الطريق الثانية: سعيد بن عقبة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعا بنحوه:
أخرجه ابن عدي (3/412) -ومن طريقه ابن عساكر (42/380) وابن الجوزي (1/352)- عن أحمد بن حفص السعدي، نا سعيد به.
وهذا موضوع، فشيخ ابن عدي ضعيف صاحب مناكير، وقال الذهبي في الميزان (2/153): لعله اختلقه.
وسعيد هذا مظلم الأمر شديد الضعف، ويظهر أنه شيعي، فقال عنه ابن عدي: حدثنا
عنه أحمد بن حفص السعدي وحده؛ عن جعفر بن محمد والأعمش بما لا يتابع عليه.
سألت عنه ابن سعيد [يعني ابن عقدة] فقال: لا أعرفه في الكوفيين، ولم أسمع
به قط. وكتب عني من حديثه بعضها. وأورد له ابن عدي هذا الحديث مع قصة في آل
البيت، وحديث آخر عن آل البيت قال عنه: منكر الإسناد والمتن. ثم قال:
وسعيد بن عقبة هذا لم يبلغني عنه من الحديث غير ما ذكرت، وهو مجهول غير
ثقة.
قلت: لم أجد لسعيد ذكراً في موضع آخر، وكل من جاء بعد ابن عدي ممن كتب في الضعفاء والموضوعات فقد اعتمد على كلامه.
والقاعدة أن الراوي إذا كان شبه مجهول، وليس له إلا روايات قليلة، وهي على
قلتها منكرة، ولا يتابع عليها: فإنه شديد الضعف على أقل الأحوال، وانظر
مثالاً في سؤالات البرذعي لأبي زرعة (2/512) والجرح والتعديل (4/119).
أما الغماري فبتر كلام ابن عدي الطويل في السعدي وشيخه، وقال في جزئه: قال ابن عدي: سعيد بن عقبة مجهول. انتهى!
وطريقٌ غريبةٌ هذه رجالُها، وهي من الأفراد إلى القرن الرابع: لا ينبغي التردد في بطلانها.
الطريق الثالثة: عثمان بن عبدالله العثماني، عن عيسى بن يونس، عن الأعمش به، بلفظ: "أنا مدينة الحكمة":
أخرجه الآجري في الشريعة (1551) -ومن طريقه محمد بن يوسف الكنجي في كفاية
الطالب (58 كما في نفحات الأزهار 10/165)- وابن عدي (3/412 و5/177) وعلّقه
ابن حبان في المجروحين (2/102 وانظر تعليقات الدارقطني 183).
وعلته عثمان هذا، فإنه كذاب.
وأعل الحديث ابن حبان وابن عدي.
أما عميل التتار الكنجي الرافضي فقال: هذا حديث حسن عال!
وهذا أحد الأدلة على كونه حاطب ليل، وأنه لا عبرة بأحكامه.
الطريق الرابعة: سفيان بن وكيع، عن أبيه، عن الأعمش به.
قال ابن عدي (3/412): حدثناه عن بعض الكذابين، عن سفيان به.
وكفانا ابن عدي الحكم على هذه الرواية، على أن سفيان فيه كلام معروف.
الطريق الخامسة: عبيد الله بن موسى عن الأعمش بسياق مغاير.
أورده الديلمي في الفردوس (1/44) عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: "أنا ميزان
العلم، وعلي كفتاه، والحسن والحسين خيوطه، وفاطمة علاقته، والأئمة من أمتي
عموده، يوزن فيه أعمال المحبين لنا والمبغضين لنا".
وأسنده ابنه في مسند الفردوس مسلسلاً (كما في ذيل الموضوعات للسيوطي 59-60
وفيه سقوط) -وعنه أخطب خوارزم في مقتل الحسين (107)- قال: أخبرني والدي،
أخبرني عبد الرحيم بن محمد الفقيه بالري، وسألني أن لا أبذله، حدثنا حدثني
أبوالفتح عبيد بن مردك، واستحلفني أن لا أبذله، حدثني يوسف بن عبد الله
بأردبيل، واستحلفني أن لا أبذله، حدثني الحسن [خ: الحسين] بن صدقة
الشيباني، واستحلفني أن لا أبذله، أخبرني أبي وسليمان بن نصر، واستحلفاني
أن لا أبذله، حدثني إسحاق بن سيار، واستحلفني أن لا أبذله، حدثني عبيد الله
بن موسى، واستحلفني أن لا أبذله، حدثني الأعمش، واستحلفني أن لا أبذله،
حدثني مجاهد، عن ابن عباس به.
قلت: هذا ظاهر الوضع سنداً ومتناً وتسلسلاً، ومن دون عبيد الله لم أهتد
لهم، فالبلاء من أحدهم، وهذا مخالف لمتن الرواية الأشهر عن الأعمش بهذا
الإسناد في مدينة العلم، وحسبنا أن السيوطي -على تساهله الشديد- حكم عليه
بالوضع.
كما أن الحديث ضعفه السخاوي في المقاصد (189)، ونقل عبد الباقي اللكنوي في
المناهل السلسلة (ص179) عن السخاوي في مسلسلاته ما يُفيد حكمه على الحديث
بالوضع، ولم أجد الحكم في موضعه من مصورتي لكتابه.
•
الحاصل أنه لا يصح عن الأعمش من أي وجه، وهو منكر عنه باتفاق أئمة الحفاظ
بما فيهم ابن معين، إذ لم يحدّث عنه أحدٌ من حفاظ أصحابه، وهم كثر، أما رواية أبومعاوية دونهم
عن الأعمش فلا تصح كما تقدم، ولو صحَّت لم تُقبل، لأن تفرد أبي معاوية
بأصل لا يُقبل من طبقته على الصحيح، كيف وهو أصلٌ منكر سندا ومتنا؟ وأنكره
عنه تلميذاه أحمد وابن معين -في بعض النقول عنه-؟
ثم إن من رُوي عنه إثباته لأبي معاوية -وهو ابن معين- قد قال: أخبرني ابن
نمير، قال: حدّث به أبومعاوية قديما ثم كفّ عنه. كما في معرفة الرجال لابن
محرز (1/79).
قال المعلمي في حاشية الفوائد المجموعة (352): فلولا أنه عَلِم وهنه لما كفَّ عنه.
على أنا قدمنا مناقشة النقول المختلفة عن ابن معين، ورجحنا أن رأيه الأخير
موافق تماماً لبقية الحفاظ، وقد حكم أبوزرعة ومطين وابن عدي وغيرهم أنه لم
يروه ثقة عن أبي معاوية، وهو ما تأكد بالتخريج، ولو كان ثابتا عن أبي
معاوية وأنه حدَّث به قديما لوجدنا ولو راويا واحدا ثقة رواه عنه، وهذا ما
لم يوجد!
ثم إنه لو ثبت إلى الأعمش فإنه مدلس، وقد عنعن في جميع الطرق التي وقفت
عليها، وروايته عن مجاهد بالذات فيها كلام كثير، وقال ابن معين -الذي يحتج
ببعض قوله من يمشّي الحديث-: إن كل ما يرويه عنه لم يسمعه منه، وإنما هي
مرسلة مدلَّسة.
انظر تهذيب التهذيب (4/197)، وحاشية المعلمي على الفوائد المجموعة (ص351)، وجزء تخريج حديث أنا مدينة العلم للكواري (ص9).
