(1) راجع كتاب (الحوزة العلمية تدين الإنحراف) وهو كتاب جمع ما يزيد عن الثلاثين وثيقة حول السيد فضل الله وأقواله ومن بينها رسائل وصلت إلى السيد جعفر مرتضى حول كتابه من أمثال السيد الحكيم والشيخ باقر شريف القرشي والشيخ التبريزي وغيرهم.

(2) مرجعية المرحلة، ص66.

/صفحة 276/
15 ـ المفارقة الخامسة عشرة: ميزة المجتمع المتحضر: التراشق بعبارات التحجر والعمالة!!

يقول الكاتب: (الميزة.. التي تميز المجتمع المتخلف هي التراشق بكلمات التكفير والخروج عن الدين والمذهب.) (1)

قد تقدم معرفة (الكاتب الخبير) بالأساليب الحديثة للتشهير، أما هنا فإن (كاتبنا الخبير) يعرفنا بالكلمات الحديثة للمجتمع الحديث، إذ يبدو أن هاجس (الحداثة) و (التجديد) ومواجهة التحديات الفكرية المعاصرة عند الكاتب ومن ثم عند (البعض)، قد دفعته لإدخال التحديث على مفردات التراشق، وهذه المفردات وفق (المجتمع الحديث) و (المرجعيات الحركية) هي:

(التخلف)، (التحجر)، (العقد النفسية)، (العمل بوحي من المخابرات)، إلى غيرها من مفردات (المعجم الحديث لمفردات التراشق في المجتمع المتحضر).
16 ـ المفارقة السادسة عشرة: السيد فضل الله لم يتعرض لموضوع الزهراء (ع) في محاضراته وإنما تحدث في مسجد بئر العبد!!!

يقول الكاتب (الفطن): (وهنا أحب أن أؤكد أن القائمين على الحركة الإسلامية لم يتعرضوا لهذا الأمر بتاتاً لا في محاضراتهم ولا في كتبهم، وإنما كان حديثاً في جلسة خاصة.) (2)

والمفارقة هنا واضحة في تناقض الكاتب فهو يقول أن السيد فضل الله لم يتعرض لهذا الموضوع، أي الحديث عن الزهراء ونفي إعتداء القوم عليها، بتاتاً مع ملاحظة قوله (بتاتاً)، ثم يقول أنه كان حديثاً في جلسة خاصة، والجلسة الخاصة هذه كانت في محاضرة للنساء في مسجد الإمام الرضا (ع) في بئر العبد، ويبدو أن المحاضرات في بئر العبد لا سيما النسائية منها تعتبر عند (كاتبنا الخبير) جلسة خـاصة. علماً أنها مسجلة على (الفيديو)



(1) مرجعية المرحلة، ص69.

(2) المصدر نفسه، ص71.

/صفحة 277/

وأشرطة الكاسيت، والطريف هنا أن كلام كاتبنا هو عين كلام السيد فضل الله في رسائله

إلى السيد جعفر مرتضى والسيد (الكلبيكاني) والشيخ جعفر السبحاني وغيرهم. (1) وقد ذكر السيد فضل الله أن هذا الشريط قد وقع في أيدي المخابرات التي إستغلته.

ونحن نسأل السيد فضل الله إن كان هذا الشريط معروضاً للبيع فالقضية لم تعد جلسة خاصة، وإن لم يكن معروضاً للبيع فكيف حصلت عليه، ولا أعتقد أن الإحتمال الثاني يرضى به السيد فضل الله ولا (كاتبنا المتبصر) ولا يخفى على القارىء السبب.
17 ـ المفارقة السابعة عشرة: العداء للإستكبار أن تكتب كتاباً عنه وإلا!!

يقول الكاتب: (الأمر الذي يثير الإستغراب أن هؤلاء الذين يهتمون لهذه الأمور لا نجد لهم كتاباً واحداً أو حتى مقالاً واحداً يتحدث عن أخطر عدو للمسلمين ألا وهو الشيطان الأكبر) (2)

وكأن العداء للإستكبار العالمي لا يكون إلا بكتابة الكتب في هذا المجال، فالكاتب يريد لجميع العلماء أن يتركوا أمور العلم والمعرفة ويتفرغوا لهذا الأمر علماً أن ثمة من تصدى لهذه الأمور وقام بالواجب خير قيام.

ورغم كل ذلك فإننا نسأل (كاتبنا الغيور) أين الكتب التي تتحدث عن الشيطان الأكبر عند من يسميهم دائماً (كبار العلماء المحققين) ولماذا لا يطعن بهم فأين الكتب عن (الشيطان الأكبر) عند السيد (محسن الأمين) والشيخ (عبد الهادي الفضلي) والسيد (هاشم معروف الحسني) وغيرهم. بل أين هذا النوع من الكتب عند كاتبنا هذا الذي تصدى للكتابة في هذا الموضوع ونسي الكتابة عن الشيطان الأكبر. والذي يقرأ كتاب (كاتبنا) الذي بين أيدينا يظن أن أخطر عدو، بنظره، للمسلمين هم قراء العزاء.




(1) راجع (الحوزة العلمية تدين الإنحراف).

(2) مرجعية المرحلة، ص69.

/صفحة 278/
18 ـ المفارقة الثامنة عشر: قراء العزاء من جديد:

يقول الكاتب: (.. وأما عدم الجزم بكل ما يقوله قراء العزاء حول ما جرى على الزهراء (ع) فهذا خروج عن حقائق الدين وثوابته.) (1)

والطريف عند هذا الكاتب إعتباره أن الإعتداء على حرمة الزهراء (ع) وإشعال النار والهجوم على الدار والإعتداء على حرمة علي (ع) كل ذلك مما لا يشك به أحد كما تقدم ذكره، الأمر الذي يعني أن ما يقوله قراء العزاء صحيح.

أضف إلى ذلك أن النقاش مع السيد فضل الله ليس في الإعتداء على الزهراء (ع) وحسب، علماً، أنه أنكر كل عنف جرى عليها (ع) وأن ما حصل هو التهديد بالإحراق من قبل من كانوا يحترمونها وكانت قلوبهم مملوءة بحبها، وإنما النقاش معه حول كل ما تقدم في هذا الكتاب وما جاء في كتاب (خلفيات كتاب مأساة الزهراء (ع)) للسيد جعفر مرتضى، من أمور تتصل بالعقيدة من شؤون الأنبياء وعصمتهم والأئمة والخلافة والإمامة وشعائر الدين والتشيع.

ورغم كل ذلك فإننا نتسائل أنه كيف أن من يفعل بالزهراء كل تلك الأفاعيل التي اعترف بها الكاتب لا يقدم على ضربها وكسر ضلعها وإسقاط جنينها؟! ولا ندري كيف يفعلون كل ذلك مما هو متفق عليه ثم يكون قلبهم مملوءاً بحبها كما صرح به السيد فضل الله؟!

ولا ندري كيف يكون كل ما جرى عليها مما هو متفق عليه، مما لا يعد أمراً قبيحاً حسب قول السيد فضل الله للسيد جعفر مرتضى في منزل الأول وأمام عدد من العلماء عندما قال له: (أعتقد أن ما جرى عليها (ع) لم يكن قبيحاً) فأجابه السيد المحقق: (إذن قول عمر إن النبي ليهجر لم يكن قبيحاً) فأجابه السيد فضل الله "إن هذه ليست كتلك" فأجاب السيد المحقق (ما الفرق) فلم يجد السيد فضل الله جواباً.




(1) مرجعية المرحلة، ص78.

