باب نسيان القرآن، وهل يقول: نسيت آية كذا وكذا:
وقوله تعالى: {ونقرئك فلا تنسى} [الأعلى: 6].
فيه عائشة رضي الله عنها قالت: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقرأ في المسجد، فقال: «يرحمه الله، لقد أذكرني آية كذا وكذا أسقطتهن في سورة كذا».
فيه عبد الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما لأحدهم يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسّي».
قلت: رضي الله عنك! ترجم على نسيان القرآن، فأضاف النسيان إليه، وذكر الأحاديث التي ظاهرها التعارض. فقوله صلى الله عليه وسلم: «أسقطتهن من سورة كذا»، يدّل على الجواز لأن الإسقاط نسيان، وقد أضافه إلى نفسه على أنه الفاعل، وإلى القرآن على أنه المتعلق. وقوله: «ما لأحدهم يقول: نسيت آية كذا»،
إنكاراً لهذا الإطلاق، فأفهم أن محمل المنع غير محمل الإذن. فالذي منع أن
يوهم بإطلاقه أنه ترك شيئاً من كتاب الله، لأن(نسى) مشترك بين (سها) وبين
(ترك) قصداً. فما كان موهماً منع من إطلاقه. فأما قوله: «أذكرني آية أسقطتها»، فهو صريح في السهو بقرينة قوله: «لقد أذكرني» فزال الوهم فجاز الإطلاق. وظنّ الشارح أن النهى عن قوله: «نسيت»
من قبيل إلزام إضافة الأفعال إلى الله لأنه خالقها حقيقة، وإضافتها إلى
الغير مجاز. وهذا وهم منه، لأنه لو كان كذلك لا طرد في كل فعل، ولعارض
قوله: «أسقطتهن» ثم هو خلاف الإجماع في جواز
إضافة أفعال العباد إليهم مع العلم بأنه مخلوقة لله، فليس إلا ما قدّمته.
والله أعلم. ولهذا خلص الوهم بقوله: «هو نسى»لأن هذا لا يوهم الترك من نفسه عمداً، فتأمله