كما أن تفرد الكوفيين الشيعة بالحديث -وهو يؤيد غلوهم وبدعتهم، وعُرفوا
بالوضع وسرقة الأحاديث لأجلها- علة بحد ذاتها، زاد عليها أن تفرد هؤلاء
الكوفيين جاء عن غير أهل بلدهم، فابن عباس مكي، ومجاهد مكي، ثم لم يوجد
الحديث في مكة ولا الحجاز مع كثرة الآخذين عن ابن عباس ومجاهد، وتفرد بنقله
مَنْ في روايته عن مجاهد كلام كثير من الغرباء، فهذه أيضا علة قوية تطعن
في الحديث.
ثم إن جماعة آخرين نصُّوا أنه لا يصح هذا الحديث من جميع طرقه ووجوهه، ويأتي ذكرهم إن شاء الله.
وروي من وجهين تالفين آخرين إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس:الأول: ما رواه أبوعبدالغني الحسن بن علي، عن عبدالوهاب بن همام، حدثني
أبي، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "أنا مدينة الجنة، وعلي بابها، فمن أراد الجنة فليأتها من بابها".
رواه ابن المغازلي (127) والطوسي الرافضي في أماليه (1193) كلاهما من طريقه.
وأبوعبدالغني كذاب وضاع، وقال ابن عدي: له أحاديث لا يُتابع عليها في فضل علي.
وعبدالوهاب شيعي، وفيه كلام على صدقه.
وأما همام بن نافع فوثقه ابن معين، ولكن لم يذكروا من الرواة عنه إلا ولده
عبد الرزاق، ونص الذهبي أنه ما علم عنه راوياً سواه، كما لم يذكر أحد ممن
ترجم لعبدالوهاب روايته عن أبيه، ولا رأيت ذلك بالبحث، كما لم أر أحداً ذكر
نافعاً برواية قط، فالظاهر أن السند من اختلاقات وتركيبات أبي عبد الغني،
والله أعلم.
أما المتن فإنه مخالف للأشهر في الرواية.
الوجه الثاني: ما رواه ابن شاذان في مائة منقبة (18) من طريق سعد بن طريف، حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعا مطولا.
وهذا موضوع متأخرا، وابن شاذان وضاع، وابن طريف رافضي رمي بالوضع، وقد رُوي أصل الحديث عنه، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي، وسيأتي.
على أن في النفس من صحة أي كتاب ينفرد الرافضة بوجوده وإخراجه مما فيه
أسانيد، لأنه جُرِّب عليهم وضع كتب كاملة بأسانيدها؛ ونسبتها إلى قدماء
مصنفي ورواة الرافضة والمنسوبين للتشيع، ومن أمثلة ذلك كتاب شواهد التنزيل
المنسوب للحاكم الحسكاني، فهو موضوع جملة وتفصيلا، والحسكاني بريء منه ومن
أسانيده المركبة.
وكتاب مائة منقبة هذا تفرد بطرق كثيرة مركبة لا يرويها سواه، فلا يبعد أن يكون من جنس ما سبق، والله أعلم.
ولهذا فإني وقفت على طرق منسوبة للحديث تفردت بها كتب الرافضة -مثل كتب
المسمى عندهم الصدوق، والمفيد، وتفسير فرات، وعيون أخبار الرضا، وبشارة
المصطفى للطبرسي، ووسائل الشيعة للعاملي، والمناقب لمحمد بن سليمان، ولابن
حمزة الطوسي، وشواهد التنزيل، وغيرها- فأعرضتُ عنها رأساً تأسيًّا بالحفاظ،
فكلها موضوعات، ولا أصل لها مطلقاً، والرافضة أكذب الخلق قديماً وحديثاً.
حتى أحمد الغماري -مصحح الحديث لتشيعه!- يقول في كتابه الجواب المفيد (52):
أنا لا أثق في علم الشيعة الإمامية الروافض، لأنهم كذبة.. إلى أن قال: إلا
أنهم لكذبهم وكذب مصادرهم وخبث مذهبهم لا أعتمد عليهم.
وأما حديث علي بن أبي طالب، فله طرق:
الطريق الأولى: حديث سلمة بن كهيل، وفيه اختلاف:
فرواه الترمذي (3723) وابن جرير في تهذيب الآثار (104 مسند علي) عن إسماعيل
بن موسى الفزاري، عن محمد بن عمر الرومي، عن شريك، عن سلمة بن كهيل، عن
سويد بن غفلة، عن الصنابحي، عن علي مرفوعا بلفظ: "أنا دار الحكمة وعلي
بابها".
ورواه ابن عساكر (42/378) وابن حمويه الجويني في فرائد السمطين (كما في
نفحات الأزهار 10/333) من طريق عبيد الله بن محمد الكوفي، نا إسماعيل بن
موسى، به، إلا أنه لم يذكر سويد بن غفلة.
وتوبع على هذا الوجه، فرواه القطيعي في جزء الألف دينار (216) وفي زوائد
فضائل الصحابة (2/634 رقم 1081) وابن حبان في المجروحين (2/94 معلقا) وابن
بطة في الإبانة –ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (1/349)- وأبونعيم في
المعرفة (1/88 رقم 347 الوطن) وأبوطاهر السلفي في المشيخة البغدادية (25/أ)
من طريق أبي مسلم إبراهيم بن عبدالله الكشي.
ورواه الآجري في الشريعة (1550) من طريق بحير بن الفضل العنزي، كلاهما عن
ابن الرومي، عن شريك، عن سلمة، عن الصنابحي، عن علي مرفوعا بلفظ "مدينة
العلم"، ليس فيه سويد بن غفلة.
ورواه ابن المغازلي في المناقب (129) وابن عساكر (42/378) والذهبي في
الميزان (2/251) من طريق سويد بن سعيد، عن شريك، عن سلمة، عن الصنابحي، عن
علي، مرفوعا، ليس فيه سويد بن غفلة.
ورواه أبونعيم في الحلية (1/64) -ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات
(1/349) ومحمد الكنجي في كفاية الطالب (118)- وابن الجزري في مناقب الأسد
الغالب (29) من طريق الحسن بن سفيان، عن عبدالحميد بن بحر، عن شريك، عن
سلمة بن كهيل، عن الصنابحي، عن علي.
ورواه الآجري (1549) وابن بطة في الإبانة (كما في تلخيص الموضوعات 256)
–ومن طريقه ابن الجوزي (1/350)- عن ابن ناجية، ثنا شجاع بن شجاع أبومنصور،
عن عبدالحميد، عن شريك، عن سلمة، عن أبي عبدالرحمن، عن علي.
ورُوي عن شريك عن سلمة، عن رجل، عن الصنابحي. ذكره الدارقطني في العلل (3/247).
وروى بعضهم هذا الحديث عن شريك، ولم يذكروا فيه الصنابحي. قاله الترمذي (3723).
ورواه يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن سويد بن غفلة، عن الصنابحي، ولم يسنده. ذكره الدارقطني في العلل (3/247).
قلت: هذا بيان ما وقفت عليه من اختلاف على سلمة، ولا يثبت عنه ولا عن شريك، فالأسانيد إليهما كلها واهية:
فمحمد بن عمر الرومي ضعيف، وأنكر عليه هذا الحديث: البخاري، والترمذي في
العلل الكبير (2/942) والسنن، وأبوحاتم الرازي في الجرح والتعديل (8/22)،
وابن حبان في المجروحين (2/94).