/صفحة 279/
19 ـ المفارقة التاسعة عشرة: التسامح في التعبير:

يقول الكاتب: (..إذا ورد في هذه الدراسة عبارات تسفه المنطق الأرسطي فإنه من باب التسامح في التعبير.) (1)

والمفارقة هنا أنه كيف يسمي من خصص لهجومه على المنطق الأرسطي صفحات عديدة تفوق الخمسة عشرة صفحة عدا عن مناسبات عدة شن فيها هجومه على هذا المنطق في "الحواشي" مما ذكرناه في حينه، كيف يسمي ذلك من قبيل التسامح في التعبير؟!
20 ـ المفارقة العشرون: الكاتب ذو النزعة الفرويدية:

يقول الكاتب: (إنا نجد الإنسان كثيراً ما يعاتب نفسه ويخاطبها ويتحدث إليها وربما عاقبها، فكيف يكون ذاتاً واحدة، وعليه لا بد أن تكون هناك أكثر من ذات) (2)

وهنا نرى أن الكاتب رغم هجومه على المنطق الأرسطي فهو يقوم بتطبيقه بطريقة سيئة، فالقياس الذي إستعمله كاتبنا (الفرويدي) هنا هو:

* الإنسان يعاتب نفسه ويخاطبها.

* وكل من يعاتب نفسه ويخاطبها مكون من أكثر من ذات.

* الإنسان مكون من أكثر من ذات.

وبالطبع لا يخفى على القارىء هذه المغالطة.
21 ـ المفارقة الواحدة والعشرون: السيد فضل الله يحتاط إستحباباً بترك الشهادة لعلي (ع) .

يقوم الكاتب بالتشنيع على قول السيد المحقق بأنه لم يجد لحكم السيد فضل الله بالإحتياط الإستحبابي بترك الشهادة لعلي في الآذان والإقامة لم يجد له موافقاً. وعندما حاول




(1) مرجعية المرحلة، ص79.

(2) المصدر المرحلة، ص81.

/صفحة 280/

الكاتب الإستشهاد بكلام العلماء ليدحض، بزعمه، كلام السيد المحقق ذكر أقوالاً لبعض العلماء الذين يقولون إن الشهادة الثالثة ليست جزءاً من الآذان والإقامة. مع العلم: أن هذا الأمر ليس هو محل البحث، بل موضع البحث هو أن يأتي السيد فضل الله بمن يوافقه في حكمه بالإحتياط الإستحبابي بترك الشهادة الثالثة.

والأطرف من ذلك في كلام الكاتب (المطلع) على فتاوى العلماء، إعترافه رغم كل ما ذكره من قبل، أن كل الفقهاء يجوزون الإتيان بها بعنوان الإستحباب العام، وبالتالي الإعتراف أنه لا يوجد من يحتاط إستحباباً بالترك كما قال السيد فضل الله.

والأطرف من هذا وذاك أنه وبعد أن قال ما قال إعترف إعترافاً خجولاً أن السيد فضل الله يحتاط إستحباباً بالترك في خصوص الإقامة. (1) مع أنه تقدم أن السيد فضل الله يحتاط في الإقامة والآذان فلا نعيد.
22 ـ المفارقة الثانية والعشرون: البدعة المنهجية:

يقول الكاتب في ملحقه المتعلق بدراسة منهج السيد جعفر مرتضى:

(وقد آثرت جعله كملحق حتى لا أقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه الآخرون من زج مسائل متعددة في بحث لا علاقته له بتلك المسائل) (2) وهذا الكلام لا يخلو من طرافة، وكأن القضية تتعلق بالتبويب، فإن ذكرت في ضمن المباحث إعتبرت زجاً لمسائل لا علاقة لها بالبحث فيه.. وإن ذكرت في ضمن الكتاب ولكن بشكل ملاحق، إعتبرت مقبولة، ومعقولة. وهذا القول من أطرف ما يمكن أن يقال من بدع منهجية.

والأطرف من ذلك أن الكاتب قد تحدث في ملحقه الأول المسمى (علامات إستفهام حول بعض ألسنة الروايات) عن قضايا تتعلق بقضية الإعتداء على الزهراء (ع) في الوقت الذي يعالج في كتابه هذا كتاب (مأساة الزهراء) وبالتالي فإن موضوع ملحقه الأول هو من صلب موضوع الكتاب ومع ذلك جعله ملحقاً.




(1) مرجعية المرحلة، ص179 ـ 182.

(2) مرجعية المرحلة، ص218.

/صفحة 281/

وعلى أي حال إننا نتمنى على السيد المحقق أن يضع في الطبعات الجديدة تلك المباحث في آخر كتابه وأن يطلق عليها إسم (ملاحق) عل ذلك يحل إشكال كاتبنا (الدقيق).
23 ـ المفارقة الثالثة والعشرون: من الذي يحتاج إلى نظارة؟!

يقول الكاتب عن العلامة المحقق: (قد أوقعه مثل هذا الإسلوب إلى إرتكاب المفارقات، فمثلاً في مسألة مبارزة أبي بكر لولده في يوم أحد حاول بكل جهده أن يبطل أدلة هذه المسألة ونقل.. ما قاله إبن ظفر في الينبوع: (لم يثبت أن أبا بكر دعا إبنه للمبارزة..) ولكنه في مسألة تحقيق تاريخ إسلام أبي بكر.. قال: (..وأولاد أبي بكر حالهم معلوم، حتى أن أحدهم قد طلب مبارزة أبيه ـ أبي بكر ـ يوم أحد أو بدر..). والآن نريد أن نعرف الحقيقة، وهل الصحيح ما هو موجود في الصحيح من السيرة ج2 أم في الصحيح من السيرة ج6) (1)

ويبدو أن كاتبنا (المتبصر) قد غلبه التعصب واستعص عليه الفهم فلم يعد يفرق بين قول وآخر. ولأنه يريد معرفة الحقيقة، وحتى لا يبقى أسيراً لهذا الجهل المستحكم به نقول له إن كلا القولين صحيح:

ففي الأول: إن ما أثبت بطلانه السيد المحقق هو أن يكون أبا بكر هو الذي طلب المبارزة. وليراجع الصحيح ليعلم سبب هذا النقاش.

وفي الثاني: فإن الذي ذكره السيد المحقق هو أن إبن أبي بكر هو الذي طلب المبارزة لا أبوه. فلا تعارض بين القولين.

والغريب في كلام الكاتب هو ذلك الشعور بالأسف واللوعة عند قراءته لكل قضية تتعلق بالشيخين وقد ذكرنا ذلك عند مناقشتنا للملحق المتعلق بملاحظات الكاتب على منهج السيد المحقق فراجع.




(1) مرجعية المرحلة، ص226.

/صفحة 282/

ومهما يكن من أمر فإن المشكلة مع كاتبنا (الفذ) أنه، على حد تعبيره، (يقرأ العبارات بالمقلوب) وأنه (ينظر من خلال نظارات سوداء) وأنه (يقرأ بعين الإسقاط والتشهير) وقد تقدم ضلوعه في الأساليب الحديثة للتشهير فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
24 ـ المفارقة الرابعة والعشرون: السيد الخوئي (قده) لا يعتمد في تحقيقه على ما يسمعه من أشرطة الكاسيت:

يقول الكاتب عن رأي السيد الخوئي (قده) في كتاب سليم بن قيس:

(ومن الغريب ما ناقش به البعض حيث قال: "وجود سهو أو سهوين مع إحتمال التصحيف والتحريف لا يدل على أن الكتاب كله موضوع" حيث أنه هل يعقل على مثل الشيخ المفيد أو النجاشي أو الغضائري أن يحكم على كتاب بأنه موضوع أو فيه تخليط بوجود سهو أو سهوين في الكتاب) (1)

وقد تقدم المناقشة في موضوع كتاب سليم وأن الشيخ المفيد لم يحكم بوضع الكتاب وأن النجاشي قد إعتبره من جملة القلائل المصنفين من سلفنا الصالح. فلا داعي للإعادة.

إلا إن المفارقة هنا أن الكاتب قد ذكر في بداية كتابه طعناً على السيد تقي الطبطبائي القمي عندما ذكر موضوع الإعتداء على الزهراء، فقال: "إن السيد الخوئي لا يعتمد في تحقيقاته الفقهية على ما يسمعه من قراء العزاء" (2) وقد ناقشنا هذه القضية في محلها فراجع.

ولكننا نقول للكاتب (الفطن) إنه نسي، كما يبدو، أن السيد الخوئي (قده) لا يعتمد في تحقيقاته على ما يسمعه من أشرطة الكاسيت من هنا وهناك، والتي يعيش كاتبنا في غياهبها كما هو معلوم عنه.




(1) مرجعية المرحلة، ص165.

(2) المصدر نفسه، ص77.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://minhaj.ahlamontada.com
منهاج السنة
لا اله الا الله محمد رسول الله
لا اله الا الله محمد رسول الله
منهاج السنة


مرجعية المرحلة وغبار التغيير Vitiligo-ae30eb86b8مرجعية المرحلة وغبار التغيير Iraqiaabc6667cb59
عدد المساهمات : 897
تاريخ التسجيل : 27/10/2012

مرجعية المرحلة وغبار التغيير Empty
مُساهمةموضوع: رد: مرجعية المرحلة وغبار التغيير   مرجعية المرحلة وغبار التغيير Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 16, 2012 7:25 pm

/صفحة 283/
25 ـ المفارقة الخامسة والعشرون: الشهادة الثالثة في شريط الفيديو:

يقول الكاتب: (إن عدداً كبيراً من المراجع والعلماء الكبار يحتاطون في الإقامة لشبهة أنها جزء من الصلاة) ثم يقول في الهامش (ومنهم الإمام الخميني، رضوان الله عليه وللتأكد يرجى مشاهدة شريط الفيديو الذي سجل فيه الإمام وهو يصلي من دار المنار الفني) (1)

ولعل هذه القضية من أطرف ما جاء به كاتبنا، فمن المضحك المبكي أن يحيل الكاتب إلى شريط فيديو مع أن فتوى الإمام (قده) بين يديه ولا يخفى على القارىء سبب إحالة الكاتب إلى شريط يظهر فيه الإمام وهو يصلي في آخر عمره الشريف حيث كان مريضاً وبالكاد يستطيع الوقوف.

على أنه لم يتسنّ لي مراجعة الشريط للتأكد من صحة كلامه خاصة بعدما تبين من تحريفه وتزويره. لكنني رأيت أن لا حاجة لذلك لأن فتوى الإمام (قده) وكما ذكرت معروفة وواضحة للعيان.

ويا لجرأة هذا الكاتب على تحريف فتوى عالم من أمثال الإمام الخميني (قده) لا لشيء إلا في سبيل الدفاع عن رجل قد ثبت ماله من آراء مخالفةً للمذهب وقال علماء المذهب ومراجعه في حقه ما قالوا فراجع. (2)

فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وسيعلم الذين ظلموا آل بيت محمد (ص) أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.




(1) مرجعية المرحلة، ص179.

(2) كتاب (الحوزة العلمية تدين الإنحراف)، جمعه محمد علي الهاشمي المشهدي.

/صفحة 284/

/صفحة 285/
الفصل التاسع
وقفة مع السيد فضل الله

/صفحة 286/

/صفحة 287/

إن محاولات الكاتب المستميتة في الدفاع عن مقولات السيد فضل الله الغريبة دفعتنا للتوقف عند هذه المقولات وقفة خاصة بهدف إلقاء الضوء على تلك المقولات محاولين قدر المستطاع الإختصار.
المبحث الأول: دليل الإنتهاكات:

نذكر فهرساً لجزء من مقولات السيد فضل الله حيث سنعرض عناوينها مع الإحالة إلى مصدرها من كتب السيد فضل الله نفسه، ليكون هذا الفهرس عبارة عن دليل يساعد القارىء أو الباحث للعودة إلى هذه المقولات التي يريدها ليطلع عليها بنفسه.
أولاً: النبوة والعصمة.

1 ـ النبوة لا تفرض الكمال الذي يبتعد عن المواقع الطبيعية لديه.[من وحي القرآن، ج15، ص176].

2 ـ القرآن لا يريد إعطاء النبوة هالة مقدسة [من وحي القرآن، ج15، ص176].

3 ـ لا أسرار فوق العادة تكمن في داخل شخصية الأنبياء. [من وحي القرآن، ج5، ص171].

4 ـ نقاط الضعف في الأنبياء يمكن أن تتحرك لتصنع أكثر من وضع سلبي على مستوى التصور والممارسة. [من وحي القرآن، ج5، ص171 ـ 172].

5 ـ لا يوجد دليل عقلي أو نقلي يفرض إمتناع نسيان النبي في الأمور الحياتية الصغيرة. [من وحي القرآن، ج14، ص384].

6 ـ السهو لا ينافي العصمة. [فكر وثقافة، عدد1، تاريخ 29/6/1996].

/صفحة 288/

7 ـ لا دليل على وجوب أن يكون النبي أعلم الأمة في كل شيء أو أن الله يعلمه من ذلك ما يحتاجه أو إذا أراد علم. [الندوة، ج1، ص360].

8 ـ العصمة لا تعني عدم الخطأ في تقدير الأمور. [من وحي القرآن، ج10، ص178 ـ 179].

9 ـ الأنبياء لا يعصون الله فيما يعتقدون أنه معصية، وحسب. ل[من وحي القرآن، ج10، ص178 ـ 179].

10 ـ الأنبياء قد يفعلون فعلاً يعتقدون أنه ليس معصية ظاهراً لكنه واقعاً كذلك [من وحي القرآن، ج10، ص179].

11 ـ أسلوب القرآن يؤكد الحاجة إلى الإيحاء بأن الرسالة لا تتنافى مع الخطأ في تقدير الأمور.[من وحي القرآن، ج10، ص179].

12 ـ الدليل العقلي يدل على إمتناع الخطأ في التبليغ لا في غيره.[إستفتاءات الشيخ التبريزي].

13 ـ لا مانع من السهو في الموضوعات الخارجية عند المعصوم.[المصدر سابق، وكذلك فكر وثقافة 29/6/1996].

14 ـ العصمة جبرية.[الندوة،ج1، ص375].

15 ـ العصمة لا تعني عدم الإنجذاب إلى المحرم.[دنيا الشباب، ص36].

16 ـ العصمة تعني عدم ممارسة الحرام.[المصدر السابق، ص36].

17 ـ المعصوم قد يفكر بالمحرم لكنه لا يمارسه، والذي يفكر بالفعل القبيح إنسان سيء وإن لم يفعله.[دنيا الشباب، ص36، قارن مع الندوة، ج1، ص640].
ثانياً: آدم (ع) :

18 ـ آدم عصى الله كما عصاه إبليس.[من وحي القرآن، ج10،ص34].

19 ـ الفرق بين آدم وإبليس هو التوبة وعدمها.[المصدر السابق، ص34].

20 ـ الغفلة عن مواقع أمر الله ونهيه تطبق على آدم وزوجه.[المصدر السابق، ص32].

/صفحة 289/

21 ـ آدم نسي ربه.[المصدر نفسه، ص32].

22 ـ آدم نسي موقعه من ربه.[المصدر نفسه، ص32].

23 ـ آدم يستسلم لطموحاته الذاتية وأحلامه الخيالية.[المصدر نفسه، ص32].

24 ـ آدم وزوجه أقبلا على ممارسة الرغبة المحرمة.[المصدر نفسه، ص32].

25 ـ آدم كان يعيش الضعف البشري أمام الحرمان.[المصدر نفسه،ج15، ص171].