وسويد بن سعيد صدوق في الأصل، إلا أنه عمي فصار يتلقن، وكان مدلسا، فلعله تلقنه من شيعي، أو دلّس الرومي أو ابن بحر.
وعبدالحميد بن بحر هذا ضعيف جدا، ولا سيما عن شريك، كما أنه يسرق الحديث.
ويحيى بن سلمة شيعي متروك.
قلت: ولو ثبت السند إلى شريك فهو ضعيف مدلس، وسلمة لم يسمع من الصنابحي، فالحديث بهذا الإسناد موضوع.
قال الترمذي في العلل الكبير (699): سألتُ محمدا [يعني البخاري] عنه فلم يعرفه، وأنكر هذا الحديث.
وقال الترمذي (انظر السنن 3723 والعلل الكبير 699): هذا حديث غريب منكر.. ولا نعرف هذا الحديث عن أحد من الثقات [عن] شريك.
وقال ابن حبان في المجروحين (2/94): هذا خبر لا أصل له عن النبي صلى الله
عليه وسلم، ولا شريك حدَّث به، ولا سلمة بن كهيل رواه، ولا الصنابحي أسنده،
ولعل هذا الشيخ بلغه حديث أبي الصلت عن أبي معاوية، فحفظه، ثم أقلبه على
شريك، وحدث بهذا الإسناد.
وقال الدارقطني في العلل (3/248) بعد ذكر شيء من الاختلاف: والحديث مضطرب غير ثابت، وسلمة لم يسمع من الصنابحي.
وذكره ابن الجوزي في الموضوعات كما تقدم.
وحكم عليه الذهبي في الميزان (3/668) بالوضع.
الطريق الثانية: علي بن موسى الرضا، عن آبائه، عن علي مرفوعا:
رواه ابن النجار في تاريخه (ساق سنده في اللآلئ 1/335 وفي نفحات الأزهار
10/157 عن مخطوط الذيل) من طريق علي بن الحسن بن بندار بن المثنى، نا علي
بن محمد بن مهرويه، نا داود بن سليمان الغازي، عن الرضا.
وداود كذاب، ويروي نسخة موضوعة عن الرضا، وابن بندار واه.
وقد أولع الشيعة بوضع نسخ كثيرة على علي بن موسى الرضا وغيره من أهل البيت عن آبائهم، وقال الذهبي في الميزان (1/120):
ما علمتُ للرضا شيئا يصح عنه. وأقره ابن حجر في اللسان (1/222).
وانظر دفاع الذهبي عن الرضا في الميزان (3/158) بأن العلة في الرواة عنه، وكذلك أفاد ابن حجر في التقريب (4804).
• ورواه ابن المغازلي (126) والطوسي الرافضي في أماليه (1194) من طريق أبي
المفضل محمد بن عبدالله بن المطلب، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى سنة 310، ثنا
محمد بن عبدالله بن عمر بن مسلم اللاحقي سنة 244، ثنا علي الرضا به.
وابن المطلب هذا كذاب، وأحمد بن محمد بن عيسى أراه القُمِّي الرافضي
المترجم في اللسان (1/260)، فهو من تلك الطبقة، وذكر الرافضة من شيوخه من
يسمى محمد بن عبد الله.
وأما اللاحقي فذكره الخطيب ولم يورد فيه جرحا ولا تعديلا، وله ذكر في كتب الرافضة.
كما عزاه ابن الجوزي (1/350) لابن مردويه من حديث الحسين بن علي عن أبيه،
وقال: إن في سنده مجاهيل، ولم يتعقبه السيوطي في اللآلئ، ولم أجده في مسند
علي لأوزبك (2/583-601) على استيعابه، ولا ذكره الذهبي في تلخيص الموضوعات،
مما يدل على شدة غرابته، ولا أستبعد أن يكون عين الطريق السابقة التي
أخرجها ابن المغازلي من طريق علي الرضا عن آبائه، فتلك فيها من يُجهل،
وفيها كذاب أيضا.
وللتنبيه فقد تصحف الحسين بن علي في طبعة عبد الرحمن محمد عثمان للموضوعات
(1/350) إلى الحسن، ووقع على الصواب في طبعة بوياجيلار المحققة على عدة نسخ
(2/112).
• وبقيت طريق رواها الطوسي الرافضي في أماليه (964) من طريق أحمد بن حماد،
عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه مرفوعا، بلفظ: "أنا مدينة الحكمة، وهي
الجنة، وأنت يا علي بابها، فكيف يهتدي المهتدي إلى الجنة، ولا يُهتدى إليها
إلا من بابها"؟
وهذا السند موضوع أيضا، فالجعفي وابن شمر واهيان، وأحمد بن حماد ضعيف، فضلا
أن الطوسي راويه تركه الحفاظ وأعرضوا عنه، والمتن سخيف ظاهر البطلان.
الطريق الثالثة: إسحاق بن محمد بن مروان، ثنا
أبي، ثنا عامر بن كثير السراج، عن أبي خالد، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن
نباتة، عن علي مرفوعا بلفظ: "أنا مدينة الجنة، وأنت بابها يا علي، كذب من
زعم أنه يدخلها من غير بابها".
رواه أبوالحسن علي بن عمر الحربي في أماليه (اللآلئ 1/335) –ومن طريقه ابن
عساكر (42/378) والطوسي الرافضي في أماليه (622) - عن إسحاق به.
وهذا موضوع: سعد بن طريف والأصبغ متروكان، ورُميا بالوضع، ومحمد بن مروان
شيعي متروك، وابنه لا يحتج به، ومن في السند سواهم لم أعرفهما، وسبق إلى
ذلك المعلمي في حاشية الفوائد المجموعة (ص352).
وأفاد ابن عساكر أن هذا اللفظ غير محفوظ.
الطريقان الرابعة والخامسة: عباد بن يعقوب الرواجني، عن يحيى بن بشار الكندي، عن إسماعيل بن إبراهيم الهمداني، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي.
وعن عاصم بن [ضمرة]، عن علي مرفوعا، بلفظ: "شجرة أنا أصلها، وعلي فرعها،
والحسن والحسين ثمرها، والشيعة ورقها، فهل يخرج من الطيب إلا الطيب؟ وأنا
مدينة العلم وعلي بابها، فمن أرادها فليأت الباب".
رواه الخطيب في تلخيص المتشابه (1/308) ومن طريقه ابن عساكر (42/383)
والكنجي في كفاية الطالب (الباب 58 كما في نفحات الأزهار 10/164).
وصدّره الخطيب بتضعيفه قائلا: يحيى بن بشار الكندي الكوفي، حدث عن إسماعيل بن إبراهيم الهمداني، وجميعا مجهولان.
وقال الذهبي في الميزان (4/366): يحيى بن بشار الكندي شيخ لعباد بن يعقوب الرواجني، لا يُعرف، عن مثله، وأتى بخبر باطل.
قلت: وهو كما قال، والرواجني رافضي، والسند كوفي، فمن الظاهر أن الشيعة وضعوه بجهل، وذِكْرُهم في المتن دليل ذلك.