26 ـ آدم طيب وساذج.[من وحي القرآن، ج15، ص176 ـ 177].

27 ـ لم يكن بيت آدم طاهراً ونظيفاً من الناحية الجنسية.[الندوة، ج1، ص737].

28 ـ الأحاسيس الجنسية في بيت آدم كانت موجودة من الأب والأم تجاه أولادهما.[الندوة، ج1، ص737].

29 ـ آدم لم يفكر جيداً.[من وحي القرآن،ج15، ص174].
ثالثاً: نوح (ع) :

30 ـ نوح لم يلتفت إلى الوحي.[من وحي القرآن،ج12، ص79 ـ 80].

31 ـ الوحي لم يكن واضحاً عند نوح.[المصدر السابق، ج12، ص79 ـ 80].
رابعاً: إبراهيم (ع) :

32 ـ شخصية إبراهيم (ع) تلامس في الإنسان طفولته البريئة.[من وحي القرآن، ج9، ص112].

33 ـ إبراهيم (ع) يخيل إليه أن الكوكب هو الإله العظيم الذي يتعبد الناس إليه.[من وحي القرآن، ج9، ص115].

34 ـ إبراهيم يصرخ للكوكب هذا ربي في صرخة الإنسان الطيب الساذج.[المصدر نفسه، ص115].

35 ـ إبراهيم (ع) خيل إليه أنه إكتشف السر الكبير.[المصدر نفسه، ص115].

36 ـ إبراهيم (ع) يقبل على الكواكب في خشوع العبد. وإندفاعه الإيمان.[المصدر نفسه، ص115].

/صفحة 290/

37 ـ إبراهيم ربما ردد كلمة هذا ربي في سره كثيراً.[المصدر نفسه، ص115].

38 ـ إبراهيم (ع) يوحي لنفسه بالحقيقة التي إكتشفها ليؤكدها في ذاتها بعيداً عن كل حالات الشك والريب.[المصدر نفسه، ص115].

39 ـ إله إبراهيم يضيع في الأجواء الأولى للصباح.[المصدر نفسه، ص115 ـ 116].

40 ـ الحقيقة الصارخة تنكشف لإبراهيم.[المصدر نفسه، ص116].

41 ـ كان إبراهيم يعيش في وهم كبير.[المصدر نفسه، ص116].

42 ـ قناعات إبراهيم تهتز من جديد.[المصدر نفسه، ص116].

43 ـ القمر هو السر الإلهي الذي كان يبحث عنه إبراهيم.[المصدر نفسه، ص116].

44 ـ إبراهيم (ع) عاش مع القمر في حالة روحية من التصوف والعبادة لهذا الرب النوراني.[المصدر نفسه، ص117].

45 ـ إبراهيم عاش في التصور الضبابي.[المصدر نفسه، ص117].

46 ـ لا بد أن تكون الشمس هي الإله الذي يبحث عنه إبراهيم.[المصدر نفسه،ص117].

47 ـ إبراهيم خيل له في وقت من الأوقات أن الكواكب هي الحقيقة المطلقة التي لا يعتريها شك ولا ريب.[المصدر نفسه، ص117].

48 ـ إبراهيم لم يدرك أن الله لا يحس إلا بعد أفول الكواكب.[المصدر نفسه، ص118].

49 ـ إبراهيم (ع) يفكر في الإله في مستوى ذهنية الطفل.[المصدر نفسه، ص120].

50 ـ إبراهيم (ع) ساذج من جديد.[المصدر نفسه، ص120].

51 ـ كلمة إبراهيم "لا أحب" كلمة طفولية بريئة.[المصدر نفسه، ص120].

52 ـ إبراهيم والصرخة الطفولية البريئة من جديد.[المصدر نفسه، ص120 ـ 121].

53 ـ إبراهيم ساذج ثالثاً.[المصدر نفسه، ص120].

54 ـ إبراهيم ينطلق من مشاعره الساذجة رابعاً.[المصدر نفسه، ص121].

55 ـ إبراهيم يبتعد عن هذه العقائد بعد إقترابه منها.[المصدر نفسه، ص119].

56 ـ قوة موقف إبراهيم (ع) نابعة من كونه عاش التجربة وعاناها.[المصدر نفسه، ص119].

/صفحة 291/
خامساً: يوسف (ع) :

57 ـ يوسف (ع) إنجذب إلى إمرأة العزيز غريزياً.[دنيا الشباب ص36، الندوة، ج1، ص304].

58 ـ يوسف (ع) عزم على أن ينال منها ما كانت تريد نيله منه.[شريط مسجل].

59 ـ جسد يوسف يتأثر بالجو.[الندوة، ج1، ص304].

60 ـ يوسف (ع) ينجذب جسدياً بما يشبه التقلص الطبيعي.[من وحي القرآن، ج2، ص206].

61 ـ إندفاعها إليه حركت فيه قابلية الإندفاع.[المصدر نفسه، ص208].

62 ـ كاد يوسف (ع) أن يندفع إليها.[المصدر نفسه، ص208].

63 ـ الذي يفكر بالجريمة لكنه لا يفعلها إنسان سيء.أي أنه فاعل قبيح كما في علم الأصول.[الندوة، ج1، ص 640].
سادساً: لوط (ع) :

64 ـ لوط (ع) ليس نبياً بشكل مباشر.[شريط مسجل].

65 ـ نبوة لوط من خلال أنه وكيل إبراهيم (ع) .[المصدر نفسه].


سابعاً: يونس (ع) :

66 ـ يونس (ع) لم يكن لديه الصبر الكافي الذي تحتاجه المسألة.[الموسم، عدد21 ـ 22، ص322].

67 ـ الله يعتبر خروج يونس (ع) نوعاً من الهروب[من وحي القرآن، ج19، ص241].

68 ـ خروج يونس إباق كما هو إباق العبد من مولاه [المصدر السابق، ص241].

69 ـ يونس (ع) قصر في مسؤولياته.[المصدر نفسه، ج15، ص 284].

70 ـ يونس تهرب من مسؤولياته.[المصدر نفسه، ص284].

71 ـ يونس يضعف أمام حالات الفشل الأولى.[المصدر نفسه، ص284].

72 ـ يونس يضعف أمام مشاكل الظروف الصعبة.[المصدر نفسه، ص284].

/صفحة 292/

73 ـ يونس يضعف أمام الأوضاع والضغوط القاسية.[المصدر نفسه، ص284].

74 ـ يونس يضعف نتيجة لفكرة إنفعالية سريعة أو شعور حاد غاضب.[المصدر نفسه، ص284].
ثامناً: داوود (ع) :

75 ـ داوود (ع) يحكم دون الإستماع إلى الطرف الآخر.[من وحي القرآن، ج19، ص278].

76 ـ داوود (ع) يستسلم للمشاعر العاطفية أمام المأساة.[المصدر نفسه، ص278].

77 ـ داوود (ع) لم ينجح في الفتنة التي وقع فيها.[المصدر نفسه، ص278].

78 ـ داوود (ع) أخطأ في إدارة مسألة الحكم في الجانب الإجرائي منه.[المصدر نفسه، ص278].

79 ـ لا يوجد مانع من صدور الخطأ من داوود (ع) .[المصدر نفسه، ص278].

80 ـ داوود (ع) لم ينتبه إلى جنس الخصمين.[المصدر نفسه، ص278].

81 ـ مشكلة داوود في خطأه في طريقة إجراء الحكم. [المصدر نفسه، ص278].

82 ـ مثل هذه الأخطاء لا تتنافى مع مقام النبوة. [المصدر نفسه، ص278].

83 ـ هدف هذه الأخطاء هو الصدمة القوية التي تمنع عن الخطأ في المستقبل. [المصدر نفسه، ص278].
تاسعاً: سليمان (ع) :

84 ـ عمل سليمان (ع) غير مبرر شرعاً. [من وحي القرآن، ج19، ص289].