على أن في سنده عللا أخرى، وهي رواية عاصم عن علي، ورواية أبي إسحاق عن
الحارث، وفيهما كلام، ثم الحارث الأعور متروك، لكن السند لم يثبت إليهم
أصلا.
الطريق السادسة: محمد بن مصفى، ثنا حفص بن عمر العدني، ثنا علي بن عمر، عن أبيه، عن جرير، عن علي:
رواه ابن المغازلي (122)، وحفص هذا ضعيف، وقال عنه ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ.
وعلي بن عمر وجرير الضبي مجهولان، ومحمد بن مصفى وإن صرح بالتحديث عن شيخه
إلا أنه يدلس تدليس التسوية، ولم يصرح بالتحديث في جميع الإسناد، فالإسناد
ضعيف جدا.
الطريق السابعة: الحسن بن محمد، عن جرير، عن محمد بن قيس، عن الشعبي، عن علي:
ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (1/350) وعزاه لابن مردويه، وقال إن في سنده
محمد بن قيس، وهو مجهول، ولم يتعقبه السيوطي في اللآلئ، ولم يذكر أوزبك
مصدرا آخر في مسند علي (3/1272).
وهذا سند مظلم، فالحسن وجرير لم أتبينهما، والشعبي لم يسمع من علي إلا حديثا واحدا، وليس هذا. (انظر رسالة الكواري ص43-44).
وأعله الذهبي في تلخيص الموضوعات (256) بقوله: رُوي بإسناد فرد عن جرير.. الخ.
قلت: ولا شك في بطلان هذه الطريق، وكذا الطريق التي سلفت لابن مردويه ضمن
الطريق الثانية، والظن أن في سندهما عللا أخرى، وكفى دليلا على وضعهما
تفرُّدُ ابن مردويه بهما في القرن الخامس.
فالحاصل أن جميع طرقه عن علي إما موضوعات من رواية الكذابين، أو واهيات جدا من رواية المجاهيل، مع علل أخرى.
وأما حديث جابر بن عبدالله:فله عنه في كتب السنة طريقان:
الطريق الأولى:رواها ابن حبان في المجروحين (1/152-153) وابن عدي (1/192) وأبوبكر ابن
المقرئ في المعجم (188) والحاكم (3/127 و129 مفرقا) والخطيب (2/377 و4/218)
وابن المغازلي (120 و125) وابن عساكر (42/226 و382) وابن الجوزي في
الموضوعات (1/353) والكنجي في كفاية الطالب (58) والطوسي الرافضي في أماليه
(1055) من طريق أحمد بن عبد الله الحراني، عن عبد الرزاق، ثنا سفيان
الثوري، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبدالرحمن بن بَهْمان التيمي،
سمعت جابر بن عبد الله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية
وهو آخذ بيد عليّ: "هذا أمير البررة، قاتل الفجرة، منصورٌ من نصره، مخذولٌ
من خذله"، ثم مد بها صوته: "أنا مدينة العلم، وعلي بابها، فمن أراد العلم
فليأت الباب".
قال ابن الجوزي: وقد رواه أحمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى المصري عن عبد
الرزاق مثله بسواء، إلا أنه قال: "فمن أراد الحكم فليأت الباب".
قلت: هذا موضوع، أحمد الحراني ومتابعُه ابن حرملة كلاهما كذاب يضع الحديث، وبذلك أعله ابن الجوزي.
قال ابن حبان بعد أن ذكر أن الحراني يروي الأوابد والطامات عن عبدالرزاق؛ وساق له الحديث: هذا شيء مقلوب إسناده ومتنه معا.
وقال ابن عدي: حديث منكر موضوع، لا أعلم رواه عن عبد الرزاق إلا أحمد بن عبد الله المؤدب هذا.
وأقره ابن عساكر (42/383) وابن كثير (7/359) في تاريخيهما.
وقال الخطيب في الموضع الثاني: لم يروه عن عبد الرزاق إلا أحمد بن عبد الله هذا، وهو أنكر ما حُفظ عليه.
قلت: ولكن ذكر له ابن الجوزي متابعا كما تقدم، وهو أحمد بن طاهر بن حرملة،
فالظاهر أنه سرقه من الحراني، وكلاهما كذاب! ونقل الخطيب عن أبي الفتح
الأزدي أن المتفرد به عبد الرزاق.
وقال الحاكم في الموضع الأول: إسناده صحيح! فتعقبه الذهبي قائلا: العجب من
الحاكم في جرأته في تصحيحه هذا وأمثاله من البواطيل، وأحمد هذا دجال كذاب.
وقال الحاكم في الموضع الثاني: صحيح! فتعقبه الذهبي بقوله: بل والله موضوع، وأحمد كذاب، فما أجهلك على سعة معرفتك!
وقال الذهبي في تلخيص الموضوعات (256): أحمد بن عبد الله المكتب متهم.
وحديث جابر عزاه السيوطي في تاريخ الخلفاء (170) للبزار والطبراني في
الأوسط من حديث جابر، ولم أجده فيهما، ولا في مجمع الزوائد، ولا في الأماكن
الأخرى التي خرج السيوطي فيها الحديث، كاللآلئ والتعقبات، ولا ذكره أحد
ممن خرج الحديث، فأظن هذا العزو وهماً.
الطريق الثانية:أخرجها أبوالحسن بن شاذان الفضلي في خصائص علي (كما في اللآلئ 1/335)
والدارقطني في المؤتلف والمختلف (2/624-625) -ومن طريقه الخطيب في تلخيص
المتشابه (1/161-162) وابن عساكر (42/382)- عن أبي بكر محمد بن إبراهيم
الأنماطي، حدثنا الحسين بن عبد الله (وعند بعضهم عبيد الله) التميمي، حدثنا
حُبَيب بن النعمان -ضمن قصة، في آخرها- حدثنا جعفر بن محمد، حدثني أبي، عن
جدي، عن جابر بن عبد الله مرفوعا، بلفظ: "أنا مدينة الحكمة، وعلي بابها،
فمن أراد المدينة فليأت إلى بابها".
وهذا موضوع، وإسناده مظلم كما قال ابن كثير في البداية والنهاية (11/96)،
وحبيب بن النعمان قال الأزدي: له مناكير. وقال الخطيب: إنه أعرابي ليس
بالمعروف. وقال المعلمي في حاشيته على الفوائد المجموعة (ص353): شيعي
مجهول.
والحسين بن عبيد الله التميمي مجهول بالنقل كما قال العقيلي والخطيب والذهبي، فالظاهر أنه علته، وقال المعلمي: مجهول واه.
وأما الأنماطي فوثقه يوسف القواس، كما في تاريخ الإسلام (وفيات 318 ص567).
وثمة
طريق أخرى تُروى عن عبيد بن أبي الجعد عن
جابر، تفرد بها متأخروا الرافضة، ومضى الكلام على مفاريدهم، على أن سندها
المذكور باطل أيضا، انظر رسالة الكواري (48).
حديث أنس:الطريق الأولى: قال محمد بن جعفر الشاشي: نا
أبوصالح أحمد بن مزيد، نا منصور بن سليمان اليمامي، نا إبراهيم بن سابق، نا
عاصم بن علي، حدثني، أبي، عن حميد الطويل، عنه مرفوعا بلفظ: "أنا مدينة
العلم، وعلي بابها، وحلقتها معاوية"!
قال الألباني في الضعيفة (6/528 رقم 2955): "أخرجه محمد بن حمزة الفقيه في
أحاديثه (214/2). قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم، مَن دون عاصم بن علي لم أعرف
أحدا منهم، ووالد عاصم -وهو علي بن عاصم بن صهيب الواسطي- ضعيف، قال
الحافظ: صدوق، يخطئ ويصر، ولستُ أشك أن بعض الكذابين سرق الحديث من أبي
الصلت وركّب عليه هذه الزيادة انتصارا لمعاوية رضي الله عنه بالباطل، وهو
غني عن ذلك".
قلت: والأمر كما قال، وحديث أنس رواه الديلمي (1/44) أيضا بهذا اللفظ،
وضعفه السخاوي في المقاصد الحسنة (189) وفي الأجوبة المرضية (2/880).
الطريق الثانية: قال عمر بن محمد بن الحسين
الكرخي: نا الحسين بن محمد بن يعقوب البردعي، نا أحمد بن محمد بن سليمان
قاضي القضاة بنوقان، حدثني أبي، نا الحسن بن تميم بن تمام، عنه مرفوعا
بلفظ: "أنا مدينة العلم، وأبوبكر وعمر وعثمان سورها، وعلي بابها"!
رواه ابن عساكر (45/321) وقال: منكر جدا إسنادا ومتنا.
وقال الألباني في الضعيفة (6/526): بل باطل ظاهر البطلان، من وضع بعض جهلة المتعصبين ممن ينتمون للسنة.
قلت: وهو كما قالا، ولم أهتد لرجاله.
حديث أبي سعيد الخدري:قال ابن شاذان في مائة منقبة (94): حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن
بهلول الموالي رحمه الله، حدثني محمد بن الحسين، حدثني عيسى بن مهران،
حدثني عبيد الله بن موسى، حدثني خالد بن طهمان الخفاف، سمعت سعد بن جنادة
العوفي يذكر أنه سمع زيد بن أرقم يقول: إنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: إنه
سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول: "علي بن أبي طالب سيد العرب". فقيل:
أليس أنت سيد العرب؟ قال: "أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب، من أحبه
وتولاه أحبه الله وهداه، ومن أبغضه وعاداه أصمه الله وأعماه، علي حقه كحقي،
وطاعته كطاعتي، غير أنه لا نبي بعدي، من فارقه فارقني، ومن فارقني فارق
الله، أنا مدينة الحكمة وهي الجنة، وعلي بابها، فكيف يهتدي المهتدي إلا
الجنة إلا من بابها؟ علي خير البشر، من أبى فقد كفر".
وهذا موضوع بيّن الكذب والتركيب، وفيه ثلاثة كذابين، وهم: ابن شاذان
المؤلف، وابن البهلول، وشرهم عيسى بن مهران، فهو من جبال الرفض والكذب.
فضلا أن خالد بن طهمان اختلط.
وسبقت رواية أخرى مكذوبة عن عبيد الله بن موسى بمتن مغاير من حديث ابن عباس.
حديث ابن مسعود:قال ابن عساكر (9/20) في ترجمة إسماعيل بن علي بن المثنى الاستراباذي
الواعظ: أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي الخطيب، حدثني أبو الفرج الإسفرايني
بلفظه غير مرة، قال كان ابن المثنى يعظ بدمشق، فقام إليه رجل، فقال: أيها
الشيخ! ما تقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا مدينة العلم وعلي
بابها"؟ فقال: فأطرق لحظة، ثم رفع رأسه، وقال: نعم! لا يعرف هذا الحديث على
التمام إلا من كان صدرا في الإسلام، إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"أنا مدينة العلم، وأبوبكر أساسها، وعمر حيطانها، وعثمان سقفها، وعلي
بابها".
قال: فاستحسن الحاضرون ذلك وهو يردده، ثم سألوه أن يخرج لهم إسناده، فأنعم، ولم يخرجه لهم!
ثم قال شيخي أبو الفرج الإسفرايني: ثم وجدت هذا الحديث بعد مدة في جزء على ما ذكره ابن المثنى، فالله أعلم. أو كما قال.
قلت: إسماعيل هذا كذبه غير واحد؛ كما في اللسان (1/422).
وهذا الحديث أورده الديلمي في الفردوس (1/43-44)، ونص السخاوي في المقاصد
الحسنة (189) أن الديلمي وابنه أورداه عن ابن مسعود دون إسناد.
حديث عدة من الصحابة:رواه الطوسي في أماليه (1172) من طريق موضوعة على شريك، عن أبي إسحاق، عمرو
بن ميمون الأودي، عن عدة من الصحابة -منهم حذيفة وكعب بن عجرة- مرفوعا،
ضمن متن طويل مركب في الفضائل، وهو بيّن البطلان.
وفي سنده أبو المفضل محمد بن عبد الله، وهو كذاب.
وأنبّه مجدداً أن كتب الرافضة لا يوثق بأصولها فضلا عن مروياتها، وإنما
ذكرت هذه الطريق تنبيهاً، وإلا فليس من صنيع أهل الحديث الاعتماد على كتب
القوم.
•
وبذلك يتبيّن أن الحديث موضوع مكذوب، ولا تزيده كثرة طرقه إلا وهناً، هذا من جهة السند.
أما من جهة المتن فقد أبدع في الكلام عليه شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله، وبيّن بطلانه من وجوه، فقال في منهاج السنة (7/515-517): "حديث
(أنا مدينة العلم وعلي بابها) أضعف وأوهى، ولهذا إنما يُعد في الموضوعات،
وإن رواه الترمذي، وذكره ابن الجوزي، وبيّن أن سائر طرقه موضوعة، والكذب
يُعرف من نفس متنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مدينة العلم؛ ولم
يكن لها إلا باب واحد؛ ولم يبلّغ عنه العلم إلا واحد: فسد أمر الإسلام،
ولهذا اتفق المسلمون على أنه لا يجوز أن يكون المبلّغ عنه العلم واحدا، بل
يجب أن يكون المبلغون أهل التواتر الذين يحصل العلم بخبرهم للغائب، وخبر
الواحد لا يفيد العلم إلا بقرائن، وتلك قد تكون منتفية أو خفية عن أكثر
الناس، فلا يحصل لهم العلم بالقرآن والسنن المتواترة، وإذا قالوا: ذلك
الواحد المعصوم يحصل العلم بخَبَره؛ قيل لهم: فلا بد من العلم بعصمته أولا،
وعصمتُه لا تثبت بمجرد خبره قبل أن يعلم عصمته، فإنه دور، ولا تثبت
بالإجماع، فإنه لا إجماع فيها، وعند الإمامية إنما يكون الإجماع حجة لأن
فيهم الإمام المعصوم، فيعود الأمر إلى إثبات عصمته بمجرد دعواه، فعُلم أن
عصمته لو كانت حقا لا بد أن تعلم بطريق آخر غير خبره، فلو لم يكن لمدينة
العلم باب إلا هو لم يثبت لا عصمته ولا غير ذلك من أمور الدين، فعُلم أن
هذا الحديث إنما افتراه زنديق جاهل ظنه مدحاً، وهو مطرق الزنادقة إلى القدح
في دين الإسلام إذ لم يبلغه إلا واحد.