85 ـ كان سليمان (ع) في مقام توبيخ نفسه. [المصدر نفسه، ص289 ـ 290].

86 ـ سليمان (ع) قتل الخيل لا على سبيل الإنتقام بل بمثابة الضغط على نفسه. [المصدر نفسه، ص290].

87 ـ سليمان (ع) إبتعد عن الخط قليلاً. [المصدر نفسه، ص294].

88 ـ سليمان (ع) عاد إلى الخط بعد الضغط عليه. [المصدر نفسه، ص294].

/صفحة 293/
عاشراً: موسى وهارون (ع) :

89 ـ موسى (ع) يحس بالحرج الشديد لمخالفته الخضر للمرة الثانية. [من وحي القرآن، ج14، ص293].

90 ـ موسى (ع) ينكث بعهده. [المصدر نفسه، ص293].

91 ـ موسى غير منضبط أمام الكلمة المسؤولة. [المصدر نفسه، ص293].

92 ـ موسى (ع) يعود للإخلال بكلمته من جديد. [المصدر نفسه، ص295].

93 ـ موسى (ع) لم يستفد من تجربته الأولى الخاطئة. [المصدر نفسه، ص293].

94 ـ موسى تهتز مشاعره أمام الحدث الذي لم يفهمه. [المصدر نفسه، ص293].

95 ـ موسى لم يفكر أن يكون للأمر وجه آخر. [المصدر نفسه، ص293].

96 ـ يحتمل في موسى إرتكابه جريمة دينية. [من وحي القرآن، ج17، ص310].

97 ـ موسى يعيش الألم الذاتي تجاه عملية القتل. [المصدر نفسه، ص 310].

98 ـ قتل موسى (ع) للقبطي قد يكون ناشئاً من الوسوسة الخفية للشيطان.[المصدر نفسه، ج19، ص 302].

99 ـ هارون (ع) يخطىء تقدير الموقف وهو نبي.[من وحي القرآن، ج10، ص178].

100 ـ موسى (ع) يخطىء في تقدير موقف هارون (ع) . [المصدر نفسه، ص 178].

101 ـ الخطأ في تقدير الأمور لا يضر بالعصمة. [المصدر نفسه، ص 178].

102 ـ موسى (ع) يعبر عن حالته النفسية بجر رأس أخيه. [المصدر نفسه، ص 176].

103 ـ غضب موسى (ع) من أخيه كان بما يرضي الله.[المصدر نفسه، ص 176].

104 ـ موسى إعتبر أخاه مسؤولاً عما حدث. [المصدر نفسه، ص 176].

105 ـ هارون كان له رأي يخالف رأي موسى. [المصدر نفسه، ص 177].

106 ـ موسى أخطأ في تقدير موقف هارون. (فلماذا كان غضبه إذن وكيف كان بما يرضي الله) . [المصدر نفسه، ص 179].

107 ـ لو إحتاط موسى وهارون أكثر لكانت النتائج أفضل. [المصدر نفسه، ص 178].

108 ـ موسى (ع) يشعر بالحرج ويسكن غضبه. [المصدر نفسه، ص 177 ـ 178].

/صفحة 294/
حادي عشر: النبي محمد (ص) :

109 ـ لا تكن منطلقاتكم منطلقات النبي (ص) فلا تفعلوا مثل ذلك.[الموسم، عدد 21 ـ 22، ص295].

110 ـ تجربة النبي مع هداية المشركين غير ذات موضوع.[من وحي القرآن، ج24، ص67].

111 ـ النبي (ص) يستغرق فيما هو مضيعة للوقت.[المصدر نفسه، ص67].

112 ـ النبي يفوت فرصة أخرى مهمة. [المصدر نفسه، ص67].

113 ـ المسألة ليست كما ظن النبي (ص) . [المصدر نفسه، ص76].

114 ـ النبي لا يعلم مسؤوليته المباشرة. [المصدر نفسه، ص76].

115 ـ النبي (ص) لم يستجب لطلب الأعمى الذي يريد تعلم الشريعة. [المصدر نفسه، ص76].

116 ـ النبي (ص) أخطأ في معرفة الأهم من المهم. [المصدر نفسه، ص76].

117 ـ الله يعاتب نبيه (ص) ليخفف من وقع الخطأ. [من وحي القرآن، ج11، ص129].

118 ـ النبي (ص) يبدأ حياته وهو يشكو فقد حنان الأم.[الندوة، ج1، ص58].

119 ـ النبي (ص) يملأ الفراغ الذي فقده بفقده أمه من إبنته.[الندوة، ج1، ص58].
ثاني عشر: الإمام علي (ع) :

120 ـ علي (ع) في دعاء كميل يبين حاله.[شرح دعاء كميل، ص159].

121 ـ يدي علي (ع) تقترفان الذنوب.[نفس المصدر، ص159].

122 ـ قلب علي (ع) إكتسب الآثام. [نفس المصدر، ص159].

123 ـ علي (ع) يعد الله أنه سيتراجع عن خطأه وإساءته ومعصيته. [نفس المصدر، ص159].

124 ـ علي (ع) خائف من الذنوب التي طلب من الله أن يغفرها له. [نفس المصدر، ص 94].

/صفحة 295/

125 ـ ذنوب علي (ع) التي طلب غفرانها كبيرة يكفي ذنب واحد منها لينقسم الظهر منها. [نفس المصدر، ص 94].

126 ـ غرائز علي (ع) تغلب عقله فيقع في المعصية. [نفس المصدر، ص 169].
ثالث عشر: الزهراء (ع) :

127 ـ الظروف الطبيعية هي الخصوصية في عصمة الزهراء (ع) . [تأملات إسلامية حول المرأة، ص 98].

128 ـ لا نستطيع إطلاق الحديث عن وجود عناصر غيبية في شخصية الزهراء (ع) . [نفس المصدر، ص 9].

129 ـ خروج الزهراء (ع) عن مستوى المرأة العادي لا يوجد دليل قطعي عليه. [نفس المصدر، ص 9].

130 ـ الظروف الطبيعية التي كفلت للزهراء العصمة. هو التربية.[إستفتاءات الشيخ التبريزي، جواب رقم 5].
رابع عشر: الشيعة والتشيع والإمامة:

131 ـ المسلمات قد تكون ناتجة عن حالة ذهنية.[صحيفة النهار، 29/7/1997].

132 ـ المسلمات قد تصير مسلمات وهي ليست كذلك. [نفس المصدر].

133 ـ عقائد الشيعة قد تكون صحيحة وقد لا تكون.[بينات، 25/10/1996].

134 ـ المسلمون أخطأوا في فهم كلام رسول الله في يوم الغدير.[للإنسان والحياة، ص257].

135 ـ الخلاف حول الخلافة كان في الرأي.[الندوة، ج1، ص439].

136 ـ وصفه للخلافة قبل علي (ع) بالخلافة الراشدة.[أسئلة وردود من القلب، ص83].

137 ـ الشيعة لا يريدون التنازل عما ورثوه بقطع النظر عن صحته.[للإنسان والحياة، ص195].

/صفحة 296/

138 ـ قضية الشيعة في بعض أوضاعها (إنا وجدنا آباءنا على أمة..) [المصدر نفسه، ص195].

139 ـ لا يوجد حرية داخل المذهب الشيعي لمناقشة القضايا الشيعية.[المصدر نفسه، ص195].

140 ـ التشيع وجهة نظر في فهم الإسلام.[تأملات في آفاق الإمام الكاظم، ص94].

141 ـ الحقيقة نسبية.[حوارات في الفكر والسياسة والإجتماع، ص480].

142 ـ كل الفكر الإسلامي ما عدا البديهيات، فكر بشري.[المصدر نفسه، ص 480].