ثم إن هذا خلاف المعلوم بالتواتر، فإن جميع مدائن الإسلام بلغهم العلم عن
الرسول من غير علي، أما أهل المدينة ومكة فالأمر فيهما ظاهر، وكذلك الشام
والبصرة، فإن هؤلاء لم يكونوا يروون عن علي إلا شيئا قليلا، وإنما كان غالب
علمه في الكوفة، ومع هذا فأهل الكوفة كانوا يعلمون القران والسنة قبل أن
يتولى عثمان، فضلا عن علي، وفقهاء أهل المدينة تعلموا الدين في خلافة عمر،
وتعليم معاذ لأهل اليمن ومقامه فيهم أكثر من علي، ولهذا روى أهل اليمن عن
معاذ بن جبل أكثر مما رووا عن علي، وشريح وغيره من أكابر التابعين إنما
تفقهوا على معاذ بن جبل، ولما قدم علي الكوفة كان شريح فيها قاضيا وهو
وعَبيدة السلماني تفقها على غيره، فانتشر علم الإسلام في المدائن قبل أن
يقدم علي الكوفة".. الخ.
ثم أسهب في بيان نشر الصحابة للعلم إلى (ص522)، فرحمه الله رحمة واسعة على ما قدَّم للسنّة وأهلها.
وقال العلامة المعلمي في حاشيته على الفوائد المجموعة (ص353): كل من تأمل
منطوق الخبر ثم عرضه على الواقع عرف حقيقة الحال، والله المستعان.
وقال الإمام الألباني في الضعيفة (6/529): في متنه ما يدل على وضعه.. واستشهد بكلام شيخ الإسلام الآنف.
أقوال طائفة من العلماء في الحديث:
أولا: من ضعفه.ذُكر عن
يحيى بن سعيد أنه قال: ليس لهذا الحديث
أصل. (نقله الزركشي في الأحاديث المشتهرة 151 عن مسند الفردوس، ونقله من
بعد الزركشي عنه، كالسيوطي في الدرر المنتثرة 38 والعجلوني في كشف الخفاء).
قلت: يحيى من حفاظ أصحاب الأعمش، ولكن أخشى أن "سعيد" تصحيف من "معين"،
فالعبارة عبارته، ولأن يحيى بن سعيد القطان توفي سنة 198، وهو شيخ أحمد
وابن معين، ولو عرف الحديث لعلماه منه، ولما قالا: لم نسمع به قط، ولو تكلم
به القطان لكان عمدة النقل في الحديث من قديم، ولجاء به مثل ابن عدي
والخطيب وابن عساكر، ولا أظن الحديث وُضع إلا بعد وفاته، وذلك في الربع
الأول من القرن الثالث، والله أعلم.
وقد
قال ابن معين: هذا حديث كذب لا أصل له. وتقدم سياق الروايات عنه في الحديث.
وأقره
الإمام أحمد، وقال: ما سمعنا به. وقد تقدم أيضاً.
وقال
الترمذي في كتاب العلل (كما في التذكرة في الأحاديث المشتهرة 151 والمقاصد الحسنة): سألت محمدا
[يعني البخاري] عن هذا الحديث فأنكره، وقال: هذا حديث منكر، وليس له وجه صحيح.
ولفظه في مطبوعة العلل الكبير (699): سألتُ محمداً عنه فلم يعرفه، وأنكر هذا الحديث.
وقال
الترمذي في الجامع (3723): هذا حديث غريب منكر.
وقال
أبوزرعة الرازي في الضعفاء (1/519-520): حديث ابن معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس: "أنا مدينة الحكمة وعلي بابها" كم من خلق قد افتضحوا فيه!
وقال
أبوحاتم الرازي في الجرح (8/22) عن حديث علي إنه منكر.
أما ما نقل السيوطي في الدرر المنتثرة (38) وتبعه العجلوني في كشف الخفاء
(1/235) من أن أبا حاتم قال: "لا أصل له" فلا أظنه الرازي، بل أراه أبا
حاتم بن حبان، فإن العبارة له.
وقال
أبوجعفر محمد بن عبد الله الحضرمي المعروف بمطين: لم يرو هذا الحديث عن أبي معاوية من الثقات أحد، رواه أبو الصلت فكذبوه. رواه الخطيب (7/172) ومن طريقه ابن عساكر (42/381).
وقال
العقيلي (3/149): لا يصح في هذا المتن حديث.
وقال ابن حبان في المجروحين (2/94): هذا خبر لا أصل له عن النبي صلى الله
عليه وسلم، ولا شريك حدّث به، ولا سلمة بن كهيل رواه، ولا الصنابحي أسنده،
ولعل هذا الشيخ بلغه حديث أبي الصلت عن أبي معاوية فحفظه ثم أقلبه على شريك
وحدّث بهذا الإسناد.
وقال أيضاً (2/151): هذا شيء لا أصل له، ليس من حديث ابن عباس، ولا مجاهد،
ولا الأعمش، ولا أبومعاوية حدّث به، وكل من حدث بهذا المتن فإنما سرقه من
أبي الصلت هذا؛ وإن أقلب إسناده.
ونقله
السمعاني محتجاً به في الأنساب (5/637 الثقافية).
وقال
ابن عدي (1/189): وهذا الحديث يعرف بأبي الصلت الهروي عن أبي معاوية، سرقه منه أحمد بن سلمة هذا، ومعه جماعة ضعفاء.
وقال أيضا (2/341): هذا حديث أبي الصلت الهروي عن أبي معاوية، على أنه قد
حدث به غيره، وسرق منه من الضعفاء، وليس أحد ممن رواه عن أبي معاوية خير
وأصدق من الحسن بن علي بن راشد، والذي ألزقه العدوي عليه.
وقال أيضا (3/412): وهذا يروى عن أبي معاوية عن الأعمش، وعن أبي معاوية
يعرف بأبي الصلت الهروي عنه، وقد سرقه عن أبي الصلت جماعة ضعفاء.
وقال أيضا (5/67): والحديث لأبي الصلت عن أبي معاوية، وبه يُعرف، وعندي أن هؤلاء كلهم سرقوا منه.
وقال أيضا (5/177): وهذا الحديث في الجملة معضل عن الأعمش، ويروي عن أبي
معاوية عن الأعمش، ويرويه عن أبي معاوية أبو الصلت الهروي، وقد سرقه من أبي
الصلت جماعة ضعفاء.
وقال
أبوالفتح الأزدي (كما في البداية والنهاية 11/96 دار هجر): لا يصح في هذا الباب شيء.
وقال
الدارقطني في تعليقاته على المجروحين (179):
قيل إن أبا الصلت وضعه على أبي معاوية، وسرقه منه جماعة فحدثوا به عن أبي
معاوية، منهم: عمر بن إسماعيل بن مجالد، ومحمد بن جعفر الفيدي، ورجل كذاب
من أهل الشام حدث به عن هشام عن أبي معاوية، وحدث به شيخ لأهل الري دجال
يقال له محمد بن يوسف بن يعقوب، حدث به عن شيخ له مجهول، عن أبي عبيد
القاسم بن سلام عن أبي معاوية.
وقال في العلل (3/248) عن حديث علي: الحديث مضطرب غير ثابت.