143 ـ حديث الكساء يوجد مناقشة في سنده.[الموسم، عدد21 ـ 22، ص 315].

144 ـ طبيعة الكلمات التي إستعملها النبي (ص) يوم الغدير أراد أن تصير بأذهان الناس شكاً.[شريط مسجل بتاريخ 14/10/1995].

145 ـ النبي (ص) لم يكتب كتاباً بتنصيب علي (ع) كان يريد للتجربة أن تتحرك.[المصدر نفسه].

146 ـ المشكلة في حديث الغدير أنه مروي بشكل مكثف بين السنة والشيعة.[الندوة، ج1، ص422].

147 ـ السنة يناقشون في دلالة حديث الغدير في الوقت الذي لا بد من مناقشة السند أيضاً.[الندوة، ج1، ص422].

148 ـ الإمامة من المتحول.[مجلة المنهاج عدد2، مقال الأصالة والتجديد].

149 ـ المتحول هو الذي لم يكن صريحاً بالمستوى الذي لا مجال لإحتمال الخلاف فيه[المصدر نفسه].

150 ـ الإمامة ليست موثوقة بالدرجة التي لا يمكن الشك فيها.[المصدر نفسه].

151 ـ الشهادة لعلي بالولاية في الآذان والإقامة فيها مفاسد كثيرة.[المسائل الفقهية، ج2، ص123].

152 ـ ما الفائدة التي نستفيدها من الإمساك بالشباك أو حديد القبر.[الموسم، عدد21 ـ 22، ص299].

153 ـ زيارة قبور الأئمة والأولياء عن بعد ربما تكون أكثر ثواباً وأجراً.[المصدر نفسه، ص74].

/صفحة 297/

154 ـ دعوى لترك الزيارة عن قرب والإكتفاء بالزيارة عن بعد.[المصدر نفسه، ص74 و 299].

155 ـ ينبغي التفكير بتجديد الزيارات المرسومة للنبي والأئمة. [في آفاق الإمام الكاظم، ص11].

156 ـ الذين يجلسون أمام قبر النبي أو الإمام يتصرفون كأنهم يتعبدون.[مجلة المعارج، عدد28 ـ 31، ص624 ـ 625].

157 ـ هناك صنمية لا شعورية لدى المسلمين للشخصيات التي يقدسونها.[المصدر نفسه].

158 ـ بعض الناس في العراق يحتفلون في عاشوراء بشرب الخمر.[منبر السبت، 20/6/1996].

159 ـ بعض الناس يشرب الخمر في ليلة العاشر من محرم من أجل الإحماء.[المصدر نفسه].

160 ـ هؤلاء الذين يشربون الخمر ربما لا يتبعون التشيع بالمعنى الصحيح (فلماذا تذكرهم إذن فإن من يفعل ذلك ليس له علاقة بالتشيع ولا بأهله) .[رؤى ومواقف، عدد2، ص118].

161 ـ الإستغراق في قضية الحسين (ع) بعيداً عن الجانب الرسالي تخلف.[الموسم، عدد21 ـ 22، ص310].

162 ـ زيارة الناحية هي زيارة موضوعة.[الندوة، ج1، ص456].

163 ـ ذيل زيارة عاشوراء (اللعن) يرى العلماء أنه من الزيادات.[الندوة، ج1، ص635]
خامس عشر: الصحابة:

164 ـ لم يحدث هناك أية سلبية حيال النبي في كل واقع الإسلام.[فكر وثقافة، 27/6/1997، ص2].

165 ـ إعتراض بعض الصحابة على النبي يوم الحديبية كان وعياً منهم.[الإنسان والحياة، ص318].

/صفحة 298/
سادس عشر: البداء:

166 ـ لا بد من إغلاق الحديث عن البداء وعدم إدخاله في تفاصيل عقيدة الإمامية.[المعارج، ج6، عدد28 ـ 31، ص352].

167 ـ الإشكال في البداء تعبيري لا معنوي.[المصدر نفسه].

168 ـ الحديث عن البداء من الأئمة (ع) كان لحالات معينة ظرفية.[المصدر نفسه].

169 ـ الحديث عن البداء كان لمواجهة الأفكار المطروحة ضد اليهود.[المصدر نفسه].
سابع عشر: الرجعه:

170 ـ تأويل الرجعه لا ينطلق من الإمكان والإستحالة، بل من المبررات العملية الواقعية في ضرورة ذلك.[مجلة الفكر الجديد، ص13، مقالة مع الشيخ المفيد].

171 ـ التأويل أكثر قرباً للإلتزام بالأحاديث من إبقائها على ظاهرها.[نفس المصدر].

172 ـ تأويل الرجعه يتأكد عند مواجهة التحديات الفكرية في هذه المسـألة.[نفس المصدر].
ثامن عشر: الولاية التكوينية:

173 ـ أنا من الناس الذين لا يرون الولاية التكوينية.[إستفتاءات الشيخ التبريزي جواب 11].

174 ـ كل القرآن دليل على عدم الولاية التكوينية.[نفس المصدر].

175 ـ البحث حول الولاية التكوينية لا فائدة منها وهي جدلية.[الندوةج1، ص391].

176 ـ النبي (ص) لا يعيش بيننا الآن فلا فرق بين أن يكون له ولاية أم لا.[نفس المصدر]

177 ـ لا مجال في النص القرآني لفكرة الولاية التكوينية للنبي والأنبياء كافة.[نفس المصدر].

178 ـ لا معنى لولاية لا يستعملها صاحبها حتى في دفع الضرر عن نفسه.[إستفتاءات التبريزي، ص12].

/صفحة 299/
تاسع عشر: القياس:

179 ـ إن رفض القياس كان بسبب عدم الحاجة إليه.[تأملات في آفاق الإمام الكاظم، ص40].

180 ـ إذا لم يكن لدينا طريق لمعرفة الحكم فمن الممكن اللجوء إلى القياس.[نفس المصدر].

181 ـ لا بد لنا من أن ندرس هذه الأمور أكثر دقة وأكثر حركية.[المنطلق، عدد111، ص76].

182 ـ إن علماء الشيعة يغلقون الباب على أي إستيحاء وإستلهام للملاك الشرعي.[نفس المصدر].

183 ـ علينا أن نعيد دراسة الأحاديث التي وردت في رفض القياس.[نفس المصدر].

184 ـ إن القضايا التي رفض القياس بها كانت منطلقة من إعتقاد الملاك في جانب مقاس بينما كان الملاك شيئاً آخر.[نفس المصدر].

185 ـ ثمة مسلمات درج عليها الأصوليون والفقهاء في الحكم الشامل بالنسبة إلى القياس.[نفس المصدر].

186 ـ يمكننا أن نعيد النظر في تللك المسلمات حول القياس فلعلنا نكتشف شيئاً جديداً.[نفس المصدر].

187 ـ إن من عمل بالقياس لديه محفزات تنطلق من ضرورة معرفة الأحكام مع قلة الأحاديث الصحيحة.[نفس المصدر].

188 ـ أبو حنيفة معذور بلجؤه للقياس لعدم صحة أكثر من ثمانية عشر حديثاً عنده.[نفس المصدر].

189 ـ إذا إنسد باب العلم يكون القياس أقرب الحجج من هذا الموضوع.[نفس المصدر].
وأخيراً وليس آخراً:

190 ـ إن الشفاعة إنما هي بالشكل فقط.[من وحي القرآن، ج25، ص67].