وصدّره
ابن عبدالبر في الاستيعاب (بهامش الإصابة 8/155 وفي الطبعة الحفيظية 3/38) بلفظة روي بصيغة التمريض.
وقال
ابن العربي المالكي في أحكام القرآن (3/1114): هذا حديث باطل.
وأقره
القرطبي في تفسيره (9/336).
وحكم
محمد بن طاهر المقدسي في معرفة التذكرة (308) بأنه كذب، وانظر ذخيرة الحفاظ له (1/500) والمغني عن حمل الأسفار (1/483).
وقال
ابن عساكر في تاريخه (42/380) بعد أن سرد
عدة طرق للحديث: كل هذه الروايات غير محفوظة، وهذا الحديث يُعرف بأبي الصلت
عبد السلام بن صالح الهروي.
وختم تخريجه للحديث بالنقل السابق عن العقيلي، وهو قوله: لا يصح في هذا المتن حديث.
وأورده
ابن الجوزي في الموضوعات (1/353 و355)، وقال: هذا حديث لا يصح من جميع الوجوه.. ثم ساق علل طرقه، وختم بقوله: والحديث لا أصل له.
وحكم عليه
السراج علي بن عمر القزويني بالوضع في أحاديث موضوعة مستخرجة من مشكاة المصابيح (انظر آخر المشكاة 3/1774 و1777).
وقال
النووي في تهذيب الأسماء واللغات (1/348):
وأما الحديث المروي عن الصنابحي عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "أنا دار الحكمة وعلي بابها"، وفي رواية: "أنا مدينة العلم وعلي
بابها" فحديث باطل.
وقال
ابن دقيق العيد في شرح الإلمام (كما
الأحاديث المنتشرة لزركشي 151 والمقاصد الحسنة 189): الحديث لم يُثبتوه،
وقيل إنه باطل، وقال الترمذي: حديث منكر.
وقال شيخ الإسلام
ابن تيمية في منهاج السنة
(7/515-522 ومجموع الفتاوى 4/410): إنما يُعد في الموضوعات. وطوّل في بيان
بطلانه من جهة المتن بما لم يُسبق إليه كما تقدم، وأقره الذهبي في المنتقى
من المنهاج.
وحكم عليه بالوضع في أحاديث القصاص (78)، وهو في الفتاوى الكبرى (2/232)
ومجموع الفتاوى (18/123 و377)، وفي الفتاوى العراقية (1/127).
وقال
الذهبي في تاريخ الإسلام (18/268): الحديث موضوع، ما رواه الأعمش.
وقال أيضا في تلخيص الموضوعات (256): هذا الحديث شُبِّه لبعض المحدّثين
السُّذَّج؛ فإنه موضوع، وله طرق كثيرة.. وجميع طرقه مطعون فيها.
وقال في تذكرة الحفاظ (4/1231-1232): هذا الحديث غير صحيح، وأبو الصلت هو عبد السلام متهم.
وقال في الميزان (1/415): هذا موضوع.
وقال
ابن كثير في جامع المسانيد والسنن (مسند ابن
عباس رقم 1940): عبد السلام بن صالح الهروي، وهو متروك. (وعنده تصحيف،
ولعل الصواب ما أثبت)، واعتمد ضعفه في تاريخه (11/96).
وقال
الهيثمي في مجمع الزوائد (9/114): فيه عبد السلام بن صالح الهروي، وهو ضعيف.
ولمحدّث الهند الشاه
عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي جواب عن الحديث، وأنه موضوع.
وحكم عليه العلامة
المعلّمي بالوضع، وأفاد في تخريجه بحاشية الفوائد المجموعة (349).
وقال سماحة الشيخ
ابن باز في التحفة الكريمة (19): إن جميع طرقه موضوعة بلا شك.
وقال الإمام
الألباني في الضعيفة (2955): موضوع. وأفاد في تخريجه.
وضعفه شيخنا
عبد القادر الأرناؤوط في تخريجه لجامع الأصول (8/657).
وللشيخ المعاصر
خليفة الكواري جزء مفرد في تخريج
الحديث، توسع فيه وبذل جهداً كبيراً في تتبع طرق الحديث، واستفدت منه، وقال
في خاتمة بحثه: فالحديث إذاً لا يصح إسناداً ولا متناً، وهو منكر جدًّا.
كما توسع في تخريجه شيخنا
سعد بن عبد الله الحميّد في تخريجه لمختصر استدراك الذهبي على الحاكم (3/1370-1413 و1426)، واستفدت منه كذلك، وقد خلص إلى الحكم على الحديث بالوضع.
قلت: وتقدمت بعض الأحكام الأخرى ضمن الكلام على الطرق.
من قوّى الحديث:رغم إطباق أئمة الحفاظ على الحكم عليه بالوضع إلا أن هناك من تساهل وقوّاه، ولا سيما من المتأخرين.
فقال
ابن جرير في تهذيب الآثار (مسند علي 104): هذا خبر صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيماً غير صحيح.
وصححه الحاكم كما تقدم.
أما
العلائي: فقد ردّ الحكم عليه بالكذب، وحكم
عليه بالحسن في النقد الصريح (18)، وتعقبه الزركشي في الأحاديث المشتهرة
(151). لكن العلائي قال في كتابه إجمال الإصابة (55): في إسناده ضعف.
وقال
ابن حجر العسقلاني في اللسان (2/123) متعقبا
حكم الذهبي بوضعه: وهذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم، أقل
أحوالها أن يكون للحديث أصل، فلا ينبغي أن يطلق القول عليه بالوضع.
قلت: كذا قال، وليس له في المستدرك إلا طريقان عن ابن عباس، وآخر عن جابر.
وقال أيضاً في الأجوبة عن أحاديث المصابيح (3/1788 و1791): هو ضعيف، ويجوز أن يحسّن.
وقال زكريا الأنصاري آخر شرح المنفرجة (136): إن شيخه ابن حجر أفتى بأن الحديث يحسن بمجموع طرقه.
وهذه الفتوى قال فيها: أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: إنه صحيح. وخالفه
ابن الجوزي فذكره في الموضوعات، وقال: إنه كذب. والصواب خلاف قولهما معاً،
وأن الحديث من قسم الحسن، لا يرتقي إلى الصحة، ولا ينحط إلى الكذب، وبيان
ذلك يستدعي طولا، ولكن هذا هو المعتمد في ذلك. (نقله السيوطي في الجامع
الكبير، كما في ترتيبه الكنز 13/148-149 رقم 36464 وفي اللآلئ المصنوعة
1/334، وفي التعقبات).
وقال
السيوطي بعد نقل كلام ابن حجر الأخير: وقد
كنتُ أجيب بهذا الجواب دهراً إلى أن وقفت على تصحيح ابن جرير لحديث علي في
تهذيب الآثار، مع تصحيح الحاكم لحديث ابن عباس، فاستخرت الله، وجزمت
بارتقاء الحديث من مرتبة الحسن إلى مرتبة الصحة، والله أعلم.
وقال في تاريخ الخلفاء (170): هذا حديث حسن على الصواب، لا صحيح كما قال
الحاكم، ولا موضوع كما قاله جماعة؛ منهم: ابن الجوزي، والنووي، وقد بينت
حاله في التعقبات على الموضوعات.
وقال
السخاوي في المقاصد (189): وبالجملة فكلها ضعيفة، وألفاظ أكثرها ركيكة، وأحسنها حديث ابن عباس، بل هو حسن!
وقال في الأجوبة المرضية (2/880) نحوه.
وذهب
الشوكاني في الفوائد المجموعة (ص349) إلى تحسينه لغيره نظراً لكثرة طرقه تبعاً لابن حجر، وكان له جزء مفرد قديم في الحديث، وقد طُبع.
ثم جاء من المعاصرين
أحمد الغماري وألّف رسالة
مفردة في تصحيح الحديث، سلك فيها كل مسلك من الهوى والتدليس والتخليط،
وأظهر فيه تشيعه الشديد، بل إنه أهدر وهاجم قواعد المحدّثين في التصحيح
والتضعيف وفي الجرح والتعديل لكي يتسنى له تقوية الحديث! ولهذا قال
الألباني في الضعيفة (6/530): الرد عليه يتطلب رسالة، والمرض والعمر أضيق
من ذلك.
وقد لخص الكلام على جزئه الآنف شيخنا سعد الحميد في مختصر استدراك الحاكم
على الذهبي (3/1407-1409)، كما تعرض له الكواري في مواضع من جزئه، وسبق لنا
ذكر بعض أخطائه.
والملاحظ عند جميع المتأخرين الذين قووا الحديث أنهم
اغتروا بكثرة طرقه، وقووه بمجموعها دون تحقيق علمي دقيق لصلاحيتها للاعتبار
من عدمه، أو أنهم قلدوا في الحكم.والتحقيق يؤيد قول من حكم بوضعه، وهو قول الجمهور، وعليه أئمة الحفاظ، والله أعلم.
• وللتنبيه والمعرفة فقد قام بعض الرافضة المتأخرين بتخريج الحديث وإفراده
بالبحث والتصنيف، فأكملوا جهود سلفهم الذين وضعوا الحديث وركبّوا له الطرق
والمتابعات، فقاموا بتصحيح الحديث على قاعدتهم في الهوى وتكذيب الصحيح
والمتواتر وتصحيح المكذوب، وأبحاثهم المشار إليها أقل من أن تُناقش على
قواعد المحدّثين، فهي مجرد تقميش وحشد للنقول بلا فهم ولا أمانة، وأكتفي
بمثال واحد يدل على مبلغ فهمهم وعقلهم، فقال علّامتهم الآية المرعشي
(ت1411) في شرح إحقاق الحق (33/117) معدداً المصادر التي خرَّجت إحدى طرق
الحديث: "رواه جماعة.. منهم العلامة علي بن محمد بن عراق الكناني المتوفى
سنة 963 في كتابه تنزيه الشريعة المرفوعة.. ومنهم الفاضل المعاصر صالح يوسف
معتوق في التذكرة المشفوعة في ترتيب أحاديث تنزيه الشريعة المرفوعة ص17"!!
ولا يخفى الباحث أن كتاب تنزيه الشريعة ليس من مصادر الرواية أصلاً، فضلا
أن التذكرة المشفوعة هو مجرد فهرس للأحاديث قام به أحد المعاصرين من سنوات
قريبة للكتاب السابق! فجعله الرافضي المذكور مصدراً للرواية والتخريج! ليس
لهذا الحديث فقط، بل جعله مصدراً للتخريج في مواضع كثيرة من كتابه! وفي
أماكن أخرى يقول: رواه بسيوني زغلول في موسوعة أطراف الحديث! ورواه الدكتور
المعاصر الشرقاوي في كتاب التصوف الإسلامي، وغير ذلك من المضحكات.
ولم يقف الأمر ههنا، فجاء بعده مجموعة من باحثي الرافضة ونقلوا عزوه
وتحقيقه حذو القذة بالقذة، كأصحاب الكتب والرسائل الكثيرة التي أُخرجت باسم
مركز المصطفى!
فصلٌ: ومن الأحاديث التي فيها شبه مع الحديث المذكور:
حديث عن ابن عباس:قال ابن عدي (4/101): حدثنا أحمد بن حمدون النيسابوري، حدثنا ابن بنت أبي
أسامة، هو جعفر بن هذيل، حدثنا ضرار بن صُرَد، حدثنا يحيى بن عيسى الرملي،
عن الأعمش، عن عباية، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "علي
عيبة علمي".
رواه ابن عساكر (42/385) وابن الجوزي في العلل المتناهية (355) من طريق ابن عدي.
وهذا موضوع مسلسل بالعلل:
فجعفر بن الهذيل لم أجد له ترجمة إلا في اللسان (2/132)، عن رجال الشيعة، فهو ضعيف عند ابن حجر.
وضرار بن صرد شيعي متروك، وكذبه ابن معين، وأورد ابن عدي الحديث في مناكيره، وتبعه الذهبي في الميزان (2/327).
ويحيى ضعيف.
والأعمش مدلس، وقد عنعنه.
وعباية رافضي محترق يروي الموضوعات، ترك الناس الرواية عنه، كما يستفاد من ترجمته في اللسان (3/237).
وابن حمدون وإن تُكلم فيه إلا أنه ثقة إن شاء الله. (انظر الكشف الحثيث 43 واللسان 1/165).
وأما الحديث فقال عنه ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح.
وقال الذهبي في تلخيص العلل المتناهية (174): فيه ضرار بن صرد -متروك- عن يحيى بن عيسى -واه.
وقال الألباني في الضعيفة (2165): موضوع.
وقد جاءت الرواية عن الأعمش عن عباية من وجه آخر، وهو الآتي:
حديث آخر عن ابن عباس:قال عبد الله بن داهر: حدثني أبي، عن الأعمش، عن عباية الأسدي، عن ابن
عباس، قال: ستكون فتنة، فمن أدركها منكم فعليه بخصلتين: كتاب الله وعلي بن
أبي طالب، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو آخذ بيدَي
عليّ: هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو فاروق هذه
الأمة؛ يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة،
وهو الصديق الأكبر، وهو بابي الذي أوتى منه، وهو خليفتي من بعدي.
رواه العقيلي (2/47) -ومن طريقه ابن عساكر (42/42-43)- وابن عدي (4/228)
-ومن طريقه ابن عساكر (42/42) وابن الجوزي في الموضوعات (1/345) والكنجي في
كفاية الطالب- وابن مردويه (ساق سندهما في نفحات الأزهار 10/394) كلهم من
طريق ابن داهر به.
قلت: وهذا موضوع بيّن الوضع، كما حكم ابن الجوزي وابن تيمية في منهاج السنة
(7/448)، فعبدالله بن داهر رافضي خبيث، وهو واه في الحديث، بل اتهمه ابن
عدي وابن الجوزي. وأبوه داهر قال عنه العقيلي: كان يغلو في الرفض، لا يتابع
على حديثه. وعباية تقدم الكلام عليه قريباً وأنه رافضي ضعيف جداً.
والحديث أنكره العقيلي، وابن عدي، وابن طاهر في ذخيرة الحفاظ (5/2579)،
وابن عساكر، والذهبي في الميزان (2/416-417) وفي تلخيص الموضوعات (249) وفي
المنتقى من المنهاج (482)، وابن حجر في اللسان (2/413 و3/272).
وقد خرجتُ الطريق الذي فيه ذكر الباب، وإلا فقد ور