/صفحة 300/
ـ المبحث الثاني: لقطات طريفة:

إستوقفتنا، أثناء مطالعتنا لمقولات السيد فضل الله، بعض اللمحات الطريفة التي قد لا يكون القارىء قد إلتفت إليها رغم قراءته لها هنا أو في كتاب آخر. وقد أحببننا أن نقدمها للقارىء ليمعن النظر فيها ونترك له تحديد الموقف منها.
أولاً: السيد فضل الله أعلم من آدم (ع) :

يقول السيد فضل الله في معرض حديثه عما يسميه معصية آدم وزوجته: (ولو فكر جيداً لعرفا أن الخلود والملك ليسا من الأشياء التي تحصل بفعل الأكل من شجرة بل هما نتيجة الإرادة الإلهية التي تملك أمر الموت والحياة.. ولكنهما إستسلما للجو الخيالي المشبع بالأحاسيس الذاتية المتحركة مع الأحلام.) (1)

فالنبي آدم (ع) لم يفكر جيداً أما السيد فضل الله فقد إلتفت إليه لأنه فكر جيداً فالتفت إلى هذا الأمر، فلا بد أن يكون ـ إذن ـ أفضل من آدم (ع) .
ثانياً: وأعلم من إبراهيم (ع) :

والسيد فضل الله أعلم من النبي إبراهيم (ع) ، بل إن فلاسفة اليونان والمسلمين وعلماء الإسلام جميعهم، وفق منطق السيد فضل الله أعلم منه (ع) لأنهم يدركون أن الله لا يرى وأنه مجرد عن المادة، دون الحاجة إلى النقل أو التجربة، بل وفق الإدراك العقلي وأما إبراهيم عليه السلام فإنه لم يدرك ذلك إلا بعد أن راقب الكواكب وعلم أنها لا يمكن أن تكون الإله وبعد أفول الشمس وها هو السيد فضل الله يقول بعد هذه الأقوال:

(وهكذا تدفقت إشراقة الإيمان في وعيه وفي قلبه، فأحس بأن الله هو شيء لا كالأشياء نتاج قدرته وأدرك أن الله لا يحس كما تحس الموجودات الأخرى.) (2)




(1) من وحي القرآن، ج15، ص174.

(2) من وحي القرآن، ج9، ص118.

/صفحة 301/
ثالثاً: وأعلم من موسى (ع) :

وكما الحال مع النبي إبراهيم (ع) كذلك مع موسى (ع) فلنقرأ ما يقوله السيد فضل الله حول طلب موسى (ع) لرؤية الله:

(ولكننا لا نستبعد أن يسأل موسى هذا السؤال فقد لا نجد من البعيد في مجال التصور والإحتمال أن لا يكون قد مر في خاطر موسى مثل هذا التصور التفصيلي للذات الإلهية. لأن الوحي لم يكن قد تنزل عليه بذلك) (1)

ويقول في مكان آخر: (لذلك فإن الله تعالى لم يعرِّف موسى إلى ذلك الوقت أنه لا يرى) (2)

نعم هذا ما يقوله السيد فضل الله، فالنبي موسى (ع) ، بقي حتى ذهابه إلى الميقات لا يعرف صفة ربه وإلهه الذي أرسله إلى قومه، وهو (ع) الذي يدعو الناس لعبادة رب لا يعلم صفته وأنه لا يرى.

والسيد فضل الله أعلم من موسى وهارون (ع) أيضاً في شؤون إدارة الأمة.

فلنقرأ ما يقوله:

(وشعر موسى بالحرج وسكن غضبه فرجع إلى الله يستغفره لنفسه ولأخيه، لا لذنب إرتكباه ولكن للجوالذي إبتعد فيه القوم عن الله، من خلال الفكرة التي كانت تلح عليهما.. فيما لو كان الإحتياط للموقف أكثر، فقد تكون النتائج أفضل). (3)
رابعاً: وأعلم من النبي محمد (ص) :

ويقول حول سورة عبسى وتولى ومحاولته لتبرير رأيه في أن السورة قد نزلت بالرسول (ص) :



(1) من وحي القرآن، ج10، ص165 ـ 166.

(2) بينات، 21/2/1997.

(3) من وحي القرآن، ج10، ص176 ـ 177.

/صفحة 302/

(فكانت المسألة ـ في وعيه الرسالي ـ بين المهم، في دور هذا الأعمى، وبين الأهم، في دور هؤلاء الصناديد) (1)

فالنبي (ص) لم يستطع التفريق بين المهم والأهم، بل ظن المهم هو الأهم، والأهم هو المهم.
خامساً: ماذا بقي من العصمة؟

يدعي السيد فضل الله أنه يقول بالعصمة في كل شيء في التبليغ وفي غيره فهو يقول: (أنا أعتقد أن الشخصية لا تتجزأ، بأن تكون معصومة بالتبليغ وغير معصومة في شؤون حياتها الأخرى.. فأنا لا أفهم أن يكون الإمام معصوماً في تبليغ الرسالة وليس معصوماً في الأمور الأخرى فالشخصية المعصومة واحدة) (2) مع أنه يقول في مكان آخر، مما تقدم ذكره، أن الدليل العقلي دل على إمتناع الخطأ في التبليغ لا في غيره، وأن ما نسبه إلى موسى (ع) متعلق بالموضوعات الخارجية وهو ليس من التبليغ. (3)

ومع كل ذلك فهو ينسب إلى المعصوم ما ينسبه إليه مدعياً أن كل ذلك لا يضر بعصمته. وقد مرت معك عزيزي القارىء هذه المقولات ولكن أحببنا أن نجمعها في مكان واحد لنرى كيف ستكون عليه صورة المعصوم أمام تلك الأخطاء والأمور التي ينسبها إليه.

ومما ينبغي الإشارة إليه أن تلك الأخطاء التي ينسبها السيد فضل الله إلى الأنبياء وإن كان البعض منها جاء في معرض حديثه عن نبي من الأنبياء بعينه إلا أنه وكون الأنبياء جميعهم معصومين فإن الذي يجوز على نبي منهم يجوز على الآخر، خاصة وأن السيد فضل الله يدعي أن كل ذلك لا يضر بالعصمة وأنه لا تختلف مراتبهم.



(1) من وحي القرآن، ج1، ص73.

(2) الندوة، ج1، ص373.

(3) إستفتاءات الشيخ التبريزي.

/صفحة 303/

فلننظر إلى تلك الصورة التي رسمها السيد فضل الله للأنبياء:

1 ـ النبوة لا تفرض الكمال الذي يبتعد عن المواقع الطبيعية لديه.[من وحي القرآن، ج15، ص176].

2 ـ نقاط الضعف لدى الأنبياء يمكن أن تتحرك لتصنع أكثر من موقع سلبي على مستوى التصور والممارسة.[نفس المصدر، ج5، ص171 ـ 172].

3 ـ لا مانع من نسيان النبي في الأمور الحياتية.[نفس المصدر، ج14، ص384].

4 ـ السهو لا ينافي العصمة. [فكر وثقافة، عدد1، تاريخ 29/6/1996].

5 ـ العصمة لا تعني عدم الخطأ في تقدير الأمور.[من وحي القرآن، ج1، ص178 ـ 179].

6 ـ الأنبياء يعصون الله في أمور يعتقدون أنها ليست معصية.[نفس المصدر، ج10، ص178].

7 ـ يمكن للمعصوم أن ينجذب إلى المحرم لكنه لا يمارسه.[دنيا الشباب، ص36].

8 ـ أن يكون طيباً وساذجاً.[من وحي القرآن، ج15، ص176، ج9، ص118].

9 ـ أن لا يلتفت إلى الوحي.[المصدر نفسه، ج12، ص79 ـ 80].

10 ـ أن يخطأ في تلقي الوحي.[إستفتاءات الشيخ التبريزي].

11 ـ أن يقتنع في إلوهية الكواكب.[من وحي القرآن، ج9، ص115 ـ 123].

12 ـ أن لا يكون لديه الصبر الكافي[كما في يونس (ع) ] [الموسم، عدد21 ـ 22، ص322].

13 ـ أن يقصر في مسؤولياته.[المصدر نفسه، ج15، ص284].

14 ـ أن يتهرب من مسؤولياته.[المصدر نفسه، ص284].

15 ـ أن يضعف أمام الفشل.[المصدر نفسه، ص284].

16 ـ أن يضعف أمام الظروف الصعبة.[المصدر نفسه، ص284].

17 ـ أن يضعف نتيجة فكرة إنفعالية أو غضب.[المصدر نفسه، ج19، ص278].

18 ـ أن يحكم دون أن يستمع إلى الطرف الآخر في الدعوى. [ المصدر نفسه، ج 19، ص 278 ]

19 ـ أن يستسلم للمشاعر العاطفية في حكمه [ المصدر نفسه، ص 278 ]

/صفحة 304/

20 ـ أن يخطأ في إدارة مسألة الحكم في الجانب الإجرائي. [ المصدر نفسه، ص 278 ]

21 ـ أن يعمل أعمالاً غير مبررة شرعاً [ سليمان (ع) ].[ المصدر نفسه، ج 19، ص 289 ]

22 ـ أن يبتعد عن الخط قليلاً. [ المصدر نفسه، ص 289 ]

23 ـ أن ينكث بعهده.[المصدر نفسه، ج14، ص393 ]

24 ـ أن لا ينضبط أمام الكلمة المسؤولة.[ المصدر نفسه، ص 393 ]

25 ـ أن يخل بكلمته أكثر من مرة. [ المصدر نفسه، ص 395 ]

26 ـ أن لا يستفيد من تجربة خاطئة [ المصدر نفسه، ص 393 ]

27 ـ إحتمال إرتكاب جريمة دينية [قتل نفس محرمة، كما في موس (ع) ].[ المصدر نفسه، ج 17، ص 310 ]

28 ـ أن يعمل بوسوسة الشيطان. [ المصدر نفسه، ص 302 ]

29 ـ أن يخطأ في تقدير الموقف. [ المصدر نفسه، ج 10، ص178]

30 ـ أن يستغرق في أمور فيها مضيعة للوقت. [ المصدر نفسه، ج 24، ص67]

31 ـ أن لا يعلم مسؤوليته المباشرة. [ المصدر نفسه، ص 76 ]

32 ـ أن لا يفرق بين الواجب الموسع والواجب المضيق. [ المصدر نفسه، ص 76 ]

33 ـ أن لا يفرق بين المهم والأهم.[ المصدر نفسه، ص76 ]

هذه هي حال صورة العصمة التي رسمها السيد فضل الله، فكل ذلك لا يضر برأيه في العصمة. ولا نعلم إن بقي من هذه العصمة شيء، فإن الأنبياء بعد هذا كله حالهم حال أضعف الناس، بل إن أضعفهم أفضل حالاً منهم.

والطريف أن كل ذلك يصدر عنهم (ع) مع القول أن عصمتهم إجبارية. فإن كانت هذه العصمة إجبارية، وكل ذلك يصدر عنهم، فكيف هي حالهم لو تركوا لأنفسهم، ولإختيارهم فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وفي الختام نقول: لقد عالج الشاخوري في ملحقه الثاني موضوع العصمة حيث نسب إلى السيد فضل الله ما لا يصح أن ينسبه إليه، خاصة بعدما عرفت حال العصمة عنده، لذلك إرتأينا أنه لا حاجة لمعالجة ما جاء في هذا الملحق بعد كل ما قدمناه.

/صفحة 305/
الخاتمـة
حتى لا تكــون فتنـة:

بقي في النهاية أن نقول إنَّ الذي حفَّزنا على دخول ساحة النقاش هو إحساسنا بالواجب الشرعي ولم يكن ليخطر في بالنا أن يأتي يوم نقف فيه هذا الموقف الذي كنَّا نحاول أن نتفاداه كما أن من غير المعقول أن ينسب إلينا من خلال هذه الردود والمناقسشات أننا نحاول أن نصنع لأنفسنا مجداً أو نحصل على شُهرة على حساب بعض الأسماء اللامعه لأننا نعرف سلفاً أننا سنواجه مختلف أنواع التهم والتجريح وسوف يرى القارىء العزيز ـ كما نأمل ـ كيف أنَّ مجموع ما كتبناه لم يكن سوى تفنيد ونقد لمجموعة آراء وأفكار وإستيحاءات ظنَّ صاحبها أنها صالحة لأن تدخل في نطاق التجديد الفكري في العالم المعاصر أو أنها عبارة عن نهضة فكرية وعملية تغيير شامله وجذرية لمختلف قضايانا العقيدية والتشريعية والثقافية وقد قدَّم ذلك للناس على أنَّه هو مذهب الشيعة وعقيدتهم وفقههم.

ومن هنا، كانت لنا هذه الوقفة الطويلة والمتأنية مع بعض نتاجه متبعين في ذلك المنهج العلمي الموضوعي ـ حسب إعتقادنا على الأقل ـ القائم على الدليل والبرهان والحجَّة والبيان ونحن نحب ونتمنى من كلِّ الغيارى والمخلصين ممن يتابعون هذه القضايا الحسَّاسة والخطيرة أن تكون لهم كلمة صريحة وموقف واضح وحاسم بعيداً عن التعصُّب الأعمى وتجنُّباً للمراعاة التي قد تكون على حساب الحقيقة أحياناً كثيرة. فالمسألة لا تحتمل التسويف كما أنَّ اللامبالاة وعدم الإكتراث تصب في النهاية في مصلحة الذين يعملون من حيث يشعرون أو لا يشعرون في سبيل تقويض كثير من حقائق المذهب القويم ولعلَّ في كلمتهم وموقفهم محاولة جادَّة وإسهاماً فعَّالاً ربما كان ناجحاً في عدم تمرير مشروع خطير كهذا.

/صفحة 306/

فالعمل على إستئصال أسباب الفتنة أجدى وأنفع من معالجة نتائجها وآثارها. ونقصد بالفتنة هو التسبُّب بأن يفهم الناس أمراً مَّا على أنَّه هو ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام وما قاله صفوة علماء المذهب وأعلامه، مع أنَّ الحقيقة هي أنَّه رأي شخصي لهذا (البعض) أو ذاك، الأمر الذي يمثل نوعاً من صرف الناس عن الحقيقة وإخراجهم عمَّا إستقرَّ عليه مذهبهم وما ثبت عن أئمتهم الأطهار.

والملفت للنظر أنَّ هذه الآراء الشخصية قد ألبست لباس التجديد وزُيِّنَت بزيِّ الحداثة وسُلِّحت بسلاح إقتحام المسلمات والأصول الثابتة ووضعت تحت عناوين وشعارات بَّراقة وقُدِّمت للناس تحت إسم المرجعية ومرحليتها، الأمر الذي يوحي أنَّ هناك شيئاً ما يراد الوصول إليه من خلال هذه العناوين لأجل إثارة الغبار أمام أعينهم حتى تشوِّش الرؤية عندهم وتثير الشكوك في أذهانهم ممَّا يعكِّر صفَاء نظرتهم وسلامة وجدانهم المركوز والمتكىء على الولاء الخالص للرسول وآله الأطهار. وإزاء هذا الواقع المؤلم والمرير كان لا بدَّ من هذا الكتاب وكان لا بدَّ من وضع النقاط فوق الحروف حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كلَّه لله. وممَّا يؤسف له ويثير الحزن والأسى أن تصل حال (مرجعية المرحلة) أن لا يبقى منه إلا الغبار.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://minhaj.ahlamontada.com
 
مرجعية المرحلة وغبار التغيير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منهاج السنة للرد على الشيعة :: ۞ الْمَكْتَبَةُ السُّنِّيَّةُ الشِّيعِيَّةُ ۞-
انتقل الى: